بسم الله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى
َإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى أَصْحَابِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ. وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ؛ وَذَكَرَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ ؛
مِثْلَ قَوْله تَعَالَى { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }
وَقَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } .
و نزلت هده الآية اثر بيعة الرضوان
بَيْعَةُ الرّضْوَانِ
[ مُبَايَعَةُ الرّسُولِ النّاسَ عَلَى الْحَرْبِ وَتَخَلّفُ الْجَدّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ بَلَغَهُ أَنّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ لَا نَبْرَحُ حَتّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ إلَى الْبَيْعَةِ فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرّضْوَانِ تَحْتَ الشّجَرَةِ ، فَكَانَ النّاسُ يَقُولُونَ بَايَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَوْتِ وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُبَايِعْنَا عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعَنَا عَلَى أَنْ لَا نَفِرّ . فَبَايَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ وَلَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا ، إلّا الْجَدّ بْنَ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْهِ لَاصِقًا بِإِبْطِ نَاقَتِهِ . قَدْ ضَبَأَ إلَيْهَا ، يَسْتَتِرُ بِهَا مِنْ النّاسِ . ثُمّ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ بَاطِلٌ .
[ أَوّلُ مَنْ بَايَعَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشّعْبِيّ : أَنّ أَوّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْعَةَ الرّضْوَانِ أَبُو سِنَانٍ الْأَسَدِيّ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَمّنْ حَدّثَهُ بِأَسْنَادٍ لَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَرَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَايَعَ لِعُثْمَانِ فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى .
وَفِي الصِّحَاحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ } . وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى مَا تَوَاتَرَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاتَّفَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَةِ عُثْمَانَ بَعْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } . وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ آخِرَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ . وَقَدْ اتَّفَقَ عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْأَجْنَادِ عَلَى أَنْ يَقُولُوا : أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ؛ ثُمَّ عُثْمَانُ ؛ ثُمَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . وَدَلَائِلُ ذَلِكَ وَفَضَائِلُ الصَّحَابَةِ كٌ ثير ؛ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَكَذَلِكَ نُؤْمِنُ " بِالْإِمْسَاكِ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ " وَنَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ الْمَنْقُولِ فِي ذَلِكَ كَذِبٌ . وَهُمْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ ؛ إمَّا مُصِيبِينَ لَهُمْ أَجْرَانِ ؛ أَوْ مُثَابِينَ عَلَى عَمَلِهِمْ الصَّالِحِ مَغْفُورٌ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ ؛ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ السَّيِّئَاتِ - وَقَدْ سَبَقَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ الْحُسْنَى - فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهَا لَهُمْ : إمَّا بِتَوْبَةِ أَوْ بِحَسَنَاتِ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ ؛ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . فَإِنَّهُمْ خَيْرُ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ؛ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } وَهَذِهِ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ .