القمر الإيراني المخسوف
صباح الموسوي
(المصريون) : بتاريخ 7 - 2 – 2009
ذكرى انتصار الثورة الإيرانية التي اعتاد النظام الاحتفال بها كل عام بحفاوة بالغة لا يضاهيها احتفال آخر حيث العادة أن تجري لمدة شهر كامل تقريبا" ابتداء من منتصف نوفمبر ولغاية 11شباط " فان هذا العام و الذي يصادف الذكرى الثلاثين لانتصار الثورة لم يكن أحد يتوقع أن يكون الاحتفاء بها يمر بهذا الشكل الباهت الذي فاجأ الإيرانيين قبل غيرهم حيث تعود العالم على سماع الشعارات والخطب النارية التي أدمن النظام الإيراني على إطلاقها في هذه المناسبة. ومن خلال البحث للعثور على الأسباب التي دفعت بالنظام الإيراني للتقليل من صخب الاحتفاء بهذه المناسبة التاريخية " التي ربما تكون أهم حدث يستوجب من الملالي الاحتفال به لكونه كان السبب بتحقيق حلمهم في الوصول إلى السلطة "
وجدنا أن هناك ثلاثة آراء مختلفة تعلل الأسباب التي تقف وراء عدم إحياء النظام الإيراني للذكرى الثلاثين لانتصار الثورة بالشكل الذي كان عليه في الأعوام السابقة .
الرأي الاول هو ما يراه أصحاب النوايا الطيبة من أن عدم إقامة الاحتفالات الخطابية و المسيرات الكرنفالية لهذه المناسبة يعود لانشغال المؤسسات الإيرانية بالاستعداد لأحياء ذكرى أربعينية استشهاد الإمام الحسين التي تزامنت هذا العام مع ذكرى انتصار الثورة " ولهذا وجد النظام أن الأولوية في هذا الحالة تكون لمناسبة الحزن لا لمناسبة الفرح . غير أنه فات هؤلاء البسطاء أن هذه ليست المرة الأولى التي تتزامن فيها المناسبتان معا ولم يكن ذلك مانعا للنظام الإيراني من الاحتفال بذكرى انتصار الثورة بطريقته الكرنفالية المعهودة .
الرأي الثاني يعتقد أن الشارع الإيراني قد أصيب باليأس وأن النظام بات موقناً أن شعاراته لم تعد تفي بالغرض المطلوب لتحريك مشاعر 14مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر بالإضافة إلى ملايين آخرين كانوا قد بنوا آمالا على الثورة و القيادة الإيرانية الجديدة و لكنها لم تجلب لهم طوال الثلاثين عاما الماضية سوى ما نراه اليوم من أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية مزرية حيث تعيش إيران منهكة داخليا و معزولة خارجيا و تحاول من خلال "إثارة الحروب وزعزعة أمن واستقرار المنطقة لتحقيق مكاسب سياسية هنا و هناك " و هذا طبعا لا يمكن أن يكون فعل دولة تحترم نفسها وتعمل لجلب الخير لشعبها . لذا وجد المواطن الإيراني أن ما يقوم به نظامه لا يتناسب مع مكانة إيران التاريخية ولا يقدم له ما كان يطمح به من رخاء وسعادة تجعله يعيش كما تعيش الشعوب في الدول التي هم أنظمتها و حكوماتها استخدام ثرواتها وتسخير علاقتها مع الدول الأخرى لإسعاد شعوبها وجلب رضاها.
فإيران لا تنقصها الثروة أو الإمكانيات العلمية حتى يضطر نظامها لخلق المتاعب للآخرين لكي يوفر لقمة العيش لشعبه. أضف إلى ذلك أن ما ينفق على المنظمات الإرهابية وما ينفق على السياسات الصبيانية التي يمارسها النظام في المنطقة لو أنفقت على تلبية احتياجات المواطن الإيراني وبناء المشاريع التنموية والعمرانية لأكسبت النظام شعبية واسعة ولأصبح المواطن أشد حرصا على نظامه من النظام ذاته. فالعبرة ليس في أن يقبّل السيد حسن نصر الله يد علي خامنئي لأنه قد تم دفع ثمنها من قوت المواطن الإيراني الذي أسقط الشاه لكي يتمتع بثرواته ويعيش حرا كريما في بلاده لا لكي يتسلم الملالي السلطة ويوزعون المال على من يقبّل أياديهم ويرفع صورهم هنا وهناك .
لهذا يرى المراقبون أن يأس المواطن الإيراني وعدم مبالاته بذكرى الثورة كان السبب وراء عدم إقامة الحفلات والمهرجانات المعهودة في مثل هذه المناسبة "ولذلك لخص النظام احتفاله بهذه المناسبة على إطلاق صاروخ من صنع روسي يحمل قمرا صناعيا ( أميد ) جل ما أريد منه حمل رسالة ذات أهداف سياسية وإعلامية لا أكثر .
فهذا الصاروخ و القمر الاصطناعي مهما كان طوله أو مداه" ومهما كانت مهمته فبالنهاية لا يمكنه بناء ملجئا لآلاف من الأطفال والنساء والرجال المشردين في شوارع العاصمة والمدن الإيرانية الأخرى والذين يموت العشرات منهم يوميا في شوارع طهران وحدها من شدة البرد وسوء التغذية "كما أنه ليس باستطاعته بناء مدارس جديدة لمئات الآلاف من أطفال الأكراد وعرب الأحواز والبلوش الذين بحسب اعترافات وزير التربية الإيراني السيد "علي محمد آزاد پيش " قبل أيام أن في مدينة زاهدان عاصمة إقليم بلوشستان وحدها يوجد أكثر من مائة و خمسة وستين مدرسة بنيت من خيام و أكواخ طينية و تفتقد لأبسط مستلزمات المدارس العادية. هذا ناهيك عن اعترافه بوجود نقص في الكادر التعليمي في إقليم الأحواز يبلغ تسعة الآف معلم ومدرس " وهذه الحالة يمكن تعميمها على سائر المناطق الأخرى في إيران لاسيما مناطق الشعوب والقوميات الغير الفارسية منها على وجه الأخص .
إذا ليس بالقمر الصناعي أو الصواريخ الباليستية وحدها تحيا الشعوب وتتقدم "كما أن مثل هذه الصناعة لا يمكنها جلب الشعبية والولاء لنظام طالما تم بناءها على حساب قوت الشعب و حريته التي ثار من أجلها " فلو كان الأمر كذلك لما اضطر النظام بين فترة وأخرى ليعلن عن اعتقاله مجموعة جديدة من نخب إيرانية تعد لإسقاطه .
أما الرأي الثالث فيوعز عدم احتفاء النظام الإيراني بذكرى الثورة هذا العام بالشكل الذي كان عليه في الأعوام السابقة" يوعزها لأسباب سياسية خارجية أكثر منها داخلية حيث أن المناسبة ترافقت مع أحداث إقليمية ودولية غاية في الأهمية فرضت نفسها على النظام الإيراني بقوة . فوصول الديمقراطيين بقيادة الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض و حرب إسرائيل على غزة و سياسة المحاور الجديدة التي أدخلت تركية ( الند التاريخي لإيران ) كمنافس حقيقي لطهران على النفوذ في المنطقة "جميع هذه الأحداث والتطورات أجبرت النظام الإيراني على القيام بتغيير مناوراته السياسية . فمبادرة الرئيس أوباما التي أعرب فيها عن استعداده لفتح حوار مع إيران أوجبت على النظام الإيراني التغيير في خطابه الثوري المعهود
" كما أن حرب غزة قد وضعت طهران " التي طالما زعمت أنها المدافع الحقيقي عن القضية والشعب الفلسطيني وأن صواريخ " شهاب " و غيرها صنعت لهذا السبب " في موقف محرج للغاية جعلها بين الأمرين " مرارة انكشاف كذب شعاراتها الخداعة " ومرارة الدخول التركي على خط المنافسة و الذي سوف يكون نداً لا يمكن العبور من فوقه بالمزايدات الشعاراتية "خصوصا بعد أن برهن السيد أردوغان أن تركية تعمل بالأفعال لا بالشعارات
.
لذلك رأى النظام الإيراني أن التهدئة و توقف الشعارات الثورية في هذه المرحلة ضرورة تفرضها التطورات الجديدة حيث لا يمكن الحديث عن الثوريات وغزة تحت النار" ولا يمكن إطلاق الشعارات الثورية والند التركي يجتاح المنطقة كاسبا القلوب والعقول بفعله السياسي البراغماتي .
لهذا فإن إطلاق القمر الصناعي (الأمل) في هذا التوقيت وما صاحبه من خطاب سلمي من قبل الرئيس الإيراني ( وهذا على غير العادة طبعا ) يعد جزءا من مناورة سياسية خارجية ولكن مع ذلك يبقى هذا قمرا مخسوفا و لا يمكن أن يضيء سماء ملبدة بغيوم سببها دخان الأعمال والسياسات العنجهية لنظام الثورة الإيرانية .
كاتب أحوازي
http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=59831&Page=1&Part=11