بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الامين محمد واله الطيبين الطاهرين
وبعد
ادخل مباشرة با الموضوع والله المستعان
البَداء في اللّغة والإصطلاح
البَداء في اللغة
للبَداء في اللّغة معنيان:
أ ـ بدا الأمر بُدُوّاً وبَداءً: ظهر ظهوراً بيّناً.
ب ـ بدا له في الأمر كذا: جدّ له فيه رأي، نشأ له فيه رأي.
البداء في مصطلح علماء العقائد الإسلامية
بدا لله في أمر بَداءً، أي: ظهر له في ذلك الأمر ما كان خافياً على العباد.
وأخطأ من ظنّ أنّ المقصود من بَدا لله في أمر بداءً جَدَّ له في ذلك الأمر غير الأمر الذي كان له قبل البداء، تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً
البداء في روايات مدرسة الخلفاء
روى الطيالسي وأحمد وابن سعد والترمذي واللفظ للطيالسي بايجاز، قال: قال رسول الله (ص) :
"إنّ الله أرى آدم ذرّيّته فرأى رجلا أزهراً ساطعاً نوره.
قال: يا ربّ من هذا؟
قال: هذا ابنك داود!
قال: يا ربّ فما عُمره؟
قال: ستّون سنة!
قال: يا ربّ زِدْ في عمره!
قال: لا إلاّ أن تزيدَهُ من عمرك!
قال: وما عمري؟
قال: ألف سنة!
</span> قال آدم: فقد وهبتُ له أربعين سنة من عمري.
... فلمّا حضره الموت وجاءته الملائكة قال: قد بقي من عمري أربعون سنة.
قالوا: إنّك قد وهبتها لداود .."(1).
هذه الرواية بالإضافة إلى ما سبق إيراده من أخبار آثار صلة الرحم ونظائرها بمدرسة الخلفاء من مصاديق (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ).
وقد سمّى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المحْوَ والاثبات بالبداء، كما سندرسه إن شاء الله تعالى في ما يأتي.
____________
1- الطيالسي : 350 ح2692. ومسند أحمد 1 : 251و298و371. وطبقات ابن سعد 1 : 7-9 ق1 ط أوربا. وسنن الترمذي 11 : 196-197 بتفسير سورة الأعراف.
وفي البحار 4 : 102-103 عن الإمام الباقر (عليه السلام) باختلاف يسير في اللفظ.
البَداء في روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
في البحار عن أبي عبد الله (الإمام الصادق) (عليه السلام) قال: "ما بعثَ الله عزّوجلّ نبيّاً حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار بالعبوديّة، وخلع الأنداد، وأنّ الله يُقدِّمُ ما يشاء ويؤخِّرُ ما يشاء"(1).
وفي رواية أُخرى وصف الإمام الصادق (عليه السلام) هذا الأمر بالمحو والاثبات وقال: "ما بعث نبيّاً قطُّ حتى يأخذ عليه ثلاثاً: الإقرار لله بالعبودية وخلع الأنداد، وأنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء"(2).
وفي رواية ثالثة سمّى المحو والإثبات بالبداء، وقال ما موجزه: "ما تنبّأ نبيٌّ قطّ حتى يُقِرَّ لله تعالى .. بالبداء"
____________
1- البحار 4 : 108 نقلا عن توحيد الصدوق.
2- المصدر نفسه، نقلا عن المحاسن.
الحديث(1).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "ما بعث نبيّاً قطُّ إلاّ بتحريم الخمر، وأن يُقرّ له بالبداء"(2).
وفي رواية أُخرى أخبر الإمام الصادق (عليه السلام) عن زمان المحو والاثبات وقال: "اذا كان ليلة القدر نزلت الملائكةُ والروحُ والكتبةُ الى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة، فإذا أراد اللهُ أن يقدّم شيئاً أو يؤخّره أو ينقصَ شيئاً أمر الملك أن يمحو ما يشاءُ ثمّ أثبتَ الذي أراد"(3).
وأخبر الإمام الباقر (عليه السلام) عن ذلك وقال ما موجزه: "تنزل فيها الملائكة والكتبةُ الى سماء الدنيا فيكتبون ما هو كائنٌ في أمر السّنة وما يصيبُ العباد فيها". قال: "وأمرٌ موقوفٌ لله تعالى فيه المشيئة يقدّمُ منه ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، وهو قوله تعالى: (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)"(4).
____________
1- البحار 4 : 108 نقلا عن توحيد الصدوق.
2- المصدر نفسه.
3- البحار 4 : 99 عن تفسير عليّ بن ابراهيم.
4- البحار 4 : 102 نقلا عن أمالي الشيخ المفيد.
واخيرا وليس اخرا ان شاء الله
أثر الاعتقاد بالبَداء
لو اعتقد الإنسان أنّ مِنَ الناس من كتب في السعداء فلن تتبدّل حاله ولن يكتب في الأشقياء، ومنهم من كتب في الأشقياء فلن تتبدّل حاله ولن يكتب في السعداء، وجفّ القلم بما جرى لكلّ إنسان، عندئذ لا يتوب العاصي من معصيته، بل يستمرّ في ما هو عليه، لاعتقاده بأنّ الشقاء قد كُتب عليه ولن تتغيّر حاله، ومن الجائز أن يوسوس الشيطان الى العبد المنيب أنّه من السعداء ولن يكتب في الأشقياء وتؤدّي به الوسوسة الى التساهل في الطاعة والعبادة، وعدم استيعاب بعض المسلمين معاني الآيات والروايات المذكورة في المشيئة، اعتقد بعضهم أنّ الإنسان مجبور على ما يصدر منه، وآخرون على أنّ الأمر كلّه مفوّض للإنسان، كما سندرسه في البحث الآتي لنعرف الحقّ في ذلك بإذنه تعالى.
والله الموفق
العبد الحقير ابو عبيدة العراقي