يا شيعة العالم استيقظــوا
للدكتور موسى الموسوي
** ** ** **
1- الاستيقاظ لماذا؟
2- لماذا ألزمنا نحن الشيعة الإمامية أنفسنا بتبعية الفقهاء؟
3- لماذا أحكم الفقهاء علينا طوق العبودية؟
4- لماذا يتعاطف بعض الشيعة مع الزعامة المذهبية الشيعية في إيران ولا يتعاطف مع محنة الشيعة فيها؟
5- لماذا قست الزعامة الشيعية الإيرانية على الشيعة من القوميات الأخرى؟
6- لماذا تؤيد القوى الاستعمارية الكبرى النظام الشيعي المذهبي؟
7- لماذا لا تقف بعض دول المنطقة التي تعاني من إرهاب النظام المذهبي الحاكم على الشيعة في إيران مع التصحيح؟
8- لماذا لم يستطع المناضلون الشيعة إسقاط النظام الشيعي المذهبي؟
9- هل يوجد حل لخلاص الشيعة من محنتها غير التصحيح؟
10- الصعوبات والآمال
11 - ما هو الحل؟
12- الخطوات التصحيحية
13- شعار التصحيح
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله
الذي يصعد إليه الكلم الطيب والعمل الصالح
والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وأهل بيته وصحبه والتابعين بإحسان
كان (سنوحي) طبيبا للفرعون أمفسيس الذي عاش في القرن العاشر قبل الميلاد، وقد كتب مذكراته عن حياة هذا الفرعون وعن الشعب المصري الذي كان يعاني استبداد أمفسيس. واكتشف علماء الآثار هذه المذكرات ضمن ما خلفته السنون بين الكتب الهيروغليفية، وترجمت مذكرات هذا الطبيب الذي كتبها بأسلوب رائع وبديع إلى اللغات العالمية الحية وطبعت أكثر من مرة وهي الآن بين أيدينا يستطيع القراء قراءتها كل بلغته واستخلاص دروس العجب منها.
يقول (سنوحي) في مذكراته:
"كنت أمشي في شارع من شوارع مصر وإذا بالرجل الوجيه الشريف الثري المعروف (أخناتون) ملقى على الأرض مضرجا بدمائه وقد قطعت يداه ورجلاه من خلاف وجدعت أنفه وليس في بدنه مكان إلا وفيه طعنة رمح أو ضربة سوط وهو قاب قوسين أو أدنى من الموت، فحملته إلى دار المرضى وجاهدت جهادا عظيما لإنقاذه من الموت وبعد شهرين أو أكثر وعندما أفاق من غيبوبته قص علي قصته المحزنة المفجعة قائلا:
لقد أمرني الفرعون أمفسيس أن أتنازل له عن كل شبر أرض أملكه وأن أهبه أزواجي وعبيدي وكل ما أملك من ذهب وفضة، فاستجبت لما أراد بشرط أن يترك لي داري التي أسكن فيها ومعشار ما أملكه من الذهب والفضة لأستعين بها على أودي، فاستثقل فرعون هذا الشرط واستولى على كل ما كان عندي، ثم أمر بأن يفعل بي تلك الأفاعيل الشنيعة وأن أطرح في الشارع عاريا لأكون عبرة لمن يخالف أوامر الإله (أمفسيس).
ودارت الأيام وإخناتون المسكين يعاني الفقر والحرمان وكل أمله في هذه الدنيا هو القصاص من الفرعون الظالم ولو على يد غيره.
ومات الفرعون وحضرت مراسيم الوفاة بصفتي كبير الأطباء، فكان الكهنة يلقون خطب الوداع مطرين الراحل العظيم وكانت الكلمات التي يرددونها لا زلت أتذكرها جيدا، فقد كانوا يقولون: (يا شعب مصر، لقد فقدت الأرض والسماء وما بينهما قلبا كبيراً كان يحب مصر وما فيها من إنسان وحيوان ونبات وجماد. كان للأيتام أبا وللفقراء عونا وللشعب أخا ولمصر مجدا. كان أعدل الآلهة وأرحمهم وأكثرهم حبا لشعب مصر. ذهب أمفسيس لكي ينضم إلى الآلهة الكبار وترك الشعب في ظلام).
ويضيف (سنوحي):
وبينما كنت أصغي إلى كلام الكهنة ودجلهم في القول وأندب حظ مصر وشعبها المسكين الذي يرزح تحت سياط الفراعنة والكهنة معا، وبينما كانت الجماهير المحتشدة التي لقي كل فرد منهم على حدة من بطش فرعون وسياطه أذى وعذابا تجهش بالبكاء: سمعت رجلا يبكي كما تبكي الثكلى وصوت بكائه علا الأصوات كلها ويردد عبارات غير مفهومة، فنظرت مليا وإذا صاحب البكاء هذا هو إخناتون المعوق العاجز الذي كان مشدودا على ظهر حمار وأسرعت إليه لأهنئه بعض الشيء، فقد كنت أظن أنه يبكي سرورا وابتهاجا على وفاة ظالم ظلمه إلى حد الموت بالتعذيب، ولكن إخناتون خيب آمالي عندما وقع نظره عليّ وأخذ يصرخ عاليا بقوله:
(يا سنوحي لم أكن أعلم أن أمفسيس كان عادلا وعظيما وبارا بشعبه إلى هذه الدرجة العظيمة إلا بعد أن سمعت ما قاله كهنتنا فيه. وهاأنا أبكي يا سنوحي لأنني حملت في قلبي حقدا على هذا الإله العظيم بدلا من الحب والإجلال طوال سنوات عديدة، حقا لقد كنت في ضلال كبير).
ويقول (سنوحي): وعندما كان إخناتون يكرر هذه الكلمات بإيمان راسخ كنت أنظر إلى أعضائه المقطوعة وصورته المشوهة وأنا حائر فيما أسمع وكأنه قرأ ما يدور في خلدي وإذا به يصرخ فيّ بمليء شدقيه:
(لقد كان أمفسيس على حق فيما فعله بي لأنني لم أستجب إلى أوامر الإله وهذا هو جزاء كل من يعصي الإله الذي خلقه وأحبه، وأي سعادة أعظم للمرء من أن ينال جزاء أعماله الذي يستحق على يد الإله لا على يد غيره).
من أمفسيس هذا؟
فرعون من فراعنة مصر، حكمها بالنار والحديد طوال عشر سنوات، دخل في حرب خاسرة مع بلاد النوبة الجارة، قتل فيها خمس شعب مصر، خرب المزارع وقطع الأشجار وأباد شباب مصر متهما إياهم بالهزيمة في الحرب التي شنها ضد النوبة، أحرق العاصمة في إحدى ليالي مجونه كما فعل بعده نيرون بسبعة قرون الذي أحرق روما عاصمة الرومان، لقد كان عهد أمفسيس أسوأ عهد عرفته مصر في تاريخ الفراعنة الذين حكموها مبتدئا من الأسرة الأولى حتى الأسرة الخامسة التي كان أمفسيس أول أفرادها.
مات أمفسيس وترك خرابا شاملا وشعبا ممزقا ومع كل هذا بكته الجماهير المحتشدة متأثرة برثاء الكهنة وخطبهم ومن بين تلك الجماهير إخناتون المسكين.
التاريخ يعيد نفسه
في يوم الاثنين السابع من شهر حزيران عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين أعاد التاريخ نفسه، فلقد شاهد العالم على شاشات التلفزة ما رآه سنوحي الطبيب قبل ثلاثة آلاف عام، لقد رأى العالم ستة ملايين إخناتون يشيعون الولي الفقيه في طهران وهم في حالة حزن وبكاء لا تقل عما كان عليه إخناتون وغير إخناتون، لقد كان الفرق بين ما رآه سنوحي قبل ثلاثة آلاف عالم وما رآه العالم في يوم السابع من حزيران عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين هي الفروق الآتية:
1- فرق في المكان والزمان.
2- زيادة في عدد المشاركين في الموكب الجنائزي.
3- المتوفى هو كبير الفقهاء بدلا من كبير الآلهة.
4- الخطباء هم آيات الله بدلا من الكهنة.
5- المديح والثناء كان يخص آية الله بدلا من الإله نفسه. ولكن المضامين نفيها والمحتوى عينه والجماهير المحتشدة الحزينة كانت مصابة بأفجع الفجائع بمثل ما أصيب به شعب مصر من قبل ولكن بأوامر آيات الله بدلا من أوامر الإله نفسه.
وما عدا هذه الفروق فما أشبه اليوم بالأمس والليلة بالبارحة.
حقا إنها لمأساة كبرى في عصر النور والحضارة أن يصل التخلف الفكري في مجتمعنا، نحن الشيعة الإمامية، إلى هذه المرحلة من الانحطاط والتدني، وهذا هو الذي حمل على كتابة هذا النداء، وهاأنذا لن أدع على الأرض شيعيا واحدا إلا وأسمعه ما أود قوله في الصفحات الآتيات.
لقد عرفنا قبل قليل من هو أمفسيس، وعلينا أن نعرف الآن من هو الفقيه الراحل.
كان الفقيه الراحل قد حكم الشيعة في إيران عشر سنوات كاملات بالنار والحديد، أعدم من الذين وقفوا ضد رغباته مائة وخمسين ألفا.
شرد من الشيعة ثلاثة ملايين وهم مشردون في آفاق الأرض.
حرم خمسين مليوناً من الشيعة الإمامية الاثني عشرية من حق تقرير المصير والحرية الفكرية والسياسية والاجتماعية.
أفقر الشيعة في إيران إلى درجة لم يسبق لها مثيل.
شن حربا ضد الشيعة وغير الشيعة في العراق استمرت ثماني سنوات قتل فيها ما يقارب المليون. مات وفي أسره مائة ألف شيعي ضن عليهم بالحرية وإطلاق أسرهم، وترك وصية عدوانية هي الوحيدة في تاريخ الوصايا من سوء التعبير وبذيء الكلام. وأمر بالخلاف والتفرقة بين المسلمين. لقد مات هذا الفقيه وشيعته الجماهير في حزن وبكاء. (وكثير من الذين كانوا في الموكب الجنائزي وهم يصرخون ويندبون على راحلهم كانوا قد أصابتهم من النكبة وسوء المعاملة من قبل هذا الفقيه الراحل ما قد أصاب إخناتون من قبل على يد الراحل أمفسيس).
إننا في الصفحات الآتية نضع النقاط على الحروف ونبين الأسباب التي أدت إلى هذا التخلف الفكري الذي نتج عنه استعبادنا على يد الفقهاء والمجتهدين الذين استبدوا بنا نحن الشيعة الإمامية منذ ألف ومائتي عام، وكثير منا لم يدرك ولم يشعر بما حل به من الويلات والبليات على يد الفقهاء الحاكمين بل يراها عطية إلهية كما رأى إخناتون من قبل، ولكي ينتهي هذا البحث إلى النتيجة التي أريدها لابد من أن أعرض أفكاري بصورة منتظمة ومرقمة كي لا تختلط إحداها بالأخرى ولكي نستخلص بعد ذلك من مجموعها النتيجة التي أود قولها في هذا النداء.
منذ عدة سنوات وأنا أنادي الشيعة بالاستيقاظ على ضوء التصحيح الذي ناديت به في كتابي (الشيعة والتصحيح) وكتابي (عقيدة الشيعة الإمامية في أصول الدين وفروعه في عهد الأئمة وبعدهم) والذي جعلت له اسما آخر وهو (الصرخة الكبرى). لقد أثبت في هذين الكتابين أن التصحيح هو الطريق الوحيد لإنقاذ الشيعة من الحالة (الإخناتونية) التي تعيش فيها، وهو على وجه الحصر العودة إلى المذهب النقي الصافي الوضاء المتلألئ الذي يمثل فقه الإمام الصادق على ضوء كتاب الله وسنة رسوله. ولم يكن الغرض من التصحيح إلا خلاص الشيعة من المحنة التي تعيش فيها فكريا نفسيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولا يمكن الحصول على كل هذه المكاسب إلا بنبذ الانحراف والبدع والتجاويف والتجاعيد التي أدخلت في عقيدتنا النقية الصافية على يد بعض زعماء المذهب وولاة الفقه عبر التاريخ.
لقد عانينا نحن الشيعة الإمامية عبر القرون على يد هذه الفئة- التي كان من المفروض أن تكون الصفوة المختارة- بلاء وعناء وكربا ليس له مثيل.
إن حال الشيعة في إيران إذا صلحت فإن حال الشيعة ستصلح في بلاد أخرى. فمأساة الشيعة مرتبطة بعضها ببعض، وكلها تنبع من الانقياد الفكري للطبقة التي نسميهم بالفقهاء أو المجتهدين.
لقد كنت أعتقد أن مأساتنا نحن الشيعة الإمامية ليست مأساة حكم وسياسة ورجال يحكمون بل مأساة تنبع من أنفسنا بسبب خضوعنا وقبولنا للبدع التي أدخلت في عقيدتنا واستغلها رجال الفقه لتثبيت حكمهم وسيادتهم ونحن بكل ما يقولون مطيعون ومنقادون، ومن هنا أود أن أكون صريحا في العمل الذي نحن من ورائه. ولإثبات أن مأساتنا نحن الشيعة الإمامية تنبع من الأكثرية لا من الأقلية. فنحن نرى ونعلم أن دعاة التحرر السياسي والوطني يلقون ترحيبا كبيراً وتجاوبا سريعاً من قبل الشعوب المضطهدة التي يريدون تحريرها وستنضم هذه الفئات السياسية المضطهدة إلى قادة الحركة أو تجتمع تحت لوائهم وهي تريد التحرير، ولكن الصعوبة كل الصعوبة تواجه قادة الفكر من الذين وقفوا ضد الأوهام والخزعبلات والأساطير، وحاربوا السلطة العقدية التي بنيت دعائمها على تلك الخزعبلات والبدع والضلالات. فهؤلاء القادة يواجهون تعنتاً من قبل الفئات المستعمرة فكريا والمستثمرة نفسياً أكثر مما يواجهونه من زعمائهم.
وخلاصة الكلام أنك عندما تدعو أمة للاستنفار والخلاص من حكم المستعمر السياسي فكلهم يمشون وراءك ويلبون نداءك لكي يبلغوا الحرية ويستعيدوا الاستقلال السياسي الذي أفقدهم إياه الطاغية، ولكنك إذا دعوت الأمة للخلاص من الاستعمار الفكري والاستبداد العقدي الذي هو أشد وأنكى من الاستبداد السياسي فقد تعارضك الأكثرية وتقف في وجهك وهي تحاربك وتقول لا للمخلص الذي يريد خلاصهم من محنة كتبوها هم على أنفسهم وليس للقضاء الإلهي فيه من رأي.
ومن هنا فإن خطابي موجه للشيعة الإمامية ولتلك الطبقة التي شيعت ولي الفقيه إلى مثواه الأخير بالدموع والصراخ وكل منهم في جبينه أو قلبه جرح وإيلام من الفقيد نفسه.
(2)
إنني أعلم مسبقاً ويجب علي أن أشير إليه بوضوح أن من السهل على نظام يحكم خمسين مليوناً من الشيعة بالنار والحديد طيلة عشر سنوات أن يخرج منهم إلى الشوارع بضعة ملايين عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، فعندما تكون مقدرات الأمة كلها بيد النظام أكلأ وشربا ولبسا وحياة ومماتا فلا يصعب على نظام كهذا أن يرسل إلى الميادين أعدادا غفيرة يأمرها بالهتاف والصرخات المعدة من قبل.
لقد شهدنا في النصف الأخير من هذا القرن مواكب جنائزية كبرى، فقد شهدنا ثمانية ملايين مصري يشيعون الرئيس الراحل عبد الناصر ببكاء ودموع، وشهدنا حماسا أكثر ودموعا أشد من قبل بضعة ملايين من الشعب نفسه وهم يشيعون المغنية الكبيرة السيدة أم كلثوم، ولكن السؤال الذي أسأله أن الذين شيعوا عبد الناصر شيعوه احتراما والذين شيعوا أم كلثوم شيعوها حبا ولكن الذين شيعوا الإمام الراحل ولي الفقيه شيعوه لماذا؟
وصحيح كما قلنا أن النظام الحاكم على الشيعة في إيران كان بمقدوره أن يخرج إلى الشوارع الملايين ولكن الذي شاهدناه لم يكن كله بتخطيط من النظام بل كان بين الجماهير ملايين هم مؤمنون بولاية الفقيه ومعتقدون بكل ما نجم عنها من خير وشر.
هذا هو الذي دعاني إلى أن أنادي الشيعة بهذا النداء وأقول لهم يا شيعة العالم استيقظوا.
(3)
وعندما أدعو إلى استيقاظ الشيعة الإمامية أرى لزاما علي أن أوضح أمورا لا بد من توضيحها كي تعرف الشيعة في العالم مدى المحنة التي عانتها على يد الفقهاء عبر التاريخ. ولا بد هنا أن أسلك الطريق السقراطي وأضع أسئلة محددة حتى يكون الجواب عليها هو الجواب الموضح الذي يضمن الغرض الذي أصبو إليه، والأسئلة التي جوابها يكشف الحقائق على وجه التحديد:
(1) لماذا ألزمنا نحن الشيعة الإمامية أنفسنا بتبعية الفقهاء في كل شأن من شؤون حياتنا؟
(2) لماذا أحكم الفقهاء علينا طوق العبودية والاستعباد؟
(3) لماذا يتعاطف بعض الشيعة في العالم مع الزعامة المذهبية الشيعية في إيران ولا يتعاطف مع محنة الشيعة في إيران؟
(4) لماذا قست الزعامة الشيعية الإيرانية على الشيعة من القوميات الأخرى؟
(5) لماذا تؤيد القوى الاستعمارية الكبرى النظام الشيعي المذهبي؟
(6) لماذا لا تقف بعض دول المنطقة التي تعاني من إرهاب النظام المذهبي الحاكم على الشيعة في إيران مع التصحيح؟.
(7) لماذا لم يستطع المناضلون الشيعة إسقاط النظام الشيعي المذهبي؟
(8) هل يوجد حل لخلاص الشيعة من محنتها غير التصحيح؟
وهكذا أبدأ بوضع الأسئلة والجواب عنها.
* * * *
(س): لماذا ألزمنا أنفسنا نحن الشيعة الإمامية بتبعية الفقهاء في كل شأن من شؤون حياتنا؟
(ج): الشيعة الإمامية خضعت وأذعنت بلا دليل أو برهان لما ادعاه فقهاؤها بوجوب الانقياد والطاعة العمياء لهم باسم "التقليد" حيث قالوا إن الفروض الشرعية التي تؤديها الشيعة عاطلة باطلة إذا لم تلزم نفسها بالاتباع لفقيه من الفقهاء. وأضاف بعضهم يجب إطاعة الفقهاء ليس في المسائل الشرعية فحسب بل حتى في الموضوعات- أي في شؤون الدين والدنيا معا- وهكذا ظهرت إلى الوجود بدعة ولاية الفقيه.
والشيعة المسكينة لم تسأل نفسها ولو لمرة واحدة لماذا عملنا باطل عاطل إذا كنا نأخذ بما في كتاب الله وسنة رسوله وضروريات الإسلام وفقه الإمام الصادق الواضح؟
ولم تسأل الشيعة نفسها لماذا صلاتنا باطلة وصومنا باطل وحجنا باطل إذا صلينا وصمنا وحججنا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون؟ ولم تسأل نفسها أيضا لماذا تكون أعمالها باطلة إذا كان مقلدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والإمام علي والإمام الصادق والسلف الصالح من صحابة رسول الله بدلا من أن يكون مقلدنا هذا الذي لقب نفسه آية الله أو أقل منها أو أكثر حسب الألقاب التي لقبوا بها أنفسهم وما أنزل الله بها من سلطان؟ لقد قبلنا نحن الشيعة الإمامية بما يدعيه الفقهاء من صلاحيات تتعارض مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بدون أن نطلب منهم الحجة وبدون أن نحاججهم في منطوق ادعائهم أو نقاضيهم أمام كتاب الله وسنة رسوله.
لقد أطعناهم إطاعة عمياء وقبلنا كل ما ادعوه ونسبوه لأنفسهم من قداسة وتجبر وتكبر علينا.
لقد كنا نعيش في عصر الظلام ولم نعرف الأمل والنور والمنطق والحجة فأذعنا لكل ما فرضوه علينا.
لقد استغلت الزعامات المذهبية والفقهاء عبر التاريخ- ومنذ أن بدأت تحكم علينا الطوق- سذاجتنا نحن الشيعة الإمامية وحبنا الجارف لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحدثت في مذهبنا النقي الصافي الوضاء كما قلنا بدعا وتجاويف وتجاعيد كل واحدة منها تخدم مصالحهم وفي الوقت نفسه تضربنا بل تنسفنا نسفا، لقد عددت البدع والتجاويف في كتابي (الشيعة والتصحيح) و(عقائد الشيعة الإمامية) ولا أريد تكرارها. ولكنني أود أن أقول بكل اختصار إن كل واحدة من هذه البدع أدخلت في عقيدتنا، نحن الشيعة الإمامية، لإحكام طوق العبودية علينا والتحكم فينا كما يشاء الفقهاء، وفي آخر النداء سأشير إلى الصلة بين البدع والتجاويف وإحكام سلطتهم وسطوتهم علينا. إذن السذاجة وحدها لم تلعب الدور الكافي، بل استغلال الفقهاء حب الشيعة لأهل بيت رسول الله مضافا إليه البدع التي أحدثوها في العقيدة جعلت من الشيعة أداة طيعة للفقهاء، يضحون في سبيل مآربهم في ساحات الوغى مرة وفي ساحات البلاء مرة أخرى. ولم يكن الفقهاء وحدهم هم الذين لعبوا هذا الدور الخطير في انحراف الشيعة عن نهجها الصحيح القويم المتمثل في تبعيته لفقه الإمام الصادق، بل كان للفقهاء أجنحة أخرى استمدوا قوتهم منها وهم الرواة ورجال الحديث والمفسرون الذين نسبوا إلى أئمتنا الكرام زورا وبهتانا روايات وأحاديث كلها تؤيد البدع والتجاويف والتجاعيد التي أدخلوها في العقيدة الشيعية لصالحهم وتفسير الآيات القرآنية حسب أهوائهم بصورة تخدم أهواء الفقهاء، وبهذين الجناحين استطاع الفقهاء أن يحكموا قيود الاستغلال والاستبداد على أعناق الشيعة عبر التاريخ.
* * * *
(س): لماذا أحكم الفقهاء علينا طوق العبودية والاستعباد؟
(ج): أحكم الفقهاء علينا، نحن الشيعة الإمامية، طوق العبودية والاستعباد لأنهم عرفوا أننا فئة لا نعارض أهواءهم ولا نحاججهم في ادعائهم ولا نريد منهم توضيحا فيما يقولون. كان فقهاؤنا على علم كامل بالنفسية الشيعية التي كانت مهيأة للخضوع إلى ما يطلب منها في عهد الظلام فنصبوا أنفسهم أولياء وأوصياء عليهم. ولكي تكون الحجة دامغة في نظرهم نسبوا روايتين إلى الإمام المهدي تقول إحداها:
(أما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة أحاديثنا).
وتقول الثانية: (أما من الفقهاء من كان صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه).
وهاتان الروايتان حتى وإن صح صدورهما فهذا لا يعني وجوب التقليد بالصورة التي رسمها فقهاؤنا، ولا تعني أبدأ أن للفقهاء الحق في أن يأمروا الشيعة بالقيام بكل ما يرونه من حق وباطل ولا يعني أبدأ أن لهؤلاء حق الولاية. ولا يعني أبدأ أن من لم يأخذ برأيهم في مسألة فقهية أو غير فقهية فعمله عاطل باطل، لقد استخرجوا من هاتين الروايتين- وحتى إن صح صدورهما عن الإمام المهدي- مفاهيم ومضامين تتناقض تناقضا تاما مع منطوق الروايتين ولكن عندما تحكم السذاجة العقل الإنساني ويواجه هذا العقل الساذج دهاء المخططين فحينئذ يسهل الوصول إلى ما يصبو إليه المخططون الدهاة، وأعتقد جازما أن فقهاءنا لم يقصدوا من استعبادنا، نحن الشيعة الإمامية، السيطرة الروحية والفكرية علينا فحسب، بل كانوا يخططون لأمرين كل واحد منهما أخطر من الآخر، كانوا يخططون للسيطرة على أموال الشيعة ومن ثم الاستيلاء على مقاليد الحكم. فأدخل الفقهاء تلك البدعة الكبرى في العقيدة الشيعية وفسروا الآية الكريمة التي تقول: (واعملوا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول... الآية) (الأنفال: 41)، بأن هذه الآية نزلت في أرباح المكاسب في حين أن المفسرين وأرباب الأحاديث والفقهاء أجمعوا على أنها نزلت في غنائم الحرب ولا علاقة لها بأرباح المكاسب، ثم أفتوا بوجوب تسليم هذا الخمس إلى يد الفقهاء، وأضافوا أن الشيعة إذا لم تسلم خمس أرباحها إلى يد المجتهد أو الفقيه فإن صلاتهم باطلة وصومهم باطل وحجهم باطل وهكذا دواليك، وخضعت الشيعة المسكينة إلى هذه الفتوى التي ما أنزل الله بها من سلطان. وهاهم عبر التاريخ يقدمون إلى الفقهاء خمس أرباح مكاسبهم ولم يحدث قط أن نفرا منهم قد سألط هؤلاء الشركاء الذين لا يشاركون الشيعة في رأس المال ولا في التعب والكد والجهد بل يشاركونهم في الأرباح فقط، من الذي جعلكم شركاء في أرباحنا؟ وما الأدلة التي تستندون عليها؟ ولماذا نكدح ونكافح نحن وأنتم قاعدون تجنون ثمار تعبنا؟
لقد خضعت الشيعة لهذه الضريبة الجائرة بلا سؤال ولا ضجر فاحتلبهم الفقهاء كما تحتلب الناقة الطيعة. ولم يقنع الفقهاء بمشاركتهم في أرباح الشيعة، بل زعموا أنهم ولاة عليهم يجب إطاعتهم، ومن خرج عليهم فقد خرج على الله، ومن رد عليهم فهو كالراد على الله يجب قتله وقمعه من الوجود. فخضع كثير من الشيعة لهذه الفاجعة الفكرية وقبلوا وآمنوا بها وضحوا بأنفسهم وأولادهم يا سبيل هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم السلطة الإلهية وبدون أن يساندهم دليل أو يقف معهم برهان، بل إن الذي يدعونه لا يتناقض مع عقيدة التوحيد والشريعة الإلهية فحسب، بل يتناقض مع كل مبادئ العقل والبدهيات الأولية، حقا إنه من الأمور المحزنة أن تواجه الشيعة محنة فكرية كهذه، وكثير منهم يؤمنون بها،
ويتفانون في سبيلها في عصر استطاع العقل الإنساني أن يغزو كوكب نبتون على بعد أربعة آلاف مليون ميل من كوكبنا هذا.
لقد ذكرت يا مقدمة هذا النداء ما رواه (سنوحي) عن عصر الفرعون أمفسيس وقارنت بين ما قام به أمفسيس في عهد الظلام وما قام به ولي الفقيه في عهد النور وغزو الفضاء، ولكني لم أذكر كيف استطاع أمفسيس أن يحكم شعب مصر؟ ومن كان أمفسيس قبل أن يحكم شعب مصر؟ وهاأنذا أذكر قصة أمفسيس ففيها جواب لكثير من الأسئلة ولا سيما لأولئك الذين يواجهون بمثل هذا السؤال، كيف خضعت الشيعة لولاة الفقيه وكيف استطاع ولاة الفقيه أن يحكموا عليهم قيد العبودية والاستعباد؟ كان أمفسيس كاهنا صغيرا في شبابه يشرف على تحنيط ودفن الموتى في المقابر العامة ويأخذ أجرا زهيدا مقابل عمله فادعى في غفلة من الزمن ملكية المقابر وزاد في أجره فقبل الناس ادعاءه وخضعوا لما فرضه عليهم من ضريبة جديدة، ثم ادعى ولاية المدينة فخضع الناس لولايته بدون اعتراض فبدأ يحكم الناس وهم بما يأمرهم مطيعون، ثم ادعى الملكية فبايعه الناس على ذلك فأصبح الملك امفسيس، وعندما رأى أن إرادته تفرض على الناس بدون أدنى مقاومة أو أي اعتراض ادعى الألوهية ووقف الكهنة بجانبه وشهدوا بأنه الإله الخالق للعباد والفاعل لما يشاء، فقبل الشعب بذلك وسجدوا له طائعين فكان أمفسيس فرعون مصر. ثم بدأ يحكم الشعب بالنار والحديد فكان عهده عهد خراب ودمار لم يكن له مثيل من قبل.
وهنا نعرج على الولي الفقيه هذا قبل أن يحكم الشيعة في إيران بالنار والحديد.
كان رجل دين صغير في مدينة قم يعتلي المنابر ويقوم بالوعظ والإرشاد في المآتم والمناسبات الدينية، فادعى الفقاهة والاجتهاد فلم يعارضه أحد، وادعى المرجعية والفقاهة وشهد بذلك أقرانه من رجال الدين وكهنة الفقه الشيعي فخضع له الناس وبايعوه مبايعة الفقيه المجتهد، ثم ادعى الولاية العامة والسلطة الإلهية، وشهد بذلك كبار كهنة الفقه والمجتهدين من الشيعة، فخضع كثير من شيعة إيران له وأصبح الحاكم بأمر الله في البلاد، وحكم الشيعة بالنار والحديد طيلة عشر سنوات من حكمه، وأرسل إلى المشانق وساحات الإعدام من لم يذعن لسلطته الإلهية.
إن هذه المقارنة توضح لنا حقيقة واحدة وهي أن الادعاءات الباطلة مهما كان حجمها وضخامتها وبطلانها وسخفها فإنها تجد تجاوبا فعالا من العقل الجمعي الساذج لا سيما إذا أيد تلك الادعاءات الباطلة الإعلام الحاكم على العقول الساذجة، فالإعلام المسيطر على العقل الاجتماعي في عهد الفراعنة كان بيد الكهنة. وفي عصرنا هذا فإنه بيد رجال الدين ووعاظ الحكام وأجنحتها المنتشرة في العالم الشيعي المتمثلة بصغار رجال الدين والصحف المأجورة والكتب المنشورة. ويبدو أن الزمان لقبول الادعاء الباطل لم يزل ساكنا. وهكذا نرى أن الباطل ينقلب حقا والحق يصبح باطلا. لقد مات ولي الفقه وخلف وراءه من الخراب والدمار ما لا يمكن إصلاحه. وكان في عهد حياته يستعين بأفراد كانوا هم القابضين على السلطة. وفي الحقيقة كانوا هم أياديه التي تحكم وتنهى، وكل ما حدث في المجتمع الشيعي من بؤس وشقاء في مدة حكمه إنما تم على يد هؤلاء. وبعد أن مات استولى خلفاؤه على الحكم وقسموا إيران الشيعي بينهم كما قسم السلوقيون خلفاء الإسكندر إيران بعد وفاته. وهكذا نرى أن نفوذ الشعوذة والباطل يصل إلى مرحلة خطيرة، فالفئة التي يجب أن تحاكم كمجرمي حرب وتباد من الوجوه لارتكابها أبشع الجرائم طوال عشر سنوات تمسك بزمام السلطة مرة أخرى وتعلن أنها تسير على نهج الإمام الراحل.
* * * *
(س): لماذا يتعاطف بعض الشيعة مع الزعامة المذهبية ولا يتعاطف مع محنة الشيعة في إيران؟
(ج): ولعل هذا الموضوع يعد من أخطر المواضيع التي يواجهها العالم الإسلامي والشيعة على وجه الخصوص، ولم يحدث حتى هذه اللحظة أن انتبه أحد إلى هذا الموضوع الخطير أو تحدث عنه أو فكر فيه مع أن كثيرا من البلاد الإسلامية ودول المنطقة عانت تبعية الشيعة ذات القوميات المختلفة إلى الزعامة الشيعية في إيران. وهاأنذا أوضح هذا الأمر لكي تعرف الشيعة قبل غيرهم الأخطار الجسيمة التي ترتبت وستترتب على هذه التبعية.
الشيعة في تبعيتها المذهبية تجاوز القومية ولا تفكر بها بأي حال من الأحوال. ولعل خير مثال لتبعية الشيعة للزعامة الروحية وتجاوزها القومية في هذه التبعية مثل تبعية المسيحيين للحبر الأعظم الذي كان لمدة أربعة قرون إيطاليا إلى أن جاء البابا البولندي الحالي فكان المسيحيون في العالم مع قومياتهم المختلفة يتبعون البابا الإيطالي بدون أن يكون لانتساب البابا للقومية الإيطالية أي تأثير على عقائد القوميات الأخرى.
وكذلك فإن الشيعي الباكستاني والشيعي الهندي والشيعي الأفريقي والشيعي اللبناني يقلد ويرجع في عقيدته المذهبية إلى الزعيم الديني الإيراني. فيكون زعيم الشيعة إيرانيا وله أتباع من قوميات أخرى. والزعامة الدينية في القرون الخمسة الأخيرة، وبعد أن أدخل الشاه إسماعيل الصفوي إيران في التشيع، كانت بيد الإيرانيين في أغلب الأحيان، نستثني من هذه القاعدة بعض زعماء الشيعة القلائل الذين كانوا من العرب، وهنا لا بد من الإجابة عن السؤال التالي: لماذا تكون الزعامة الشيعية المذهبية في غالب أحيانها في احتكار الإيرانيين ولا تكون من نصيب غيرهم؟
والجواب عن هذا السؤال يظهر لنا بوضوح في أمرين متناقضين أحدهما: سذاجتنا نحن الشيعة الإمامية وإخلاصنا لما فرض علينا كعقيدة يجب اتباعها.
وثانيهما: المكر والدهاء الذي يتمتع به رجال الدين الشيعة الإيرانيون الذين يرشحون دوما للزعامة المذهبية والفقاهة المرجعية زعماء إيرانيين ويحصرونها فيهم، وهنا يكمن سر خطير لم يكتشفه أحد من قبل هو تجاوز الشيعة القومية في تبعيتها المذهبية ويظهر أيضا تمسك رجال الدين الشيعة بالقومية والعصبية.
لماذا يرشح رجال الشيعة الإيرانيون دوما زعماء من إيران للقيادة المذهبية ولا يرشحون زعماء من العرب أو الهند أو باكستان في حين أنه يوجد بين رجال الدين الشيعة من هذه القوميات عناصر أكفاء يتمتعون بالصفات والمزايا نفسها التي يحتاج إليها القائد الديني أو المجتهد أو المرجع وإن شئت فسمه الولي الفقيه حسب مقاييس القوم؟
وهنا يكمن سر غير معلن وغير مكتوب وهو أن الزعامة الشيعية الإيرانية والذين من ورائها يعتقدون أن الزعامة الدينية المذهبية الشيعية يجب أن تكون في إيرانيين لا في غيرهم، لأن إيران هي القلب النابض للشيعة وحتى لا يحدث ما يكدر صفو هذه الزعامة فيجب أن تبقى في إيران وفي يد إيرانيين كي تبقى حصينة لا يمكن لأحد أن ينال منها. وهي تستطيع أيضا أن تستفيد من موارد الشيعة وإمكاناتها في إيران الشيعي وإنفاقها على تصدير الثورة المذهبية الشيعية المتمثلة في ولاية الفقيه وكل البدع والتجاويف والتجاعيد المتعلقة بها.
وهذا شيء لا يتأتى لزعيم مذهبي يكون من قومية هندية أو باكستانية أو عربية أو غيرها ولكن الخطر العظيم الذي أود أن أشير إليه ليس هذا، بل الخطر كل الخطر في أن الشيعة في العالم عندما تقلد في عقائدها الزعامة الروحية بدون أن تخضع هذا التقليد وهذا الاتصال الروحي للقومية فيعني أن الشيعي اللبناني أو الهندي أو الباكستاني أو الأفريقي أو غيرهم يتبعون الزعامة الدينية الشيعية الإيرانية. والزعامة الشيعية الإيرانية عندما خرجت من نطاق القيادة الروحية وأصبحت ملكا عضوضا ونظاما سياسيا وحكما فيعني أن الشيعة تأتمر بأمر هذا النظام المذهبي السياسي الحاكم وإن لم تكن هي ضمن رعاياه أو منتسبة إليه في قومية أو لغة أو جوار. إن هذا الترابط بين الشيعة وبين الزعامة المذهبية عندما يتخذ شكلا سياسيا يهدد الشيعة والإسلام والبلاد المجاورة بأخطار لا تعد ولا تحصى. فالنظام السياسي حتى إذا كان مذهبيا له أطماعه وله تصوراته وله مبادئه، والنظام السياسي لا أخلاق فيه ولو كان مبرقعا ببرقع الدين والعقيدة، وما دام لهذا النظام السياسي المذهبي أتباع من قوميات أخرى فحينئذ يستعين بهم لأغراض غير سليمة بل سقيمة لبسط نفوذه وتوسيع رقعة سلطته وسطوته.
ونظام مذهبي من هذا النوع لا يجد صعوبة في أن يجند من الشيعة من قوميات مختلفة لتحقيق مآربه حيثما تحل الشيعة.
وهذا يعني أن النظام المذهبي يستغل سذاجة بعض الشيعة لأنه القائد الروحي لهم لضرب الدول التي هو في خصام معها، ولا شك أن الشيعة بما أنها أقلية في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية لا تستطيع أن تنفذ رغبات النظام المذهبي الشيعي الحاكم كما يحلو لذلك النظام، فيكون العمل الذي يقوم به بعض الشيعة بوحي من النظام المذهبي وبالا عليها، وتكون هي أولى ضحاياه بغض النظر عما يترتب على تلك الأعمال من نتائج خطيرة.
وهنا أجيب عن الجزء الثاني من السؤال وهو: لماذا لا تتعاطف الشيعة مع محنة الشيعة في إيران؟ وأقول: السبب واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ومع الأسف لم ينتبه إليه أحد حتى الآن، وهناك سببان أساسيان: الأول: أن الشيعة في العالم كما قلنا لا تنظر إلى القومية بنظر الاعتبار في تبعيتها المذهبية ولذلك كثير منهم موالون للنظام المذهبي الشيعي في إيران.
ولكن هذه الشيعة في تعاطفها مع الشعب الإيراني إنما تسلك طريق القومية وينظر إليها كقومية مختلفة عنها لا تمت إليها بصلة، فالشيعة العرب لا تهمهم القومية الإيرانية كإيرانيين كما لا تهمهم القومية السنغالية كسنغاليين. والشيعة في الهند وباكستان وغيرهما يرون القومية الإيرانية قومية لا تمت إليهم بصلة. ومن هنا فإن الشيعة في العالم لا يشعرون بل لا يهمهم المحنة التي تعيشها الشيعة في إيران. وهنا تظهر الازدواجية الخطيرة في تعاطف الشيعة مع الشيعة، فغير الإيرانيين من الشيعة تأخذهم الغيرة على النظام المذهبي ولا تأخذهم الغيرة على المحنة التي يعيشها الشعب الشيعي في إيران. وهذا الشعور غير الصحي كان ملازما للشيعة حتى قبل أن يستلم الحكم في إيران الشيعي النظام المذهبي أي في عهد الشاه. فكان الشيعة في العالم لا يهمهم أبدأ ما يفعله الشاه وقواه الاستبدادية بالشيعة ولكن كان ولاؤهم للشاه بصفته الحامي للمذهب ولاء شديداً.
لقد قلت مرة للإمام السيد محسن الحكيم كبير زعماء الشيعة في العراق الذي كان يساند الشاه وحكمه، هل تعلم مدى القسوة والاستبداد الذي تلحق الشيعة في إيران على يد الشاه.
فقال: نعم.
فقلت: لماذا لم تفعل شيئا؟
فكان جوابه: أخشى أن أقول كلمة ضد الشاه فيسقط نظامه ولا نسمع بعد ذلك شهادة أن عليا ولي الله في أذان الصلوات من إذاعة طهران.
فقلت له: أتفضل أن يبقى شعب قوامه خمسون مليوناً في محنة وشقاء وظلم واستبداد وفقر حتى تستمر هذه البدعة من إذاعة طهران؟
فطأطأ رأسه وصمت طويلا ثم قال: الشاه هو رمز الشيعة ويجب علينا الاحتفاظ به.
إذا كان هذا ولاء المرجعية الشيعية لرمز الشيعة السياسي فكيف يكون ولاء عامة الشيعة للرمز الشيعي المذهبي؟
وهنا ألوم أجهزة الإعلام التي زعمت بأن النظام المذهبي في إيران سيسقط في نظر الشيعة إذا ما بثت ليل نهار أخبار المآسي التي حلت بشيعة إيران في نطاق القومية الإيرانية فحسب، فمنذ عشر سنوات وأجهزة الإعلام المضادة لنظام الحكم الحالي في إيران ما زالت تصف ما أصاب الشيعة في إيران باسم القومية الإيرانية ولم يهتز لكل هذا ضمير شيعي واحد من شيعة العالم، فلو كانت هذه الأجهزة تخاطب الشيعة في العالم باللغة التي يفهمونها وكانت تصور لهم مأساة الشعب الإيراني في صورة مأساة الشيعة منتزعة عنها القومية الإيرانية لكانت مشاعر الشيعة تلتهب في العالم، ولأحست بما تعانيه الشيعة في إيران، ولعرفت الصورة الحقيقية البشعة للنظام المذهبي الحاكم، فلو كانت الشيعة تسمع من أجهزة الإعلام المضادة أن هذا النظام المذهبي دخل في حرب مع الشيعة قتل فيها مليون شيعي وتسببت في تشريد ثلاثة ملايين شيعي تائهين في آفاق الأرض البعيدة وأعدم مائة وخمسون ألف شاب شيعي كان يعول عليهم في ازدهار هذا القطر الشيعي الكبير. وهناك مائة ألف أسير شيعي في أسر هذا النظام منذ سنوات يرفض إطلاق سراحهم. وهناك مائة وخمسون ألف سجين سياسي شيعي يعانون في سجون هذا النظام آلام التعذيب. وهناك خمسون مليون شيعي مقيدون بسلاسل الاستبداد والاضطهاد يتهددهم الفقر والمرض والجوع لعرفت الشيعة حينئذ ما أصاب الشيعة من بؤس وشقاء.
* * * *
(س): لماذا قست الزعامة الشيعية الإيرانية على الشيعة من القوميات الأخرى؟
(ج): إذا أخذنا بعين الاعتبار النظرية النسبية لأينشتاين فإن الزعامة الشيعية الإيرانية مع قسوتها الكبيرة على الشيعة في إيران فإنها في الوقت نفسه تكون أكثر قساوة وضراوة على الشيعة غير الإيرانيين من القوميات الأخرى. أما الأسباب فهي نفسها والتي كانت وراء انتخاب الزعامة الشيعية في إيران تقف وراء هذا التفضيل، فإن كانت الشيعة في سائر أنحاء العالم كما قلنا لا تحذو حذو القومية في اختيارها للزعيم الروحي إلا أن الزعامة الروحية الشيعية الإيرانية تسلك طريق القومية في معاملتها مع الشيعة، بل إن القومية مسيطرة على كل خلية من خلاياها، ولا أحتاج إلى كثير عناء لإثبات هذا الأمر، فعندما ترسل الزعامة الشيعية المذهبية مئات الآلاف من شيعة إيران لقتل الشيعة ولإبادة مدنهم في العراق ولخراب أراضيهم وممتلكاتهم وقتل أبنائهم ونسائهم، وتصر على هذا الأمر بلا رحمة ولا شفقة وتريد بعد ذلك أن تضم شيعة العراق إلى ممتلكاتها وتمارس في سبيل ذلك كل أساليب القسوة، فماذا يعني هذا غير تلك العنصرية التي تمارس قتل الشيعة على حساب الشيعة، وعندما ترسل الزعامة الروحية المذهبية آلافا من شيعة إيران إلى لبنان لكي تقتل الشيعة اللبنانيين وتدمر مدنهم وقراهم لكي تبسط السطوة الشيعية عليهم على حساب الشيعة، يوضح هذا درجة العنصرية الشديدة التي تمارسها الزعامة المذهبية الشيعية في إيران ضد الشيعة خارج إيران. وعندما ترسل الزعامة المذهبية عشرات الآلاف من الشيعة إلى باكستان وإلى الهند لكي: تمارس سطوتها وسلطتها المذهبية على شيعة تلك البلاد بالقوة والمال فهذا يعني ما كان يجب علينا توضيحه للرأي الشيعي العالمي. وأقول لهم: يا شيعة العالم استيقظوا. وعندما ترسل الزعامة المذهبية الشيعية الإيرانية عشرات الآلاف من شيعة إيران إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة لتتخذ من سذاجة الشيعة المجتمعين في البيت الطاهر أداة لإقحامهم في التظاهرات المؤدية لغرض الفساد والشغب وتتخذ من شيعة العالم ستارا ودرعا تختفي وراءها وتقحمهم في أمر لا ناقة لهم فيه ولا جمل فيعني هذا أن العنصرية تلعب دورا قويا في جعل الشيعة غير الإيرانيين كبش فداء لأغراض الزعامة المذهبية الشيعية.
وإنني عندما أكتب هذه السطور أعلم علم اليقين وأعرف أن هناك في إيران الشيعي مئات من الشيعة اللاجئين من العراق والسعودية ولبنان وباكستان وهم ينتظرون من النظام المذهبي الشيعي في إيران مساندتهم في تقويض الحكم السائد في بلادهم، ولكن هؤلاء اللاجئين يعاملون من قبل النظام الشيعي الإيراني معاملة السيد مع عبده حيث يعاملهم النظام الشيعي الإيراني معاملة المتسولين وأبناء السبيل الذين لا حول لهم ولا قوة ولا وطن ولا عزة ولا كرامة، ويسميهم بالغرباء تارة وبالمشردين تارة أخرى وكثيرا ما ينعتون هناك بقوميتهم ازدراء بهم واستخفافا.
وقبل أن أنهي هذا الفصل أود أن أكشف سرا خطيرا لجمهور الشيعة وإن لم يكن خفيا على العارفين بما يجري في أروقة الزعامة المذهبية الشيعية، حتى يعرف العالم الشيعي مدى العنصرية التي كانت ولا تزال تسيطر على عقول الزعامة الشيعية في تعاملها مع رجال الدين الشيعة من غير الإيرانيين، إن رواتب ومخصصات طلاب الشيعة في الحوزات الدينية حتى هذه اللحظة تحدد حسب القومية التي ينتمون إليها، فقد صنفتهم الزعامة المذهبية إلى أربع طبقات، الطبقة الممتازة وهم الإيرانيون حيث يحصلون على أعلى الرواتب والمخصصات، ثم يأتي بعدهم العرب ثم الهنود والباكستانيون والطبقة الرابعة هم الأفغانيون حيث يحصلون على أدنى الرواتب والمخصصات.
لقد كانت هذه السيرة المتبعة في الحوزات الدينية إلى أن استلم الزعامة الكبرى جدنا الإمام الأكبر السيد أبو الحسن فألغى الامتيازات
الطبقية وأعلن تمسكه بالآية الكريمة: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). وبذلك ساوى بين القوميات المختلفة في الرواتب والمخصصات. لقد استمرت الحوزات الدينية التي كان جدنا الإمام الأكبر يرأسها خمسة وعشرين عاما على ذلك النمط حتى توفاه الله تعالى وسار خلفه الإمام البروجردي على نهجه لمدة خمسة عشر عاما، وعندما توفي الإمام البروجردي عام 1960 عادت المرجعية الشيعية الإيرانية إلى النظام الطبقي الذي كان سائدا قبل زعامة جدنا ولا زالت الحالة هذه حتى كتابة هذه السطور.
* * * *
(س): لماذا تؤيد القوى الاستعمارية الكبرى النظام الشيعي المذهبي؟
(ج): يزعم الكثير من السذج أن الشعارات التي رفعها الولي الفقيه الشيعي ونادى بها كثيرون من أتباعه في العالم وهي الموت لأمريكا والموت لبريطانيا والموت للاتحاد السوفيتي إنما تعني أن النظام الشيعي المذهبي في إيران أصبح نظاما مستقلا من تبعية هذه الدول وهو يعارضها ويقف أمام أطماعها ويهدد مصالحها. ولا أريد أن أتحدث كثيرا حول هذا الأمر بل ألخص ما أود قوله بعبارات مقتضبة وهي أن الدول الكبرى كما يعرف الجميع لا تهمها الشتائم والشعارات وتسميتها بالشيطان الأكبر أو الشيطان الأوسط أو الأصغر إنما الذي يهمها مصالحها. فهي تدور معها حيثما دارت مصالحها، وأما الشعارات والشتائم فإنها هواء في شبك لا قيمة لها في العرف الدولي والعالمي والسياسي.
لقد كانت مبيعات الأسلحة لدول العالم الثالث قبل أن يتولى الولي الفقيه والزعامة الشيعية المذهبية الحكم في إيران مائتي ألف مليون دولار سنويا. وبعد أن استلم السلطة الولي الفقيه وشن الحرب ضد الجار الشيعي وهدد أمن المنطقة العربية والإسلامية وهدد دول المنطقة بتصدير الثورة وأرسل الإرهابيين لإحداث الخراب في تلك البلاد، قفزت مبيعات الأسلحة إلى رقم مضاعف. وبدأت دول المنطقة بالتسلح وتحصين نفسها ضد احتمال قيام أي اعتداء يهدد أمنها وسيادتها. وبذلك ازدهر الاقتصاد العالمي واقتصاد الدول الكبرى التي كانت مهددة قبل أن يستلم النظام المذهبي الحكم في إيران، أما تخفيض مبيعات النفط إلى أدنى الأسعار فهناك آلاف الملايين التي جنتها الشركات الاحتكارية العالمية بفضل ولاية الفقيه فهي لا تعد ولا تحصى. وبهذه المعادلة الحسابية الواضحة نستطيع أن نفهم بوضوح أن القوى الاحتكارية العالمية والدول الاستعمارية الكبرى التي تتحكم في بيع الأسلحة وتصديرها ترى في النظام المذهبي الإيراني الصديق الحقيقي والعون الواقعي لمصالحها وتثبيت اقتصادها، فهي لقطة كبرى للدول الاستعمارية يتسابقون للحفاظ عليها. فما دام هذا النظام قائما في المنطقة فسوق السلاح يبقى مزدهرا وسوق النفط يبقى بائسا وشعوب المنطقة تدفع الثمن والضريبة وفي مقدمة تلك الشعوب نحن الشيعة الإمامية.
* * * *
(س): لماذا لا تقف بعض دول المنطقة- التي تعاني من إرهاب النظام المذهبي الحاكم على الشيعة في إيران- مع التصحيح؟
(ج): كنت أعتقد بإيمان راسخ أن سقوط النظام المذهبي الحاكم على الشيعة قد يكون له أثر مؤقت وقد تستريح دول المنطقة من كابوسه بعض الوقت. ولكن اعتقادي كان ولا يزال أن خلاص الشيعة من هذه المحنة ومن ثم خلاص المنطقة من آثار النظام المذهبي الحاكم إنما يتوقف على تغيير العقل العام الساذج عند الشيعة الإمامية حتى تسلك الشيعة طريق التصحيح الذي أوضحت معالمه في كتابيّ (الشيعة والتصحيح) و عقيدة الشيعة الإمامية في عصر الأئمة وبعدهم)؛ لأن النظام المذهبي الحاكم على الشيعة استغل هذه البدع والتجاويف لمآربه الخاصة وأصبحت له قوة يساندها العوام السذج من الشيعة، وما دامت هذه البدع موجودة في العقيدة الشيعية فإنه يمكن استغلالها من قبل أي نظام يتولى السلطة المذهبية في المستقبل، وقد وجد في التاريخ الشيعي أن هذه البدع استغلت مرات ومرات من قبل النظام الحاكم. وقد زال نظام وحل محله نظام معتدل ولكن لم يلبث الأمر طويلا. فإذا بنظام مذهبي يعتلي سدة الحكم ويستغل البدع الموجودة مرة أخرى وهكذا دواليك. ويعني هذا الكلام أن أساس المحنة ليس النظام الحاكم بل هو البدع والمعتقدون بها. ولا شك أن أول أثر يترتب على التصحيح هو نبذ الخلاف وكل ما يكدر صفو الأمة الإسلامية ويضمن توحيد المسلمين الأمر الذي يتناقض تناقضا أساسيا مع السياسة الاستعمارية العالمية (فرق تسد) فليس هناك شيء أشد وأنكى على المتربصين بالإسلام والمنتفعين من الخلافات المذهبية من توحيد الصف الإسلامي ووحدة الأمة الإسلامية. ولا شك أن التصحيح هو الذي يضمن تحقيق هذه الوحدة. وكنا قد أثبتنا قبل قليل أن الاستعمار الشرقي والغربي استفاد من الخلاف الذي أحدثه النظام المذهبي في المنطقة من قتل المسلم أخاه المسلم والتهديدات التي كان يطلقها ليل نهار على الدول المجاورة منذ أن استلم الحكم وإحياء هذه الفرقة التي كانت شعار النظام الحاكم التي تضمن مصالح الدول الاستعمارية. وهذه الدول لا ولن ترضى بأن ينطلق في الأجواء الإسلامية نداء الوحدة التي يضمنها التصحيح. لذلك فإن بعض دول المنطقة- التي عانت كثيرا من النظام الشيعي المذهبي ولا زالت تعاني- مع أنها في قرارة نفسها تود الوحدة وتراها ضرورية لحياة دول المنطقة والأمة الإسلامية فيها، إلا أن هذه الدول مرغمة على ألا تفتح للتصحيح نافذة وتغلق أمامه كل الأبواب. وهنا أود أن أعلن بكل صراحة لكي يسجل التاريخ الإسلامي أنني لو كنت أكتب بدلا من كتاب التصحيح الذي يضمن وحدة المسلمين وارتفاع شأنهم وعلو كلمتهم ويريح الشيعة والمذاهب الإسلامية الأخرى من صراع مرير دام ألفا ومائتي عام. لو كنت أكتب كتابا في الفرقة وفي إثارة نار الطائفية وإثارة الخلاف بين المسلمين وفي
ضرب الشيعة بالسنة والسنة بالشيعة، لكان والله كتابي يطبع بالملايين ولوصل إلى يد كل واحد في المنطقة ولكانت أجهزة الإعلام تتحدث عنه باللغة التي تزيد الطين بلة والنار اشتعالا، ولكانت القوى الاستعمارية تصفق لهذا الكتاب وتشجع على مداولته وتروج لتوزيعه، ومن هنا فإنني لا ألوم بعض دول المنطقة؛ لأن توحيد الشيعة مع السنة وتحقيق وحدة إسلامية عريضة بعيدا عن الخلافات والنعرات الطائفية والعيش تحت لواء الإسلام كما كان المسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح والأئمة- تتناقض مع مصالح القوى التي تتحكم في مصالح شعوب المنطقة والعالم الإسلامي. ولا أريد أن أضيف أكثر من هذا لأنني لا أريد أن أدخل في صراع سياسي مع أي جانب. واللبيب من الإشارة يفهم ما يكفيه.
* * * *
(س): لماذا لم يستطع المناضلون الشيعة إسقاط النظام الشيعي المذهبي؟
(ج): لقد تحدثنا كثيرا عن النظام المذهبي الحاكم في إيران وأن له مؤيدين من الشيعة وهذه الطبقة المؤيدة تؤمن إيمانا أعمى بالمبادئ التي أسس عليها النظام الحاكم ويستوحي منها، وهي نظرية ولاية الفقيه ونظرية وجوب تقليد المجتهدين وأن من لم يقلد المجتهدين من الشيعة فعمله باطل عاطل وأن من يرد على الولي الفقيه فشأنه شأن الراد على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم. وما عدا هاتين الدعامتين اللتين عليهما بني النظام الفكري للشيعة الإمامية ومنها تفرعت كل البدع التي أردنا تصحيحها واستغلها المجتهدون وولاة الفقه لإحكام السيطرة على الشيعة واستعبادهم، فإن هذه الباع مجتمعة ومنفردة كانت ولا تزال تلعب دورا أساسيا في تفكير طبقة كبيرة منا نحن الشيعة الإمامية. وهنا لا بد من القول وبكل صراحة إن عشرين بالمائة من شيعة إيران هم الذين يؤمنون إيمانا أعمى بولاية الفقيه وما تفرع منها. وهناك الأكثرية الساحقة التي لا تؤمن بولاية الفقيه بمفهومها الآمر الناهي المطلق ولكنها تؤمن بتقليد المجتهدين وتبعيتهم، فهم في مرتبة أدنى حماسا لولاة الفقه من الطبقة الأولى التي أشرنا إليها. وهذه الأكثرية الساحقة التي لا تخلو عقائدها من البدع والتجاويف والتجاعيد أيضا هي التي لم تكن تؤيد في قرارة نفسها النظام المذهبي الحاكم. وكان الصراع يحدث بين هذه الأكثرية الساحقة التي فقدت حريتها على يد الأقلية الحاكمة التي لا تزيد على 20% من الشيعة. غير أن هذه الأكثرية لم يكن باستطاعتها قهر الأقلية التي كانت تقمع التظاهرات وإرادة الأغلبية بالنار والحديد. وهنا يكمن ذلك الخطر الذي أشرت إليه أكثر من مرة بأن الشيعة مهددة بالفناء والدمار على يد الشيعة أيضا. وذلك أن في النظم الاستبدادية السياسية عندما تحدث تظاهرة كبرى ويخرج الشعب برمته إلى الميادين والشوارع فإن القوى القمعية التي كانت أداة المستبد الحاكم في كثير من الأحيان لا تفتح النار على المتظاهرين لأنهم أخوة لهم ولأنهم يقارعون الاستبداد الحاكم. وفي كثير من الأحيان تلتحق أيضا بالمتظاهرين وتكتمل صورة الثورة الشعبية العامة التي تطيح بالحاكم المستبد كما حدث في الثورة التي أطاحت بالشاه من قبل. حيث إن القوى القمعية الاستبدادية من الشرطة والأمن والجيش كلها انضمت إلى الشعب الثائر وكانت الثورة شاملة، ولكن في الوضع الراهن وبما أن القوة المسيطرة على البلاد قوة مذهبية وهناك عشرون بالمائة من الشعب أو أكثر تعتقد بها وبفلسفتها وتتكون من هذه الأقلية القوى القمعية التي تسيطر على البلاد فإن كل تظاهرة شعبية ستقمعها هذه الأقلية بالنار والحديد وبدون رأفة ولا رحمة. إيمانا منها بأنها تقتل الأخوة في المذهب والدين بناء على أوامر الله ودستور القران وسيرة الإمام علي ولذلك لا تأخذها الرأفة بهم ولا يهمها أن تقتل ألفا أو مائة ألف في معركة واحدة أو أكثر وهي فخورة وشاكرة الله بأنها قضت على أعداء الدين المنافقين المارقين القاسطين. في هذه الحالة، فإن نجاح الثورة الشعبية لإسقاط النظام المذهبي الحاكم في إيران يكون أمرا عسيرا، وهنا أعرج على ما أود الجواب عنه وهو أن المناضلين من الشيعة الإمامية الذين قارعوا النظام طيلة عشر سنوات سلكوا طريقا خاطئا في تصوير المآسي التي ارتكبها النظام المذهبي الحاكم وفي تفسير الفجائع التي ارتكبها سواء في حربه مع الشيعة الجار أو في قتل الشيعة الجماعي في السجون والمعتقلات داخل البلاد، وفي كل ما كان يصدر منه من أمور تتناقض مع أركان الإسلام. لقد كانت المعارضة الشيعية في أجهزة إعلامها وفي صحفها وفي بياناتها تتهم النظام الحاكم وعلى رأسه الولي الفقيه والأيادي التي تعمل معه بأنها أعمال ضد الإسلام ومبادئه وإن الفئة الحاكمة ترتكب ما يتناقض مع الإسلام. وكانت المعارضة دوما تركز تركيزا شديداً على هذا الأمر وتحاول جاهدة أن تثبت لشيعة إيران أن النظام الحاكم يعمل ضد كل ما يمت بصلة إلى الإسلام من قريب أو بعيد. ولكن كان النظام قائما ومئات الآلاف كانوا يشاركون في صلوات الجمعة ومئات الآلاف كانوا يخرجون في تظاهرات تؤيد تأييدا مطلقا للنظام الذي سمي باسم الإسلام ولكن أعماله ضد الإسلام وضد القرآن بلغ من الوضوح وضوح الشمس في رابعة النهار.
هذا هو الخطأ الذي وقعت فيه المعارضة الشيعية في إيران وخارج إيران وكل القوى الإسلامية التي كانت تزعم أن فضح النظام الحاكم في إيران إسلامياً ودينيا سيؤثر عليه داخل البلاد وأمام المؤمنين بالنظام ولكن لم يحدث شىءكهذا.
إن الخطأ الرهيب الذي وقع فيه المناضلون الشيعة هو أنهم لم يعرفوا لغة التخاطب مع الشيعة في إيران سواء تلك الأقلية التي أشرت إليها أو تلك الأكثرية التي تحدثنا عنها فإنهم شيعة قبل أن يكونوا مسلمين. والإسلام في نظرهم هو التشيع والمذهب الحق الذي جاء الإسلام لأجله هو المذهب الشيعي بالشكل الذي نسجه الفقهاء وولاة الفقه بعد الغيبة الكبرى وبعد أن غيروا حقيقة التشيع الناصع الباهر المتمثل في فقه أهل البيت إلى ما هو عليه الآن، إن الشيعة في إيران تنظر إلى كل المقاييس الإسلامية من الزاوية الشيعية، ولذلك فإننا لا نجد غرابة عندما نرى أن أكثرية فقهاء الشيعة كتبوا أن الإمامة أصل من أصول الدين ولولا الإيمان بذلك فإسلام المرء ناقص لا يقبل منه. وبذلك حدث الخلاف الأساسي العميق بين الشيعة والمذاهب الإسلامية الأخرى في فهم الإسلام. ويعني كلامي هذا أنه عندما كان المناضلون الشيعة يركزون لفضح النظام المذهبي الحاكم على الشيعة بأن أعمال هذا النظام تتناقض مع الإسلام ولم يجدوا استجابة أو تحمسا من الشيعة لقبول هذا النداء إنما كان ذلك لأن الزعامة الروحية الحاكمة كانت تفسر تلك الأعمال تفسيرا شيعيا يتلاءم مع المبادئ الشيعية التي فرضوها علينا نحن الشيعة الإمامية. ولذلك كانت تسقط حجة المعارضين ويذهب كلامهم هباء. أما لو كانت المعارضة الشيعية بدلا من اتهام النظام المذهبي الحاكم في إيران بالخروج والمروق على الإسلام كانت تتهمه بالخروج على التشيع والمروق عن مبادئه وإعلام أن ما يصدر منه إنما هو ضد المبادئ الشيعية بل تحطيم لها فكانت الأمور كلها تنقلب إلى غير ما توصلت إليه، فبدلا من أن يخاطب الشيعة في إيران بأن الحرب ضد الإسلام، كان من الأجدر أن يخاطب ويقال لهم بأن الحرب ضد التشيع، وإن إعدام المعارضين إنما هو ضد التشيع وأن تجريد الأمة بكاملها من أبسط حقوقها في حرية تقرير المصير إنما هو ضد التشيع.
وأن وجود هذا النظام بهذا الشكل إنما هو إساءة للتشيع وسيكون نهاية التشيع على يده. وكان على المعارضة أن تأتي بأدلة وأمثال تؤيد هذه الادعاءات من عمل الإمام علي وسيرته وعمل الأئمة وسيرتهم وكلامهم. فحينئذ كانت تلك الأقلية الشيعية تقف ضد النظام الحاكم بما فيها القوى القمعية التي تساند النظام وحتى تلك الأكثرية التي كانت تغضب حينا وتسكن أحيانا كانت تصبح كلها كتلة واحدة للقضاء على النظام الذي يهدد المذهب الذي ينتمي إليه ويقوم بأعمال تتناقض مع المذهب ومبادئه. فلقد قالوا إن مصادرة الأموال ضد دستور الإسلام. وكان من الأجدر أن يقال إن مصادرة أموال الشيعة ضد المذهب وأن الحرب هذه ضد الشيعة والتشيع وهكذا دواليك.
إن المناضلين من الشيعة لم يعرفوا وحتى هذا اليوم لغة التخاطب مع الشيعة في إيران وغير إيران؟ وبذلك لم تستطع المعارضة تكوين رأي عام يستطيع القضاء على النظام. ثم كان من الضروري ألا تكتفي في هذا التخاطب باتهام النظام المذهبي الحاكم أنه ضد التشيع وضد الشيعة. بل كان يجب على المناضلين وهذا ما يجب عليهم فعلا أن يركزوا تركيزا شديداً وحادا على أن المحور الأساسي للحكومة المذهبية الشيعية إنما هو البدع والتجاويف والتجاعيد التي عليها بنيت دعائم ملكهم، وأن هذه البدع والتجاويف ما دامت موجودة في العقيدة الشيعية وفي العقل الجمعي الساذج فإن هذا النظام يبقى والشقاء يبقى. إن التشيع الحقيقي الذي كان في عهد أئمة الشيعة يتناقض تماما مع هذا التشيع الذي ينادي به الفقهاء. لذلك فإن كل ما صدر عنهم من أعمال سيئة وإن فسرت تفسيرا شيعيا لكي تلقى قبولا لدى عامة الشيعة، فإنها في حقيقتها تتناقض مع مبادئ التشيع الصحيح والفقه الجعفري الذي يمثل فقه الإمام الصادق النقي الوضاء، فإذن كان الخطأ الذي ارتكبته المعارضة الشيعية هو عدم تحريك الوجدان الشيعي المكيف بالتكييف الصناعي على يد الفقهاء والمجتهدين وعدم الارتكاز على بيان تلك البدع وتفنيدها وإظهار حقيقتها وبيان الحقيقة التي لا تدع مجالا للشك بأن عقائد الشيعة الإمامية في عصر الأئمة كانت شيئا يختلف تماما ويتناقض كليا مع عقائد الشيعة الإمامية بعد عهد الأئمة وهذا هو الذي أثبتناه في الكتابين اللذين أشرنا إليهما.
وفي اليوم الخامس من شهر أكتوبر من عام 1989م عين الشيخ الذي يرأس الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستشارا للشؤون السنية اسمه مولوي إسحق مدني، وهل هناك دليل أوضح من هذا على ما ذهبت إليه قبل قليل من أن مشايخنا- سامحهم الله- ينظرون إلى الإسلام كأمر لا صلة له بالعقيدة التي يدعون الانتماء إليها. وإلا فماذا يعني اختيار مستشار للشؤون السنية لبلد إسلامي اسم نظامه الجمهورية الإسلامية، يشارك شعبه المسلمين في قبلتهم وقرآنهم وحجهم وصلاتهم وصومهم وأركان عبادتهم وهل هناك فرق بين الإسلام والسنة؟
والأغرب من هذا أننا نحن معاشر الشيعة الإمامية نعتقد بأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله أي (السنة التي ينتمي إليها أهل السنة) ويأتي موقع السنة النبوية قبل الإجماع والأدلة العقلية ويعني هذا أن كل شيعي جعفري المذهب إنما هو سني بالضرورة العقلية شاء ذلك أم أبى ولكن لا عكس في ذلك. فقد يمكن أن يكون السني شافعيا أو حنفيا أو مالكيا ولكن ليس جعفريا، أما الجعفري فلا بد أن يكون سنيا؛ لأن السنة هي الطريق إلى فهم الأحكام والتشريعات الفقهية عنده.* * * *
(س): هل يوجد حل لخلاص الشيعة من محنتها غير التصحيح؟
(ج): هناك حل وقتي وهو الخلاص من هذا النظام الحاكم وهو الذي يتمناه المعارضون للنظام الحاكم على الشيعة الإمامية في إيران. وكل من المعارضين يعمل بطريقته للخلاص من هذا النظام. وقد تنجح المعارضة على المدى القصير أو البعيد إلا أنني أعتقد أن هذا النظام الذي لا يمت إلى الإنسانية بكل شكل من أشكالها بصلة ولا إلى الأديان السماوية بأي قسم من أقسامها بصورة أو بأخرى أنه نظام شاذ، لا يمكن أن يستمر في الوجود كثيرا. ولكنني أنظر إلى المشكلة من بعد آخر وهو أن النظام بعد سقوطه- وكما قلت- فإن الشيعة تبقى مهددة بالخطر والفناء ما دامت توجد في أعماقها المبادئ غير السليمة التي زرعها الفقهاء والمجتهدون زورا وبهتانا، كما أنني لا أستبعد أيضا أن يقوم هذا النظام بمغامرة أخرى في المنطقة مستغلا الساذجين والمستضعفين في العقل. وحينئذ تكون الطامة الكبرى. وها أنا أرى نفسي في موقع يجب علي أن أكون صريحا مع الشيعة والسنة في هذه اللحظة التي أطلق فيها هذا النداء وهو أن الخطر الذي يهدد الشيعة هو في حجم أكبر مما تتصوره الشيعة والعالم الإسلامي، والخطر منصب على الشيعة نفسها في عقر دارها قبل الدول المجاورة. وأرجو ألا يسألني سائل لماذا أتحدث عن الشيعة في هذا النداء ولا أذكر شيئا عن الملايين من الفرق الإسلامية الأخرى التي تعيش في القطر الشيعي الكبير إيران.
إن الغرض من هذا النداء هو مخاطبة الأكثرية الشيعية التي تقطن في إيران، حيث لها كيانها وإمكاناتها ومواردها وهي التي سببت المحنة لنفسها وللمسلمين المتواجدين في إيران وفي غير إيران. وأعود لما كنت فيه وأود هنا أن أفصح وأكشف السر عن الخطر العظيم الذي أشرت إليه سابقا وهو حرب السنوات الثمانية التي قام بها النظام المذهبي الشيعي في إيران لقتل الشيعة وغيرهم في العراق وأثبت بذلك أنه عندما تصطدم القومية بالمذهب فإن القومية تتغلب عليه وإلا ما كان النظام المذهبي يأمر بقتل شيعة العراق وهدم المدن الجنوبية التي كلها مدن شيعية بالصواريخ والقنابل طيلة ثماني سنوات كاملة. وعندما قبل النظام بوقف إطلاق النار لم يقبل لسبب ديني أو مذهبي أو إنساني أو دولي، بل خضع للهزيمة النكراء التي مني بها، والتي عبر عنها الولي الحاكم بأنه (تجرع كأس السم) كما سمعه العالم، هذا يعني أن المبادئ الأساسية في المذهب الشيعي حسبما صورها الفقهاء تسمح بتكرار عمل كهذا مرة أخرى وأن من الممكن جمع القوى مرة أخرى واستغلال السذج والمؤيدين لولاية الفقيه لشن حرب جديدة، وفي أبعاد أكثر اتساعا وعمقا لتصدير الثورة الشيعية التي تسمى (إسلامية بالتقية)، وبما أن الشيعة مهما وصلت من القوة ومن السطو فهي تعد أقلية في العالم الإسلامي، ولا يزيد تعداد نفوسهم على عشرة بالمائة من المسلمين. فإن التغلب على الأمة الإسلامية بحجمها الوسيع والعريض أمر يستحيله العقل ويرفضه المنطق وضروريات الزمان والمكان، ولكن المغامرين الذين غامروا بالشيعة طيلة ثماني سنوات وغامروا بها في النكبات السابقة(1) عبر التاريخ قد يقومون بمغامرة أخرى عندما يجدون الفرصة متاحة لهم حسب زعمهم، وكلنا نعلم أن في الحروب لا تقدم الزهور، بل تكون الأسلحة الفتاكة هي التي تتكلم، وتاريخنا المعاصر يشهد أسلحة فتاكة ومدمرة كيميائية ونووية وغير ذلك مما يحدث دمارا وفناء لا مثيل لهما في التاريخ الإنساني. وألخص رأي بكلمة واحدة: هل الشيعة تريد أن تجرب على نفسها هذه الأسلحة المدمرة لسواد عيون ولاة الفقه والمجتهدين؟ وهل تريد الشيعة أن تباد وتفنى في سبيل إرضاء هذه الفئة التي عاملتها عبر التاريخ معاملة الجزار للقطيع؟ وأرجو أن تسمح لي الشيعة الإمامية أن أوضح كلامي بعبارة أخرى ما دمنا نحن الشيعة الإمامية نعتقد بأننا الفرقة الناجية فحسب بين الفرق الإسلامية، وما دمنا سمعنا من فقهائنا أن قتل المسلمين سواء كانوا شيعة أو سنة في سبيل ضمهم إلى الفرقة الناجية أمر تجوزه العقيدة المذهبية والذي يقتل في هذا السبيل يكون شهيدا ويذهب إلى الجنة تلقفه الحور العين من كل جانب، وما دام أن التجربة أثبتت ما أقوله طوال ثماني سنوات كاملات وكان يشهدها العالم الإسلامي كل يوم على شاشات التلفزة، وما دام الحاكمون على الشيعة هم الأشخاص أنفسهم ذوي العقليات المتخلفة المتعصبة الذين كان إمامهم يقول لو انتصرنا فقد انتصرنا ولو هزمنا فقد انتصرنا أيضا، وأقل ما يمكن أن يقال فيهم أنهم مجرمو الحرب وامتداد لتلك العصبة التي عانينا منها ما عانينا وما دام قائد القوات المسلحة لهذا النظام يخاطب الولي الفقيه بقوله:
لو قلت لنا إن هذه البطيخة نصفها حلال ونصفها حرام لأكلنا النصف الحلال وتركنا النصف الحرام، وما دامت هناك فئة كبيرة تصفق لمثل هذا الكلام وتقول له نعم، وهي لا تفكر قط أن هذا الكلام لو كان يصدر عن زعيم وعن قائده العسكري في بلد ديمقراطي متحضر لكان مصيرهما في اللحظة نفسها مستشفى المجانين.
وما دامت هناك فئة كبيرة تمثل الفئة التي بكت أمفسيس عند وفاته، فإن خطر إقحام الشيعة في مغامرة كبرى أمر وارد، إنها المغامرة التي يكون إبادة الشيعة وجمع كبير من الفرق الإسلامية الأخرى، إنه لأمر مخيف مرعب حقا. ومن هنا فإنني أرى حلا واحدا لإنهاء هذا الخطر الذي يحدق بنا نحن الشيعة الإمامية قبل غيرنا أو بالأحرى يحدق بكافة الفرق الإسلامية، وإذا أردت التعبير الصحيح، الخطر الذي يحدق بالإسلام والمسلمين أينما وجدوا، فإن هذا الحل يتحقق بوسيلة واحدة هي إيقاظ الشيعة لتعرف البدع التي بواسطتها استجابت لخوض تلك المحن جنتها على نفسها وعلى غيرها من أخوة مسلمين. وهذا لا يمكن يحدث إلا بأن يصل نداء التصحيح إلى أولئك الذين أضلتهم ولاة الفقه والزعامة المذهبية الحاكمة، ومن ثم أن نعطي المصائب التي حلت بالشيعة في ظل ولاية الفقيه الأبعاد الحقيقية لها، وأن نظهرها كما قلنا في حجمها الشيعي. فهل يا ترى عندما أعدم النظام الحاكم في يوم وقف إطلاق النار في حربه مع الشيعة في العراق بضعة آلاف من المسجونين السياسيين الشيعة في سجون إيران الشيعي وتحدثت عن هذه الفاجعة الكبرى كل أجهزة الإعلام العالمية وحدثت مسيرات عالمية قام بها المناضلون الشيعة وغير الشيعة. وكان بين هؤلاء الذين أعدموا مئات الفتيات ومئات من الشيوخ ومئات من الجرحى وكثير منهم قد أنهوا مدة حكمهم وكانوا على وشك الخروج من السجن. وإذا بولي الفقيه يريد أن ينتقم لهزيمته في الحرب من هؤلاء المسجونين المقيدين بالسلاسل والأغلال فأمر بإعدامهم، ونفذ فيهم حكم الموت خلال أسبوع واحد، ولم يرحم أحدا منهم. ومع كل هذا فإن الشيعة في إيران عرفوا بهذا النبأ المفجع واستقبلوا أكبر مجزرة في التاريخ الشيعي بفتور كبير.. لماذا؟
لأن المعارضة لم تذكر الفجيعة على حقيقتها، فلم تصف المأساة أنه قتل بضعة آلاف شيعي من الشيوخ والشباب والفتيات المراهقات على يد النظام المذهبي الشيعي وبأمر من الولي الفقيه الشيعي بل وصفت الذين قتلوا على يد النظام بأنهم شهداء مناضلون سياسيون أما النظام فوصفهم بالمنافقين، وقلوب الشيعة الموالين للنظام الحاكم لم تهتز لمثل هذه الفجائع.
وضمن هؤلاء الشيعة شيعة العالم الموالين للنظام الحاكم في إيران، فلم لم يهتز ضميرهم لهذه الفاجعة؟ لأنها في نظرهم كانت فاجعة إيرانية قومية فحسب وكأنها خارجة عن نطاق المذهب الذي يؤمنون به، ولو أنهم سمعوا ووعوا وعرفوا أن هؤلاء الذين أعدمهم النظام الحاكم كانوا شيعة يصلون على التربة الحسينية في صلواتهم ويقولون أشهد أن عليا ولي الله أذانهم، فحينئذ لخرجت الشيعة في العالم عن صمتها الرهيب فيما يحدث لإخوة لهم في إيران وتغيرت نظرتها إلى النظام الحاكم.
وهنا لا بد أن أكشف بعض الأمور التي يجب على الشيعة من قوميات أخرى أن يعرفوها ويلموا بها ليعلموا أنني حينما أتحدث عن الخطر المحدق بالشيعة على يد هذا النظام المذهبي لا أسوق الحديث جزافا، ولكنني أثبت أن النظام المذهبي الشيعي في إيران ينحو نحو العنصرية والعرقية في معاملته مع الشيعة غير الإيرانيين ويريد أن يجعلهم كبش الفداء لشيعة إيران.
لقد أرسل النظام الحاكم في إيران أيام الحرب الشيعية وفدا إلى باكستان من رئيسها المتوفى ضياء الحق الموافقة على مشاركة متطوعين من شيعة باكستان في الحرب ليأخذوا مواقعهم في مقدمة الحرس الثوري، ولكن ضياء الحق رفض هذا الطلب، ومرة أخرى أمرت الزعامة في إيران بتجنيد كل الشيعة العراقيين اللاجئين في إيران وإرسالهم إلى جهات القتال ووضعهم في مقدمة الحرس الثوري، وعندما احتج بعض زعمائهم على هذا الأمر قيل لهم بصلافة وشدة:
إنكم أهل الكوفة قتلتم الإمام الحسين وقدحان الوقت لتكفروا عن ذلك بتفا************م في ترويج المذهب الشيعي. ولست أدري هل تعلم الشيعة أن هذا النظام الإرهابي الذي يحكم الشيعة ويهدد العالم بالإرهابيين الذين يستأجرهم ويدفع إليهم المال الجزيل ويهدد بهم أمريكا وفرنسا وإنجلترا ويأخذ من تلك الدول الإتاوات، لماذا لم يستخدم حتى اليوم إرهابيا واحدا من شيعة إيران لأغراضه؟ بل كلهم من الشيعة الذين لا ينتمون إلى القومية الإيرانية بأي صلة، فبعضهم من شيعة الكويت، أومن شيعة لبنان، أومن شيعة باكستان، أو من شيعة العراق. ولكن أين شيعة إيران في هذه المجموعة الكبيرة؟ ولماذا لا يستخدم النظام الشيعي الحاكم شيعيا إيرانيا واحدا لأغراضه الدنيئة؟ أليس هذا دليلا واضحا على أن النظام المذهبي الحاكم في إيران الشيعي نظام مذهبي عرقي عندما يصطدم المذهب بالعرق يفضل العرق على المذهب ويفني في سبيله كل العروق؟ فهل تريد الشيعة في العالم أن تجعل من نفسها فداء لأطماع الزعامة الشيعية الإيرانية؟ اللهم إني قد بلغت.
لقد شهد العالم الشيعي المهزلة الكبرى في تاريخ الأمة الشيعية، حيث اختار مجلس الخبراء المكون من مائة فقيه أو أكثر رجلا للزعامة الشيعية كل ما لديه من الفضيلة والعلم أنه كان خادما مطيعا لولي الفقيه طوال ثماني سنوات من حكمه، وكان يحسن قراءة التعزية في مجالس الموتى. وعندما تصل الزعامة المذهبية إلى هذا الهزال ويستامها كل مفلس ويسكت على ذلك المجتهدون والفقهاء الذين يرون أنهم أجدر وأولى لإشغال هذا المنصب، بل يباركون هذه الفوضى المذهبية غير الأخلاقية في القول والعمل الذي يصدر عن الفقهاء لكي تبقى الزعامة المذهبية بشكلها الجائر مستمرة إلى حين، فيعني هذا أن الشيعة أصبحت كالكرة تركلها الأقدام وتطيح بها من مكان إلى مكان، وكل هذا حتى تبقى اللعبة المذهبية مستمرة على حساب الشيعة، ومسيطر عليها، ويفتك بها آناء الليل وأطراف النهار. من هنا أنطلق لأقول: إن التصحيح والعودة بالعقيدة الشيعية إلى التشيع الذي كان يسود الشيعة في عصر الأئمة أي الأخذ بالمذهب الفقهي للإمام الصادق، والعودة إلى عصر الرسالة وما كان عليه السلف الصالح لهو خير ضمان كي لا تتكرر المآسي التي أصابت الشيعة مرة أخرى، وكي لا يجرؤ أقزام مجرمون أن يحكموا الشيعة بالنار والحديد أو بعقائد وبدع هي أشد وأنكى من النار والحديد.
* * *
الصعوبات والآمال
عندما أتحدث عن التصحيح في عقيدة تغلغلت في أعماق الملايين واستقرت في العقول الساذجة قرنا بعد قرن ووراءها قوم ذوو بأس شديد يملكون كل مقومات التضليل والإرهاب ولا سيما أن هناك وراء الفكرة نظاما له كل مقومات الدولة ما عدا الأخلاق والإيمان بما يعلنه في العلن - وينادي به للناس- أعرف حينئذ أن هناك آلافا من رجال الدين يرتزقون ويعيشون على البدع التي نريد تصحيحها ويقفون ضد التصحيح، شاهرين أسلحتهم على المنابر وفي الكتب والجرائد العميلة، وفي الندوات الخاصة والعامة، وأعرف جيدا أن هناك الدول الاستعمارية الكبرى التي تحارب وحدة المسلمين ولا تريد لهم خيرا أو سعادة، وأعرف جيدا أن هناك عملاء للاستعمار وهم يتبرقعون ببرقع المخلصين للشيعة ويبذلون الملايين على طباعة كتب التفرقة وعلى تأسيس المجالس والجمعيات التي تنادي بالفرقة والتمزق تحت شعار حب الشيعة أو حب الإمامية أو حب أهل البيت وغيرهم، وأعرف جيدا أن هناك فئات ساذجة العقول تسير نحو الانحدار ولا تؤمن بالتصحيح وهي متشبثة بما وجدت عليه آباءها وأجدادها الأولين وهي على خطاهم تسير؛ فقد تعلمت عندما كنت أدرس تاريخ الحركات الإصلاحية أن الدعوة للإصلاح الفكري عملية جبارة ضخمة لها من المنغصات ما لا يعد ولا يحصى، ولقد قلت في مقدمة هذا النداء وأكرر أن دعاة التحرر السياسي يلاقون تأييدا من الطبقة التي يريدون تحريرها، أما دعاة التحرر الفكري فلا يجدون في كثير من الأحيان غير الأشواك، ولذلك لم أتعجب قط عندما انبرى لنقد الشيعة والتصحيح ولشتمي رجل من قزوين في إيران منحدر من أصل يهودي معروف بعمالته للاستعمار، إلا أنني أعلم أيضا أنه كثيرا ما تنقلب هذه الأشواك إلى ورود زاهرة تتناولها الأيدي جيلا بعد جيل؛ وذلك يعطي الإصلاح الفكري أكله ويقتنع به الناس.
وبما أنني قد ذكرت الصعوبات والهموم فلا بد من ذكر الآمال أيضا.
أضع في مقدمة الآمال وقبل أي اعتبار آخر الإيمان بانتصار الحقيقة مهما هددته الأخطار، ومهما سعى الأعداء لهزيمتنا وإضعافنا. وعندما نمعن النظر جيدا في تاريخ الإصلاحات الفكرية والاجتماعية و نجد أن كل واحد منها مهما كان محفوفا بأخطار جسام، إلا أن الحقيقة والحق انتصرا في نهاية المطاف، لأن الحق يستمد قوته من صاحب الحق الذي أمرنا باتباعه وهو الله قاصم الجبارين وناصر المظلومين، فالمظلوم الفكري كالمظلوم السياسي ناصره هو ناصر المظلومين، ولا شك كلمة الحق لها تجلياتها الخاصة وهي تطفى الباطل مهما كان قويا، فلقد رأيت- منذ أن بدأت بمخاطبة الشيعة بكلمة الحق الذي هو التصحيح الذي جاء في كتابي "الشيعة والتصحيح " و"الصرخة الكبرى"- أن طبقة مثقفة جليلة القدر والشأن من أعلام الشيعة تؤازرني وتؤيدني وتبعث لي برسائل التشجيع والتأييد وتلح علي أن أسير في نهج التصحيح ليل نهار وبلا تعب ولا وجل، وكنت أرى شبابا من الشيعة وصلوا إلى مرحلة من الثقافة العالية وهم يقفون مع التصحيح ويعتقدون بأنه الطريق الوحيد المؤدي إلى إنقاذ الشيعة من البلاء الذي أحدق بها من كل جانب.
كنت أستمع إلى شباب مثقفين من الشيعة وهم يبكون ويندبون حظ الشيعة لما أصابهم من سؤ السمعة في العالم واتهامهم بالإرهاب وبأعمال جنونية كلها كانت تصدر عنهم في يوم عاشوراء من كل عام في يوم ذكرى الحسين عليه السلام، حيث تعرض شاشات التلفزة العالمية على المجتمع البشري صورة بشعة لآلاف منهم وهم يضربون رؤوسهم بالسيوف وأكتافهم بالسلاسل والدماء تسيل على جوانبهم وهم يقولون واحسيناة. فوالله إن سيد الشهداء وإمام الثائرين وسيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة سيدة نساء العالمين لهو أول من يتبرأ أمام الله يوم القيامة من هذه الشرذمة التي شوهت معالم ثورته وشوهت صورة جهاده الطاهر، وشوهت المبادئ التي ثار لأجلها واستشهد بسببها وكم كنت أرى كثيرا من الشيعة المثقفين وهم يندبون حظ الشيعة للأعمال التي ارتكبت في القطر الشيعي باسم المذهب الشيعي تارة وباسم الإسلام تارة أخرى.
كنت أسمع وأرى أن التصحيح بدأيعطي ثماره، ولولا تلك الرقابة التي فرضتها بعض دول المنطقة على كتاب التصحيح، ولولا الحصار الذي فرضه النظام الحاكم في إيران حول هذا الكتاب ومنع تداوله ونشر أي فصل من فصوله، أو حتى ذكر بيانه لكان التصحيح قد قطع شوطا طويلا وعميقا في الفكر الشيعي.
ولكن أملي كله معقود على يوم غد عندما تشتد سواعد ثلاثة ملايين طفل يتمتهم حرب الشيعة مع الشيعة وغير الشيعة في العراق وعندما تشتد سواعد مائة وخمسين ألف طفل يتمتهم محاكم الثورة الشيعية في إيران التي أرسلت آباءهم وأمهاتهم إلى أعواد المشانق جورا وزورا وبطلانا، ولقد قاسوا مرارة اليتم والبؤس والشقاء، فحينئذ يكون للتصحيح جيش يزحف على الباطل ويقمع أهله ويأخذ ثأره من أولئك الذين اتخذوا من البدع وسيلة للسلطة والسيطرة والاستبداد والحرب. وهنا أود أن أذكر قصة لها من الأهمية مكان، حيث تثبت لنا كيف تخيف كلمة الحق ولو أطلقت في الفضاء البعيد السلطة الظالمة الحاكمة؛ فقبل أكثر من عامين اتصل بي عبر الهاتف أحد أقربائي من داخل القطر الشيعي الكبير وألح علي أن أقبل التحدث مع الآمر والناهي على الشيعة في إيران إنه ابن الولي الفقيه المسيطر على زمام الأمور صغيرها وكبيرها. فقلت للوسيط، ماذا يريد الرجل مني أهو استرضاء أم خدعة؟ وسواء كان هذا أو ذاك، فلا بد أنه يحس بخطر يريد تفاديه أو اتقاءه أو بفائدة يريد أن يجنيها، ولولا ذلك لما فكر قط أن يتنازل ويطلب التحدث إلى عدو لدود. وأضفت لمحدثي قائلا: قل له إن كانت الخدعة فإننا نعوذ بالله منها، وإن كان استرضاء فأنا أعده وعد الرجال، ألا يصيبهم مني أذى في القول أو العمل، إذا ما أوقف حرب الشيعة مع الشيعة وغير الشيعة، لقد كفانا ما أصابنا من البلاء وإراقة الدماء وقتل الأرواح، وسألت الرجل الوسيط إذا كان قد قرأ كتاب "الجمهورية الثانية"، وهل قرأ ما كتبته عن أبيه وهل قرأ عن نهايتهما؟
قال: إي والله قرأه كما قرأه أبوه ومع هذا يرغب في التحدث إليك. فقلت: كلا الشرط هو الشرط. ولم تتوقف الحرب بعد هذه المحادثات، واستمرت قرابة عامين حتى كانت هزيمتهم بإذن الله.
وقبل أسبوعين أو أقل بقليل، إذا بمحدثي يطلبني عبر الهاتف ويعيد الكرة في القول ويقول: الآن وقد وضعت الحرب أوزارها فهل تقبل بالتحدث مع الرجل؟
قلت: لا أحب اللف والدوران وتضييع الوقت، قل لي بصراحة ماذا يريد مني الرجل؟
قال: يريد أن يتحدث معك حول كتاب الشيعة والتصحيح.
قلت لصاحبي: وما شأنه بالشيعة وما شأنه بالتصحيح؟ لقد كفى الشيعة ما عانته على يده وعلى يد أبيه طيلة عشر سنوات، وما زالت تعاني على يد خلفائه ثم أضفت قائلا:- لقد سبق السيف العذل.
وقال:.........
وقلت:........
وانتهى الحديث.
ذكرت هذه القصة التي بين أولها وآخرها ثلاث سنوات من عمر الزمان ولكنها تحكي بأن القوى الحاكمة على الشيعة مع ما لديها من الإمكانات المادية والبشرية مع ذلك تحس بالهوان والذلة والضعف وكأنها تنتظر مصيرا لا مناص منه، وهذا المصير قد تحققه ثورة الثائرين أو تصحيح المصححين.
* * * *
(س): ما هو الحل؟
(ج): لقد تحدثنا كثيرا في هذا النداء عن التصحيح. وما يسهل التصحيح أنه مقاطعة سلبية وليس عملا إيجابيا، وهذا يسهل رسالة الدعوة على الدعاة وعلى الشيعة معا، ولكن ما الطريقة للوصول إلى إفهام العامة من الشيعة ماهية التصحيح وكيفية العمل به؟
وهنا فإني أوجه النداء إلى طبقتين متميزتين من الطبقات الشيعية، وهما الطبقة المثقفة والطبقة الثرية، أما ندائي إلى الطبقة المثقفة فهو أن طبع كتاب أو كتابين، أو إصدار نداء أو نداءين لا يضمن التصحيح في صورته الواسعة، لا سيما ونحن نرى أن النوافذ مغلقة حولنا فكيف نستطيع أن نطلق صوتنا ودعوتنا من النوافذ المغلقة، إلى عامة الشيعة؟ إن ما تسمعه الشيعة من وراء هذه النوافذ هو كمن يرى الشبح في الظلام،؟ ولا يمكن أن يعطي التصحيح أكله إلا بعد أن تنتشر الدعوة وتقوم الطبقة المثقفة في أرجاء الأرض، وكل بلغته: لبيان التصحيح. وهنا أخاطب الذين بايعوا التصحيح واستجابوا لندائه، وإن كانوا قلة في الوقت الحاضر، إلا أن هذا العدد سيكبر ويكبر بناء على حتمية التاريخ، وسترجح كفة العقل والمنطق على كفة السذاجة والجهل والدجل والخزعبلات. ولقد أثبت التاريخ أن الأمور العظام قامت بها فئة قليلة وبشر بها أناس قليلون، سرعان ما انتشر الحق محل الباطل كانتشار النار في الهشيم، إن اللغة التي يجب أن نخاطب بها الشيعة الإمامية هي لغة العقل والمنطق التي استوحيناها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح وعمل أئمة الشيعة عليهم السلام. إن كل ما يمليه و التصحيح هو إقناع الشيعة بالمقاطعة الشديدة للبدع والخزعبلات التي أمليت عليهم، وهذا أمر سهل لو استطاعت الطبقة الداعية للتصحيح أن توضحه للشيعة، وأن تربط ربطا مباشرا بين المآسي التي حلت بهم وبين هذه البدع، وأن توضح الصلة بينهما وبين ما حل بالشيعة بسببها. وهذا يعني بكل صراحة أن على الشيعة أن يحسوا بقلوبهم وعقولهم ومشاعرهم ووجدانهم أن ما أصابهم من أذى ولظى عبر التاريخ إنما كان بسبب هذه البدع والتجاويف والتجاعيد التي أدخلت على العقيدة الخالصة المتمثلة في حب أهل بيت رسول الله والأخذ بمذهب الإمام الصادق الفقهي.
على الطبقة الداعية للتصحيح أن تخاطب الشيعة بعبارات وتضع النقاط على الحروف وتقول: يا معشر الشيعة إن الذين جعلوا الإمامة إلهية إرثية وجعلوها أصلا من أصول الدين، والله لم يقصدوا من ذلك رفع شأن أئمة هداة مهديين، فلأئمتنا من علو الشأن ما يعلو الفرقدين، ولكن الغرض من هذا إنما كان لنقل صفات الأئمة وخصائصهم وما نسب إليهم من صلاحيات إلى الفقهاء وولاة الفقه لكي تحكمهم هذه الفئة إلى يوم القيامة مدعين لأنفسهم كل الفضائل من تقى وعقل وحكمة وعصمة، ولجعل أنفسهم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولإضفاء صفات الألوهية على أنفسهم، حيث ادعوا بأن الراد عليهم كالراد على الله يجب قتله وقلعه. فوالله يا معشر الشيعة إن هؤلاء الفقهاء ومدعي الفقه. عباد أمثالكم، مثلهم كما تنص عليه الآية الكريمة:
"يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " (الحج: 73).
إن الواجب الأساسي على الطبقة المثقفة الموالية للتصحيح والداعية إليه أن تفهم تلك الفئة الساذجة من الشيعة الإمامية بأن هناك ربطا مصيريا بين معاناة الشيعة والبدع والخزعبلات التي ألصقت بالعقيدة الخالصة واستغلتها الزعامات المذهبية وبنت عليها صروح الجبابرة.
إن أكثرية الشيعة في تاريخنا المعاصر تعيش في القطر الشيعي الكبير وهي تعاني فقدان أبسط حقوق الإنسان، فالنظام المذهبي الذي يحكم هذه الأكثرية بالنار والحديد وسلبهم الحرية الفردية والاجتماعية إنما قام بذلك مستندا على البدع التي تؤيد سلطة الفقهاء. ويعني هذا أن هناك صلة مباشرة بين الاستبداد وبين ذلك النظام، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن كل ما يترتب على الحكم الاستبدادي من تخلف وجوع وفقر وجهل ومرض إنما هو بسبب فقدان الديمقراطية التي تستطيع الأمة أن تنهض في ظلها بكل واجباتها ومقوماتها. فإن النظام المذهبي الاستبدادي هو السبب المباشر لتلك المآسي التي هي النتيجة المباشرة للحكم الاستبدادي الفردي.
إن من المؤسف حقا أن نرى المجتمعات الشيوعية الملحدة تثور ضد الطغيان، والاستبداد، وتنال بعضها حريتها، وتقرر مصيرها وفق إرادتها وخمسون مليونا من الشيعة الذين يذكرون اسم الله جل جلاله ليل نهار يعيشون في ظل استبداد قاتم ليس له مثيل في تاريخ البشرية. إن صلة المآسي التي تحل بالشيعة ليل نهار بنظام الفقهاء والبدع التي بنوا عليها طغيانهم المخيف لا تنحصر في سلب الحرية الاجتماعية والفردية والفكرية من الشيعة، بل أخذت تتغلغل في داخل أعماق المجتمع الشيعي، حيث جعلتهم ضحايا العقيدة والسياسة معا، فلو أن الشيعة الإمامية فكرت مليا لعرفت أبعاد المؤامرة التي حاكها الفقهاء ضدها. وهنا أعدد بعض ما أدخل في العقيدة الشيعية والتزم الشيعة بها وهم لا يعرفون الصلة بين ذلك وبين المعاناة التي يعانونها.
إن أول هذه الأمور هو تقليد عوام الشيعة للفقهاء والمجتهدين تقليدا أعمى، وهذا التقليد جر عليهم من المصائب ما لا يعد ولا يحصى، فيا ترى ماذا كان الأفضل للشيعة الأخذ بفقه الإمام الصادق أم الأخذ برأي المنتمين إليه؟ وهنا يأتي دور الطبقة المثقفة أن تفهم الشيعة أن عليها أن تأخذ بفقه الإمام الصادق وألا تأخذ لنفسها إماما وفقيها غيره، وبذلك تأخذ الأحكام من منهلها الأساسي الصحيح. وهنا أشير إلى المعاناة الثانية التي تعانيها الشيعة، وهي ترهق كاهلهم الاقتصادي دون أن يكون في ذلك رضا الله ورسوله، إنه الخمس في أرباح المكاسب الذي ابتدعه ولاة الفقه لكي يشاركوا الشيعة في أرباح مكاسبهم، ويجب على الشيعة ألا يخضعوا لهذه الضريبة التي ما أنزل الله بها من سلطان. إن هناك معاناة ثالثة تعانيها الشيعة ولها صلة مباشرة بالسير وراء المجتهدين وولاة الفقه، إنها العمل بالمتعة (الزواج المؤقت) التي جعلت من أعراض الشيعة سلعة تباع وتشترى في أسواق الرقيق. إن هذا العمل القبيح ليس أكثر من إباحة الجنس، وإن بنات الشيعة يدفعن ثمنه الباهظ. ونحمد الله ونشكره أن هذه العملية القبيحة ليست منتشرة في العالم الشيعي كله، بل هي محصورة في داخل القطر الشيعي الكبير، ولست أدري كيف أباح الفقهاء أعراض البنات الشيعيات، ولكنهم أحصنوا بناتهم.
وهناك معاناة أخرى يعانيها الشيعة إثر تبعيتهم لأولئك الفقهاء الذين سكتوا عن الحق، إنها المعاناة التي يعانيها الآلاف من الشيعة في يوم عاشوراء من ضرب السيوف على الرءوس،وضرب الأكتاف بالسلاسل . إن هذا العمل بغض النظر عن المعاناة الجسدية، فإنما هو تشويه لصورة الشيعة في العالم، وفي الوقت نفسه إضرار بالنفس وهو أمر مناقض لكرامة الإنسان.
وأكرر مرة أخرى أن من أهم الواجبات على دعاة التصحيح أن يبرهنوا للشيعة الإمامية أن هناك صلة عضوية وربطا مصيريا بين ما تعانيه الشيعة في القطر الشيعي الكبير اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، والبدع التي أدخلت في العقيدة الشيعية، فيا ترى لولا الحالة النفسية التي دربت ولاة الفقه الشيعة عليها والتلاعب بعقول الساذجين منهم عن طريق الشعوذة والدجل وإقناعهم بأن طريق النجاة إنما هو الخضوع للأعمال والأفكار الجائرة التي اتخذوها شعارا لحكمهم، وأن الموت والشنق والتعذيب هو حقا جزاء من يقف ضد أطماعهم أو يعارض أهواءهم وسلطانهم، هل كانت الشيعة في القطر الشيعي الكبير بملايينه تصبر على ما تعانيه من بؤس وشقاء أم كانت تقوم قيام رجل واحد، فتدك الظالمين دكا وتجعلهم كعصف مأكول؟ إن الذي يحز في نفسي أن نقرأ في الصحف العالمية قبل أيام أن شعب أستراليا الذي يدين بالمسيحية هاج وماج ضد رئيس وزرائه الذي أهان مواطنا عجوزا بكلمة نابية وطلب استقالته وإخراجه من الحكم. وفي القطر الشيعي الكبير مئات من الشيعة المسلمين يساقون إلى المجزرة كالكبش في كل يوم وساعة والناس كأن على رؤوسهم الطير.
إن رسالة التصحيح هي أن تغير الإنسان الشيعي من أداة طيعة للظالمين إلى عناصر مناضلة ثائرة ضد طغيان الفقهاء القابضين على السلطة، وهذا لا يتم إلا بتغيير أفكار الإنسان الشيعي الذي يضمنه التصحيح. وهنا أود أن أشير إلى معاناة نفسية أخرى تعانيها الشيعة ولها صلة مباشرة بالبدع التي يدخلها الفقهاء على المذهب إنها (التقية) ولا أعتقد أنه يوجد شيء أكثر مقتا عند الله ورسوله من هذا الذي يسمى بهذا الاسم. والتقية التي تعني الازدواجية بين القول والفعل تكفي وحدها أن تنسف كل المبادئ الخيرة عند الإنسان. ولا شك أن المعاناة الجسدية والروحية والنفسية التي تترتب على التقية من الوضوح بمكان، وأن من المؤسف أن فقهاءها نسبوا التقية إلى إمام عظيم من أئمتنا وهو الإمام الصادق. ولا شك أن إمامنا العظيم بريء مما نسبوه إليه وهو أعلى وأجل من أن يأمر بشيء يتناقض مع مبادئ أهل بيت رسول الله الأساسية المتمثلة في ثورة الإمام الحسين، وهكذا في مبادئ السلف الصالح من صحابة رسول الله.
وهناك معاناة نفسية وجسدية أخرى تعانيها الشيعة من الباع التي أدخلت في عقيدتها، إنها الغلو الذي نراه مستحكما في عقول كثير من الشيعة، وحتى عند كثير من الفرق الإسلامية الأخرى، ولكن بصورة أخف ظهورا وآثارا. إن طلب الحاجة من غير الله وإشراك غيره في سلطانه وغير ذلك من الأمور الغلوائية التي تصدر من الشيعة عند قبور الأئمة والأولياء لها صلة مباشرة بالمعاناة التي نعانيها نحن في هذه الدنيا، وقد يسألني سائل: ما العلاقة بين طلب الحاجة من غير الله وإشراك غيره في سلطانه وما يعانيه المرء في حياته الاقتصادية والاجتماعية والعائلية والصحية والنفسية؟ فأقول بكل صراحة ووضوح: إننا عندما نمعن النظر جيدا في الحوائج التي يطلبها الناس في مراقد الأئمة والأولياء مباشرة منهم نرى بوضوح أن أكثر هذه الحوائج لها صلة مباشرة بالحياة الدنيا وقليل منها يخص الحياة الأخرى. وأي معاناة أكثر من أن يطلب الإنسان حاجاته من أناس لا يستطيعون إجابتها. وأي معاناة أكثر من أن يكون دعاؤنا وطلب حوائجنا في غير مظانه، إن مظان استجابة الدعوات هو التوسل إلى الله تعالى حسب أمره وصريح قوله في القرآن المنزل على رسوله: "ادعوني أستجب لكم" ولم يقل ادعوا غيري نبيا كان أو إماما حتى أستجيب لكم أو يستجيب لكم، وهنا أود أن أشير إلى عناء آخر بدأت الشيعة تعانيه في القطر الشيعي الكبير، إنه مشاركتها طوعا ورغبة أو جبرا وقسرا في بناء صرح شاهق على قبر ولي الفقيه واتخاذ ذلك القبر مقرا للطواف وطلب الحاجات والتوسلات، فيا ترى أن بلدا بمئات الآلاف من سكانه يفترشون الأرض ويلتحفون السماء هل من الأفضل لهذا الشعب أن تخصص تلك الملايين في بناء قبر مشيد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) أو تنفقها في مشاريع عمرانية واقتصادية تنهض بها الشيعة من بؤسها الاقتصادي؟ ثم إن الأدهى من ذلك أن هذا القبر المشيد والقبة الذهبية تبنى على عظام نخرة كان صاحبها سببا في شقاء الشيعة وبؤسها. وهكذا نرى أن العقل الاجتماعي الساذج يسير نحو الانحدار عندما يفقد القائد المخلص والكلمة الصحيحة ويحبذ الأعمال الانتحارية بدلا من الأعمال الخلاقة، حقا يقع على عاتق الطبقة المثقفة الداعية إلى التصحيح عبء ثقيل ألا وهو الاستيقاظ.
وأخيرا، فإن الغرض من التصحيح أن تثور الشيعة على التقاليد التي دربتهم الزعامات المذهبية عليها. والتصحيح يعني أن تعتقد الشيعة اعتقادا جازما أن القيام بشؤون الدين ليس مهنة أو حرفة وأن من امتهن الدين واتخذه مهنة أو حرفة يعيش من ورائها فهو مستغل للدين أبشع الاستغلال. إن رجل الدين الذي يدعي الفقاهة ليس زعيما اجتماعيا ولا سياسيا ولا اقتصاديا، إنه كسائر أفراد المسلمين يستشيره الناس في شؤون الدين وليست الشيعة ملزمة بالعمل على رأي شخص خاص منهم، بل للشيعة الخيار في أن تختار رأي من تشاء حيا كان ذلك المستشار أم ميتا. كما أن رجل الدين ليس له زي خاص؛ لأن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح لم يكن للمختصين بشؤون الدين زي يخصهم. كما لم يتخذ معلم الدين في ذلك الوقت أجرا على تعليم الدين والفقه، بل كان يقوم بعمل آخر لضمان معيشته. وكلنا نعلم أن الخليفة أبا بكر في يوم انتخابه خليفة للمسلمين ذهب إلى دكانه في سوق المدينة حتى يباشر عمل البيع والشراء الذي كان يرتزق منه، فعندما اجتمع الناس عليه يطلبون منه أن يترك عمله ويجلس في مسجد رسول الله ليقضي شؤون المسلمين قال لهم كلمته التي لا ينساها التاريخ: (فمن أين يعيش آل أبي قحافة؟).
وهذا هو الإمام علي كان يحصل على رزقه من كد عمله في بستان كان يعمل فيه في ظاهر الكوفة. وهذا هو الإمام الباقر والد الإمام الصادق يلتقيه رجل على قارعة الطريق وهو في طريق عودته من مزرعته التي كان يعمل فيها وهو يتصبب عرقا فيلومه الرجل بكلمة غير مهذبة فتثير الإمام غضبا ويقول له: إني أتحمل هذا العناء حتى لا أكون بحاجة إلى لئام الناس أمثالك. إن على الشيعة أن تنظر إلى رجل الدين في حجمه الحقيقي والطبيعي وأن كل ما يعطاه من منزلة وإكرام يجب أن ينبع من الآية الكريمة: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
إن الفقيه الشيعي كسائر فقهاء المسلمين ليس له أكثر من صوت واحد، ولكن عندما يدعي أحدهم الولاية على المسلمين ويزعم أن على المسلمين الامتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه في كل شأن من شؤون الدنيا والدين، فإنما يقصد بذلك استغلال الفرد والإنسان، بل يقصد استعباد الإنسان والإنسانية. وهنا يقع على عاتق الشيعة مقارعتهم بالسيف والقلم. هذا إذا ما أرادت الشيعة أن تعيش حياة حرة كريمة مليئة بالفضائل والخيرات. وأما إذا أرادت أن تعيش كما كانت في بؤس وشقاء فلتستجب لأدعياء الإمامة وهي تتحمل وزر انقيادها لهؤلاء الأدعياء في هذه الدنيا. وهنا أوجه ندائي إلى فئتين من الشيعة: إلى دعاة التصحيح وإلى أصحاب المال من المؤمنين بالتصحيح.
أما الفئة الداعية إلى التصحيح فيجب عليها أن تحصر الخلاف بين الشيعة والسنة في خلاف فقهي، فما دام كتابنا واحدا ونبينا واحدا وقبلتنا واحدة وتجمعنا أصول العقيدة وأركان الإسلام، فالخلاف بيننا وبين الفرق الإسلامية الأخرى خلاف فقهي وحسب، لا فرق بين سني وشيعي إلا بأن يسلك الشيعة فقه الإمام الصادق وتسلك السنة فقه أئمتها، وما عد هذا الكلام فالغرض منه الوقيعة بين الشيعة وبين الأكثرية الساحقة مز المسلمين كي تضمن السيادة والسيطرة والأمر والنهي للمفرقين الذين بنوا على الفرقة أمجادا عظاما لا مثيل لها.
على الطبقة الداعية أن تبين للشيعة الإمامية أن الغرض من التصحيح هو أن يكون التقاء الشيعي بالسني مثل التقاء الحنفي بالمالكي، والحنفي بالشافعي والحنبلي. وأن الشيعة عندما تصل إلى هذه المرحلة من الوفاق والأخوة، فحينئذ لا يجرؤ فقيه من فقهاء الشيعة أن يسمي حرب الشيعة مع إخوة مسلمين حرب الإسلام مع الكفر، ولن يحدث بعد ذلك اليوم أن يشهر آلاف من الشيعة السلاح في وجه آلاف من إخوانهم الشيعة وغير الشيعة.
إن على الطبقة الداعية المثقفة من الشيعة أن تفند الطرق والأساليب التي أحكم الفقهاء بواسطتها الطوق حول عنق الشيعة وتدحض الروايات التي نسبوها إلى أئمتنا الهداة المهديين زورا وبهتانا، روايات في الفرقة والتقية وإعطاء صورة قاتمة عن عصر السلف الصالح وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسف كل ما يمت إلى ذلك العصر العظيم بصلة.
على الطبقة الداعية المثقفة أن تقوم بعقد مؤتمرات تدعو إليها مفكري الشيعة والمثقفين ليتدارسوا بكل إمعان الترابط العضوي الوثيق بين محنة الشيعة المادية والسياسية والاجتماعية والفكرية والبدع التي ألصقت بالعقيدة الشيعية وأن تقوم بغربلة كتب الروايات والأحاديث من كل ما فيه تجريح للسلف الصالح من الصحابة وتفريق للمسلمين والأمور التي تتناقض مع العقل الإنساني السليم، وأن تقوم بطبع هذه الكتب ونشرها وتوزيعها في البلاد الشيعية والإسلامية لتحل محل الكتب المفرقة.
على الطبقة الداعية المثقفة من الشيعة الإمامية أن تجعل من ذكرى الإمام الحسين ذكرى شجاعة وفضيلة وأخلاق ودين وتوحيد صف كما كان ينطق به الإمام الحسين واستشهد لأجله لا أن تكون هذه المجالس مجالس فرقة وشقاق وأعمال مشوهة لصورة الشيعة ومناقضة للذوق والعقل.
أما ندائي إلى الطبقة المثقفة الثرية التي تريد التصحيح وتؤمن به وفي يدها كل الإمكانات التي تؤهلها للقيام بهذه المسؤولية الكبرى في حياتها؛ وذلك لضمان سعادتها وسعادة أولادها والأجيال القادمة وبني قومها والمسلمين جميعا، فأود أن أخاطبهم بهذا النداء:
يا معشر الشيعة، إنني أقصد بهذا النداء أنتم أثرياء الشيعة لا غيركم أنتم الطبقة التي بيدها المال الذي أنعم الله عليها بفضله، إن التصحيح يحتاج إلى مساهمة كبيرة وفعالة منكم لشؤونه، إن التصحيح إنما هو لأجلكم وأنتم أول المنتفعين به؛ فلذلك أنتم أولى بأن تنفقوا على إنجاحه. فوالله إنني أخجل من نفسي عندما أطلب من أخ مسلم كريم لا علاقة له بالتصحيح إلا بقدر ما يهم المسلم شأن أخيه المسلم، أن يقوم بطبع كتاب أو يأخذ على عاتقه أمرا من أمور التصحيح، وفي الشيعة أثرياء وفيكم من (إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) فيكم أصحاب البنوك وفيكم من يعد من أكبر الأثرياء في الشرق والغرب، وفيكم من يستطيع أن يجهز جيشا للدعوة بمفرده، وفيكم من يستطيع أن ينفق على غربلة مئات الكتب الشيعية وإعادة طبعها ونشرها وتوزيعها بدون أن يتحرك له جفن، ومع كل هذا فلم أسمع من أحدكم صوتا، وإذا وصلني منكم خطاب فكان يتضمن سطورا قليلة للتشجيع ثم الدعاء بالتوفيق.
إن من المؤسف حقا أن أثرياء الشيعة الإمامية لم يتكاتفوا ولم يتعاضدوا ولم يساهموا في التصحيح، وأكون أنا مضطرا لأمد يدي إلى إخوة كما قلت لا علاقة لهم بالمحنة الشيعية ولا بأسبابها إلا بقدر ما يهم المسلم محنة أخيه المسلم.
فلذلك أوجه هذا النداء إلى الطبقة الموسرة المتمكنة الغنية من الشيعة الإمامية وأطلب منهم أن يقفوا معي في خط التصحيح ويخفقوا على مشاريعه؛ لأن التصحيح هو لهم ولأجلهم ولإنقاذ سمعتهم وإنقاذهم من طوق العبودية الذي طوقهم إياه ولاة الفقه والفقهاء والمجتهدون، فها هم أولى بالسير في ركبه ومساندة مبادئه.
إنني أعرض في هذا النداء الخطة التي أريد تنفيذها بمساعدة إخوة كرام، وهذه الخطة تحتاج إلى مال كثير. وأطلب من أغنياء الشيعة ورجال الأعمال ولا سيما تلك الصفوة الخيرة التي كانت تقلد جدنا الإمام الأكبر السيد أبو الحسن رحمه الله ولا زالت على قيد الحياة في أرجاء الأرض الفسيحة العريضة أن تساهم في هذه الخطة، وأن تشارك فيها حسب قدرتها واستطاعتها، فمن شاء أن يتبنى خطة من الخطط حتى يقوم بها بمفرده، ومن لم يستطع ذلك فليساهم فيه حسب استطاعته، وهذا لا يعني أن ما أريد القيام به وأطلب من أثرياء الشيعة على وجه الحصر هو بمعزل عما طلبته من الطبقة الداعية المثقفة التي شملها القسم الأول من النداء.
* * * *
الخطوات التصحيحية
أما خططي للتصحيح والتي أطلب من الشيعة الإمامية أن تساهم فيها، فهي تتلخص في:
(1) اختيار فريق من أهل العلم والفضيلة للقيام بغربلة كتب الروايات والأحاديث من الروايات التي نسبت إلى أئمتنا الهداة المهديين زورا وبهتانا، إنها الروايات التي استند عليها ولاة الفقه والمجتهدون في إدخال البدع والتجاويف والتجاعيد في مذهبنا النقي الصافي الوضاء. إن تلك الروايات لعبت دورا هداما في التفرقة وضرب الشيعة بالسنة وبالعكس، وفي تلك الروايات أيضا توجد أمور كلها تسير في مصلحة الفقهاء وإحكام سطوتهم علينا، كما أعني من تلك الروايات أيضا كل ما يتعلق بالتقية والمتعة والأمور الخارقة التي تنسب إلى الأئمة، وفي كتاب الشيعة والتصحيح، أن هذا العمل الجاد الضخم يحتاج إلى مال وجهد، فغربلة الكتب وحدها لا تعني شيئا إلا إذا طبعت الكتب المنقحة المصححة ووزعت ليصح المثل المعروف: العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة من السوق. إن هذه الكتب تربو على المئات من المجلدات الضخمة وبدون المساهمة المالية الكبرى لن يتحقق منها شيء.
(2) لقد وضعنا كتاب: (فقه الصادق) ليكون مرجعا للشيعة في المسائل الفقهية التي يحتاج إليها الشيعة، وهذا الكتاب يجب ترجمته إلى اللغات الفارسية والأردية والهندية والتركية والإنجليزية، أي اللغات التي يتكلم بها الشيعة في العالم، ومن ثم طبع هذه الترجمات، وهذه الخطوة هي من أهم الخطوات لخلاص الشيعة من الاستعباد والاستبداد الفكري المتمثل في قبعتهم المطلقة لآيات الله وحجج الإسلام وثقة الإسلام حسب التعابير والألقاب التي لقب هؤلاء الآيات والحجج بها أنفسهم، ولا خيار الشيعة فيها. وهنا أود أن أبين أمرا ذا بال وهو أن هذه الألقاب لم تكن معروفة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح ولا القرون الإسلامية الأولى. أما لقب آية الله فإنه محرف من لقب مجوسي كان يلقب الكهنة به ملوك الفرس وهو ظل الله حرف إلى آية الله ليصبح لقب ولاة الفقه. إن تبعية الشيعة وتقليدهم للإمام الصادق عليه السلام مباشرة وبلا لف ودوران هو خير لهم وأضمن لدنياهم وآخرتهم. وبذلك نوفر على الشيعة الإمامية الحرية من أسر فكري دام اثني عشر قرنا. فما دام ولاة الفقه يستعبدون الشيعة لأنهم نقلة فقه الإمام الصادق فقط، فلا شك أن من الأرجح والأفضل أن يرجع الشيعة إلى المصدر الأول مباشرة وبدون أن تدفع الضريبة الباهظة الكبرى التي فرضها ولاة الفقه.
(3) يجب تأمين مركز دائم لتهيئة الدعاة إلى التصحيح ليكونوا امتدادا للفكرة؛ فإن- موسى الموسوي- يموت ولكن الفكرة يجب أن تبقى حية لا تموت حتى تؤتي أكلها كل حين. وهذا المركز يجب أن يضم بين جدرانه علماء ومثقفين من الشيعة الذين آمنوا بفكرة التصحيح ويقوموا بالاستمرار في الخطط التي أشرنا إليها آنفا والخطط التي سيأتي ذكرها. إن فكرة التصحيح يجب ألا تتوقف على شخص واحد أو اثنين إنها رسالة لها أعباؤها العظيمة، ويجب أن يقوم بها فريق مخلص جيلا بعد جيل. وهذا المركز قد يكون مقره في أمريكا، وقد يكون في كندا وقد يكون في سويسرا. وقد يسألني سائل: لماذا لا يكون في إحدى البلاد الإسلامية؟ لأن الدعوة هي العودة إلى عصر الرسالة، وما كان عليه السلف الصالح وفقه أهل البيت؟ ولا بد من الإجابة عن هذا السؤال بجملة واحدة: لو كنت أحصل على شبر واحد من الأرض في البلاد الإسلامية العريضة الوسيعة الممتدة من مضيق جبل طارق إلى بحر الصين أستطيع أن أتحدث عن رسالتي بحرية ولا يزورني شرطي في آخر الليل أو أطبع كراسا واحدا حول التصحيح بدون أن يمر على الرقيب لاخترت ذلك الشبر من الأرض، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله.
يحز في نفس كل مؤمن برسالة التصحيح أن يرى صرخا شاهقا بنته أموال الشيعة في قلب نيويورك بملايين من الدولارات، وهو مكان لبث الفرقة والعنصرية بين الشيعة أولا، ثم بين الشيعة والفرق الإسلامية الأخرى. وهكذا تصرف أموال الشيعة بطلانا وزورا في
هدم الوحدة الإسلامية وتشويه صورة الشيعة بدلا من صرفها في الوحدة الإسلامية ومصلحة المسلمين وشؤون التصحيح.
(4) كنت أعتقد ولا زلت متمسكا بعقيدتي أن أمر الشيعة في إيران إذا أصلح، صلحت أمور الشيعة في أماكن أخرى من العالم. وكنت أعتقد أن التصحيح إذا أخذ طريقه إلى قلوب الشيعة في إيران، فإن الشيعة في أماكن أخرى من العالم تتأثر بالتصحيح. ولذلك همي وجهدي منصبان على إنقاذ الشيعة في إيران من المحنة التي كتبوها وفرضوها على أنفسهم. وبما أن الأجواء مغلقة إغلاقا محكما على كل فكرة تهدد مصالح النظام المذهبي، فالتصحيح لا يستطيع أن يدخل إيران إلا عن طريق الشيعة الذين يسكنون خارج إيران ولهم اتصال بالداخل عن طريق الأهل والأسرة أو التجارة أو عن طريق الشيعة الذين يخرجون من إيران للالتقاء بذويهم ثم يعودون إليها.
ولذلك أرى أن تأسيس تلفزيون فارسي في المهجر لنصف ساعة أو ساعة في كل أسبوع يخاطب الجماهير الشيعية ويبين لهم ضرورة التصحيح سيؤدي دورا كبيرا للتوعية، ومن ثم إيصال النداء عبر الحناجر إلى شيعة إيران. وأنا واثق أنه لو وصل نداء التصحيح إلى شيعة إيران عبر الحناجر أو عبر (الكاسيت) فإن ملايين من شيعة إيران المضطهدين في ظل النظام المذهبي وبدعه وتجاويفه وتجاعيده سينضمون إلى مسيرة التصحيح.
(5) التصحيح بحاجة إلى مجلة باللغات التي يتكلم بها الشيعة: العربية والفارسية والأردية والهندية والإنجليزية، وإصدار المجلة بالمستوى المطلوب أمر يحتاج إلى ميزانية مالية تتناسب وهذه الخطوة الكريمة. وبحاجة إلى أقلام أعلام من المصححين من الشيعة وغير الشيعة أيضا، وهذا المشروع هو أحد المشاريع التي تعزز التصحيح وينبغي البدء به.
(6) لجنة التصحيح التي تضم أعلاما من الشيعة المؤمنين بالتصحيح قد تدعو إلى عقد مؤتمر عالمي يضم علماء الشيعة الموالين لفكرة التصحيح- ولا نقصد بالعلماء في سياق حديثنا هذا رجل الدين أو الفقيه أو الذين لبسوا الزي الديني- بل كل عالم شيعي في أي اختصاص وأي مثقف شيعي مهما كان اختصاصه ولباسه وهو يعرف المحن التي حلت بالشيعة عبر التاريخ بسبب الانحراف الذي أحدثه رجال الدين والمذهب في عقيدتهم الصافية النقية الظاهرة. إن عقد مؤتمر سنوي لهؤلاء الأعلام الشيعة أمر ضروري لتدارس الخطوات التي يجب أن تتخذ للتصحيح، ولا شك أن كل من يحضر هذا المؤتمر من أعلام الشيعة ويعود إلى مقره سيكون رسولا للتصحيح. وعقد المؤتمر هذا أيضا يحتاج إلى ميزانية ضخمة يجب أن يقوم بها أبناء الشيعة الجعفرية وأثرياؤها، وأن يقوموا بكامل أعبائه.
إن أثرياء الشيعة والموسرين ورجال الأعمال من المؤمنين بالتصحيح مدعوون للمساهمة في الخطط التي نود القيام بها كل بقدر ما يستطيع وتقتضي أحواله. ومن يمن الله عليه بالمشاركة في هذا المشروع عليه أن يشكر الله ويحمده على هذا العمل الذي فيه خير للشيعة كجزء من الأمة الإسلامية وخير للإسلام في صورته العامة، وأن يعلم أنه ساهم في إسعاد أمته وتحريرها فكريا وجسديا وماديا ليس للجيل الذي يعاصره فحسب، بل للأجيال القادمة حتى قيام الساعة.
شعار التصحيح
على كل مساهم شيعي في التصحيح بماله أو بقلمه أو بلسانه أو بجهده أن يعلم أن شعار التصحيح هو ما يلي:
(1) الالتزام المطلق بالعودة إلى عصر رسول الله والسلف الصالح والإمام علي عليه السلام في أصول الدين وأركان الإسلام وفروعه.
(2) الأخذ بمذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق الفقهي.
(3) نبذ البدع والخزعبلات التي أدخلت في عقيدتنا ونسبت إلى الإمام الصادق أو أئمة آخرين زورا وبهتانا مثل التقية والمتعة والغلو وتجريح السلف الصالح والمواضيع الأخرى التي فصلناها في كتابنا "الشيعة والتصحيح" وكتابنا "عقيدة الشيعة الإمامية في عصر الأئمة وبعدهم".
(4) النظر إلى المذاهب الأخرى كمذاهب فقهية نختلف معها في المسائل فقط مثلما يختلف الحنفي مع المالكي، والشافعي مع الحنبلي ما دام منهل الأحكام هو القرآن الكريم وسنة رسول الله وإجماع الأمة والسلف الصالح، والعقل عندنا والقياس الذي يتفرع من العقل أيضا في المذاهب الإسلامية الأخرى، ويكون شعارنا: كلنا على حق ولا خلاف بيننا إلا في المسائل الفرعية الاجتهادية التي من أصاب فيها فله أجران، ومن لم يصب فيها فله أجر واحد. كما بشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(5) شأن الفقهاء عندنا شأن المتخصصين في العلوم الأخرى، فلا سلطان لأحد منهم علينا، ونحن الشيعة أحرار في أن نأخذ برأي أي
عالم متخصص في الفقه حيا كان أو ميتا بدون أن تكون بيننا وبينهم شيء من العبودية أو الإطاعة لأوامرهم. وعلى الشيعة أن تمتنع منعا نهائيا من إعطاء أموالهم إلى الفقهاء باسم الخمس في أرباح المكاسب. فعلى الفقيه أن يكسب قوته بعمل يقوم به، وإذا أراد أن يكون عالة على الشيعة فعليه أن يقنع بما يكفي قوته وقوت عائلته.
(6) إن استيقاظ الساذجين وضعفاء العقول من أبناء الشيعة الإمامية هو المهمة الأساسية في طريق التصحيح، فعلى دعاة التصحيح المصارحة بالحق والاستمداد من قوته، فالحق هو صوت الله الذي يعلو على كل صوت وعلى كل باطل.
على الشيعة أن تعلم علم اليقين أن الخمس في أرباح المكاسب بدعة ابتدعها الفقهاء، وهذا هو الشيخ حر العاملي في كتابه الضخم "وسائل الشيعة"- الذي يعد مصدرا مهما من مصادر الاستنباط عندنا نحن الشيعة الإمامية- يروي عن الإمام علي وعن الإمام الصادق، وعن الإمام الرضا روايات صريحة في الخمس ليس إلا في غنائم الحرب. والروايات كما جاءت في وسائل الشيعة عن علي عليه السلام: الخمس يجري من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون في المشركين ومن المعادن ومن الكنوز ومن الغوص (3).
محمد بن علي بن الحسين بإسناده قال: سألت أبا عبد الله (الإمام الصادق) عن الخمس فقال: الخمس إلا في الغنائم خاصة، ويضيف الشيخ العاملي... ورواه الشيخ في إسناده (أي الشيخ الطوسي) عن الحسن بن محمد (4)، وفي الوسائل أيضا. عياشي في تفسيره عن سماعة عن أبي عبد الله وعن أبي الحسن عليهما السلام (الإمام الرضا) ليس الخمس إلا في الغنائم (5).
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون صدق الله العظيم
===============
الحواشــــــي
===============
(1) راجع كتاب عقيدة الشيعة الإمامية في عصر الأئمة وبعدهم.
(2) جاء في وسائل الشيعة للإمام المحقق المحدث الحر العاملي الجز الثاني من المجلد الأول ص 869.
أ- عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمين عليه السلام: لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبرا إلا سويته.
ب- عن محمد بن الحسين بإسناده عن علي بن الحسين عن محمد بن يحي عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح؟ قال: لا يصلح البناء عليه...
ج- عن محمد بن أحمد بن يحى بن يعقوب بن يزيد عن زياد بن مروان الفندي عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو
(3) وسائل الشيعة ج 6، ص 0 32 وص 312 طبعة النجف.
(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 383 طبعة النجف.
(5) المصدر نفسه، ج 6، ص 342 طبعة النجف.