بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين واله وصحبه
يتبادر الى الذهن دائما ماذا كان دور الفرس في حروب الردة لمعرفة ذلك يجب علينا ملاحظة التالي:
لماذا تركزت حركات الردة في مناطق ذات أهمية خاصة لأمن الإمبراطورية الفارسية أو مصالحها أو كليهما، وبالتحديد في نجد والبحرين وعمان وحضرموت واليمن؛
ولماذا ظهرت هذه الحركات هناك في وقت واحد وتبنت المنهج الديني نفسه الذي تبناه النبي في الحجاز ومسيلمة الحنفي في اليمامة؟!
من شأن هذين التساؤلين أن يبعثا على الاعتقاد بأن هناك محركا واحدا للردة يتجسد في الفرس. ولم يحاول الدارسون أن يربطوا بين الفرس والردة ربطا واضحا وجادا، وذلك، ببساطة، لأن التقارير الإخبارية الرائجة، ذات العلاقةبالموضوع، تخلو من أية إشارة مباشرة إلى تورط فارسي. في واقع الأمر، تعطي المصادر انطباعا مفاده أن الفرس وقفوا من النبي موقف المتفرج وهو يمد نفوذه في الجزيرة العربية حتى أصبح في موقع يهدد أمن إمبراطوريتهم.
لكن الفرس لم يكونوا ليقفوا موقف المتفرج إزاء حدث خطير جدا من هذا النوع، بل انشغلوا في صراع داخلي على السلطة، جعلهم لا يلتفتون إلى ما يجري في الجزيرة العربية. فأكثر حالات المصادفة لفتا للنظر في تاريخ الإسلام المبكر هو أن صلح الحديبية، الذي مثل البداية الحقيقية لتوسع سلطان المسلمين خارج حدود المدينة ونواحيها،إنما تزامن مع اغتيال كسرى أبرويز في وقت متأخر من عام 628م، وخلال الأعوام الأربعة التي تلت هذه الحادثة، تعاقب على عرش فارس، ثمانية ملوك، كل منهم تولى السلطة بعد اغتيال سلفه أو إقصائه عن الحكم. وهكذا،كان الفرس عاجزين عجزا تاما عن اتخاذ إجراءات فعالة لإيقاف زحف الإسلام وامتداده إلى مناطق نفوذه التقليدية. حتى الذين كانوا يحكمون باسمهم في كل من البحرين واليمن أصيبوا بالإحباط بسبب الوضع المتدهور في الإمبراطورية الفارسية،فانقسموا على أنفسهم، واتصل بعضهم بالنبي ليتحالف معه، ويضمن من ثم المحافظة على مكتسباته، ويحصل على امتيازات جديدة.
استيقظ الفرس في نهاية المطاف على خطر داهم، لكن بعد فوات الأوان. ففي وقت مبكر من سنة 632 م،وحين كان النبي في حجة الوداع،وضع الفرس حدا لخلافاتهم وأجمعوا على تنصيب يزدجرد الثالث ملكا عليهم. وكان من أول ما فعله هذا الملك
1-أنه أعاد العائلة اللخمية المالكة إلى الحكم في الحيرة، وأوكل إليها استعادة مناطق نفوذها القديمة في الجزيرة العربية من أيدي المسلمين. حدث ذلك في اجتماع عقده يزدجرد في قصرهبالمدائن مع زعماء القبائل الموالية له. وقد طلب من هؤلاء الزعماء أن يلتفوا حول ملك الحيرة الجديد وينصروه على قتال حلفاء النبي في مناطقهم، وأمدهم بما يحتاجونه من أموال وسلاح، وضم إليهم وحدات من الجيش الفارسي تساعدهم في إنجاز مهمتهم في شرقي الجزيرة العربية ووسطها. وقد فعل يزدجرد الشيء نفسه في الجنوب،
2- اتصل بحلفائه في اليمن وحثهم على توحيد صفوفهم واجتثاث نفوذ المسلمين من أراضيهم.
باستثناء حركة مسيلمة الحنفي، الذي حاول الاستفادة من حالة الفراغ السياسي في الجزيرة العربيةوإقامة حكومة ثيوقراطية على نمط حكومة المدينة، فإن ما يدعى بحركة الردة إنما نتجت في الواقع عن هذه المبادرة الفارسية الكبيرة. وعلى العموم، لم تكن حرب الردة حربا بين المدينة من جهة وقبائل رفضت الخضوع لمبدأ السلطة المركزية وسعت إلى تأكيد استقلاليتها من جهة أخرى، بقدر ما كانت حربا بين قوتين سياسيتين تتنافسان على السيطرة في الجزيرة العربية: الفرس والمسلمون.
لم يستقبل العرب المبادرة الفارسية بأذرع مفتوحة. في الواقع، واجهوها برفض على نطاق واسع، على الرغم مما تدعيه بعض الروايات من أن عامة العرب ارتدوا عن الإسلام. فأعمال القتل والمطاردة التي مارسها الفرس وحلفاؤهم في العراق والبحرين ونجد عبر أربعين عاما خلفت في نفوس القبائل شعورا عميقا بالسخط ضد الفرس وسياساتهم الجديدة المفتقرة للتوازن. هناك فقط عدد محدود جدا من شيوخ القبائل الذين أعلنوا إسلامهم أيدوا المبادرة الفارسية، أو أبدوا ميلا إلى تأييدها، وذلك لأنها جاءت حين كان النبي عليه السلام يحتضر، فظنوا أن عقد المسلمين سينفرط بعد وفاته، فأرادوا أن يكون لهم مكانة في المملكة اللخمية المقترحة. وعلى أية حال، فقد حافظت غالبية القبائل على ولائها للإسلام وتصدت بحزم للفرس وحلفائهم، وأفشلت بالتالي مبادرتهم