!
!
!
بؤرة جديدة للفاتيكان في مصر
الهيثم زعفان
(المصريون) : بتاريخ 6 - 2 - 2009
في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات المنذرين بخطورة تمركز الشيعة في مدينة السادس من اكتوبر، هذا النذير المصحوب بدعوة العلماء للحكومة باتخاذ تتدابير عقدية سنية موازية تحدث نوعاً من التوازن في تلك المنطقة الملتهبة مذهبياً على أرض مصر؛ توازن يحد من هذا النمو الشيعي ومن ثم التمدد الشيعي لباقى مناطق المحروسة، تفاجئنا الحكومة بقرار غريب يجعل الذهن متحيراً في فهم آلية تعامل الحكومة مع الملف الشيعي؛ خاصة في وقت يتسم فيه موقف مؤسسة الرئاسة من الملف الشيعي بالوضوح والجدية وعدم التساهل.
فقد نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم الإثنين الثاني من فبراير 2009 خبر عن موافقة مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة برئاسة وزير الإسكان المصري أحمد المغربي على تخصيص قطعة أرض بمساحة عشرة آلاف متر مربع بمدينة السادس من أكتوبر لصالح الجمعية الخيرية للسريان الكاثوليك لإقامة مشروع لخدمة المسنين وذوي العاهات ومستوصف لعلاج المرضي, وتم تخصيص الأرض بنظام حق الانتفاع لمدة خمسة وعشرون سنة. مكمن الحيرة هنا أن هذه الجمعية المسجلة قانونيا في وزارة التضامن الاجتماعي المصرية والمخصص لها هذه المساحة الضخمة في إحدى أهم المدن المصرية عمرانياً، هي جمعية تابعة للكنيسة السريانية الكاثوليكية، ومسؤوليها وكافة منسوبيها من رجالات وراهبات تلك الكنيسة الكاثوليكية، والإشراف والتوجيه والإدارة التامة يسيرون وفقاً لسياسات وتعليمات الكنيسة.
ومعلوم أن الخدمات الاجتماعية التي تؤديها الكنائس هي البوابة الخلفية للعمليات التنصيرية في المجتمعات الإسلامية، ومن ثم فهي بريئة المظهر في بعضها فاسدة المخبر في جلها.
والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن؛ هل الكاثوليك بنظر الحكومة المصرية هم من سيحدون من التمدد الشيعي في مصر؟ أم أن هناك مصلحة خارجية في جعل السادس من أكتوبر منطقة صراع عقدي تتشتت فيه قوى التوازن السنية؟ وعليها نجح أصحاب تلك المصلحة بأساليبهم في اقتناص هذه المساحة الشاسعة من الحكومة المصرية؟.
إن الكنيسة السريانية الكاثوليكية هي واحدة من الكنائس الشرقية التي تتبع كرسي روما " الفاتيكان" وهذه الكنائس هي الكنيسة المارونية الكاثوليكية، الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، كنيسة الروم الكاثوليك، كنيسة الأقباط الكاثوليك، وكنيسة اللاتين في القدس. وطوائف المذهب الكاثوليكي تتبع مذهب كنيسة روما، فهي كنائس خاضعة لإشراف ودعم وتوجيه الفاتيكان، وهي بذلك تمثل أذرع الفاتيكان في الشرق، وإليها تنسب مباشرة عمليات التنصير الفاتيكانية ومحاولات خلخلة العقيدة الإسلامية لدى المسلمين في الشرق الإسلامي.
يقول البابا بندكتس السادس عشر بابا الفاتيكان: " إن هناك تحديات كثيرة تواجه الجماعات المسيحية في العالم كله، وأخطار وكمائن عديدة تهدد بطمس وحجب قيم الإنجيل؛ لذا فمن الضرورة بمكان أن تعمل عائلة الكنيسة السريانية الكاثوليكية جاهدة للتبشير بالإنجيل وأن تطوّرَ سبلاً رعوية مواكبة لتحديات العصر".
والمركز الرئيسي لكنيسة السريان الكاثوليك هو أنطاكية في تركيا ولكن أي من بطاركتهم لم يقيم يوماً هناك، فمنذ تأسيس هذه الكنيسة تنقل بطاركتها بين عدة مدن في سوريا و لبنان. واليوم يقع المقر البطريركي للسريان الكاثوليك في العاصمة اللبنانية بيروت، ويحمل بطاركتهم على الدوام اسم إغناطيوس كإسم أول ثم الإسم الشخصي للبطريرك .
ويتوزع أبناء هذه الكنيسة في دول الشرق الأوسط وفي بلاد المهجر ويبلغ تعدادهم طبقاً لتقديراتهم 124.000 نسمة، ويقع ثقل هذه الكنيسة الصغيرة في الشرق في كل من لبنان والعراق، وهذه الكنيسة هي عضو في مجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق.
والبطريرك الحالي للكنيسة السريانية الكاثوليكية في العالم هو المطران مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان العربي الموطن والنشأة، الفاتيكاني الدراسة والتربية، والذي يشغل منصب راعي ابرشية سيدة النجاة في الولايات المتحدة وكندا وقد انتخب لهذا المنصب في مطلع هذا العام 2009 م، ومن قبل وقع اختيار البابا يوحنا بولس الثاني على هذا البطريرك فعينه مطراناً على أمريكا الشمالية وزائراً رسولياً على فنزويلا.
وكان هذا البطريرك المنتخب قد رفع عريضة إلى بابا الفاتيكان يسأله فيها "الموافقة على انتخابه القانوني وانضمامه للشركة الكنسية، مقسماً بالوفاء والإكرام وأمانته التامة وطاعته الكاملة لشخص البابا بندكتس السادس عشر".
وقد وافق بابا الفاتيكان على هذا الشخص، وستقام حفلة تنصيب هذا البطريرك الجديد يوم الأحد 15 فبراير 2009، في كاتدرائية البشارة، بيروت- لبنان؛ ومن بعد التنصيب ستتم الزيارة الرسمية إلى الفاتيكان لتبادل الشراكة مع بابا الفاتيكان بندكتس السادس عشر.
ومنذ القرن السابع عشر الميلادي وبابا روما يحاول إرسال رهبان كاثوليك إلى مصر لنشر هذا المذهب. وعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر زاد عدد المتمذهبين بالكاثوليكية زيادة طفيفة.
وفي عهد محمد علي كان للفرنسيين نفوذ كبير في مصر وعن طريقه أُرغم المعلم غالي (وكان صاحب المقام الأعلى النصراني) على الكثلكة بشرط أن لا يُكره على تغيير طقوس الكنيسة القبطية وعوائدها الشرقية على أن يكون مثلاً يقتدي به بقية الأقباط بشرط ألا يكرهوا على تغيير طقوسهم وعقائدهم الشرقية.
وفي مجال العلاقات مع الشيعة يحرص ممثلو السريان الكاثوليك على حضور العزاءات العاشورائية الشيعية بدعوة من الشيعة، ولا يتورع الشيعة عن استضافتهم للبطاركة الكاثوليك داخل مساجدهم الشيعية ففي لبنان على سبيل المثال عقد مجلس عزاء عاشورائي في داخل مسجد سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حضره المعاون البطريركي العام للسريان الكاثوليك انطوان بيلوني وأمين سر بطريركية الأرمن الكاثوليك الأب جورج اسادوريان.
والسريان الكاثوليك بحكم تواجدهم والتحامهم بالشيعة في العراق وسوريا ولبنان وبحسب وثائقهم فهم ينظرون الى محور الاعتدال في الإسلام أنه محور الشيعة، وأن هناك نوعا من التفاهم بينهم في مسألة الحوار بين الاسلام والنصرانية، ويضربون بذلك في جذور التاريخ حيث اعتزازهم بما أسمته الكنيسة حوار سامراء سنة 851 م والذي جرى في سامراء بالقرب من بغداد في أيام القديس كيرلس وذلك بين مجموعة من رجال الكنيسة وبعض علماء المسلمين، وتشدد الوثائق الكنسية على أهمية المدينة التي جرى فيها الحوار حيث تقول الوثائق:
" سامراء موقع سياحي مهم، بل قبلة حج، ولا عجب فنحن الى اليوم نلقى من آثار سامراء الشهيرة المقدسة، كما أن سامراء محطة ضرورية للتنقل بين مضيق البوسفور بتركيا والخليج العربي".
وبناء على ذلك وبما أن الكنيسة الأم لهذه الطائفة موجودة بتركيا فإن التنصير الكاثوليكي وخلخلة العقيدة الاسلامية السنية لسكان الخليج العربي لايمر إلا عبر سامراء. وهذه المدينة التي يحتفي بها الكاثوليك ويبرزون دورها في التحرك التبشيري بين الخليج هي بالنسبة للشيعة مدينة مقدسة ففيها (مقامي الإمام العاشر والإمام الحادي العشر من أئمتهم كما تضم أيضاً مقام حكيمة أخت إمامهم الحسن العسكري، ونرجس أم مهدي الشيعة، كما يوجد بجوار الضريحين السرداب الذي يعد آخر مكان تواجد فيه المهدي المنتظر خروجه (حسب المعتقد الشيعي) قبل غيبته)، والأضرحة المقدسة شيعياً في هذه المدينة تتولى ترميمها حالياً هيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة.
والتقارب الشيعي الكاثوليكي هذا يعطي مؤشراً بالغ الخطورة حيث يبدي قلقاً بأن هذا التجمع الخدمي الكاثوليكي المزمع إنشاؤه في مدينة السادس من أكتوبر مركز الشيعة في مصر قد يلمح بروائح اتفاق خفي بين الفريقين لتبادل الأدوار التبشيرية بين الشيعة والكاثوليك، ومن ثم خلخلة العقيدة الاسلامية للسنة في مصر.
وهذا قد يلفت الانتباه للعلاقة بين تواجد الشيعة في مدينة السادس من اكتوبر ومحاولة السريان الكاثوليك ايجاد بؤرة جديدة لهم في تلك المنطقة.
إن الأمر يستلزم من الحكومة المصرية العدول عن قرار تخصيص العشرة آلاف متر مربع بالسادس من أكتوبر لهذا الكيان الكاثوليكي حفاظاً على الهوية الإسلامية للمصريين؛ مع الانتباه للتفكير والتدبير الشيعي والفاتيكاني لفتح بؤر تبشيرية بهذه المنطقة وبعموم مصر، مع تبني الحكومة إنشاء مجمع دعوي سني بإشراف علماء الأزهر في السادس من أكتوبر يحدث توازن عقدي ويكشف الخلخلات العقدية قبل اتساع الرقعة وفوات الأوان، ودور علماء الأزهر هنا مهم لأنه مع التقدير لدور الخطباء لكن الأمر التبشيري في تلك المنطقة والتدبيرات المصاحبة له أكبر من أن يتصدى له خطيب واحد.
[email protected]
http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=59782&Page=7&Part=1