فكرة الغيبة
فكرة غيبة الإمام كانت هي القاعدة التي قام عليها كيان الشيعة بعد أن تصدع , وأمسك بنيانهم عن الانهيار أمام عوامهم , لهذا أصبح الإيمان بغيبة ( ابن للحسن العسكري ) هو المحور الذي تدور عليه عقائدهم , ودان بذلك أكثر شيعتهم بعد التخبط والاضطراب , فلم يكن لعلماء الشيعةملجأ إلا ذلك , أي إلا فكرة القول بغيبة الإمام حفاظاً على دسائسهم في مذهبهم الشيعي من الانهيار .
وإذا كان شيخ شيوخ الشيعة الأول : ابن سبأ اليهودي , هو الذي وضع عقيدة ( النص على علي رضي الله عنه بالإمامة ) التي هي أساس تشيعهم , فإن هناك ابن سبأ آخر , هو الذي وضع البديل ( لفكرة الإمامة ) بعد انتهائها حسياً بانقطاع نسل الحسن , أو أنه واحد من مجموعة وضعت هذه الفكرة , لكنه هو الوجه البارز لهذه الدعوى , هذا الرجل هو (( أبو عمر عثمان بن سعيد العمري الأسدي العسكري , المتوفى سنة 280 هـ ))( 1 ) زعم أن للإمام الحسن ولداً قد اختفى وعمره أربع سنوات ( 2 ) , وقال شيخهم المجلسي : (( أكثر الروايات على أنه أقل من خمس سنين بأشهر , أو بسنة وأشهر )) ( 3 ) , على الرغم من أن هذا الولد كما تعترف كتبهم الشيعية , لم يظهر في حياة أبيه الحسن ولا عرفه الجمهور بعد وفاته( 4 ) , ولكن هذا الرجل ( أي عثمان ) هو الذي يزعم أنه يعرفه , وأنه وكيله في استلام أموال شيعتهم والإجابة على أسئلتهم ؟؟ .
ومن الغريب أن علماء الشيعة يزعمون أنهم لا يقبلون إلا قول معصوم , حتى إنهم رفضوا الإجماع بدون المعصوم , وها هم يقبلون في أهم عقائدهم الشيعية دعوى رجل غير معصوم , وقد ادعى مثل دعواه آخرون , وكل منهم يزعم أنه الباب للغائب , وكان النزاع بين هؤلاء المرتزقة شديداً , وكل واحد منهم يُخرج توقيعاً , يزعم انه صدر من الغائب المنتظر , يلعن فيه الآخرين ويكذبهم , وقد ذكر بعضهم الطوسي في مبحث بعنوان : ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية لعنهم الله ( 5 ) .
بل وقد رفض عثمان ومن معه : البوح باسم هذا الولد المزعوم , أو ذكر مكان وجوده – وذلك بادئ الأمر – فعن أبي عبد الله الصالحي قال : (( سألت أصحابنا بعد مضي أبي محمد الحسن العسكري , أسال عن الاسم والمكان , فخرج الجواب : إن دللتم على الاسم أذاعوه , وإن عرفوا المكان دلوا عليه )) ( 6 ) . ؟
ولكن : ورد في كتبهم أن اسمه محمد , ونهى بعض علمائهم عن التصريح باسمه , ويكتفى بذكر احد ألقابه التي وضعوها ومنها : المهدي والحجة والصاحب والقائم ( 7 ) .
وقد روى الكليني : (( صاحب هذا الأمر , لا يُسميه باسمه إلا كافر )) ولما قيل كيف نذكره ؟ قال قولوا : الحجة من آل محمد صلوات الله وسلامه )) ( 8 ) .
ويبدوا أن عملية كتمان اسمه ومكان , ما هي إلا محاولات لستر هذا الكذب , إذ كيف يأمر علماؤهم بكتمانه وهم أنفسهم يقولون : (( من لم يعرف الإمام , فإنما يعرف ويعبد غير الله )) ( 9 )؟
وعقيدة الغيبة كما نادى بها عثمان , نادى بها من بعده ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان ( ت 304 هـ أو 305 هـ ) فانقسم الشيعة عدة انقسامات , فلعن بعضهم بعضاً , وتبرأ بعضهم من بعض , وكان السبب : هو الطمع في جمع الأموال( 10 ) .
ثم عين محمد بن عثمان من بعده أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي , فأحدث هذا التعيين نزاعاً كبيراً بين المرتزقة , فانفصلوا وكثر التلاعن بينهم ( 11 ) .
وأخيراً وقطاعً للنزاع : أوصى ابن روح بالبابية لعلي بن محمد السمري ( 12 ) .
واستمر السمري في منصبه ثلاث سنوات , وأدركته : (( الخيبة , وشعر بتفاهة منصبه كوكيل معتمد للإمام الغائب , فلما قيل له وهو على فراش الموت : من وصيك من بعدك ؟ قال : لله أمر هو بالغه )) ( 13 ) .
وتسمى فترة نيابة هؤلاء الأربعة عن المهدي (( الغيبة الصغرى )) وقد استمرت ( 74 سنة ) , وذكر ذلك شيخهم النجفي في كشف الغطاء ( 14 ) .
تعارض :
في تنقيح المقال للممقاني ( 15 ) أنها ( 68 , أو 69 سنة إلا شهرا ) .
تعارض :
في تاريخ الغيبة لمحمد باقر الصدر ( 16 ) أنها ( 70 سنة ) .
وقد طور علماء الشيعة عقيدة الغيبة , فبدلاُ من أن تكون بيد واحد من علماء شيعتهم يلتقي بالإمام مباشرة , أعلنوا انقطاع الصلة المباشرة بالمهدي , وأصدرت الدوائر الاثنا عشرية توقيعاً منسوباً للمنتظر الموهوم , بأن : كل مجتهد هو نائب عن الإمام , يقول التوقيع : (( وأما الحوادث الواقعة , فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا , فإنهم حجتي عليكم , وأنا حجة الله )) ( 17 ) .سألتك بالله من هم الرواة الثقاة عندكم هل هم المجلسي أو الكليني أو غيرهم أكثر الأحاديث الموجودة في كتبهم ضعيفة وغير صحيحة باعتراف علماؤكم .
ولماذا فعلوا ذلك ونسبوه للباب السمري.
يبدوا أنه من اجل المحافظة على كيان عقيدة فكرة الغيبة من الفضيحة والانهيار حيث كثر المتنافسون على دعوى النيابة عن المهدي لما في ذلك من المكاسب المادية الكبيرة حتى قام البعض بفضح الأخر .....
ومن الأدلة المخزية على ذلك ما قاله احد النواب عن المهدي وهو شيخهم أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني : ((ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح (18 ) في هذا الأمر , إلا ونحن نعلم في ما دخلنا فيه , فلقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف )) ( 19 ) .
وقال الشيخ احمد الكسروي معقباً على هذا القول : ((ولقد صدق فيما قال , فإن التخاصم لم يكن إلا لأجل الأموال , كان الرجل يجمع المال ويطمع فيه البابيه لكيلا يسلمه إلى أخر ..... ))( 20 ) .
نعم , إن مسالة ( غيبة الإمام ) وهي من أركان مذهبهم الشيعي , من المسائل التي حيرت كثير من علماء شيعتهم , لشكهم في أمره وطول غيبته , وانقطاع أخباره , وحق لهم ذلك .
يقول شيخهم ابن بابوية القمي : (( رجعت إلى نيسابور , وأقمت فيها فوجدت أكثر المختلفين علي من الشيعة قد حيرتهم الغيبة , ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة ...... ))( 21 ) .
أيها القارئ المنصف العاقل :
هذا الشك في أمر منتظرهم في عصر شيخهم ابن بابوية القمي ( ت 381 هـ ) فكيف يكون الشك الآن بعد مضي هذه القرون الطويلة ؟
وذلك أن الأسباب التي يذكرها علماء الشيعة عللاً لغيبة منتظرهم المزعوم لا يقتنع بها عاقل .
1 ) ذكره الطوسي في (( الغيبة )) ( ص 214 ) .
2 ) الغيبة ( ص 258 ) .
3 ) (( بحار الأنوار )) ( ج 25 / 103 و 123 ) .
4 ) (( الإرشاد )) للمفيد ( ص 345 ) .
5 ) (( الغيبة )) ( ص 244 ) .
6 ) (( الكافي )) ( ج 1 / 181 ) .
7 ) (( حصائل الفكرة )) ( ص 35 )
8 ) ((أصول الكافي )) ( ج 1 / 333 ) , (( الإرشاد )) ( ص 394 ) , (( إكمال الدين )) ( ص 607 ) .
9 ) (( أصول الكافي )) ( ج 1 / 333 ) .
10 ) أنظر بعض روايات تلك الانقسامات واللعائن : كتاب (( الغيبة )) للطوسي ( ص 245 ) .
11 ) أنظر (( الغيبة )) للطوسي ( ص 241 ) .
12 ) (( بحار الأنوار )) ( ج 51 / 107 – 108 , 343 , 345 , 347 , 348 , 352 , 362 , ج 74 / 198 ) , و (( الغيبة )) للطوسي ( ص 244 ) .
13 ) أنظر (( الغيبة )) للطوسي ( ص 242 ) .
14 ) ( ص 13 ) .
15 ) ( ج 1 / 189 ) .
16 ) ( ص 345 ) .
17 ) (( الكافي )) مع شرحه (( مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول )) للمجلسي ( ج 4 / 55 ) , و (( وسائل الشيعة )) ( ج 18 / 101 ) , و (( بحار الأنوار )) ( ج 2 / 90 ) , و (( الاحتجاج )) ( ج 2 / 469 ) طبعة النجف , وطبعة الغفاري ( ص 163 ) , و(( إعلام الورى )) كلاهما للطبرسي ( ص 452 ) . و (( الخرائج والجرائح )) للراوندي ( ج 3 / 113 ) , وكتاب (( الغيبة )) للطوسي ( ص 177 ) , و (( كشف الغمة في معرفة الأئمة ) للأربلي ( ج 2 / 531 ) , و (( إكمال الدين وتمام النعمة )) للصدوق ( ص 451 ) , و (( منتخب الأنوار المضيئة )) للنجفي ( ص 122 ) , و (( الدرة الطاهرة )) لمحمد مكي العاملي ( ص 47 ) .
18 ) النائب الثالث للمهدي عند الاثنا عشرية .
19 ) (( بحار الأنوار )) للمجلسي : باب ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراء ( ج 51 / 267 – 368 ) , وكتاب (( الغيبة )) للطوسي (ص 213- 241 , 391 , 392 ) .
20 ) (( التشيع والشيعة )) للكسروي ( ص 33 ) .
21 ) (( إكمال الدين وتمام النعمة )) للصدوق ( ص 2 ) , (( بحار الأنوار )) ( ج 1 / 73 )