محاولة اغتيال محمد بن نايف والخطوط الفاصلة
الأمير محمد بن نايف
نجا مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية، الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، من محاولة اغتيال ، نفذها مطلوب، تمكن من دخول قصر الأمير بعد صلاة العشاء بعد أن زعم أنه يريد مقابلته لتسليم نفسه وإعلان التوبة من الغلو.
ولم تسفر العملية الفاشلة سوى عن مقتل المهاجم، أما الأمير محمد نجل النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي والمسؤول عن ملف تنظيم القاعدة فقد أصيب بإصابات طفيفة.
وتشكل محاولة الاغتيال هذه علامة فارقة في رؤية تنظيم القاعدة الذي ظل دائما يتجنب استهداف الأمراء البارزين, ويركز على استهداف المنشآت والأبنية الاقتصاية كمنشأت النفط, أو الأبنية الأمنية.
وهذه الجريمة نحتاج قراءتها على ضوء خطوط فاصلة لانقلص دلالتها الخطيرة, من ناحية, ولاتجعلها تجور وتتعدى المساحة التى يجب أن تتنزل فيها من ناحية أخرى.
*أول هذه الخطوط الفاصلة أن هذا الصنيع الذي تبناه تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في بيان نقله مركز "سايت" الأمريكي لرصد المواقع الإسلامية على الانترنت, لا مجال فيها لتبرير شرعي أو سياسي, بل يستحق الإدانة والشجب والتنديد بصورة واضحة وجلية لاغموض فيها ولا مواربة.. ولا مجال فيها للاختباء وراء الألفاظ والمصطلحات.
"ومن هنا فيجب أن يكون الموقف واضحا بإدانة هذا الاعتداء دون أي مواربة أو استخدام أي لغة مخففة أو غامضة، حيث اجتمع في هذا الاعتداء قواصم من الغدر، وخيانة العهود، والكذب، واستهداف أرواح معصومة، وتغرير بشباب لم يدركوا خطورة ما يعملون، وهو إفساد في الأرض، لا سعي في إصلاحها كما يزعمون، ونصوص الكتاب والسنة صريحة في تجريم مثل هذا العمل وبيان عظم ذنب مرتكبه", كما يقول فضيلة الشيخ الكتور ناصر العمر المشرف على موقع المسلم في بيانه تعليقا على الجريمة.
" وهذا النوع من العنف، سواء سميناه عنفا أو إرهابا أو إفسادا لا بد من إدانته بوضوح لا يحتمل اللبس، وهذا ما يقتضيه الصدق والحق والدين، مهما كانت الذرائع اللفظية التي يتحجج بها من يقوم به، أو يدافع عنه، فأي ضمير أو إيمان أو رشد يستبيح إزهاق النفوس الآمنة المعصومة، وليس في نصوص الكتاب والسنة التحذير من ذنب ـ بعد الشرك بالله ـ أعظم من قتل النفس المعصومة" كما يقول الدكتور سلمان العودة في مقاله بصحيفة عكاظ 29/8
*الخط الثاني أن هذه الجريمة, رغم دلالتها الأمنية الخطيرة, نتمنى ألا تنسحب على موقف الحكومة من برنامج المناصحة , وهو البرنامج الذي ينقذ هذه الفئة من مصيرها الذي خطته بيدها وسارت فيه على غير هدى ولابصيرة.
فهذه الفئة رغم ما هي عليه هي جزء من الأمة, يحتاج إلى ارشاد فكري وعلمي ومنهجي يعيدها إلى جادة الطريق, والاعتماد فقط على الجانب الأمني, كما ينادي بعض الكتاب وأصحاب الأقلام الذين يقفون موقفا مناوئا للاسلاميين بعمومهم, قد لاتحقق ذات النجاح الذي تحق بفضل المزواجة بين التتبع الأمني وبرنامج المناصحة والتوجيه الذي يفتح الباب للتائبين الرغبين في العودة إلى رشدهم.
وفي ذلك يقول د. عبدالعزيز بن فوزان الفوزان المشرف العام على موقع "رسالة الإسلام":"الحل الأمني على الرغم من أهميته وعظيم أثره في قصم ظهور هؤلاء المجرمين وقطع الطريق عليهم، وحماية المجتمع من عدوانهم وإجرامهم إلا أنه غير كاف في قطع دابر هذه الفتنة وإماتتها، وإقناع المتهوكين فيها واستنقاذهم منها، بل لا بد مع ذلك من معالجات فكرية مقنعة، وبرامج علمية وتربوية مكثفة، لتوعية هذه العقول الساذجة، وتصحيح هذه الأفكار المشوهة، وكشف الشبهات المضللة، التي تعشعش في أذهان هؤلاء، وتدفعهم لإثارة هذه الفتن العمياء، وتقحم هذه الجرائم والمظالم الشنعاء!!"
فمن المهم اذن إيجاد آلية لاستقبال التائبين من هذه الفئة الضالة تضمن بقاء الباب مفتوحا وتحافظ على أمن البلد، وتكفل منع تكرار العمل الخطير.
*الخط الثالث أن الحادثة ربما تستغلها بعض الأبواق الدعائية للدعوة مجددا إلى "تجفيف المنابع" الدينية باعتبارها الرافد الأهم الذي يغذي التطرف والغلو الديني ونشأة فكر التكفير.
وهنا خلط بين وواضح, بل العكس هو الصحيح, فكلما اتسعت مساحة الارشاد الديني البصير, كلما تقلصت مساحة الفكر المنحرف, ومن ثم فإن محاولة بعض الأقلام جر البلاد إلى التصدي ومحاولة تقليص البرامج الدينية والدعوية, هي بمثابة بذر جديد لآفات الغلو والتكفير في التربة المجتمعية, في المملكة العربية السعودية او غيرها من البلاد العربية.
فأولئك الذين يستغلون هذه الأحداث للطعن في ثوابت الأمة الدينية ويحاولون جرها إلى رقعة مغايرة إنما يغذون الإرهاب، ويمنحونه المبررات ليستمر في ظلمه وغيه.