7 ) – وصية عمرو بن العاص ( رضى الله عنه )
لما احتضر عمرو بن العاص , كانت لديه صناديق عديدة يملكها , فنظر اليها , ثم قال لنفسه : من يأخذها بما فيها و يخفف عنى مسحة من سكرات الموت , ثم رد على نفسه قائلا ,, هيهات ,, هيهات , لا عاصم من الموت اليوم .
ثم نادى على الحرس و امرهم ان يحيطوا بقصره , ثم دعا ابنائه و اشار اليهم الى هذه الصناديق , فقال بنوه : ما هذا ؟ فقال لهم : ما ترون هذا يغنى عنى شيئا ؟ فلم يجد منهم ردا من شدة بكائهم .
ثم دعا حراسه فقال لهم : اى صاحب كنت ؟
فقالوا : كنت لنا صاحب صدق تكرمنا و تعطينا و تفعل كذا و كذا
فقال : فإنى إنما كنت افعل لتمنعونى من الموت , و ان الموت ها هو ذا قد نزل بى فأغنوه عنى !!
فنظر الحرس بعضهم الى بعض فقالوا : و الله ما كنا نحسبك تتكلم بالعوراء ( الكلام القبيح الغائب عنه الرشد ) , يا ابا عبد الله قد علمت اننا لا نغنى عنك من الموت شيئا .
فقال : قد قلتها , و انى لاعلم ذلك , و لكن و الله لأن لم اتخذ منكم رجلا قط يمنعنى من الموت لكان ذلك احب لى من كذا و كذا , فيا ويح ابن ابى طالب اذ يقول : حرس امرىء اجله !!
ثم قال عمرو بن العاص : اللهم لا برىء فاعتذر و لا عزيز فأنتصر , و ان لا تدركنى منك برحمة , اكن من الهالكين .
و عندما رآه ابنه عبد الله بهذا الجزع الشديد قال له : رحمك الله يا ابى ما هذا الجزع , و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوصيك و يستعملك ؟
فقال : اى بنى ! و الله لقد كان يفعل , و لكنى لا ادرى أكان ذلك حبا ام تألفا يتألفنى به , و لكنى اشهد على رجلين قد فارق رسول الله الدنيا و هو يحبهما : ابن سمية ( عمار بن ياسر ) , و , ابن ام عبد ( عبد الله بن مسعود ) .
ثم بكى رضى الله عنه و قال لابنه عبد الله : يا بنى قد نزل بأبيك ثلث خصال : اما اولهن ... فإنقطاع عمله , و اما الثانية ... فهول المطلع , و اما الثالثة ... ففراق الاحبة ( و هى ايسرهن ) .
ثم اوصى ابنه عبد الله و قال : يا بنى .. اذا مت فأغسلنى غسلة بالماء , ثم جففنى فى ثوب , ثم اغسلنى الثانية بماء قراح , ثم جففنى , ثم اغسلنى الثالثة بماء فيه كافور , ثم جففنى و البسنى الثياب , ثم اذا حملتنى على النعش فامش بى مشيا بين المشيتين ( متوسطة ) و كن خلف الجنازة , فإن مقدمتها للملائكة و خلفها لبنى آدم , فإذا وضعتنى فى القبر فصب على التراب صبا .
و سأل عبد الله اباه عمرو بن العاص و قال له : يا ابتى ... لقد كنت اسمعك دائما تقول : انى لأعجب من رجل ينزل به الموت و معه عقله و لسانه و مع ذلك لا يستطيع وصف الموت ؟
فقال له : اى بنى , كنت اقول ذلك ,, و لكنى ادركت الآن ان الموت اعظم من ان يوصف , و لكن سأصف لك منه شيئا , و الله كأن على كتفى جبل رضوى , و كأن روحى تخرج من ثقب ابرة , و كأن فى جوفى شوكة عوسج , و كأن السماء اطبقت على الارض و انا بينهما .
ثم قال : يا بنى ...ان حالى قد تحول الى ثلاثة انواع : كنت فى اول الامر احرص الناس على قتل محمد صلى الله عليه و سلم , فيا ويلتاه لو اننى كنت مت فى ذلك الوقت , ثم هدانى الله للاسلام فكان محمد صلى الله عليه و سلم احب الناس الى , فولانى على السرايا , فيا ليتنى كنت مت على ذلك لانال دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم و صلاته على .., ثم اشتغلنا بعده فى امر الدنيا ,,,, فلا ادرى كيف يكون حالى عند الله تعالى .
ثم وضع يده موضع الاغلال من ذقنه , و قال : اللهم امرتنا فتركنا , و نهيتنا فركبنا , و لا يسعنا الا مغفرتك , ,, ثم ظل يردد هذه الجملة حتى مات .