من فضائل ذي النورين
عثمان بن عفان رضي الله عنه
لم يترك الشيطان صاحبَ فضيلة
إلا وسعى لانتقاصه وتشويه صورته بين الناس ،
وذلك ما حصل مع أمير المؤمنين
عثمان بن عفان رضوان الله عليه ،
هذا الرجل التقي الحيي العطوف الرءوف اللين ،
الذي ما وُجهت إليه إساءة إلا وعفا وصفا ،
حتى وهو خليفة يتولى أعلى سلطة في الدولة ،
ناله من السفهاء والجهلاء ما لم ينل أحدا من الحكام
- مع قدرته على البطش بهم ،
حيث كانت جيوشه تجول شرقا وغربا ،
فاتحة ما استعصى على السابقين -
لدرجة أنه قُُتل على يد شراذم الأرض
بعد أن رفض أن يسمح لأحد من الصحابة أو أبنائهم
الذين حضروا للزود عنه بقتال المعتدين عليه؛
خشية من إراقة أي دماء بالمدينة الطاهرة التي تحوي رفات سيد البشر ،
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
لدرجة أن المرء وهو يتفكر في سيرته يقول :
إن الرجل ليس له عيب
سوى المبالغة في اللين والرحمة والتساهل مع من أساء إليه ،
وتلك لعمري مزية لا تتوفر إلا لقليل من البشر .
وكان يقول وهو في تلك الحالة:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهداً فأنا صابر عليه.
وهذه بعض فضائله نقدمها للأخوة القراء ولنا أولا ؛
لنعرف للرجل قدره فنزداد له حبا ،
فحب الصحابة واجب علينا ،
فكيف بذي النورين ؟!! ..
ـ الفضيلة الأولى :
أنه تزوج ببنتين من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال العلماء : ولا يعرف أحد تزوج ببنتي نبي غيره ،
ولذلك سمي ذا النورين ، وقد قال علي رضي الله عنه : ذاك امرؤ يُدعى في الملأ الأعلى ذا النورين ، كان ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه. .
ـ الفضيلة الثانية :
أنه من السابقين الأولين ، وأول المهاجرين ،
وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ،
وأحد الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ ،
وأحد الصحابة الذين جمعوا القرآن ،
بل قال ابن عباد: لم يجمع القرآن من الخلفاء إلا هو والمأمون).
الفضيلة الثالثة:
أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وأربعين حديثاً ،
وقد قال صلى الله عليه وسلم
" نضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ " .
فكيف بمن بلّغ عنه هذا العدد الوفير ؟!! .
وقد كان رضي الله عنه كما شُهد له متقنا في تحديثه ،
فقد أخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن حاطب قال :
ما رأيت أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث أتم حديثاً ولا أحسن من عثمان بن عفان.
الفضيلة الرابعة :
أن أمه أروى بنت كريز بن ربيعة كانت عمة النبي صلى الله عليه وسلم ،
وبذلك نال فضل القربة إلى رسول الله كما نال فضل الصهر والصحبة .
الفضيلة الخامسة :
أنه كما قال ابن إسحاق :
أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة ،
كما كان ممن تحمل وصبر على الإيمان ،
فقد أخرج ابن سعد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال:
لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطاً ،
وقال : ترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث ؟
والله لا أدعك أبداً حتى تدع ما أنت عليه ،
فقال عثمان :
والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه ،
فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.
الفضيله السابعة:
أنه أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة بأهله ،
ولذا قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط " .
الفضيلة الثامنة :
أن رسول الله شهد له أنه كان أشبه الناس بإبراهيم عليه ،
كما جاء عن عائشة رضي الله عنها ، حيث قالت:
لما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أم كلثوم قال لها:
"إن بعلك أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد "
وجاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم "
وهذا الشبه بالطبع كان في حسن الخلق والتقرب إلى الله .
الفضيلة التاسعة :
أن رسول الله أشاد بحيائه ،
فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه حين دخل عثمان وقال :
" ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة " .
الفضيلة العاشرة:
أن رسول الله بشره بالجنة في أكثر من مرة ،
من ذلك ما ذكره البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان حين حوصر أشرف على الناس فقال :
أنشدكم بالله ! ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم !
ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم ؟
ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من حفر بئر رومة فله الجنة ؟ فحفرتها ،
فصدقوه بما قال.
وما ذكره الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب أنه قال:
شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة ،
فقال عثمان بن عفان : يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ،
ثم حض على الجيش فقال عثمان:
يا رسول علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ،
ثم حض على الجيش فقال عثمان :
يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ،
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول :
" ما على عثمان ما عمل بعد هذه شيء " .
الفضيلة الحادية عشر :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصه بالسفارة إلى قريش يوم الحديبية ،
ولما حضرت بيعة الرضوان جعل صلى الله عليه وسلم نفسه نائبا في البيعة عن عثمان ،
فقد أخرج الترمذي عن أنس أنه قال:
لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ، فبايع الناس ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
إن عثمان بن عفان في حاجة الله وحاجة رسوله ،
فضرب بإحدى يديه على الأخرى ،
فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيراً من أيديهم لأنفسهم.
الفضيلة الثانية عشر :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له أنه يُقتل مظلوما ،
فقد أخرج الترمذي عن ابن عمر أنه قال:
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال :
يُقتل فيها هذا مظلوماً لعثمان .
وأخرج الترمذي أيضا والحاكم وصححه وابن ماجة عن مرة بن كعب قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة يقربها ،
فمر رجل مقنع في ثوب فقال:
هذا يومئذ على الهدى ، فقمت إليه ،
فإذا هو عثمان بن عفان ،
فأقبلت إليه بوجهي فقلت
هذا قال ( أي رسول الله ) : نعم.
وأكد رسول الله أن من سيخرجون عليه ليسوا مسلمين وإن تظاهروا بالإسلام ،
فقد أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" يا عثمان !
إنه لعل الله يقمصك قميصاً ،
فإن أرادك المنافقون على خلعه
فلا تخلعه حتى تلقاني " .
الفضيلة الثالثة عشر:
أنه قام بتوسعة المسجد بعد أن اشترى المنازل المحيطة به وضمها إليه ،
كما زاد في مسجد المدينة ووسعه وبناه بالحجارة المنقوشة.
الفضيلة الرابعة عشر :
أن المسلمين لم يعرفوا الغزو بحرا إلا في عهده ،
بعد أن أقيم أول أسطول إٍسلامي للمسلمين في مصر والشام ،
وفتحت في عهده بعض جزر البحر المتوسط التي كانت تتحكم في تجارة البحر ،
وقد دعا رسول الله لأول جيش يركب البحر ،
وبالطبع شمل الدعاء من أرسل هذا الجيش ؛
لأنه صاحب الفضل في إرساله .
الفضيلة الخامسة عشر :
أن الأموال قد كثرت في عصره بسبب الفتوحات الإسلامية الشاسعة ،
مثل قبرص وإصطخر وفسا ،
وبلاد كثيرة من أرض خراسان وطوس وسرخس ومرو وبيهق ، والحبشة
حتى اتخذ للمال الخزائن ، وأدر الأرزاق ،
وصار يأمر للرجل بمائة ألف بدرة ( صرة ) في كل بدرة أربعة آلاف أوقية.
ونكتفي بتلك الفضائل خشية الإطالة ،
سألين الله سبحانه وتعالى أن يجزيه
وسائر الصحابة عن الإسلام خير الجزاء ،
وأن يوسع له في نزله ،
وأن يزرقنا حبه وحب سائر الصحابة ،
وأن يرزقنا الاقتداء به ،
اللهم آمين !!