قلت : قام أبو جعفر بقتل إبراهيم ومحمد أحفاد الحسن ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتل عمه علي ابن عبدالله بعد أن أعطاه الأمان وكذلك غدر بأبو مسلم الخرساني والغدر صار له صفة
جوابه :
وأما من قتلهم :
فعبدالله بن علي ومحمد وإبراهيم ابنا عبدالله قتلهم لأنهم خرجوا عليه , وقد قال عليه الصلاة والسلام (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه ) وفي حديث آخر ( فاضربوه بالسيف كائنا من كان ) .
فحتى لو كان الخارج على الحاكم عمه أو أخاه فهذا حكم الله فيه .
وقد قتل أيضا أبا مسلم الخرساني بعد أن تيقن من خبث نيته وسريرته وفساد أعماله .
وهذا الذي تبين لأمير المؤمنين الخليفة المنصور وقد قال عليه الصلاة والسلام ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر ) .
وأما مسألة الغدر :
فمن المعلوم أن عبدالله بن علي خرج على أمير المؤمنين الخليفة المنصور فأمكن الله أمير المؤمنين منه فالحد الشرعي هو أن يقتل عبدالله فقد قال عليه الصلاة والسلام (من أتاكم و أمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم و يفرق جماعتكم فاقتلوه ) صحيح الجامع .
لكن أمير المؤمنين رأى مصلحة في إبقائه ثم لما رأى انتهاء المصلحة تخلص منه .
وقد أنكر المنصور رحمه الله ما فعله عمه رحمه الله .
فقد نقل ابن عساكر في تاريخ دمشق (38/117) عن إبراهيم بن عيسى بن أبي جعفر المنصور :-
قال سمعت عمي سليمان بن أبي جعفر يقول كنت واقفا على رأس المنصور ليلة وعنده إسماعيل بن علي وصالح بن علي وسليمان بن علي وعيسى بن علي فتذاكروا زوال ملك بني أمية وما صنع بهم عبد الله وقتل من قتل منهم بنهر أبي فطرس فقال المنصور رحمة الله ورضوانه على عمي ألا من عليهم حتى يروا من دولتنا ما رأينا من دولتهم ويرغبوا إلينا كما رغبنا إليهم فقد لعمري عاشوا سعداء وماتوا فقداء . انتهى .
وأما أبو مسلم الخرساني فرجل سفاك للدماء ولم يأت عن الخليفتين السفاح والمنصور أنهما أقراه على سفك كل هذه الدماء فقد كان واليا على خراسان ومعه الجنود يفعل ما يشاء وكان قبل ذلك موكلا بإقامة الدعوة في خراسان ، كيف وقد أنكرا عليه رحمهما الله وغفر لهما.
((فقد نقل البلاذري في أنساب الأشراف (2/31) أن المنصور قال لأبي مجرم قبل أن يقتله :-
قتلت أهل خراسان وفعلت وفعلت . انتهى .
وقال أيضا (2/13) عن أبي مسلم :-
فقتل سليمان، وكتب إلى أبي العباس بخبره وقتله إياه، فلم يجبه على كتابه، فكان مما عاتبه عليه المنصور أن قال: قتلت سليمان بن كثير نقيب نقبائنا، ورئيس شيعتنا، وشيخ دعوتنا، وابنه، وقتلت لا هزا .
و قال الذهبي في تاريخ الإسلام (2/478) :-
ولما رأى أبو جعفر عظيمة أبي مسلم بخراسان وسفكه للدماء ورجع من عنده قال لأخيه أبي العباس: لست بخليفة إن تركت أبا مسلم حياً! قال: كيف - قال: والله ما يصنع إلا ما يريد، قال: فاسكت واكتمها. انتهى .))
ثم لما ظهر لأمير المؤمنين المنصور فساد نيته وخبث طويته وكونه خطرا على استقرار الدولة عزم على قتله وأظهر ذلك لأخيه فلم يجبه فلما تولى الخلافة تأكد عنده فساد نية أبي مسلم وخطره على الدولة فقرر التخلص منه بأي طريقة فإنه يصعب التخلص منه بطريقة الحرب لطاعة الناس له فمكر به حتى أراح الناس من شره .
وقد قال رحمه الله وغفر له للناس عن قتله لأبي مسلم لو تعلمون ما أعلم لعذرتموني .
وإن كان في هذه الأفعال شيء من الكذب والخداع فقد قال ابن حجر في الفتح :-
قَوْله : ( بَاب الْكَذِب فِي الْحَرْب )
تَرْجَمَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا " اِئْذَنْ لِي أَنْ أَقُول ، قَالَ قُلْ " فَإِنَّهُ يَدْخُل فِيهِ الْإِذْن فِي الْكَذِب تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا
قَالَ النَّوَوِيّ : الظَّاهِر إِبَاحَة حَقِيقَة الْكَذِب فِي الْأُمُور الثَّلَاثَة ، لَكِنَّ التَّعْرِيض أَوْلَى .
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الْكَذِب فِي الْحَرْب مِنْ الْمُسْتَثْنَى الْجَائِز بِالنَّصِّ رِفْقًا بِالْمُسْلِمِينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مَجَال ، وَلَوْ كَانَ تَحْرِيم الْكَذِب بِالْعَقْلِ مَا اِنْقَلَبَ حَلَالًا اِنْتَهَى .
وَيُقَوِّيه مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَابْن حِبَّانَ مِنْ حَدِيث أَنَس فِي قِصَّة الْحَجَّاج اِبْن عِلَاط الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم فِي اِسْتِئْذَانه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول عَنْهُ مَا شَاءَ لِمَصْلَحَتِهِ فِي اِسْتِخْلَاص مَاله مِنْ أَهْل مَكَّة وَأَذِنَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِخْبَاره لِأَهْلِ مَكَّة أَنَّ أَهْل خَيْبَر هَزَمُوا الْمُسْلِمِينَ وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَشْهُور فِيهِ .
ولا أعلم أحدا من الأئمة وصف المنصور بالغدر وأنه أغدر خلفاء بني العباس بل قال ابن تيمية في الفتاوى (20\319) :-
وقد كان المنصور والمهدي والرشيد وهم سادات خلفاء بنى العباس .اهـ.
وأئمة السنة قرأوا سيرة أمير المؤمنين الخليفة المنصور من أولها إلى آخرها وخرجوا لنا بهذه الصفات الطيبة والسيرة الحسنة , ولم يصفوه بأنه كذاب غدار حاشاه رحمه الله .
ولم تذكر هذه القبائح إلا في كتب المبتدعة من الزيدية والروافض , وأصبح من شعارهم الطعن في خلفاء بني العباس .
فيا من كنت سلفيا قف حيث وقف أهل العلم في الكلام عن أمير المؤمنين الخليفة المنصور ولا تذكره بغير ما ذكروه .