هل تعلم من قتل سيدنا عثمان رضي الله عنه
أولا: وصف النبي صلى الله عليه وسلم من طالبوا بعزل عثمان ثم قتلوه بالنفاق...
وحديث ياعثمان إن أرادك المنافقون على خلع هذا القميص الذي ألبسك الله إياه فلا تخلعه...
ثانيا: تفرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وجوه قتلة عثمان قبل زمن طويل، وتشاؤمه منهم، وهو المحدث الملهم....
فأول من اكتشف سريرتهم، ونظر إلى وجوههم بنور الله فتشاءم منهم، رجل الإسلام المحدث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب صاحب الفراسة التى لا تخطئ، روى الطبري ( 4 : 86 ) أن عمر لما استعرض الجيوش للجهاد سنة 14 مرت أمامه قبائل السكون اليمينية مع أول كندة يتقدمهم حصين بن نمير السكوني ومعاوية بن حديج أحد الصحابة الذين فتحوا مصر ثم كان أحد ولاتها، فاعترضهم عم، فإذا فيهم فتية دلم سباط، فأعرض عنهم ثم أعرض ثم أعرض، حتى قيل له: مالك ولهؤلاء؟ فقال: إني عنهم لمتردد، وما مر بي قوم من العرب أكره إلى منهم، فكان من أولئك الفتية الذين أعرض عنهم عمر: سودان بن حمران وخالد بن ملحم، وكلاهما من البغاة على عثمان.
ثالثا: استنكار علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قتلة عثمان ووصفهم بسفهاء الناس...
خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الخطبة التى خطبها على الغرائر في معسكره بالكوفة عندما كان الصحابي القعقاع بن عمرو التميمي يسعى في إتمام المهمة التى جاءت عائشة وطلحة والزبير لإتمامها من التواصل والتحاور مع علي بن أبي طالب حول مسألة قتلة عثمان رضي الله عنه، فروى الطبري ( 5 : 194 ) أن علياً ذكر إنعام الله على الأمة بالجماعة بالخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، وقال على مسمع من قتلة عثمان: (ثم حدث هذا الحادث الذي جره على الأمة من طلبوا هذه الدنيا، وحسدوا من أفاء الله عليه على الفضيلة، وأرادوا رد الأشياء على أدبارها) ثم ذكر أنه راحل غداً إلى البصرة ليجتمع بأم المؤمنين وأخويه طلحة والزبير وقال: ( ألا ولا يرتحلن غداً أحد أعان على عثمان رضي الله عنه بشئ في شئ من أمور الناس، وليغن السفهاء عني أنفسهم).
رابعا: من هم قتلة عثمان؟:
قتلة عثمان مجموعة من الأوباش الجهلة المجتمعين من مصر والعراق، كان قادتهم ورؤوسهم، هم الأشخاص التالية أسماؤهم:
الغافقي بن حرب المصري وكان أمير الحملة، وكنانة بن بشر التجيبي، وسودان بن حمران، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وحكيم بن جبلة البصري، ومالك بن الحارث الأشتر، فهؤلاء الرؤوس والبقية أذناب تابعون...
فهاك تفصيل سيرهم، وأعمالهم في مؤامرة قتل ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه...
أ) الغافقي بن حرب المصري...
هو الغافقي بن حرب العكي من أبناء وجوه القبائل اليمينية التى نزلت مصر عند الفتح، فلما تظاهر ابن سبأ بالتشيع لعلى، ولم يجد مرتعاً لفساده في الحجاز ولا في الشام اكتفى باصطناع بعض الأعوان في البصرة والكوفة، واختار الإقامة في الفسطاط، فكان الغافقي هذا من قنائصه، وقد استمالوه من ناحية تهافته على الرئاسة والجاه، وكان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة الأموي ربيب عثمان الآبق من نعمته هو اليد اليمنى لتنفيذ خطط السبأيين في مصر، والغافقي للتصدر والظهور.
وفي شوال سنة 35 أعدوا عدتهم للزحف من مصر على المدينة بأربع فرق مجموع رجالها نحو ستمائة، وعلى كل فرقة رئيس ورئيسهم العام الغافقي هذا، وتظاهروا بأنهم يقصدون الحج، وفي المدينة تطورت حركاتهم إلى أن أستفحل الأمر ومنعوا عثمان من الصلاة بالناس في المسجد النبوي، فصار الغافقي هو الذي يصلي بالناس (الطبري 5 : 107 ) ، ثم لما أقنعهم الشيطان بالجرأة على الجناية الكبرى كان الغافقي أحد المجترئين عليه وضربه بحديدة معه وضرب المصحف برجله فاستدار ( الطبري 5 : 130 ) وبعد قتل عثمان بقيت المدينة خمسة أيام وأميرها الغافقي ابن حرب، الطبري ( 5 : 155 )
ب) كنانة بن بشر التجيبي...
وهذا أيضاً كان من قنائص ابن سبا في مصر، ولما أرسل عثمان عماراً إلى مصر ليكتشف له أمر الإشاعات وحقيقة الحال، واستماله السبأيون، كان كنانة بن بشر هذا واحداً منهم ( الطبري 9905 )، وعندما جمعوا أوشاب القبائل للزحف على المدينة بحيلة الحج في شوال سنة 35 انقسموا في مصر إلى أربع فرق على كل فرقة أمير، وكان كنانة بن بشر أميراً على إحدى هذه الفرق ( الطبري 5 : 103 ) ثم كان في طليعة من اقتحم الدار على عثمان وبيده شعلة من نار تنضح بالنفط، فدخل من دار عمرو بن حزم ودخلت الشعل على إثره ( الطبري 5 : 123 ).
ووصل كنانة التجيبي إلى عثمان فأشعره مشقصاً ( أي نصلاً طويلاً عريضاً ) فانتضح الدم على آية ( فسيكفيكهم الله )، ( الطبري 5 : 126 ) وقطع يد نائلة زوجة عثمان رضي الله عنه، واتكأ بالسيف على صدر عثمان وقتله (الطبري 5 : 131 ).
قال محمد بن الحارث بن هشام المخزومي المدني المتوفي سنة 43 قال: الذي قتل أمير المؤمنين عثمان هو كنانة بن بشر بن عتاب التجيبى ( الطبري 5 : 132 ). وفيه يقول الوليد بن عقبة بن أبي معيط :
ألا إن خيــر الخـلق بعد ثلاثـة،،، قتيــل التجيبـى الذي جــاء من مصـــر
وكانت عاقبة كنانة هذا وقوعه قتيلاً في الحرب التى نشبت سنة 38 في مصر بين محمد بن أبي بكر نائب علي
وبين عمرو بن العاص ومن معه من جيوش معاوية بن حديج السكوني ( الطبري 6 : 58 – 59 و 60 ).
ج) سودان بن حمران...
وكان أحد الذين قدموا في خلافة عمر للجهاد مع جيوش اليمن بقيادة حصين بن نمير ومعاوية بن حديج، فلما استعرضهم أمير المؤمنين عمر وقع نظره على سودان بن حمران هذا وعلى زميله خالد بن ملجم فتشاءم منهما وكرههما، ولما أرسل أمير المؤمنين عثمان عماراً إلى مصر ليكتشف له مصدر الإشاعات الكاذبة التف السبأيون بعمار، وكان سودان بن حمران منهم ( الطبري 5 : 99 ), ولما سير السبأيون متطوعة الفتنة من أوشاب القبائل اليمنية التى ظهرت في مصر في شوال سنة 35 نحو المدينة وجعلوهم أربع فرق كان سودان قائد إحدى هذه الفرق ( الطبري 5 : 103 )، ولما وصل متطوعة الفتنة إلى المدينة وخرج لهم محمد بن مسلمة ليعظم لهم حق عثمان وما في رقابهم من البيعة له رآهم ينقادون لأربعة هذا واحد منهم ( الطبري 5 : 118 ).
وفي 5 : 131 من تاريخ الطبري وصف تسور سودان ومعه آخرون من دار عمرو بن حزم إلى دار عثمان . وفي 5 : 130 بعض تفاصيل ما وقع من سودان عند ارتكابهم الجناية العظمى، ولما انتهوا من قتل أمير المؤمنين خرج سودان من الدار وهو ينادي : قد قتلنا عثمان بن عفان ( الطبري 5 : 123 ).
د) عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي...
كان أبوه رجلاً مسناً من مسلمة الفتح . وورد ذكر عبد الله بن بديل في الفتنة العظمى على أمير المؤمنين عثمان، فذكر الطبري ( 5 : 124 – 125 ) أن المغيرة بن الأخنس ابن شريق الثقفي حليف بني زهرة خرج هو وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه، ومروان بن الحكم رضي الله عنه، وغيرهم يدافعون عن أمير المؤمنين على باب الدار، فحمل عبد الله بن بديل على الأخنس بن شريق وقتله، ونقل الحافظ ابن حجر في ترجمته في الإصابة ( 2 : 280 ) عن ابن الكلبي أن عبد الله ابن بديل وأخاه عبد الرحمن شهدا صفين مع علي وقتلا بها، والظاهر أن أخاه قتل قبله فقد نقل ابن حجر ( في الإصابة 2 : 281 ) عن ابن إسحاق في كتاب الفردوس أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب لما قدم الكوفة -أي مع جيش أهل الشام – لقى عبد الله بن بديل، فنصح له ابن بديل بأن لا يهرق دمه في هذه الفتنة، فاعتذر عبيد الله بن عمر بأنه يطلب دم أمير المؤمنين عثمان الذي قتل ظلماً, واعتذر ابن بديل بأنه يطلب بدم أخيه الذي قتل ظلما، وكيف يكون أخوه قتل ظلماً وقد قتل في فتنة تطوع للمساهمة فيها مختاراً، بينما عثمان وهو أمير المؤمنين الذي له حق الولاية عليهم كان مبغياً عليه من ابن بديل وأمثاله ومن هم اقل منه شأناً، ومع ذلك لم يقاتل أحداً، ولم يدافع عن نفسه، ونهى الناس عن أن يدافعوا عنه أو باشاً قدموا إلى مدينة الرسول صلوات الله عليه وسلامه من مختلف البلاد ليرتكبوا الشر والإثم، وأين عثمان الذي ملأت حسناته الأرض وتعطرت بأريحها السماء، من عبد الرحمن بن بديل الذي لا يكاد يعرف له التاريخ عملاً حسنا.
هـ) حكيم بن جبلة العبدي البصري...
حكيم بن جبلة العبدي من قبائل عبد القيس ، وأصلهم من عمان وسواحل الخليج العربي، وتوطن بالبصرة بعد تمصيرها، وكان حكيم هذا شاباً جريئاً، وكانت الجيوش الإسلامية التي تزحف نحو الشرق لنشر الدعوة والفتوح تصدر عن البصرة والكوفة، فكان حكيم بن جبلة يرافق هذه الجيوش، ويجازف في بعض حملات الخطر، كما تفعل كتائب ( الكوماندوز ) في هذا العصر، وقد استعملته جيوش أمير المؤمنين عثمان في إحدى هذه المهمات عند محاولتها استكشاف الهند...
ويؤكد شيوخ سيف بن عمر التميمي ( وهو أعرف المؤرخين بتاريخ العراق ) على ما نقله عنه الطبري ( 5 : 90 ) أن حكيم بن جبلة كان إذا قفلت الجيوش خنس عنهم فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويفسد في الأرض ويصيب ما شاء ثم يرجع، فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان، فكتب عثمان إلى عبد الله بن عامر أن احبسه ومن كان مثله فلا يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشداً، فحبسه ( أي منعه من مبارحة البصرة)، فلما قدم عبد الله بن سبأ البصرة نزل على حكيم بن جبلة، واجتمع إليه نفر، فنفث فيهم سمومه، فأخرج ابن عامر عبد الله بن سبأ من البصرة، فأتى الكوفة فأخرج منها، ومن هناك رحل ابن سبأ إلى الفسطاط ولبث فيه وجعل يكاتبهم ويكاتبونه ويختلف الرجال بينهم، وذكر الطبري ( 5 : 104 ) أن السبأية لما قرروا الزحف من الأمصار على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم كان عدد من خرج منهم من البصرة كعدد من خرج من مصر، وهم مقسمون كذلك إلى أربع فرق، والأمير على إحدى هذه الفرق حكيم بن جبلة، ونزلوا في المدينة في مكان يسمى ذا خشب، ولما حصبوا أمير المؤمنين عثمان وهو يخطب على المنبر النبوي كان حكيم بن جبلة واحداً منهم ( الطبري 5 : 106 )
ولما رحل الثوار عن المدينة في المرة الأولى بعد مناقشتهم لعثمان وسماعهم دفاعه واقتناعهم، تخلف في المدينة الأشتر وحكيم بن جبلة (الطبري 5: 120) وفي ذلك شبهة قوية بأن لهما دخلاً في افتعال الكتاب المزور على أمير المؤمنين.
ولما جاءت عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة وأوشكوا أن يتفاهموا مع أمير المؤمنين علي على رد الأمور إلى نصابها كان حكيم بن جبلة هو الذي أنشب القتال لئلا يتم التفاهم والاتفاق ( الطبري 5 : 176 وما بعدها ).
وارتكب دناءة قتل امرأة من قومه سمعته يشتم أم المؤمنين عائشة فقالت له : يا ابن الخبيثة أنت أولى بذلك، فطعنها فقتلها ( الطبري 5 : 176 ) ، وحينئذ تخلى قومه عن نصرته إلا الأغمار منهم.
وما زال يقاتل حتى قطعت رجله ، ثم قتل وقتل معه كل من كان في الواقعة من البغاة على عثمان ، ونادى منادى الزبير وطلحة بالبصرة : (( ألا من كان في الواقعة من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم )) فجئ بهم كما يجئ بالكلاب فقتلوا، فما أفلت إلا حرقوص بن زهير السعدي من بني تميم ( الطبري 5 : 180 ) روى عامر بن حفص عن أشياخه قال : ضرب عنق حكيم رجل من الحدان يقال له ضخيم فمال رأسه فتعلق بجلده فصار وجهه في قفاه ، الطبري ( 5 : 182 ) .
الأموي غير متواجد حالياً رد مع اقتباس
و) الأشتر النخعي (مالك بن الحارث)...
كان بطلا شجاعا من أبطال العرب، كان أول مشاهدة الحربية في اليرموك، وفيها فقد إحدى عينيه ، ثم شاء الله أن يكون سيفه مسلولاً على إخوانه المسلمين في مواقف الفتنة، ولو أنه لم يكن ممن ألب على أمير المؤمنين عثمان، وكتب الله أن تكون وقائعه الحربية في نشر دعوة الإسلام وتوسيع الفتوح ، لكان له في التاريخ شأن آخر.
والذي دفعه في هذا الطريق غلوه في الدين وحبه للرئاسة والجاه، ولست أدرى كيف اجتمعا فيه، والأشتر أحد اللذين اتخذوا الكوفة دار إقامة لهم، فلما كانت إمارة الوليد بن عقبة على الكوفة كان الأشتر يشعر في نفسه بأنه أهل للولاية والرئاسة، فانزلق مع العائبين على الدولة ورجالها، من الخليفة الأعلى في المدينة إلى عامله على الكوفة الوليد بن عقبة.
ولما سرق أبو زينب وأبو مروع خاتم الوليد من منزله وذهبا به إلى المدينة فشهدا على الوليد بشرب الخمر أسرع الأشتر وآخرون معه بالذهاب إلى المدينة لتوسيع دائرة الفتنة، حتى إذا عزل عثمان الوليد بسعيد بن العاص عاد الأشتر مع سعيد إلى الكوفة ( الطبري 5 : 63 ).
وكان عثمان قد سن نظام مبادلة الأراضي ، فمن كانت له أرض من الفيء في مكان بعيد عنه يبادل عليها بأرض قريبة منه بالتراضي بين المتبادلين، وبهذه الطريقة تخلى طلحة بن عبيد الله عن أسهمه في خيبر واشترى بها من فيء أهل المدينة بالعراق أرضاً يقال لها النشاستج، وبينما كان سعيد بن العاص في دار الإمارة بالكوفة والناس عنده أثنى رجل على طلحة بن عبيد الله بالجود، فقال سعيد بن العاص: لو كان لي مثل أرض النشاستج لأعاشكم الله عيشاً رغداً، فقال له عبد الرحمن بن خنيس الأسدي : وددت لو كان هذا الملطاط لك، والملطاط أرض على جانب الفرات كانت لآل كسرى، فغضب الأشتر وأصحابه وقالوا للأسدى: تتمنى له من سوادنا؟! فقال والده: ويتمنى لكم أضعافه، فثار الأشتر وصحبه على الأسدي وأبيه وضربوهما في مجلس الإمارة حتى غشى عليهما، وسمعت بذلك بنو أسد فجاءوا وأحاطوا بالقصر ليدافعوا عن رجليهما، فتلافى سعيد بن العاص هذه الفتنة بحكمته، ورد بني أسد عن الأشتر وجماعته: وكتب أشراف الكوفة وصلحاؤها إلى عثمان في إخراج هؤلاء المشاغبين من بلدهم، فأرسلهم إلى معاوية في الشام ( الطبري 5 : 85 – 86 ) ثم أخرجهم معاوية فنزلوا جزيرة ابن عمر تحت حكم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، إلى أن تظاهروا بالتوبة، فذهب الأشتر إلى المدينة ليرفع إلى عثمان توبتهم، فرضي عنه عثمان وأباح له بالذهاب حيث شاء، فاختار العودة إلى زملائه الذين عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد في الجزيرة ( الطبري 5 : 87 –88 ).
وفي الوقت الذي كان فيه الأشتر يعرض على عثمان توبته وتوبة زملائه وذلك في سنة 34 كان السبأيون في مصر يكاتبون أشياعهم في الكوفة والبصرة بان يثوروا على أمرائهم واتعدوا يوماً، فلم يستقم ذلك إلا لجماعة الكوفة، فثار بهم يزيد بن قيس الأرحبي ( الطبري 5 : 101 ).
ولما وصل الأشتر من المدينة إلى إخوانه الذين عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وجد بين أيديهم كتاباً من يزيد بن قيس الأرحبي يقول لهم فيه: لا تضعوا كتابي من أيديكم حتى تجيئوا، فتشاءموا من هذه الدعوة وآثروا البقاء، وخالفهم الأشتر فرجع عاصياً بعد توبته، والتحق بثوار الكوفة وقد نزلوا في الجرعة مكان مشرف على القادسية، وهناك تلقوا سعيد بن العاص أمير الكوفة وهو عائد من المدينة فردوه، ولقى الأشتر مولى لسعيد بن العاص فضرب الأشتر عنقه، وبلغ عثمان أنهم يريدون إقالة سعيد بأبي موسى الأشعري فأجابهم إلى ما طلبوا ( الطبري 5 : 93 – 94 ).
ولما فشل موعد سنة 34 واقتصرت الفتنة على ما كان في الجرعة، اتعد السبأيون للسنة التى بعدها ( سنة 35 ) ورتبوا أمرهم على التوجه إلى المدينة مع الحجاج كالحجاج، وكان الأشتر مع خوارج الكوفة رئيساً على فرقة من الأربع ( الطبري 5 : 104 )، وبعد وصولهم إلى المدينة ناقشهم أمير المؤمنين عثمان وبين لهم حجته في كل ما كانوا يظنونه فيه، فاقتنع جمهورهم بذلك وحملوا رؤساء الفتنة على الرضا بأجوبة عثمان وارتحلوا من المدينة للمرة الأولى.
إلا أن الأشتر وحكيم بن جبلة تخلفا في المدينة ولم يرتحلا معهم ( الطبري 5 : 120 ) ونقل الطبري ( 5 : 194) أن الأشتر كان في مؤتمر السبأيين الذي عقدوه قبيل ارتحال علي من الكوفة إلى البصرة للتفاهم مع طلحة والزبير وعائشة، فقرر السبأيون في مؤتمرهم هذا أن ينشبوا الحرب بين الفريقين قبل أن يصطلحا عليهم.
وفي وقعة الجمل اطصرع عبد الله بن الزبير والأشتر واختلفا ضربتين، وقال عبد الله بن الزبير كلمته المشهورة: (( اقتلوني ومالكاً )) فأفلت منه مالك الأشتر ، روى الطبري ( 5 : 217 ) عن الشعبي أن الناس كانوا لا يعرفون الأشتر باسم مالك، ولو قال ابن الزبير (( اقتلوني والأشتر )) وكانت للأشتر ألف ألف نفس ما نجا منها شئ، وما زال يضطرب في يدى ابن الزبير حتى أفلت.
وروى الطبري ( 5: 194 ) أن عليا لما فرغ من البيعة بعد وقعة الجمل واستعمل عبدالله بن عباس على البصرة بلغ الأشتر الخبر باستعمال علي لابن عباس فغضب وقال: (على ماذا قتلنا الشيخ إذن؟! اليمن لعبيد الله، والحجاز لقثم، والبصرة لعبد الله، والكوفة لعلى!!) ثم دعا بدابته فركب راجعاً، وبلغ ذلك علياً فنادى: الرحيل! ثم أجد السير فلحق به فلم يره أنه بلغه عنه وقال: (ما هذا السير؟ سبقتنا!)، وخشي إن ترك والخروج أن يوقع في نفس الناس شراً.
ثم اشترك الأشتر في حرب صفين، وولاه علي إمارة مصر بعد صرف قيس بن سعد بن عبادة عنها، فلما وصل القلزم ( السويس ) شرب شربة عسل فمات، فقيل إنها كانت مسمومة، وكان ذلك سنة 38 ( الإصابة 3 : 482 )
___________________
هذا والله أعلم