حضر أحد رجالات الرافضة مجلسا كنت أحضره بالأمس فدار الحديث حول مسألة فقهية سرعان ما استثمرته لأسأل هذا الرافضي بعد الاستئذان من صاحب المجلس عن علة مسحهم الأرجل في الوضوء عوضا عن غسلها كما هو مقرر عندنا أهل السنة والجماعة، فقلت: ما حكم الأرجل في الوضوء عندكم؟
قال الرافضي: المسح.
قلت: ما الدليل عندكم على ذلك؟
قال الرافضي: ما رواه زرارة في حديث طويل قال: قلت لأبي جعفر (ع): ألا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك فقال: يا زرارة قال رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد نزل به الكتاب من الله، لأن الله قال: (اغسلوا وجوهكم) فعرفنا أن الوجه كله ينبغي له أن يغسل، ثم قال: (وأيديكم إلى المرافق) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه، فعرفنا أنهما ينبغي أن يغسلا إلى المرفقين. ثم فصل بين الكلام فقال (وامسحوا برؤوسكم) فعلمنا حين قال برؤوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه، فقال: (وأرجلكم إلى الكعبين) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، ثم فسر ذلك رسول الله للناس فضيعوه، الحديث.
فقلت: ما أنكرت على من قال أنه لا حجة لك في هذا الاستدلال لاحتمال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فسر المسح بأنه فعل من لم ينقض وضوءه بحدث على الخفين، وإذا ورد الاحتمال بطل وجه الاستدلال؟
قال الرافضي: دليلنا على ما ذهبنا إليه أن دخول الباء في الرؤوس يقتضي التبعيض، وذلك لأن الباء إذا دخلت ولم تكن لتعدية الفعل إلى المفعول فلا بد لها من فائدة وإلا كان إدخالها عبثا ، ولما كان الفعل متعد بنفسه لم تكن له حاجة إلى حرف متعد ، فلا بد من وجه يخرج إدخالها من العبث وليس ذلك إلا إيجاب التبعيض ، وإذا وجب تبعيض طهارة الرؤوس فكذا الحال في الأرجل بحكم العطف.
قلت: هذا حياد عن وجه السؤال الذي أوردته عليك وانتقال عن الخبر الذي اعتمدت، ويكفي المناظر أن يضطر خصمه إلى الانتقال إلى معتمد آخر، وبعد فالذي طالبناك به إثبات أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد وضوء من انتقض وضوءه بحدث دون غيره، فيجب أن تأتي بفصل فيما ألزمناك وإلا فالكلام عليك متوجه مع انتقالك من دليل إلى دليل للاضطرار دون الاختيار.
قال الرافضي: ليس هذا عندي بانتقال وليس لك أن تمنع المسؤول أن يجيب بجواب خاص ودليل مختص عن سؤال عام، ولا يعيبه أن يبني كلامه فيما يسري فيه على العموم.
قلت: هذا كلام من لم يحر جوابا ولو تأملت السؤال الذي أوردناه عليك لأغناك عن تكلف هذا الجواب، وذلك أنا اعتمدنا الخبر الذي أوردته وسلمنا به جدلا، فلما استفهمناك عن مقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم عدلت عن الجواب وتعلقت بمدلول اللغة. فإن كنت قد أجبتني على وجه العموم فاعتمادك على مخصوص اللغة باطل، وإن كنت قد أجبت على مخصوص السؤال فقد عدلت عما اقتضاه السؤال بلا خلاف. ولكن دع عنك هذا الخبر وأخبرني عمن ساق إليك أخبارا من طرقكم نقيض ما أوردت ليستوي التكافؤ، فما تصنع فيما رواه العياشي والبحراني والطباطبائي في تفاسيرهم والمجلسي في بحاره عن محمد بن أحمد الخراساني يرفعه إلى علي بن أبي طالب قال: أتى أمير المؤمنين (ع) رجل فسأله عن المسح على الخفين، فأطرق في الأرض مليا ثم رفع رأسه فقال: يا هذا، إن الله تبارك وتعالى أمر عباده بالطهارة وقسمها على الجوارح، فجعل للوجه منه نصيبا وجعل لليدين منه نصيبا وجعل للرأس منه نصيبا وجعل للرجلين منه نصيبا. فإن كانتا خفاك من هذه الأجزاء فامسح عليهما.
قال الرافضي: قد ذهب عنك وجه الاستدلال في هذه الرواية، وذلك أننا لا نجيز المسح على الخفين وهذا من بدهيات مذهبنا، ألا ترى أن أمير المؤمنين (ع) قد أوقع الطهارة في كلامه على الجوارح ثم علق مسح الخفين على الاستحالة، فكأنه يقول لما كان الخفان ليسا من الجوارح لم يجز المسح عليهما؟
قلت: هذا كلام من ليس له اطلاع على لسان العرب، ما أنكرت على من سألك إن كنت على طهارة، أكنت تسأله طهارة البدن أم طهارة الملبس؟ فإذا ثبت أن الإيجاب يستدعي طهارة كليهما فقد ثبت لكل منهما ما يثبت للآخر، ويكون المراد من قوله مع ركاكته (فإن كانتا خفاك من هذه الأجزاء) يعني إن كنت شرعت في الوضوء في حال لبسك الخفين فامسح عليهما.
قال الرافضي: هذا خروج عن ظاهر الخبر إلى مقتضاه، فإن كان عندك ما يوجب تعلقك بظاهر اللفظ فهاته.
قلت: قد روى العياشي في تفسيره والنوري في المستدرك والمجلسي في البحار والبحراني في البرهان عن علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا إبراهيم (ع) عن قول الله (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة – إلى قوله – إلى الكعبين) فقال: صدق الله. قلت: جعلت فداك كيف يتوضأ؟ قال مرتين مرتين. قلت: يمسح؟ قال: مرة مرة. قلت: من الماء مرة؟ قال: نعم. قلت: جعلت فداك فالقدمين؟ قال: اغسلهما غسلا.
قال الرافضي: هذا حديث لا أعرفه.
قلت: ما أنصفت إذ قبلنا روايتك مع عدم تصحيحنا لها، بل ناقشناك بها وقابلناك بروايات أخرجها شيوخك مع وسعنا دفعها بادئ ذي بدء ومطالبتك بإثبات صحتها. فإذا كنت لا تقبل بمقتضى الخبر ولا التعلق بظاهره، فأي خير يرتجى من مناظرتك؟ فارتج عليه الكلام وضاق به صدره وقال: الذي عليه إجماع فقهائنا مسح الرجلين وعدم جواز غسلهما لاستفاضة الأخبار بذلك.
قلت: ليس هذا أصل الكلام في حجتك والانتقال من معتمد إلى آخر انقطاع، فإن كنت جئت متحكما فلا طائل من المجادلة، وإن جئت مناظرا فقد ظهر حقنا على باطلك ولله الحمد من قبل ومن بعد. فلم يأت بفصل تجب حكايته.