أولاً: ذكر بعض الأدلة التي فيها رد على من اثبت أن الأنبياء والأولياء يتصرفون في الكون: (إن في سيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصدع بالحق ويهتك رداء الشك في هذا الأمر:فلما اشتدت إذية المشركين للمسلمين بمكة واستفحل شرهم وتطاولهم حتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع صوته ثم دعا عليهم:" اللهم عليك بقريش ... اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعقبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة ابن أبي معيط " رواه البخاري ومسلم.
فترى أنه بعد أن ضاقت السبل، واستغلقت الأبواب، وانقطع الرجاء في هداية هؤلاء القوم لم يبق إلا التفكير في استئصال شأفتهم، ولما لم يكن هناك سبل إلى ذلك إلا سبيل الابتهال إلى المولى عز وجل فقد توجه عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء الذي لم تتحقق استجابته إلا بعد حين وتحديداً يوم بدر، إذ يقول ابن مسعود راوي الحديث: (فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر).
ولا يخفى على عاقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يتصرف في الكون لاكتفى بقوله لهم:موتوا فيموتون. وفي يوم بدر ذاته عندما واجه المسلمين خطب مدلهم وخطر جسيم عندما قابلهم جيش قريش ورأوا تفوقه عدداً وعُدداً لم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن استقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه:" اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " . فما زال يهتف بربه ماداً يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه. وقال:يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (الأنفال:9). رواه مسلم.
هذا نص آخر صريح في أنه عليه الصلاة والسلام كان أمره غاية في العبودية والخضوع والتذلل لربه عز وجل، ولم يكن من شأنه أن يخرج عن ذلك بحال من الأحوال.
بل ثبت بالدليل أن الله سبحانه لم يكن يحقق كل ما يدعوه به عليه الصلاة والسلام.
عن سعد بن أبي وقاص قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " رواه مسلم) انتهى نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله (1/137-139).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم ... لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف! لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً ". رواه البخاري ومسلم.
قال الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله في "موسوعة أهل السنة" (1/38): (فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصرح بأنه لا يغني عن أحد من الله شيئاً، ولا حتى لابنته فاطمة رضي الله عنها. وإذا كان لا يملك شيئاً لفلذة كبه فاطمة رضي الله عنها وهو حي، أفيملكه لغيرها وهو ميت؟!) انتهى باختصار.
وهناك أدلة أخرى كثيرة تدل على هذا الأمر منها: قوله تعالى: (قل لا أملك لكم ضراً ولا رشداً) (الجن:21). وقوله: (وقالوا لن نؤمن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل عليناً كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً) (الإسراء:90-93).
وقال تعالى عن نوح عليه السلام: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) (هود:31).
رد بعض الشبه حول هذا الموضوع:
قد يستدل البعض على هذه العقيدة بمعجزات المسيح عليه السلام.
وقد رد الشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله على هذه الشبهة في كتابه"تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (1/157) حيث قال:
(هذا الاستدلال باطل لأن إحياء الموتى – بإذن الله – من خصوصيات المسيح، وليس لغيره من البشر لا من الأنبياء ولا غيرهم، ومما يؤيد هذه الخصوصية دعاء إبراهيم عليه السلام: (رب أرني كيف تحيي الموتى) (البقرة:260).
فإنه عليه السلام لو كان من شأنه إحياء الموتى لما دعا بمثل هذا الدعاء، وإذا انتفى كون إحياء الموتى من معجزات نبي آخر غير المسيح قوي انتفاؤه عمن دون الأنبياء من الأولياء والصالحين) اهـ.
وقد يستدل البعض أيضاً بقول الله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين) (المؤمنون:14)
والجواب
أننا نثبت للمخلوق خلقاً، لكنه ليس كخلق الله تعالى. فخلق الله جل وعلا إيجاد من العدم. وخلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير والتحويل والتصرف في شيء خلقه الله تعالى . ومن ذلك ما جاء في "الصحيحين" أنه يقال للمصورين يوم القيامة:"أحيوا ما خلقتم". ومعلوم أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم إنما حول الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير – بدون روح -، وحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة، والطين والحجر والمواد والورق كلهم من خلق الله تعالى) انتهى نقلاً من موقع الشبكة الإسلامية على شبكة المعلومات العالمية.
ذكر بعض الأدلة التي تثبت بقاء الأجساد في القبور:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال:هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من أفضل ايامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا على الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي" قالوا:يا رسول الله ! وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمتً، قال:" إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء" رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه الألباني في "التوسل" (ص64). فهذا الحديث يدل بأن أجساد الأنبياء - عليهم السلام - لا تفارق قبورهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر. وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر".
(ومن الأدلة على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن موسى عليه السلام نقل عظام يوسف عليه السلام لما خرج من مصر". رواه الحاكم وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" رقم الحديث 313 .
وقد أشار الألباني رحمه الله أن معنى قوله في الحديث "عظام يوسف" لا يعارض حديث :"إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" لأنه قد ثبت في حديث بسند جيد على شرط مسلم:أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن، قال له تميم الداري رضي الله عنه ألا أتخذ لك منبراً يا رسول الله، يجمع أو يحمل عظامك؟ قال:"بلى" فاتخذ له منبراً مرقاتين. رواه أبو داود . فدل هذا أنهم كانوا يطلقون العظام، ويريدون به البدن كله) انتهى نقلاً من "مصادر التلقي عند الصوفية" (419-420) بتصرف.
يتبع 