فاتحاً النار على الصحافيين
أستاذ إعلام: الصحف السعودية "يعشعش" فيها الفساد
الدكتور عبدالله الرفاعي
دبي - أحمد السهيمي
فتح الإعلامي السعودي الدكتور عبدالله الرفاعي النار على الصحفيين والصحافة في السعودية قائلا إنها لا تقدم معلومات تهم الناس، وأنها ليست دقيقة أو موثقة. وقال إن النشر الصحفي خاضع لرئيس التحرير الذي يفرض التوجهات، كاشفا عن تورط صحافيين في أزمة سوق الأسهم الأولى قبل 12 عاما.
وبعد رأي صادم نسبته له صحيفة "الوطن" السعودية بأنه لا يوجد صحافي سعودي أو عربي يستحق أن يطلق عليه لقب صحافي" أكد الرفاعي لـ"العربية.نت" أن "المؤسسات الصحافية السعودية يعشعش فيها الفساد".
وكانت قناة "العربية" تحدثت إليه الثلاثاء 2-3-2010 حول تصريحه ذلك فقال إنه لم يقله وإنما تحدث عن امتيازات يطلبها الصحافيون تفرقهم عن غيرهم أمام القضاء، مع أنه يجب محاسبتهم على قذف الآخرين إذا لم يوثقوا ويدققوا معلوماتهم، كما تحدث أيضا عن حق الصحافي في الحصول على المعلومات الموثقة.
الدكتور الرفاعي يعمل حاليا استاذا جامعيا للاعلام والصحافة ومشرفا على كرسي صحيفة "الجزيرة" للدراسات الإعلامية، وكان قد امتهن العمل الصحافي خلال السنوات الطويلة الماضية مراسلا ومحررا ثم رئيسا لتحرير صحيفة "المسلمون" التي توقفت عن الصدور من عام 1998 وكان هو آخر رؤساء تحريرها..
الصحافة في أزمة
قال الدكتور الرفاعي لـ"العربية.نت": "أنا لم أقل إنه ليس هناك صحافياً، أنا أقول إن المهنة الصحافية في أزمة، ومن الأزمة الظروف التي يعيشها الصحافيون، التي جعلت الصحافي يتطلع إلى أن يحصل على امتيازات سواء مادية أو معنوية، لأنه في الأساس لم يحصل على حقوقه الأساسية".
وذكر أن المهنة الصحافية أصبحت تقدم كل شيء إلا "المهنية الصحافية" التي يفترض أن تقوم بها، فلا تكاد تجد معلومات دقيقة موثقة، خاصة الصحافة الورقية.
وأوضح أن الصحافة تحولت عن مسارها المفترض من تقديم المعلومات إلى الجمهور، مشدداً على أن الدور الأساسي لها هو تقديم المعلومة للقارئ، قائلا: لا أحد يستطيع الآن أن يحصل على أخبار الاقتصاد والمجتمع، واتجاهات المناخ، وأن يقدم معلومة دقيقة موثقة، يمكنك أن تتخذ قراراً وفقها.
وندّد بتلوين الأخبار وتوجيهها إلى اتجاهات معينة، مبيناً أن توجيه الناس وتحليل المعلومات وتفسيرها هو دور قادة الرأي من الكُتاب والعلماء والمفكرين، وليس عمل الصحافة.
الصحافة السعودية لا تقدم معلومات
وأضاف الرفاعي أن الصحف الـ12 في السعودية لا تقدم معلومات تفيد الجمهور، وإذا حدث وقدمت معلومة فهي غير دقيقة ولا موثقة، وليست هذه الصحافة التي تدرس وتعلمناها من الغرب.
وقال إن الموضوعية المطلقة أمر غير موجود في الواقع، مؤكدا أن دور الصحافي أن يفصل نفسه عن الخبر والمعلومة التي يقدمها، وليس بالضرورة أنه إذا نشر شيئاً "يلوّنه" ليتوافق مع آرائه وتوجهاته.
وشدد على أن دور المؤسسات الصحافية هو أن تحمي الصحافي بمنعه من الخطأ، ونشر المعلومات المغلوطة، موضحاً أن الدور تغير ليصبح النشر الصحافي خاضعاً لحرية شخصية لرئيس التحرير، وهو الذي يفرض الاتجاه وما يُنشر وما لا ينشر.
وأشار إلى أن المؤسسات الصحافية الغربية تقدم صورة من الموضوعية وإن لم تكن كاملة، وأن المؤسسات الإسلامية في الغرب تستطيع أن ترد على ما ينشر ضدها في نفس الصحف، وهو ما لا يمكن أن يحدث هنا.
صحافة يعشعش فيها الفساد
وكشف عن تورّط مؤسستين صحافيتين في أزمة سوق الأسهم الأولى قبل ما يزيد على 12 عاماً في السعودية، مؤكداً أنه كان لهما دور مباشر في تضليل الناس، حيث نشر صحافيون شائعات حتى ترتفع أسعار الأسهم في الشركات التي يملكون أسهماً فيها، واكتشفاهم في النهاية، لكنهما أخرجاهم من عملهم بهدوء ودون أن يعلم أحد، مع أن بعضهم خرج من القضية بـ40 أو 50 مليوناً.
وحول فصل العاملين في الصحافة دون توضيحات، كما حدث في إحدى الصحف السعودية قبل أيام حين فصلت تسعة من المنتسبين إليها دفعة واحدة، وعدم منحهم الفرصة للتحدث من الصحف الأخرى، قال الرفاعي "إن المؤسسات الصحافية السعودية يعشعش فيها الفساد، وبينهم رابطة لحماية مصالحهم. المؤسسات الصحافية الأخرى لا تنشر لأنها غداً ستفعل مثلها أو أنها فعلت كذلك قبلها".
وذكر أن المؤسسات بينها اتفاق ضمني ليحموا أنفسهم كمؤسسات وقيادات، ويعملوا سداً لكل أبواب النشر الممكنة؛ لأن هذه الأوضاع تناسب فئات ونوعيات معينة، فهم يختلفون جزئياً لكنهم يتفقون على أن الوضع يبقى على ما هو عليه.
هيئة الصحافيين جزء من الكارثة
وحول هيئة الصحافيين السعوديين ودورها في حماية مثل هؤلاء قال الرفاعي إن الهيئة نموذج مصغر من الكارثة، وكثير من أعضاء الهيئة الآن هم المشكلة، بل إن بعض الشخصيات الصحافية لا يمكن للعاملين معهم أن يتحدثوا إليهم فضلاً عن أن يناقشوا أو يتقدموا بشكوى ضدهم.
وبيّن الرفاعي أن النقابات لا تؤدي دورها المطلوب كما هو متوقع منها، بل إنها لا تقف بشجاعة ضد الأخطاء التي يرتكبها الإعلاميون، وتقول إن هذا الرجل ليس جيداً ونحن ضده، وليس لديها فهم لأدوارها وأخلاقياتها، حتى حين أنشئت النقابة في مصر كان من أول ما طالبوا به مجمعات سكنية خاصة، وضغطوا على الحكومة وأعطتهم خصماً 50% في الطيران.
وتساءل كيف يمكن للصحافيين أن يكتبوا عن تجاوزات مؤسسة الطيران أو وزارة الإسكان وهي التي دعمتهم كل ذلك الدعم، بأي حق تأتي وتناقشهم في حال تجاوزهم أو ارتكابهم للأخطاء.
ودعا إلى العودة إلى أخلاقيات المهنة الصحافية، موضحاً أنه متى ما كسرت هذه الأخلاقيات، انتهت المهنة الصحافية الحقيقية.
وحول التجاوزات التي تحصل في الإعلام الغربي قال الدكتور الرفاعي إن التجاوزات وإن وجدت في الغرب، فهي دسّ للسم في العسل، لكن التجاوزات لدينا "على المكشوف".
الصحف يسيّرها الهواة
واستغرب الرفاعي من أن تبقى نسبة الصحافيين المتفرغين للعمل في المؤسسات الكبرى متدنية، ولايزالون يعتمدون على الصحافيين المتعاونين، وذكر أن دراسات غربية عملت على صحف عربية، كشفت عن أن 70% أو أكثر من مصروفات المؤسسات الصحافية هي للإدارات، والـ30 تقريباً المتبقية للعملية المهنية والتحرير وكل ما يتعلق به، وتساءل "كيف يكون عندنا نشاط صحافي إذا كانت عندك مؤسسات صحافية بهذا الشكل".
وتحدث عن معاناة الصحافيين الصغار حتى أصبحوا يبحثون عن الخدمات، أو يعملون في جهات متعددة لتغطية احتياجاتهم، مستشهداً بأن بعضهم يعمل في صحيفته وفي قناة تلفزيونية وصحيفة إلكترونية لتغطية احتياجاته.
وأكد أنه ليس بغريب على الصحافة رغم انتقاده لها، مبيناً أنه يعرف المعاناة جيداً، لأنه بدأ مراسلاً صحافياً من الشارع، ثم محرراً، إلى أن أصبح رئيساً للتحرير.
تحديات الجيل الجديد معقدة
وقال إن التحديات التي تواجه الجيل الصحافي الشاب اليوم أعقد من السابق، وأكد أنه يعرف ما الذي يواجهه الشباب الآن، حيث أصبحت المصالح الاقتصادية تؤثر في منع المعلومة عن الجمهور، وتحرص الصحف على مراعاة شركات الاتصالات والألبان مثلاً, وهذا ما يزيد الخناقات عليهم أكثر، موضحاً أن الاهتمام لم يعد فقط بالتأثير في أمن الدولة وتوجهاتها، بل إن الهوامير الموجودة الآن أصبحت تمارس الضغط على المؤسسات الصحافية حتى لا تنشر.
وصرح الدكتور الرفاعي بأنه ترك الصحافة لأن الوضع لم يعد قابلاً لأن يستمر فيه، لكنه اليوم يفخر بأنه أطلق الكثير من الكفاءات الصحافية إلى السوق، وأسهم إسهاماً جيداً في ذلك, مبيناً أن مهنة الصحافة متجددة وعمر الصحافي قصير، ما عدا صحافتنا في العالم العربي التي أصبحت صحافة رفاهية.
واستغرب من إهمال الصحف للعمل الصحافي والبحث عن الأخبار، حتى إن بعض الأخبار المحلية تصدر عن "رويترز"، لأننا ليس لدينا أحد يبحث عن المعلومة، وإنما ينتظر الواحد منا من يرسل له الخبر.