العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتـــــــــديات العـــــــــــامـــة > الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-07-08, 09:53 PM   رقم المشاركة : 1
أبو العلا
مشرف سابق








أبو العلا غير متصل

أبو العلا is on a distinguished road


Lightbulb علاقة عليّ بن أبي طالب بعمر بن الخطاب رضي الله عنهما

[size="4"]

علاقة عليّ بن أبي طالب بعمر بن الخطاب / د. علي الصلابي

كان عليّ -رضي الله عنه- عضوًا بارزًا في مجلس شورى الدولة العمرية، بل كان هو المستشار الأول، فقد كان عمر -رضي الله عنه- يعرف لعليّ فضله، وفقهه، وحكمته، وكان رأيه فيه حسنًا، فقد ثبت قوله فيه: أقضانا عليّ, وقال ابن الجوزي: كان أبو بكر وعمر يشاورانه، وكان عمر يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن, وقال مسروق: كان الناس يأخذون عن ستة: عمر وعليّ وعبد الله وأبي موسى وزيد بن ثابت، وأبيّ بن كعب وقال: شاممت أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر: عمر، وعليّ، وعبد الله، وأبي الدرداء، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين منهم: إلى علي، وعبد الله, وقال أيضًا: انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق. فعالم المدينة علي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق، عالم المدينة ولم يسألهما, فكان عليّ من هؤلاء المقربين، يشدّ من أزر أخيه، ولا يبخل عليه برأيه، ويجتهد معه في إيجاد حلول للقضايا، التي لم يرد فيها نصّ، وفي تنظيم أمور الدولة الفتية، والشواهد على ذلك كثيرة، نذكر منها:

أولاً: في الأمور القضائية:
1- امرأة تعتريها نوبات من الجنون: عن أبي ظبيان الجنبي: أن عمر بن الخطاب أُتي بامرأة قد زنت، فأمر برجمها، فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم علي -رضي الله عنه- فقال: ما هذه؟ قالوا: زنت فأمر عمر برجمها، فانتزعها عليّ من أيديهم وردّهم، فرجعوا إلى عمر، فقال: ما ردّكم؟ قالوا: ردنا عليّ، قال: ما فعل هذا عليّ إلاّ لشيء قد علمه، فأرسل إلى عليّ، فجاء وهو شبه المغضب، فقال: مالك رَدَدْتَ هؤلاء؟ قال: أما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المُبتلى حتى يعقل؟" قال: بلى، قال عليّ: فإن هذه مبتلاة بني فلان، فلعله أتاها وهو بها، فقال عمر: لا أدري، فلم يرجمها, فقد كان عمر لا يعلم أنها مجنونة.
2- مضاعفة الحد لمن شرب الخمر: أخذ عمر برأي علي -رضي الله عنهما- في مضاعفة الحد لمن شرب الخمر، وذلك لانتشار شرب الخمر وخاصة في البلاد المفتوحة، وهي حديثة العهد بالإسلام، فأشار عليّ على عمر -رضي الله عنهما- بأن يجلد فيها ثمانين، كأخف الحدود، وعلّل ذلك بقوله: نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون، وقد ثبت عن عليّ -رضي الله عنه- أنه قال: ما كنت أقيم حدًا على أحد، فيموت، وأجد في نفسي، إلاّ صاحب الخمر، فإنه لو مات وَدَيْتُه، وذلك لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يسنّه. وأوَّل البيهقي قوله: (لم يسنّه) زيادة على الأربعين، أو لم يسنّه بالسياط وقد سنّه بالنعال وأطراف الثياب مقدار أربعين والله أعلم, وقد استنبط الفقهاء من أفعال الخلفاء الراشدين مقدار الحد في الخمر، على قول مالك والثوري وأبي حنيفة ومن تبعهم ثمانون، لإجماع الصحابة، ومن قال إن الحد أربعون: أبو بكر، والشافعي، وقول لأحمد، وتُحمل الزيادة على ذلك من عمر-رضي الله عنه- على أنها تعزير يجوز فعله إذا رآه الإمام، وهذا هو القول الصحيح للشافعي, وهذا الرأي مال إليه ابن تيمية أيضاً وقال:.. فأما مع قلة الشاربين وقرب أمر الشارب، فتكفي الأربعون.
3- لا سلطان لك على ما في بطنها: أُتي عمر -رضي الله عنه- بامرأة حامل فسألها عمر فاعترفت بالفجور، فأمر بها عمر تُرجم، فلقيها عليّ فقال: ما بال هذه؟ فقالوا: أمر بها أمير المؤمنين أن تُرجم، فردها علي فقال: أأمرت بها أن ترجم؟ قال: نعم، اعترفت عندي بالفجور! قال: هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها؟ قال علي: فلعلك انتهرتها, أو أخفتها؟ قال: قد كان ذاك، قال: أو ما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا حد على معترف بعد بلاء، أنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له» فخلى عمر سبيلها، ثم قال: عجزت النساء أن تلد مثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر.
وقد علق ابن تيمية على هذه القصة: إن هذه القصة إن كانت صحيحة، فلا تخلو من أن يكون عمر لم يعلم أنها حامل، فأخبره عليّ بحملها، ولا ريب أن الأصل عدم العلم، والإمام إذا لم يعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم حامل، فعرّفه بعض الناس بحالها، كان هذا من جملة إخباره بأحوال الناس... إلى أن قال عن عمر، يعطي الحقوق، ويقيم الحدود، ويحكم بين الناس كلهم، وفي زمنه انتشر الإسلام، وظهر ظهورًا لم يكن قبله مثله، وهو دائمًا يقضي، ويفتي ولولا كثرة علمه لم يطق ذلك، فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب في ذلك؟ وكان رده هذا في سياق رده على الروافض.
4- ردوا الجهالات إلى السنة: أُتي عمر بامرأة أنكحت في عدتها، ففرق بينهما، وجعل صداقها في بيت المال وقال: لا أجيز مهرًا ردّ نكاحه، وقال: لا تجتمعان أبدًا، فبلغ ذلك عليًا فقال: وإن كانوا جهلوا السنة لها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما، فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، فخطب عمر الناس فقال: ردوا الجهالات إلى السنة، ورجع عمر إلى قول عليّ.
5- هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي: قال جعفر بن محمد: أُتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة، فألقت صفارها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذها ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله، فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني، فهمّ بعقوبة الشاب، فجعل يستغيث ويقول: يا أمير المؤمنين تثبّت في أمري، فو الله ما أتيت فاحشة وما هممت بها، فقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما؟ فنظر علي إلى ما على الثوب، ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصبّ على الثوب فجمد ذلك البياض ثم أخذه واشتمه، وذاقه، فعرف طعم البيض، وزجر المرأة فاعترفت.
ونستخلص من هذه الواقعة بعض الدروس:
(أ) أن وسائل الإثبات في القضاء الإسلامي كانت تشمل الإقرار والشهادة واليمين والنكول.. وتتسع لتشمل الأمارات والفراسة.
(ب) اهتمام عمر بمشاورة كبار الصحابة في النوازل، وعلى الخصوص علي- رضي الله عنهما- الذي كانت منزلته عنده متميزة.
ثانيًا: علي -رضي الله عنه- والتنظيمات المالية والإدارية العمرية:
1- في الأمور المالية:
(أ) نفقات الخليفة: لما ولي عمر بن الخطاب أمر المسلمين بعد أبي بكر مكث زمانًا، لا يأكل من بيت المال شيئًا حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة، ولم يعد يكفيه ما يربحه من تجارته؛ لأنه اشتغل عنها بأمور الرعية، فأرسل إلى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستشارهم في ذلك فقال: قد شغلت نفسي في هذا الأمر، فما يصلح لي فيه؟ فقال عثمان بن عفان: كل وأطعم، وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وقال عمر لعلي: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: غداء وعشاء، فأخذ عمر بذلك، وقد بين عمر حظه من بيت المال فقال: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة قيم اليتيم، إن استغنيت عنه تركت، وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف.
(ب) رأي علي في أرض السواد بالعراق: لما فُتحت أرض السواد بالعراق عنوة، أشار عدد من الصحابة – رضوان الله عليهم- على عمر بتقسيمها بين الفاتحين، ولكن لسعة الأرض وجودتها، ونظرة عمر البعيدة لمن سيأتي بعد ذلك، لم يطمئن عمر لتقسيمها، فاستشار عليًا في ذلك فكان رأيه موافقًا لرأي الخليفة عمر ألاّ تُقسّم فأخذ برأيه وقال: لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلاّ قسمتها بين أهلها، كما قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- خيبر.
(ج) لا جرم لتقسمنه: أُتي عمر بمال فقسمه بين المسلمين، وفضلت منه فضله، فاستشار فيها الصحابة، فقالوا له: لو تركته لنائبة إن كانت، وفي القوم علي ساكت، فأراد عمر أن يسمع رأي علي في ذلك، فذكّره علي بحديث مال البحرين حين جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه قسمه كله، فقال عمر لعلي: لا جرم لتقسمنه، فقسمه علي, ويبدو أن هذا كان قبل تقسيم الدواوين.

2- علي -رضي الله عنه- والأمور الإدارية:
عندما احتاج عمر -رضي الله عنه- أن يضع تاريخًا رسميًا ثابتًا لتنظيم أمور الدولة وضبطها، جمع الناس وسألهم: من أي يوم نكتب التاريخ؟ فقال علي رضي الله عنه: من يوم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وترك أرض الشرك، ففعله عمر, وقد كان عمر – رضي الله عنه – يراه من أفضل من يقود الناس فقد ورد عنه أنه كان يناجي رجلاً من الأنصار، فقال: من تحدثون أنه يستخلف من بعدي؟ فعد الأنصاري المهاجرين ولم يذكر عليًا، فقال عمر: فأين أنتم من علي؟ فو الله لو استخلفتموه، لأقامكم على الحق وإن كرهتموه. وقال لابنه عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما – بعد أن طعن: إن ولوها الأجلح سلك بهم الطريق.

3- استخلف عمر عليًا على المدينة مرارًا:
(أ) استخلافه حين خرج عمر إلى ماء صراء فعسكر فيه: وذلك قبيل القادسية، وكان الفرس قد حشدوا للمسلمين، فجمع عمر الناس فاستشارهم فكلهم أشار عليه بالميسر.
(ب) استخلافه عند نزول عمر بالجابية: وذلك حين نزل عمرو بن العاص أجنادين، فكتب إليه أرطبون الروم، والله لا تفتح من فلسطين شيئًا بعد أجنادين، فارجع لا تغر، وإنما صاحب الفتح رجل اسمه على ثلاثة أحرف، فعلم عمرو أنه عمر، فكتب يعلمه أن الفتح مدخر له، فنادى له الناس، واستخلف علي بن أبي طالب.
(ج) استخلاف علي حين حج عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: وهى آخر حجة حجها بالناس كانت سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وكان مع أمهات المؤمنين أولياؤهن ممن لا يحتجبن منه، وخلف على المدينة علي بن أبي طالب.

ثالثًا: استشارة عمر لعلي -رضي الله عنهما- في أمور الجهاد وشؤون الدولة:
كان علي -رضي الله عنه- المستشار الأول لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وكان عمر يستشيره في الأمور الكبيرة منها والصغيرة، وقد استشاره حين فتح المسلمون بيت المقدس، وحين فُتحت المدائن، وعندما أراد عمر التوجه إلى نهاوند وقتال الفرس، وحين أراد أن يخرج لقتال الروم، وفي وضع التقويم الهجري وغير ذلك من الأمور, وكان علي -رضي الله عنه- طيلة حياة عمر مستشارًا ناصحًا لعمر، محبًا له خائفًا عليه، وكان عمر يحب عليًا، وكانت بينهما مودة ومحبة وثقة متبادلة، ومع ذلك يأبي أعداء الإسلام إلاّ أن يزوّروا التاريخ، ويقصوا بعض الروايات التي تناسب أمزجتهم ومشاربهم ليصوروا لنا فترة الخلفاء الراشدين عبارة عن أن كل واحد منهم كان يتربص بالآخر الدوائر لينقضّ عليه، وكل أمورهم كانت تجري من وراء الكواليس.
إن من أبرز ما يلاحظه المتأمل في خلافة عمر تلك الخصوصية في العلاقة، وذلك التعاون المتميز الصافي، بين عمر وعلي-رضي الله عنهما- فقد كان علي هو المستشار الأول لعمر في سائر القضايا والمشكلات، وما اقترح على عمر رأيًا إلاّ واتجه عمر إلى تنفيذه عن قناعة، وكان علي -رضي الله عنه- يمحضه النصح في كل شؤونه وأحواله, فمثلاً عندما تجمّع الفرس بنهاوند في جمع عظيم لحرب المسلمين جمع عمر- رضي الله عنه – الناس واستشارهم في المسير إليهم بنفسه، فأشار عليه عامة الناس بذلك، فقام إليه علي – رضي الله عنه- فقال: أما بعد، يا أمير المؤمنين، فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم، وإنك إن أشخصت أهل اليمن إلى ذراريهم من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، وإنك إن أشخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات، أقرر هؤلاء في أمصارهم، واكتب إلى أهل البصرة، فليتفرقوا ثلاث فرق: فرقة في حرمهم وذراريهم، وفرقة في أهل عهدهم حتى لا ينتقضوا، ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددًا لهم. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدًا قالوا: هذا أمير العرب وأصلها، فكان ذلك أشد لكلبهم عليك، وأما ما ذكرت من مسير القوم، فإن الله هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ولكن بالنصر، فقال عمر: هذا هو الرأي كنت أحب أن أتابع عليه.
كانت نصيحة علي نصيحة المحب لعمر الغيور عليه، والضنين ألاّ يذهب، وأن يدير رحى الحرب بمن دونه من العرب وهو في مكانه، وحذّره من أنه إذا ذهب، فلسوف ينشأ وراءه من الثغرات ما هو أخطر من العدو الذي سيواجهه، أرأيت لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلن أن الخلافة من بعده لعلي، أفكان لعلي أن يرغب عن أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا، وأن يؤيد المستلبين لحقه بل لواجبه في الخلافة بمثل هذا التعاون المخلص البنّاء؟ بل أفكان للصحابة -رضوان الله عليهم- كلهم أن يضيعوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بل أفكان من المتصوّر أن يجمعوا وفي مقدمتهم علي -رضوان الله عليه- على ذلك؟ بوسعنا أن نعلم إذن بكل بداهة، أن المسلمين إلى هذا العهد – نهاية عهد عمر – بل إلى نهاية عهد علي كانوا جماعة واحدة، ولم يكن في ذهن أي من المسلمين أي إشكال بشأن الخلافة، أو شأن من هو أحق بها.
إن كثرة مشاورة عمر لعلي- رضي الله عنهما- وغيره من الصحابة، لا يعني هذا أنه دونهم في الفقه والعلم، فقد بينت الأحاديث الصحيحة التي تدل على علوّ علمه، واكتمال دينه، ولكن إيمانه وحبه للشورى، وتعويده للحكام فيما بعد على المشاورة، وعدم الاستبداد بالأمر والرأي، وإلا فإن عليًا -رضي الله عنه- كان كثيرًا ما يرجع عن رأيه إلى رأي عمر, فقد جاء عن عائشة- رضي الله عنها- في معرض حديثها عن عمر قولها: وقد كان علي -رضي الله عنه- يتابع عمر بن الخطاب، فيما يذهب إليه ويراه، مع كثرة استشارته عليًا، حتى قال علي -رضي الله عنه-: يشاورني عمر في كذا، فرأيت كذا، ورأى هو كذا، فلم أر إلاّ متابعة عمر.

رابعًا: علي -رضي الله عنه- وأولاده وعلاقتهم بعمر -رضي الله عنهم-:
كان عمر -رضي الله عنه- شديد الإكرام لآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإيثارهم على أبنائه وأسرته، نذكر من ذلك بعض المواقف:
1- أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر: جاء فيما رواه الحسين بن علي رضي الله عنه: أن عمر قال لي ذات يوم: أي بني لو جعلت تأتينا وتغشانا؟ فجئت يومًا وهو خالٍ بمعاوية، وابن عمر بالباب لم يؤذن له، فرجعت فلقيني بعد، فقال: يا بني، لم أرك أتيتنا؟ قلت: جئت وأنت خالٍ بمعاوية، فرأيت ابن عمر رجع، فرجعت، فقال: أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر. إنما أنت في رؤوسنا ما ترى: الله، ثم أنتم، ووضع يده على رأسه.
2- والله ما هنأ لي ما كسوتكم: روى ابن سعد عن جعفر بن محمد الباقر، عن أبيه علي بن الحسين، قال: قدم على عمر حلل من اليمن، فكسا الناس فراحوا في الحلل، وهو بين القبر والمنبر جالس، والناس يأتونه فيسلمون عليه ويدعون له، فخرج الحسن والحسين من بيت أمهما فاطمة -رضي الله عنها- يتخطيان الناس، ليس عليهما من تلك الحلل شيء، وعمر قاطب صار بين عينيه، ثم قال: والله ما هنأ لي ما كسوتكم، قالوا: يا أمير المؤمنين، كسوت رعيتك فأحسنت، قال: من أجل الغلامين يتخطيان الناس وليس عليهما من شيء كبرت عنهما وصغرا عنها، ثم كتب إلى والي اليمن أن ابعث بحلتين لحسن وحسين، وعجِّل، فبعث إليه بحلتين فكساهما.
3- تقديم بني هاشم في العطاء: عن أبي جعفر أنه لما أراد أن يفرض للناس بعدما فتح الله عليه، وجمع ناسًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ابدأ بنفسك، فقال: لا والله، بالأقرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن بني هاشم رهط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفرض للعباس، ثم لعلي، حتى والى بين خمس قبائل، حتى انتهى إلى بني عدي بن كعب، فكتب: من شهد بدرًا من بني هاشم، ثم من شهد بدرًا من بني أمية بن عبد شمس، ثم الأقرب فالأقرب، ففرض الأعطيات لهم وفرض للحسن والحسين لمكانهما من رسول الله.
4- كساني هذا الثوب أخي وخليلي: خرج علي وعليه برد عدني فقال: كساني هذا الثوب أخي وخليلي وصفيي وصديقي أمير المؤمنين عمر. وفي رواية عن أبي السفر قال: رُئِي على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- برد كان يكثر لبسه قال: فقيل: يا أمير المؤمنين، إنك لتكثر لبس هذا البرد؟ فقال: نعم، إن هذا كسانيه خليلي وصفيي عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ناصح الله فنصحه، ثم بكى.
5- أقطاع ينبع: أقطع عمر بن الخطاب عليًا ينبع، ثم اشترى علي إلى قطيعة عمر أشياء فحفر فيها عينًا، فبينما هم يعملون فيها إذ تفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فأتى عليّ وبشّر فتصدق بها على الفقراء والمساكين وفي سبيل الله ليوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ليصرف الله تعالى بها وجهه عن النار، ويصرف النار عن وجهه، وكتب في صدقته: هذا ما أمر به علي بن أبي طالب وقضى في ماله: إني تصدقت بينبع ووادي القرى والأذنية وراعة في سبيل الله ووجهه، أبتغي مرضاة الله، يُنفق منها في كل منفعة في سبيل الله ووجهه، وفي الحرب والسلم والجنود وذوي الرحم القريب والبعيد، لا يُباع ولا يوهب، ولا يورث حيًا أنا أو ميتًا، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، ولا أبتغي إلاّ الله عز وجل، فإنه يقبلها وهو يرثها وهو خير الوارثين، فذلك الذي قضيت فيها بيني وبين الله عز وجل.
6- لتقولن يا أبا حسن: اجتمع عند عمر جماعة من قريش فيهم علي فتذكروا الشرف، وعلي ساكت فقال عمر: مالك يا أبا الحسن ساكتًا؟ فكأن عليًا كره الكلام، فقال عمر: لتقولن يا أبا الحسن، فقال علي:
في كلِّ معتركٍ تزيلُ سيوفُنا
فيها الجماجمَ عن فراخِ الهامِ

اللهُ أكرمنا بنصر نبيِّهِ
وبنا أعزَّ شرائعَ الإسلامِ

ويزورُنا جبريلُ في أبياتِنا
بفرائضِ الإسلامِ والأحكامِ

7- حوار بين أمير المؤمنين عمر وعلي حول الرؤيا: قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أعجب من رؤيا الرجل أنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر له على بال، فتكون رؤياه كأخذ اليد، ويرى الرجل الشيء، فلا تكون رؤياه شيئًا، فقال علي بين أبي طالب: أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين؟ إن الله يقول: (اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) [الزمر: 42].
خامسًا: زواج عمر من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب:
زوّج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابنته من فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفاروق حينما سأله زواجها منه -رضي الله عنه- بما يطلب، وثقة فيه وإقرارًا لفضله ومناقبه، واعترافًا بمحاسنه وجمال سيرته، وإظهارًا بأن بينهم من العلاقات الوطيدة الطيبة والصلات المحكمة المباركة ما يحرق قلوب الحساد من أعداء الأمة المجيدة، ويرغم أنوفهم, فقد كان عمر يكن لأهل البيت محبة خاصة لا يكنّها لغيرهم لقرابتهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولما أوصى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إكرام أهل البيت ورعاية حقوقهم، فمن هذا الباعث خطب عمر أم كلثوم ابنة علي وفاطمة -رضوان الله عليهم- وتودّد إليه في ذلك قائلاً: فو الله ما على الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد، فقال علي: قد فعلت، فأقبل عمر إلى المهاجرين، وهو مسرور قائلاً: رفئوني.. ثم ذكر أن سبب زواجه منها ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ ما كان من سببي ونسبي»، فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبب, ولقد أقر بهذا الزواج كل أهل التاريخ والأنساب وجميع محدثي الشيعة وفقهائهم ومكابريهم ومجادليهم وأئمتهم المعصومين حسب زعمهم، ولقد أورد الشيخ إحسان إلهي ظهير روايات بخصوص ذلك في كتابه الشيعة والسنة, ولقد ذكر هذا الزواج علماء أهل السنة في التاريخ، وأجمعت مصادرهم عليه، ومن العلماء الذين ذكروا هذا الزواج: الطبري, وابن كثير, والذهبي, وابن الجوزي والديار بكرى, وقد ذُكر هذا الزواج في كتب التراجم، كابن حجر, وابن سعد, وأسد الغابة، وقد قام الأستاذ أبو معاذ الإسماعيلي في كتابه زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- حقيقة وليس افتراء، بتتبع مراجع مصادر الشيعة وأهل السنة فيما يتعلق بهذا الزواج، ورد على الشبهات التي أُلصقت بهذا الزواج الميمون، وقد ذكرت شيئًا من سيرتها ومواقفها في حياتها في عهد الفاروق في كتابي (فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، شخصيته وعصره).
هذا وقد ولدت أم كلثوم بنت علي من عمر -رضي الله عنه- ابنة سُمّيت (رقية) وولدًا سمته زيدًا، وقد روى أصحاب زيد أن زيد بن عمر حضر مشاجرة في قوم من بني عدي بن كعب ليلاً فخرج إليهم زيد بن عمر ليصلحهم فأصابته ضربة شجت رأسه ومات من فوره، وحزنت أمه لقتله، ووقعت مغشيًا عليها من الحزن فماتت من ساعتها، ودفنت أم كلثوم وابنها زيد بن عمر في وقت واحد، وصلى عليهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، قدمه الحسن بن علي بن أبي طالب، وصلى خلفه.
سادسًا: يا بنت رسول الله، ما أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما أحد من الخلق بعد أبيك أحب إلينا منك:
عن أسلم العدوي قال: لما بويع لأبي بكر بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان علي والزبير بن العوام يدخلان على فاطمة فيشاورانها، فبلغ عمر، فدخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، ما أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما أحد من الخلق بعد أبيك أحب إلينا منك، وكلّمها، فدخل علي والزبير على فاطمة فقالت: انصرفا راشدين، فما رجعا إليها حتى بايعا, وهذا هو الثابت الصحيح والذي مع صحة سنده ينسجم مع روح ذلك الجيل وتزكية الله له. وقد زاد الروافض في هذه الرواية واختلقوا إفكا وبهتانًا وزورًا، وقالوا إن عمر قال: إذا اجتمع عندك هؤلاء النفران لأُحرقنَّ عليهم هذا البيت؛ لأنهم أرادوا شق عصا المسلمين بتأخرهم عن البيعة، ثم خرج عنها، فلم يلبث أن عادوا إليها، فقالت لهم: تعلمون أن عمر جاءني وحلف بالله لئن أنتم عدتم إلى هذا البيت ليحرقنه عليكم، وايم الله، إنه ليصدقن فيما حلف عليه، فانصرفوا عني فلا ترجعوا إليّ ففعلوا ذلك، ولم يرجعوا إليها إلاّ بعدما بايعوا. وهذه القصة لم تثبت عن عمر -رضي الله عنه- ودعوى أن عمر -رضي الله عنه- همّ بإحراق بيت فاطمة، من أكاذيب الرافضة، أعداء صحابة رسول الله، وقد أوردها مع أكاذيب أخرى الطبري الطبرسي في كتابه دلائل الإمامة, عن جابر الجعفي، وهو رافضي كذاب باتفاق أئمة الحديث كما في الميزان للذهبي، وتهذيب التهذيب, وزعم بعض الروافض أن عمر ضرب فاطمة حتى أسقط ولدها محسنًا وهو في بطنها، وهذه من الأكاذيب الرافضة التي لا أساس لها من الصحة، وما علموا أنهم يطعنون في علي -رضي الله عنه- وذلك باتهامه بالجبن والسكوت عن عمر، وهو من أشجع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بل إن بعض كتب الروافض أنكر صحة هذا الهذيان والزور، علمًا بأن محسنًا وُلد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت ذلك بالرواية الصحيحة.
سابعًا: الخلاف بين العباس وعلي وحكم عمر -رضي الله عنهم- بينهما:
قال مالك بن أوس: بينما أنا جالس في أهلي حين متع النهار, إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني، فقال: أجب أمير المؤمنين، فانطلقت معه حتى دخلت على عمر، فإذا هو جالس على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش، متكئ على وسادة من أدم، فسلّمت عليه ثم جلست، فقال: يا مالك، إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات، وقد أمرت فيهم برضخ، فاقبضه فاقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين، لو أمرت به غيري، قال: اقبضه أيها المرء، فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص، يستأذنونك؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا، ثم جلس يرفأ يسيرًا، ثم قال: هل لك في عليّ وعباس؟ قال: نعم، فأذن لهما فدخلا فسلّما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا، وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- من مال بني النضير، فقال الرهط – عثمان وأصحابه-: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما، وأرح أحدهما من الآخر. قال عمر: تيدكم, أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث، ما تركناه صدقة» يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك، فأقبل عمر على عليّ، وعباس، فقال: أنشدكما بالله، أتعلمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك، قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله قد خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره، ثم قرأ: ( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). [الحشر:6]. فكانت هذه خالصة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- و والله ما احتازها دونكم، ولا أستأثر بها عليكم، قد أعطاكموها، وبثها فيكم، حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي، فيجعله مال الله، فعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك حياته، أنشدكما بالله، هل تعلمان ذلك؟ قال عمر: ثم توفى الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فكنت أنا وليّ أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركم واحد، جئتني يا عباس، تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا «يريد عليًا» يريد نصيب امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله قال: «لا نورث، ما تركناه صدقة» فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما، على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما عمل أبو بكر، وبما عملت فيها منذ وليتها، فقلتما: ادفعها إلينا، فبذلك دفعتها إليكما، فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم، ثم أقبل على عليّ وعباس فقال: أنشدكم بالله، هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم، قال: فتلتمسان مني غير ذلك، فو الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي فيها قضاء غير ذلك، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ، فإني أكفيكماها.

ثامنًا: ترشيح عمر عليًا للخلافة مع أهل الشورى، وما قاله علي في عمر بعد استشهاده:
1- ترشيح علي مع أهل الشورى: لما طُعن عمر -رضي الله عنه- وظن أنه سيفارق الحياة، وأخذ المسلمون يدخلون عليه، ويقولون له: أوصِ يا أمير المؤمنين، استخلف، فقال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر – أو الرهط- الذين تُوفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ فسمّى عليًا، وعثمان، والزبير وطلحة وسعدًا وعبد الرحمن, ثم دعا خاصتهم، وهم: عبد الرحمن، وعثمان، وعلي فوعظهم. إن عمر -رضي الله عنه- إمام وعليه أن يستخلف الأصلح للمسلمين، فاجتهد في ذلك ورأى أن الستة الذين تُوفّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ أحق من غيرهم، وهو كما رأى، فإنه لم يقل أحد أن غيرهم أحق منهم، وجعل التعيين إليهم خوفًا أن يعين واحدًا منهم، ويكون غيره أصلح لهم، فإنه ظهر له رجحان الستة دون رجحان التعيين، وقال: الأمر في التعيين إلى الستة يعينون أحدًا منهم، وهذا اجتهاد إمام عادل ناصح لا هوى له رضي الله عنه، وهو نموذج واقعي لتطبيق قول الله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ). [الشورى:38] وقال: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ). [آل عمران: 159]، فكان ما فعله من الشورى مصلحة.
إن الفاروق -رضي الله عنه- رأى الأمر في الستة متقاربًا، فإنهم وإن كان لبعضهم من الفضيلة ما ليس لبعض، فلذلك المفضول مزية أخرى ليست للآخر، ورأى أنه إذا عين واحدًا فقد يحصل بولايته نوع من الخلل فيكون منسوبًا إليه، فترك التعيين خوفًا من الله تعالى، وعلم أنه ليس واحد أحق بهذا الأمر منهم، فجمع بين المصلحتين، بين تعيينهم إذ لا أحق منهم، وترك تعيين واحد منهم لما تخوفه من التقصير، والله تعالى قد أوجب على العبد أن يفعل المصلحة بحسب الإمكان، فكان ما فعله غاية ما يمكن من المصلحة، ولا يقال إنه بجعله الأمر شورى بين الستة قد خالف به من تقدمه كما هو زعم الشيعة الرافضة؛ لأن الخلاف نوعان: خلاف تضادّ وخلاف تنوّع، وما فعله عمر – رضي الله عنه – من النوع الثاني, وقد أقره على اجتهاده كل الصحابة ولم نسمع أحدًا عارضه، وقد بسطت ما ابتكره عمر من طريقة جديدة في اختيار الخليفة من بعده في كتابي "فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شخصيته وعصره"، فمن أراد التوسع فليرجع إليه مشكورًا.
2- ما قاله علي في عمر بعد استشهاده: قال ابن عباس كما هو في صحيح البخاري: وُضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلاّ رجل آخذ منكبي، إذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدًا أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيرًا ما أسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر.
3- قول علي في عمر: إن عمر كان رشيد الأمر، وها هو حرصه على عدم مخالفته بعد وفاته. عن عبد خير قال: كنت قريبًا من علي حين جاء أهل نجران قال: قلت: فإن كان رادًا على عمر شيئًا فاليوم، قال: فسلموا واصطفوا بين يديه، قال: ثم أدخل بعضهم يده في كمه، فأخرج كتابًا، فوضعه في يد علي، قالوا: يا أمير المؤمنين، خطك بيمينك وإملاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليك، قال: فرأيت عليًا وقد جرت الدموع على خده قال: ثم رفع رأسه إليهم فقال: يا أهل نجران، إن هذا لآخر كتاب كتبته بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: فأعطنا ما فيه، قال: سأخبركم عن ذاك؛ إن الذي أخذه عمر لم يأخذه لنفسه، إنما أخذه بجماعة من المسلمين، وكان الذي أخذه منكم خيرًا مما أعطاكم، والله لا أردّ شيئًا مما صنعه عمر. إن عمر كان رشيد الأمر, وهذه الحادثة أصل الفقهاء عليها قولهم: لا يرد القاضي اجتهاد قضاء من قبله،
عن علي, ورُوي عنه أنه قال: اقضوا كما كنتم تقضون حتى تكونوا جماعة، فإني أخشى الاختلاف, وهو قول جمهور الفقهاء, وقد قال علي: ما كنت لأحل عقدة شدّها عمر.
4- إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله، فأنا أكرهه لذلك: لما فرغ علي من وقعة الجمل، ودخل البصرة، وشيّع أم المؤمنين عائشة لما أرادت الرجوع إلى مكة، سار من البصرة إلى الكوفة، فدخلها يوم الاثنين، لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وثلاثين، فقيل له: انزل بالقصر الأبيض، فقال: لا، إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله فأنا أكرهه لذلك، فنزل في الرحبة، وصلّى في الجامع الأعظم ركعتين.
5- حب أهل البيت لعمر رضي الله عنه: إن من دلالة محبة أهل البيت الفاروق – رضي الله عنه – تسمية أبنائهم باسمه، حبًا وإعجابًا بشخصيته، وتقديرًا لما أتى به من الأفعال الطيبة والمكارم العظيمة، ولما قدم إلى الإسلام من الخدمات الجليلة، وإقرارًا بالصلات الودية الوطيدة التي تربطه بأهل بيت النبوة والرحم، والصهر القائم بينه وبينهم؛ فأوّل من سمى ابنه باسمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، سمّى ابنه من أم حبيب بنت ربيعة البكرية عمر, وقد جاء في كتاب صاحب الفضول، حتى ذكر أولاد علي بن أبي طالب: وعمر من التغلبية، وهى الصهباء بنت ربيعة من السبي الذي أغار عليهم خالد بن الوليد بعين التمر، وعمَّر عمر هذا حتى بلغ خمسًا وثمانين سنة، فحاز نصف ميراث علي رضي الله عنه، وذلك أن جميع إخوانه وأشقائه وهم عبد الله وجعفر وعثمان قُتلوا جميعهم قبله مع الحسين رضي الله عنه – يعني أنه لم يقتل معهم – بالطف فورثهم, هذا وتبعه حسن في ذلك الحب لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- فسمى أحد أبنائه عمر أيضًا, وكذلك الحسين بن علي سمّى عمر، ومن بعد الحسين ابنه علي الملقب بزين العابدين سمّى أحد أبنائه عمر, وكذلك موسى بن جعفر الملقب بالكاظم سمّى أحد أبنائه عمر, فهؤلاء الأئمة من أهل البيت الذين ساروا على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعالم منهج أهل السنة والجماعة بسيرتهم العطرة يظهرون لعمر الفاروق ما يكنّونه في صدورهم من حبهم وولائهم له بعد وفاته بمدة، وقد جرى هذا الاسم، وكذلك أبو بكر وعثمان في ذرية أهل البيت ممن ساروا على مذهب الحق وهو منهج أهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا، ونجد أسماء الصحابة وأمهات المؤمنين في البيوت الهاشمية التي التزمت بالكتاب والسنة، فقد سمّوا طلحة، وعبد الرحمن وعائشة وأم سلمة ونحن ندعو الشيعة اليوم إلى الاقتداء بعلي والحسن والحسين وسائر الأئمة من آل البيت، فيسمّون بعض أبنائهم وبناتهم بأسماء الخلفاء الراشدين، وأمهات المؤمنين. نرجو ذلك.
6- عمر بن الخطاب جعله الله سببًا في ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب: أعطى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – للحسين بن علي -رضي الله عنهم- من غنائم الفرس ابنة يزدجرد ملك الفرس، فولدت له زين العابدين علي بن الحسين الذي لم يبق من أبناء الحسين غيره، وكل ذرية الحسين تناسلوا منه ويُنسبون إليه, فليحذر الذين يسبون عمر بن الخطاب ممن ينتسبون إلى الحسين، فلولاه بعد الله لما كان لهم وجود, كما أن عمر – رضي الله عنه – أعطى أختها لمحمد بن أبي بكر فكان عديلاً للحسين، وأنجبت له القاسم بن محمد بن أبي بكر، فكان القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعلى بن الحسين زين العابدين ابني خالة.
7- قول عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب في عمر: عن حفص بن قيس، قال: سألت عبد الله بن الحسن عن المسح على الخفين، فقال: امسح، فقد مسح عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: فقلت: إنما أسألك أنت تمسح؟ قال: ذاك أعجز لك، أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي، فعمر كان خيرًا مني ومن ملء الأرض، فقلت: يا أبا محمد، فإن ناسًا يزعمون أن هذا منكم تقية، قال: فقال لي – ونحن بين القبر والمنبر-: اللهم إن هذا قولي في السر والعلانية، فلا تسمعن عليّ قول أحد بعدي. ثم قال: من هذا الذي يزعم أن عليًا -رضي الله عنه- كان مقهورًا، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره بأمر ولم ينفذه؟ وكفى بإزراء على عليّ ومنقصة أن يزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره بأمر ولم ينفذه.
منقول عن موقع المختصر و الإسلام اليوم






 
قديم 13-07-08, 12:30 AM   رقم المشاركة : 2
شموخ الدعوهـ
عضو فضي






شموخ الدعوهـ غير متصل

شموخ الدعوهـ is on a distinguished road


رضي الله عنهم جميعا وبارك الله فيك







 
قديم 13-07-08, 10:40 AM   رقم المشاركة : 3
أبو العلا
مشرف سابق








أبو العلا غير متصل

أبو العلا is on a distinguished road


وجزاك الله تعالى كل خير يا فتاة الإسلام







 
قديم 13-07-08, 12:36 PM   رقم المشاركة : 4
ابوضرغام
مشترك جديد





ابوضرغام غير متصل

ابوضرغام is on a distinguished road


بارك الله فيك والحمد لله على نعمة الاسلام







التوقيع :
أحب الصالحين ولست منهم

عسى ان تنالني منهم شفاعة

وأكرة من تجارته المعاصي

وإن كنا سوياً في البضاعة
من مواضيعي في المنتدى
 
قديم 13-07-08, 02:33 PM   رقم المشاركة : 5
المشتكي
موقوف





المشتكي غير متصل

المشتكي is on a distinguished road


علاقة الفاروق عمر بعلي كرم الله وجهه هي درس وعبرة وحجة ونهج فهل نحن على نهجهم سائرون ( انا لله وانا اليه راجعون )







 
قديم 13-07-08, 02:39 PM   رقم المشاركة : 6
المشتكي
موقوف





المشتكي غير متصل

المشتكي is on a distinguished road


علاقة الفاروق عمر بعلي كرم الله وجهه هي درس وعبرة وحجة ونهج فهل نحن على نهجهم سائرون ( انا لله وانا اليه راجعون )







 
قديم 13-07-08, 07:14 PM   رقم المشاركة : 7
حلمها الجنان
مشترك جديد






حلمها الجنان غير متصل

حلمها الجنان is on a distinguished road


رضي الله عنهم وارضاهم اجمعين..
وهدى الله الروافض للإسلام الحق..







 
قديم 14-07-08, 10:52 AM   رقم المشاركة : 8
أبو العلا
مشرف سابق








أبو العلا غير متصل

أبو العلا is on a distinguished road


الإخوة الكرام : أبو ضرغام ، المشتكي ، حلمها الجنان
جزاكم الله خيرا
وشكرا على تعليقكم







 
قديم 16-07-08, 11:16 AM   رقم المشاركة : 9
أبو العلا
مشرف سابق








أبو العلا غير متصل

أبو العلا is on a distinguished road


Lightbulb علاقة عليّ بن أبي طالب بعثمان بن عفان رضي الله عنهما

علاقة علي بن أبي طالب بعثمان بن عفان ( رضي الله تعالى عنهما )
/ د علي الصلابي

أولاً: بيعة علي لعثمان رضي الله عنه:
لم يكد يفرغ الناس من دفن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حتى أسرع رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة الأعلى إلى الاجتماع في بيت عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس، ليقضوا في أعظم قضية عرضت في حياة المسلمين – بعد وفاة عمر -، وقد تكلم القوم وبسطوا آراءهم، واهتدوا بتوفيق الله إلى كلمة سواء رضيها الخاصة والكافة من المسلمين, وقد أشرف على تنفيذ عملية الشورى واختيار الخليفة عبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنه- وحقق رضي الله عنه أول مظهر من مظاهر الشورى المنظمة في اختيار من يتحمل أعباء الخلافة، ويسوس أمور المسلمين، فهو قد اصطنع من الأناة والصبر والحزم وحسن التدريب ما كفل له النجاح في أداء مهمته العظمى, وقاد ركب الشورى بمهارة وتجرّد، مما يستحق أعظم التقدير, قال الذهبي: ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزل نفسه من الأمر وقت الشورى، واختياره للأمة من أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع الأمة على عثمان، ولو كان محابيًا فيها لأخذها لنفسه، أو لولاّها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص, وقد تم الاتفاق على بيعة عثمان بعد صلاة صبح يوم البيعة اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23هـ/6نوفمبر644م، وكان صهيب الرومي الإمام؛ إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف، وقد اعتمّ بالعمامة التي عمّمه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرًا من المهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد، منهم: معاوية أمير الشام، وعمير بن سعد أمير حمص، وعمرو بن العاص أمير مصر، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر وصاحبوه إلى المدينة, وجاء في رواية البخاري: فلما صلى الناس الصبح، واجتمع أولئك الرهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرًا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهّد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد، يا علي، إني قد نظرت في أمر الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعل على نفسك سبيلاً فقال: أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون, وجاء في رواية صاحب التمهيد والبيان أن علي بن أبي طالب أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف.

ثانيًا: أباطيل رافضية دُسّت في قصة الشورى:
هناك أباطيل رافضية دُسّت في التاريخ الإسلامي في قصة الشورى وتولية عثمان الخلافة، وقد تلقّفها المستشرقون وقاموا بتوسيع نشرها، وتأثر بها الكثير من المؤرخين والمفكرين المحدثين، ولم يمحّصوا الروايات، ويحققوا في سندها ومتنها، فانتشرت بين المسلمين. لقد اهتم مؤرخو الشيعة الرافضة بقصة الشورى وتولية عثمان بن عفان الخلافة، ودسّوا فيها الأباطيل والأكاذيب، وألّف جماعة منهم كتبًا خاصة. فقد ألف أبو مخنف كتاب (الشورى)، وكذلك ابن عقدة، وابن بابويه, ونقل ابن سعد تسع روايات من طريق الواقدي في خبر الشورى وبيعة عثمان وتاريخ توليه للخلافة, ورواية من طريق عبيد الله بن موسى تضمنت مقتل عمر وحصره للشورى في الستة، ووصيّته لكل من علي وعثمان إذا تولى أحدهما أمر الخلافة، ووصيّته لصهيب في هذا الأمر, وقد نقل البلاذري خبر الشورى وبيعة عثمان عن أبي مخنف, وعن هشام الكلبي منها ما نقله عن أبي مخنف ومنها ما تفرّد به, وعن الواقدي, وعن عبيد الله بن موسى, واعتمد الطبري في هذه القصة على عدة روايات منها رواية أبي مخنف, ونقل ابن أبي الحديد بعض أحداث قصة الشورى من طريق أحمد بن عبد العزيز الجوهري, وأشار إلى نقله عن كتاب (الشورى) للواقدي, وقد تضمنت الروايات الشيعية الرافضة عدة أمور مدسوسة ليس لها دليل من الصحة، وهي:
1- اتهام الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين:اتهمت الروايات الشيعية الرافضية الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين، وعدم رضا علي بأن يقوم عبد الرحمن باختيار الخليفة، فقد ورد عند أبي مخنف وهشام الكلبي عن أبيه وأحمد الجوهري أن عمر جعل ترجيح الكفتين إذا تساوتا بعبد الرحمن بن عوف، وأن عليًا أحس بأن الخلافة قد ذهبت منه؛ لأن عبد الرحمن سيقدم عثمان للمصاهرة التي بينهما, وقد نفى ابن تيمية أي ارتباط في النسب القريب بين عثمان وعبد الرحمن فقال: إن عبد الرحمن ليس أخًا لعثمان ولا ابن عمه، ولا من قبيلته أصلاً، بل هذا من بني زهرة، وهذا من بني أمية، وبنو زهرة إلى بني هاشم أكثر ميلاً منهم إلى بني أمية، فإن بني زهرة أخوال النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنهم عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خالي، فليرني امرؤ خاله، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يؤاخ بين مهاجري ومهاجري، ولا بين أنصاري وأنصاري، وإنما آخى بين المهاجرين والأنصار، فآخي بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الأنصاري, وحديثه مشهور ثابت في الصحاح وغيرها، يعرفه أهل العلم بذلك, وقد بنت الروايات الشيعية الرافضية محاباة عبد الرحمن لعثمان للمصاهرة التي كانت بينهما، متناسية أن قوة النسب أقوى من المصاهرة من جهة، ومن جهة أخرى تناسوا طبيعة العلاقة بين المؤمنين في الجيل الأول، وأنها لا تقوم على نسب ولا مصاهرة، وأما كيفية المصاهرة، التي كانت بين عبد الرحمن وعثمان فهي أن عبد الرحمن تزوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أخت الوليد.
2- حزب أموي وحزب هاشمي: أشارت رواية أبي مخنف إلى وقوع مشادة بين بني هاشم وبني أمية أثناء المبايعة وهذا غير صحيح، ولم يرد ذلك برواية صحيحة ولا ضعيفة, وقد انساق بعض المؤرخين خلف الروايات الشيعية الرافضية لحاجة في نفوسهم، مع بطلانها سندًا ومتنًا من جهة وثبوت روايات صحيحة تناقض ما ذهبوا إليه من جهة أخرى، وبنوا تحليلاتهم الخاطئة على تلك الروايات، فصوروا تشاور أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تحديد الخليفة الجديد بصورة الخلاف العشائري، وأن الناس قد انقسموا إلى حزبين؛ حزب أموي وحزب هاشمي، وهو تصوّر موهوم واستنتاج مردود لا دليل عليه، إذ ليس نابعًا من ذلك الجو الذي كان يعيشه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما كان يقف المهاجري مع الأنصاري ضد أبيه وأخيه وابن عمه وبني عشيرته، وليس نابعًا من تصور هؤلاء الصحب وهم يضحون بكل شيء من حطام الدنيا في سبيل أن يسلم لهم دينهم، ولا من المعرفة الصحيحة لهؤلاء النخبة من المبشرين بالجنة، فالأحداث الكثيرة التي رُويت عن هؤلاء تثبت أنهم كانوا أكبر بكثير من أن ينطلقوا من هذه الزاوية الضيقة في معالجة أمورهم، فليست القضية تمثيلاً عائليًا أو عشائريًا، فهم أهل شورى لمكانتهم في الإسلام.
3- أكاذيب نُسبت زورًا وبهتانًا لعلي رضي الله عنه: قال ابن كثير: وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير وغيره عن رجال لا يعرفون أن عليًا قال لعبد الرحمن: خدعتني، وإنك إنما وليته؛ لأنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه، وأنه تلكّأ حتى قال عبد الرحمن: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا). [الفتح:10]، إلى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصحاح، فهي مردودة على قائليها وناقليها والله أعلم، والمظنون من الصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القُصاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها ومستقيمها وسقيمها.

ثالثًا: المفاضلة بين عثمان وعلى رضي الله عنهما:
الذي عليه أهل السنة أن من قدم عليًا على أبي بكر وعمر فإنه ضالّ مبتدع، ومن قدم عليًا على عثمان فإنه مخطئ ولا يضللونه، ولا يبدّعونه, وإن كان بعض أهل العلم قد تكلم بشدة على من قدم علياً على عثمان بأنه قال: من قدم عليًا على عثمان فقد زعم أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خانوا الأمانة حين اختاروا عثمان على عليّ رضي الله عنه, وقد قال ابن تيمية: استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان، وإن كانت هذه المسألة – مسألة عثمان وعلي – ليست من الأصول التي يُضلّل المخالف فيها عن جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يُضلّل المخالف فيها هي مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ومن طعن في خلافة هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله, وذكر أقوال أهل العلم في مسألة تفضيل عليّ على عثمان: فقال: فيها روايتان: إحداهما، لا يسوغ ذلك، فمن فضّل عليًا على عثمان فقد خرج من السنة إلى البدعة، لمخالفته لإجماع الصحابة، ولهذا قيل: من قدم عليًا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، يُروى ذلك عن غير واحد، منهم أيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدار قطني، الثانية: لا يُبدّع من قدّم عليًا، لتقارب حال عثمان وعلي.

رابعًا: علي -رضي الله عنه- يقيم الحدود ويُستشار في شؤون دولة عثمان -رضي الله عنه-:
1/إقامة علي للحدود في عهد عثمان رضي الله عنهما: عن حصين بن المنذر، قال: شهدت عثمان بن عفان، وأتي بالوليد فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه لم يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا علي، قم فاجلده فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ولَّ حارها من تولى قارها, فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعلي يعد، حتى بلغ أربعين فقال: أمسك، ثم قال: جلد النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إليّ. ويُؤخذ من هذا الحديث أن عليًا -رضي الله عنه- كان قريبًا من عثمان ومعينًا له على طاعة الله، وكان علي -رضي الله عنه- يقول في معرض دفاعه عن عثمان ردًا على من يعيب على عثمان بفعل المنسوب للوليد: إنكم ما تعيرون به عثمان كالطاعن نفسه ليقتل ردءه, ما ذنب عثمان في رجل قد ضربه بفعله وعزله عن عمله؟ وما ذنب عثمان فيما صنع عن أمرنا؟
2- استشارة عثمان لعلي وكبار الصحابة في فتح إفريقية: جاء في (رياض النفوس) أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان جاءه من واليه على مصر «عبد الله بن سعد» أن المسلمين يغيرون على أطراف إفريقية فيصيبون من عدوهم، وأنهم قريبون من حوز المسلمين، فأعرب عثمان بن عفان رضي الله عنه- على إثر ذلك- للمسور بن مخرمة عن رغبته في بعث الجيوش لغزو إفريقية، جاء في هذا الصدد ما نصه: فما رأيك يا ابن مخرمة؟ قلت: اغزهم، قال: أجمع اليوم الأكابر من أصحاب رسول الله، وأستشيرهم، فما أجمعوا عليه فعلته، أو ما أجمع عليه أكثرهم فعلته..رأيت عليًا، وطلحة والزبير والعباس، وذكر رجالاً، فخلا بكل واحد منهم في المسجد، ثم دعا أبا الأعور «سعيد بن زيد» فقال له عثمان: لم كرهت- يا أبا الأعور – من بعثة الجيوش إلى إفريقية؟ فقال له: سمعت «عمر» يقول: لا أغزيها أحدًا من المسلمين ما حملت عيناي الماء فلا أرى لك خلاف عمر، فقال له عثمان: والله ما نخافهم، وإنهم لراضون أن يقروا في مواضعهم، فلا يغزون، فلم يختلف عليه أحد ممن شاوره غيره، ثم خطب الناس، وندبهم إلى الغزو، إلى إفريقية، فخرج بعض الصحابة منهم عبد الله بن الزبير، وأبو ذر الغفاري.
3- رأي علي في جمع عثمان الناس على قراءة واحدة: جمع عثمان -رضي الله عنه- المهاجرين والأنصار وشاورهم في الأمر، وفيهم أعيان الصحابة، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعرض عثمان -رضي الله عنه- هذه المعضلة على صفوة الأمة وقادتها الهادين المهديين، ودارسهم أمرها ودارسوه، وناقشهم فيها وناقشوه، حتى عرف رأيهم وعرفوا رأيه، وظهر الناس في أرجاء الأرض ما انعقد عليه إجماعهم، فلم يُعرف قط يومئذ لهم مخالف، ولا عُرف عند أحد نكير، وليس شأن القرآن الذي يخفى على آحاد الأمة فضلاً عن علمائها وأئمتها البارزين أن عثمان – رضي الله عنه- لم يبتدع في جمعه للمصحف، بل سبقه إلى ذلك أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – كما أنه لم يضع ذلك من قبل نفسه إنما فعله عن مشورة للصحابة- رضي الله عنهم- وأعجبهم هذا الفعل، وقالوا: نعم ما رأيت، وقالوا أيضًا: قد أحسن – أي في فعله في المصاحف-, وقد أدرك مصعب بن سعد صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين مشق عثمان المصاحف، فرآهم قد أُعجبوا بهذا الفعل منه, وكان علي -رضي الله عنه- ينهى من يعيب على عثمان – رضي الله عنه – بذلك ويقول: يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلاّ خيرًا، فو الله ما فعل الذي فعل- أي في المصاحف – إلاّ عن ملأ منا جميعًا؛ أي الصحابة..والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل, وجاء في رواية أخرى عن علي قوله: لمّا اختلف الناس في القرآن، وبلغ ذلك عثمان جمعنا أصحاب رسول الله، واستشارنا في جمع الناس على قراءة، فأجمع رأينا مع رأيه على ذلك، وقال بعد ذلك: لو وليت الذي ولى، لصنعت مثل الذي صنع.

خامسًا: موقف علي -رضي الله عنه- في فتنة عثمان رضي الله عنه:
كانت هناك أسباب متنوعة ومتداخلة ساهمت في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، كالرخاء وأثره في المجتمع، وطبيعة التحوّل الاجتماعي، ومجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما، وخروج كبار الصحابة من المدينة، والعصبية الجاهلية، وتآمر الحاقدين، والتدبير المحكم لإثارة المآخذ ضد عثمان، واستخدام الوسائل والأساليب المهيجة للناس، وأثر السبئية في أحداث الفتنة، وقد فصّلت وشرحت تلك الأسباب في كتابي «تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان..شخصيته وعصره».
لقد استخدم أعداء الإسلام في فتنة مقتل عثمان الأساليب والوسائل المهيّجة للناس، من إشاعة الأراجيف؛ إذ ترددت كلمة الإشاعة والإذاعة كثيرًا، والتحريض، والمناظرة والمجادلة للخليفة أمام الناس، والطعن على الولاة، واستخدام تزوير الكتب واختلاقها على لسان الصحابة-رضي الله عنهم- عائشة وعلي وطلحة والزبير، والإشاعة بأن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الأحق بالخلافة، وأنه الوصي بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتنظيم فرق في كل من البصرة والكوفة ومصر، أربع فرق من كل مصر، مما يدل على التدبير المسبق، وأوهموا أهل المدينة أنهم ما جاؤوا إلاّ بدعوة الصحابة، وصعّدوا الأحداث حتى وصلت إلى القتل, وإلى جوار هذه الوسائل، استخدموا مجموعة من الشعارات منها التكبير، ومنها أن هذا ضد المظالم، ومنها أنهم لا يقومون إلاّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها المطالبة باستبدال الولاة وعزلهم، ثم تطوّرت المطالبة إلى خلع عثمان، إلى أن تمادوا في جرأتهم، وطالبوا بل سارعوا إلى قتل الخليفة، وخاصة حينما وصلهم الخبر بأن أهل الأمصار قادمون لنصرة الخليفة، فزادهم حماسهم المحموم لتضييق الخناق على الخليفة، والتشوّق إلى قتله بأي وسيلة.
كان التنظيم السبئي بقيادة عبد الله بن سبأ اليهودي خلف تلكم الأحداث والتي بعدها، وسيأتي الحديث عنه بإذن الله، وعن عثمان الذي هزّ مقتله العالم الإسلامي وأثّر في كثير من الأحداث إلى يومنا هذا.
1- موقف علي -رضي الله عنه- في بداية الفتنة: استمر علي – رضي الله عنه – في طريقته المعهودة مع الخلفاء، وهى السمع والطاعة والإدلاء بالمشورة والنصح، وقد عبر بنفسه عن مدى طاعته للخليفة عثمان والتزام أمره، ولو كان شاقًا بقوله: لو سيّرني عثمان إلى صرار لسمعت وأطعت, وعندما نزل المتمرّدون في ذي المروة قبل مقتل عثمان بما يقارب شهرًا ونصفًا، أرسل إليهم عثمان عليًا ورجلاً آخر لم تسمه الروايات، والتقى بهم علي -رضي الله عنه- فقال لهم: تعطون كتاب الله، وتعتبون من كل ما سخطتم، فوافقوا على ذلك, وفي رواية أنهم شادّوه مرتين أو ثلاثًا، ثم قالوا: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول أمير المؤمنين يعرض عليكم كتاب الله فقبلوا, فاصطلحوا على خمس: على أن المنفي يقلب، والمحروم يُعطى، ويُوفّر الفيء، ويُعدل في القسم، ويُستعمل ذو الأمانة والقوة، وكتبوا ذلك في كتاب، أن يُردّ ابن عامر على البصرة، وأن يبقى أبو موسى على الكوفة, وهكذا اصطلح عثمان – رضي الله عنه – مع كل وفد على حدة، ثم انصرفت الوفود إلى ديارها, وبعد هذا الصلح وعودة أهل الأمصار جميعًا راضين تبيّن لمشعلي الفتنة أن خطتهم قد فشلت، وأن أهدافهم الدنيئة لم تتحقق، لذا خططوا تخطيطًا آخر- يذكي الفتنة ويحييها- يقتضي تدمير ما جرى من صلح بين أهل الأمصار، وعثمان -رضي الله عنه- وبرز ذلك فيما يأتي:
في أثناء طريق عودة أهل مصر، رأوا راكبًا على جمل يتعرض لهم، ويفارقهم فكأنه يقول: خذوني، فقبضوا عليه، وقالوا له: مالك؟ فقال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر، ففتشوه فإذا هم بكتاب على لسان عثمان-رضي الله عنه- ففتحوا الكتاب فإذا فيه أمر بصلبهم أو قتلهم أو تقطيع أيديهم وأرجلهم، فرجعوا إلى المدينة حتى وصلوها، ونفى عثمان-رضي الله عنه- أن يكون كتب هذا الكتاب، وقال لهم: إنهما اثنتان: أن تقيموا رجلين من المسلمين، أو يمين بالله الذي لا إله إلاّ هو ما كتبت ولا أمللت، ولا علمت، وقد يُكتب الكتاب على لسان الرجل، ويُنقش الخاتم، فلم يصدقوه -وهو الصادق البار- لغاية في نفوسهم، وهذا الكتاب الذي زعم هؤلاء المتمردون البغاة المنحرفون أنه من عثمان وعليه خاتمه يحمله غلامه على واحد من إبل الصدقة إلى عامله بمصر ابن أبي سرح، يأمر فيه بقتل هؤلاء الخارجين، هو كتاب مزوّر مكذوب على لسان عثمان، وذلك لعدة أمور منها: كيف علم العراقيون بالأمر، وقد اتجهوا إلى بلادهم، وفصلتهم عن المصريين – الذين أمسكوا بالكتاب المزعوم- مسافة شاسعة، فالعراقيون في الشرق والمصريون في الغرب، ومع ذلك عادوا جميعًا في آن واحد، كأنما كانوا على ميعاد!! لا يُعقل هذا إلاّ إذا كان الذين زوّروا الكتاب واستأجروا راكبًا ليحمله، ويمثل الدور في البويب أمام المصريين، قد استأجروا راكبًا آخر انطلق إلى العراقيين ليخبرهم بأن المصريين قد اكتشفوا كتابًا بعث فيه عثمان لقتل المنحرفين المصريين، وهذا ما احتج به علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقد قال: كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر، وقد سرتم مراحل، ثم طويتم نحونا, بل إن عليًا يجزم: هذا –والله- أمر أُبرم بالمدينة.
إن هذا الكتاب المشؤوم ليس أول كتاب يزوّره هؤلاء المجرمون، بل زوّروا كتبًا على لسان أمهات المؤمنين، وكذلك على لسان علي وطلحة والزبير؛ فهذه عائشة- رضي الله عنها- تُتّهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان، فتنفي وتقول: لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا, ويعقب الأعمش فيقول: فكانوا يرون أنه كُتب على لسانها, ويتهم الوافدون عليًا بأنه كتب إليهم أن يقدموا عليه بالمدينة، فينكر ذلك عليهم ويقسم: والله ما كتبت إليكم كتاباً, كما يُنسب إلى الصحابة بكتابة الكتب إلى أهل الأمصار يأمرونهم بالقدوم إليهم، فدين محمد قد فسد وترك، والجهاد في المدينة خير من الرباط في الثغور البعيدة, ويعلق ابن كثير على هذا الخبر قائلاً: وهذا كذب على الصحابة، وإنما كتبت كتب مزوّرة عليهم، فقد كُتب من جهة علي وطلحة والزبير إلى الخوارج- قتلة عثمان- كتب مزوّرة عليهم أنكروها، وكذلك زُوّر هذا الكتاب على عثمان أيضاً، فإنه لم يأمر به، ولم يعلم به, ويؤكد كلام ابن كثير ما رواه الطبري وخليفة من استنكار كبار الصحابة- علي وعائشة والزبير- أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات. إن الأيدي المجرمة التي زوّرت الرسائل الكاذبة على لسان أولئك الصحابة هي نفسها التي أوقدت نار الفتن من أولها إلى آخرها، ورتبت ذلك الفساد العريض، وهى التي زوّرت وروّجت على عثمان تلك الأباطيل، وأنه فعل وفعل، ولقّنتها للناس، حتى قبلها الرعاع، ثم زوّرت على لسان عثمان ذلك الكتاب، ليذهب عثمان ضحية إلى ربه شهيدًا سعيدًا، ولم يكن عثمان الشهيد هو المجني عليه وحده في هذه المؤامرة السبئية اليهودية، بل الإسلام نفسه كان مجنيًا عليه قبل ذلك، ثم التاريخ المشوّه المحرف، والأجيال الإسلامية التي تلقّت تاريخها مشوهًا هي كذلك ممن جنى عليهم الخبيث اليهودي، وأعوانه من أصحاب المطامع والشهوات والحقد الدفين، أما آن للأجيال الإسلامية أن تعرف تاريخها الحق، وسير رجالاتها العظام؟ بل ألم يأنِ لمن يكتب في هذا العصر من المسلمين أن يخاف الله، ولا يتجرأ على تجريح الأبرياء قبل أن يحقق ويدقق حتى لا يسقط كما سقط غيره؟!
2- موقف علي -رضي الله عنه- أثناء الحصار: اشتد الحصار على عثمان -رضي الله عنه- حتى مُنع من أن يحضر للصلاة في المسجد، وكان صابرًا على هذه البلوى التي أصابته كما أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وكان مع إيمانه القوي بالقضاء والقدر، يحاول أن يجد حلاً لهذه المصيبة، فنراه تارة يخطب الناس عن حرمة دم المسلم، وأنه لا يحل سفكه إلاّ بحقه، وتارة يتحدث في الناس، ويظهر فضائله وخدماته الجليلة في الإسلام، ويستشهد على ذلك ببقية العشرة رضوان الله عليهم، وكأنه يقول: من هذا عمله وفضله هل من الممكن أن يطمع بالدنيا، ويقدمها على الآخرة؟ وهل يعقل أن يخون الأمانة، ويعبث بأموال الأمة ودمائها، وهو يعرف عاقبة ذلك عند الله، وهو الذي تربّى على عين النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي شهد له وزكّاه، وكذلك أفاضل الصحابة، أهكذا تكون معاملته؟!
واشتدت سيطرة الثوار على المدينة، حتى أنهم ليصلون بالناس في أغلب الأوقات, وحينما أدرك الصحابة أن الأمر ليس كما حسبوا، وخشوا من حدوث ما لا يُحمد عقباه، وقد بلغهم أن القوم يريدون قتله، فعرضوا عليه أن يدافعوا عنه، ويخرجوا الغوغاء عن المدينة، إلاّ أنه رفض أن يُراق دم بسببه, وأرسل كبار الصحابة أبناءهم دون استشارة عثمان، رضي الله عنه، ومن هؤلاء الحسن بن علي -رضي الله عنهما- وعبد الله بن الزبير؛ إذ تذكر بعض الروايات أن الحسن حُمل جريحًا من الدار, كما جُرح غير الحسن، عبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم، كما كان معهم الحسين بن علي وابن عمر رضي الله عنهما, وقد كان علي من أدفع الناس عن عثمان، رضي الله عنه، وشهد له بذلك مروان بن الحكم, أقرب الناس إلى عثمان رضي الله عنه، وألصقهم به في تلك المحنة القاسية الأليمة، وقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، أن عليًا أرسل إلى عثمان فقال: إن معي خمسمائة دارع، فأذن لي، فأمنعك من القوم، فإنك لم تحدث شيئًا يُستحلّ به دمك، فقال: جزيت خيرًا، ما أحب أن يهراق دم في سببي, وقد وردت روايات عديدة تفيد وقوفه بجانب عثمان- رضي الله عنهما- أثناء الحصار، فمن ذلك: أن الثائرين منعوا عن عثمان الماء حتى كاد أهله أن يموتوا عطشًا، فأرسل علي -رضي الله عنه- إليه بثلاث قرب مملوءة ماء، فما كادت تصل إليه، وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبنى أمية حتى وصلت, ولقد تسارعت الأحداث فوثب الغوغاء على عثمان وقتلوه، رضي الله عنه، وأرضاه، ووصل الخبر إلى الصحابة وأكثرهم في المسجد، فذهبت عقولهم، وقال علي لأبنائه وأبناء إخوانه: كيف قُتل عثمان وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن، وكان قد جُرح، وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزبير وابن طلحة، وخرج غضبان إلى منزله ويقول: تبًا لكم سائر الدهر، اللهم إني أبرأ إليك من دمه أن أكون قتلت أو مالأت على قتله, وهكذا كان موقف علي -رضي الله عنه- نصحًا وشورى، سمعًا وطاعة، وقفة قوية بجانبه أثناء الفتنة، ومن أدفع الناس عنه، ولم يذكره بسوء قط، يحاول الإصلاح وسدّ الخرق بين الخليفة والخارجين عليه، لكن الأمر فوق طاقته، وخارج إرادته، إنها إرادة الله -عز وجل- أن يفوز أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالشهادة.
3- المصاهرات بين آل علي وآل عثمان رضي الله عنه: لم يكن بين بني هاشم وبني أمية من المباغضة والعداوة والمنافرة التي اخترعها وابتكرها أعداء الإسلام والمسلمين، ونسجوا الأساطير والقصص حولها، ولقد اتضح لكل منصف أن بني أمية مع بني هاشم علاقتهم فيما بينهم علاقة أبناء العمومة والإخوان والخلان، فهم من أقرب الناس فيما بينهم، يتبادلون الحب والتقدير والاحترام، ويتقاسمون الهموم والآلام والأحزان، فبنوا أمية وبنو هاشم كلهم أبناء أب واحد، وأحفاد جد واحد، وأغصان شجرة واحدة قبل الإسلام وبعد الإسلام، وكلهم استقوا من عين واحدة ومنبع صاف واحد، وأخذوا الثمار من دين الله الحنيف الذي جاء به رسول الله الصادق الأمين، المعلم، المربي، خاتم الأنبياء والمرسلين، ولقد كان بين أبي سفيان وبين العباس صداقة يُضرب بها الأمثال, كما كانت بينهم المصاهرات قبل الإسلام وبعده، فلقد زوّج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بناته الثلاث من الأربعة من بني أمية؛ من أبي العاص بن الربيع وهو من بني أمية، ومن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، وهو مع ذلك ابن بنت عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي ولدت مع والد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عبد الله بن عبد المطلب توءمين: أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس وهى أم عثمان، وأمها أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا ولقد تزوّج بعد عثمان بن عفان-رضي الله عنه- من بني هاشم ابنه أبان بن عثمان، وكانت عنده أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر (الطيار) بن أبي طالب شقيق علي رضي الله عنهما, وحفيدة علي، وبنت الحسين سكينة كانت متزوجة من حفيد عثمان زيد بن عمرو بن عثمان، رضي الله عنهم أجمعين، وحفيدة علي الثانية وابنة الحسين فاطمة كانت متزوجة من حفيد عثمان الآخر، محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وكانت أم حبيبة بنت أبي سفيان سيد بني أمية متزوجة من سيد بني هاشم وسيد ولد آدم رسول الله الصادق الأمين كما هو معروف، كما أن هند بنت أبي سفيان كانت متزوجة من الحارث بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، فولدت له ابنه محمدًا(74).
وتزوجت لبابة بنت عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، العباس بن علي بن أبي طالب، ثم خلف عليها الوليد بن عتبة (ابن أخي معاوية) ابن أبي سفيان, وتزوجت رملة بنت محمد بن جعفر- الطيار – بن أبي طالب سليمان بن هشام بن عبد الملك (الأموي) ثم أبا القاسم بن وليد بن عتبة بن أبي سفيان, كذلك تزوجت ابنة علي بن أبي طالب رملة من ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، فقد كانت رملة بنت علي عند أبي الهياج.. ثم خلف عليها معاوية بن مروان بن الحكم بن أبي العاص, وتزوجت حفيدة علي بن أبي طالب من حفيد مروان بن الحكم، فنفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب تزوّجها الوليد بن عبد الملك بن مروان فتوفّيت عنده، وأمّها لبابة بنت عبد الله بن عباس, وقد اكتفيت ببيان بعض منها، وفيها كفاية لمن أراد الحق والتبصر.

سادسًا: من أقوال علي في الخلفاء الراشدين:
إن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- قد أجمع على صحتها وانعقادها الصحابة الكرام، ومن طعن في أحد منهم فقد خالف قول الله تعالى:
(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). [النساء:115]،وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ». فهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي- رضي الله عنهم- ومن اتبعهم بإحسان, وما أحسن ما قاله أيوب السختياني في هذا المقام حيث قال: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله عز وجل، ومن أحب عليًا فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن أحسن القول في أصحاب محمد فقد برئ من النفاق.
قال الشاعر:
إني رضيتُ عليًا قدوةً علمًا
كما رضيتُ عتيقًا صاحبَ الغارِ

وقد رضيتُ أبا حفصٍ وشيعتَهُ
وما رضيتُ بقتلِ الشيخِ في الدارِ

كلُّ الصحابةِ عندي قدوةٌ علمٌ
فهل عليّ بهذا القولِ من عارِ

إنْ كنتَ تعلمُ أني لا أحبُّهمُ
إلاّ لوجهك أعتقني من النارِ
هذا وقد جاءت الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة في العلاقة المتميزة بين علي والخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم- وقد تم توضيح ذلك في الصفحات الماضية، وهذه بعض الأدلة نضيفها إلى ما سبق من براهين ساطعة على مكانة الخلفاء الراشدين عند أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
1- سيدا كهول أهل الجنة وشبابها: عن علي -رضي الله عنه- قال: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة، وشبابها، بعد النبيين والمرسلين.
ما أضمر لهما إلاّ الذي أتمنى المضيّ عليه: عن سويد بن غفلة، قال: مررت بنفر من الشيعة يتناولون أبا بكر وعمر، فدخلت على عليٍّ فقلت: يا أمير المؤمنين، مررت بنفر من أصحابك آنفًا يتناولون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له من الأمة أهل، فلولا أنك تُضْمُر على مثل ما أعلنوا عليه ما تجرؤوا على ذلك فقال عليّ: ما أضمر لهما إلاّ الذي أتمنى المضيّ عليه، لعن الله من أضمر لهما إلاّ الحسن الجميل، ثم نهض دامع العين يبكي، قابضًا على يدي حتى دخل المسجد، فصعد المنبر وجلس عليه متمكنًا قابضًا على لحيته ينظر فيها وهى بيضاء، حتى اجتمع له الناس، ثم قام فخطب خطبة موجزة بليغة، ثم قال: ما بال قوم يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين؟ أنا مما قالوا بريٌّ، وعلى ما قالوا مُعاقب، ألا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا يحبهما إلاّ مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلاّ فاجر رديّ، صحبا رسول الله على الصدق والوفاء، يأمران وينهيان، وما يجاوزان فيما يصنعان رأي رسول الله، ولا كان رسول الله يرى بمثل رأيهما، ولا يحب كحبهما أحدًا، قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهما راض، ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمر رسول الله أبا بكر لصلاة المؤمنين، فصلى بهم تسعة أيام في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قبض الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- واختار له ما عنده، ولاّه المؤمنون أمرهم، وقضوا إليه الزكاة، لأنهما مقرونان، ثم أعطوه البيعة طائعين غير كارهين، أنا أول من سن ذلك من بني عبد المطلب، وهو لذلك كاره يودّ أن أحدنا كفاه ذلك، وكان –والله- خير من بقي، أرحمه رحمة، وأرأفه رأفة، وأثبته ورعًا، وأقدمه سنًا وإسلامًا..فسار فينا سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى مضى على ذلك، ثم ولى عمر الأمر من بعده، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، فلم يفارق الدنيا حتى رضي به من كان كرهه، فأقام الأمر على منهاج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه، يتبع آثارهما كتباع الفصيل أمه، وكان والله رفيقًا رحيمًا، وللمظلومين عونًا راحمًا وناصرًا، لا يخاف في الله لومة لائم، ضرب الله بالحق على لسانه، وجعل الصدق من شأنه، حتى كنا نظن أن ملكًا ينطق على لسانه، أعز الله بإسلامه الإسلام، وجعل هجرته للدين قوامًا، ألقى الله تعالى له في قلوب المنافقين الرهبة، وفي قلوب المؤمنين المحبة..إلى أن قال: فمن لكم بمثلهما – رحمة الله عليهما- ورزقنا المضيّ على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلاّ باتباع آثارهما والحبًّ لهما، ألا فمن أحبني فلُيحبّهما، ومن لم يحبهما فقد أبغضني، وأنا منه بريء، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة، ولكن لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم، ألا فمن أتيت به يقول هذا بعد اليوم، فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر وعمر، ولو شئت سميت الثالث، وأستغفر الله لي ولكم.
2- هذا عثمان بن علي سميته بعثمان بن عفان: عن أبي سعيد الخدري: نظرت إلى غلام أيفع, له ذؤابة وجمة, والله يعلم أني منه حينئذ لفي شك، ما أدري غلام هو أم جارية، فمررنا بأحسن منه، وهو جالس إلى جنب علي فقلت: عافاك الله، من هذا الفتى إلى جانبك؟ قال: هذا عثمان بن علي سميته بعثمان بن عفان، وقد سميت بعمر بن الخطاب، وسميت بعباس عم رسول الله، وقد سميت بخير البرية محمد، فأما حسن وحسين ومحسن فإنما سماهم رسول الله، وعقَّ عنهم، وحلق رؤوسهم, وتصدق وزنها وأمر بهم فسموا وختنوا, فقد ولدوا في عهده عليه الصلاة والسلام، ورسول الله هو الذي سمّاهم وعقّ عنهم.
3- أبو بكر وعمر وعثمان-رضي الله عنهم- كان لهم بالنبي اختصاص عظيم: قد عُرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- كان لهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- اختصاص عظيم، وكانوا من أعظم الناس اختصاصًا به، وصحبة له وقربة إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم، ويثني عليهم، وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرًا وباطنًا في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته، أو بعد موته، فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم، إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما قيل:
فإنْ كنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ
وإنْ كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ
وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواصّ أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما قال الإمام مالك وغيره: إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليقول القائل: رجل كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين، ولهذا قال أهل العلم: إن الرافضة دسيسة الزندقة.
4- ما يترتب عليه من مذهب الرافضة من تكفير الصحابة: إن مذهب الرافضة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن القيام بأمر الله، ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة، بل بطلانها ما دام نَقَلَتُها مرتدين، ويؤدي إلى القدح في القرآن العظيم؛ لأنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم، وهذا هو هدف واضع هذه المقالة، ولذلك قال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة, ولذلك اعترفت كتب الشيعة أن الذي وضع هذه المقالة هو ابن سبأ فقالت: إنه أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرّأ منهم، وادّعى أن عليًا عليه السلام أمره بذلك.
5- قرائن عملية وأدلة واقعية على حقيقة العلاقة بين علي والخلفاء الراشدين: قامت القرائن العملية والأدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين علي في علاقته مع إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع نقله، وقد نقلنا منه الكثير فيما مضى ما يثبت المحبة الصادقة والإخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة، والصفوة من جيل الصحابة- رضوان الله عليهم- وتأتي في مقدمة هذه الأدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين علي ابنته أم كلثوم لأمير المؤمنين عمر, فإذا كان عمر فاروق هذه الأمة قد صار عند الشيعة الروافض أشد كفرًا من إبليس، أفلا يرجعون إلى عقولهم ويتدبرون فساد ما ينتهي إليه مذهبهم؟ إذ لو كان أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- كافرين -كما يفترون- لكان علي بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر، رضي الله عنه، كافرًا أو فاسقًا معرضًا بنته للزنا، لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض, والعاقل المنصف البريء من الغرض، الصادق في محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته واتباعه لهم لا يملك إلاّ الإذعان لهذه الحقيقة، حقيقة الولاء والحب بين الخلفاء الأربعة- رضوان الله عليهم- ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد بن بويه- وكان رافضيًا يشتم صحابة رسول الله – إن عليًا- رضي الله عنه – زوّج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، استعظم ذلك وقال: ما علمت بهذا، وتاب وتصدّق بأكثر ماله، وأعتق مماليكه، ورد كثيرًا من المظالم، وبكى حتى غشي عليه, لشعوره بعظم جرمه فيما سلف من عمره، الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلاء الأطهار مغترًا بشبهات الروافض, وقد حاول شيوخ الشيعة الروافض إبطال مفعول هذا الدليل، فوضعوا روايات مكذوبة على لسان الأئمة تقول: ذلك فرج غصبناه, فزادوا الطين بلة، حتى صوّروا أمير المؤمنين في صورة «الديوث» الذي لا ينافح عن عرضه، ويقر الفاحشة في أهله، وهل يُتصوّر مثل هذا في حق أمير المؤمنين علي بطل الإسلام؟ إن أدنى العرب ليبذل نفسه دون عرضه، ويُقتل دون حرمه، فضلاً عن بني هاشم الذين هم سادات العرب، وأعلاها نسبًا، وأعظمها مروءة وحمية، فكيف يثبتون لأمير المؤمنين وابنته حفيدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل هذه المنقصة الشنيعة، وهو الشجاع الصنديد، ليث بني غالب، أسد الله في المشارق والمغارب.
ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه، فرام التخلّص من هذا الدليل بمنطق أغرب وأعجب؛ إذ زعم أن أم كلثوم لم تكن بنت علي، ولكنها جنية تصورت بصورتها, فأتوا بما يستخف به أصحاب العقول، ويستطيع كل من أراد أن يدّعي على من يكرهه بأنه جني أو جنية، وهكذا يعيش الناس في الخرافات، وتضيع الحقيقة.
ومن القرائن أيضاً علاقات القربى القائمة بينهم، ووشائج الصلة، وكذلك مظاهر المحبة، حتى إن عليًا والحسن والحسين- كما مر معنا- يسمون بعض أولادهم باسم أبي بكر وعمر، وهل يطيق أحد أن يسمى أولاده بأسماء أشد أعدائه كفرًا وكرهًا له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردّد في أرجاء بيته يرددها مع أهله في يومه مرات وكرات.
إن أمير المؤمنين عليًا – رضي الله عنه – لا يحفظ عنه الصحابة، ومن تبعهم من التابعين، ومن بعدهم من أئمة المسلمين إلاّ محبة أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – في حياتهم، وفي خلافتهم وبعد وفاتهم، فأما في خلافتهم فسامع لهم مطيع، يحبّهم ويحبّونه، ويعظّم قدرهم ويعظّمون قدره، صادق في محبتهم، مخلص في الطاعة لهم، يجاهد من يجاهدون، ويحبّ ما يحبّون، ويكره ما يكرهون. يستشيرونه في النوازل فيشير مشورة ناصح مشفق محب، فكثير من سيرتهم بمشورة جرت, وهم يبادلونه نفس الشعور ويُقال: إنه لا يجتمع حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إلاّ في قلوب أتقياء هذه الأمة, وقال سفيان الثوري: لا يجتمع حب عثمان وعلي -رضي الله عنهما- إلاّ في قلوب نبلاء الرجال, وقال أنس بن مالك: قالوا: إن حب عثمان وعلي -رضي الله عنهما- لا يجتمعان في قلب مؤمن، كذبوا، فقد جمع الله -عز وجل- حبهما -بحمد الله- في قلوبنا.
سابعًا: وصف لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم:
قال تعالى: ( مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ). [الفتح:29].
ومن المناسب أن أختم هذا الفصل بهذه الآية الكريمة لتكون دليلاً على ما ذكرته من المحبة والرحمة والتعاون بين الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام؛ فهذه الآية تضمنت ذكر منزلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالثناء، ثم ثنّى الله تعالى فيها بالثناء على سائر الصحابة-رضوان الله عليهم أجمعين-فذكر تعالى أن صفاتهم الشدة والغلظة على أهل الكفر، كما وصفهم بالتراحم والتعاطف فيما بينهم، ووصفهم بأنهم يكثرون من الأعمال الصالحة المقرونة بالإخلاص وسعة الرجاء، وفي مقدمة تلك الأعمال الصالحة إكثارهم من الصلاة ابتغاء الحصول على فضل من الله ورضوان، كما بيّن – سبحانه – أن آثار ذلك تظهر على وجوههم ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) والسيما أي العلامة، وقد قيل بها بياض يكون في الوجوه يوم القيامة، قاله الحسن وسعيد بن جبير، وهى رواية عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ورواية أخرى عنه وعن مجاهد: السيماء في الدنيا هو السمت الحسن «وعن مجاهد أيضًا: هو الخشوع والتواضع».
وهذه الأقوال لا منافاة بينها؛ إذ يمكن أن يكون في الدنيا هو السمت الذي ينشأ عن التواضع والخشوع، وفي الآخرة يكون في جباههم نور، قال ابن كثير: فالصحابة – رضي الله عنهم – خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم، وقال مالك- رضي الله عنه-: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة، رضي الله عنهم -الذين فتحوا الشام- يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا، وصدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد نوّه الله – تبارك وتعالى – بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة، ولهذا قال – سبحانه – ههنا: ( مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ) ثم قال: ( وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) أي: فراخه ( فَآزَرَهُ) أي: شدّه وقوّاه ( فَاسْتَغْلَظَ ) أي: شب وطال ( فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) أي فكذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آزروه وأيّدوه ونصروه, فهم معه كالشطء مع الزرع ( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ )، ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك -رحمة الله عليه- في رواية عنه تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم, قال: لأنهم يغيظونه, ومن غاظه الصحابة -رضي الله عنهم- فهو كافر لهذه الآية, ووافقه طائفة من العلماء على ذلك.. ثم قال تبارك وتعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم) أي: ثوابًا جزيلاً ورزقًا كريمًا، ووعد الله حق وصدق لا يخلف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة -رضي الله عنهم- فهو في حكمهم ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل، وفي قوله- سبحانه – في حق الصحابة الكرام رضي الله عنهم ( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) أخطر حكم، وأغلظ تهديد، وأشد وعيد في حق من غيظ بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو كان في قلبه غلّ لهم، وأما قوله تعالى في ختام الآية: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) ففيها وعد من الله تعالى لجميع الصحابة بالجنة، وكذلك كل من آمن وعمل الصالحات من أمة الإجابة؛ إذ هذا الوعد لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة, وكلمة «منهم» في الآية السابقة: «من» لبيان الجنس وليست للتبعيض، قال ابن تيمية: لا ريب إن هذا مدح لهم بما ذكر من الصفات، وهو الشدة على الكفار، والرحمة بينهم، والركوع والسجود يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، والسيماء في وجوههم من أثر السجود، وأنهم يبتدئون من ضعف إلى كمال القوة والاعتدال كالزرع، والوعد لهم بالمغفرة والأجر العظيم ليس على مجرد هذه الصفات، بل على الإيمان والعمل الصالح، فذكر ما به يستحقون الوعد، وإن كانوا كلهم بهذه الصفة، ولولا ذكر ذلك لكان يظن أنهم بمجرد ما ذكر يستحقون المغفرة، ولم يكن فيه بيان سبب الجزاء بخلاف ما إذا ذكر الإيمان والعمل الصالح، فإن الحكم إذا علق باسم مشتق مناسب كان ما منه الاشتقاق سبب الحكم.
إن ما ذكرته في هذا الفصل ينسجم كليًا مع حديث القرآن الكريم عن الرحمة بين الصحابة والشدة على الكفار، وخصوصًا بين الخلفاء الراشدين، فهم السادة الكرام، وعلية القوم، وقادة الأمة بعد وفاة نبيها، فالحذر من الروايات الضعيفة والقصص الموضوعة التي اختلقها أعداء الأمة ليشوّهوا به تاريخ صدر الإسلام، أنصدق الروايات الكاذبة والقصص الواهية التي تصور العداء بين الخلفاء الراشدين، أم نصدق كتاب ربنا، وما جاء في حقهم على لسان نبينا، وما يوافقه مما دونه العلماء الثقات من أهل السنة والجماعة؟
قال تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63]، فهذا وصف القرآن الكريم لحقيقة الألفة بين قلوب الصحابة، فهي منحة ربانية ونعمة أعطاها الله لذلك الجيل الطاهر لا دخل لبشر فيها، وبيَّن القرآن الكريم أن الألفة بين الصحابة نعمة من الله تعالى امتن بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا التصوير القرآني لحقيقة الصحابة ينسجم مع الروايات الصحيحة التي تبين محبّة الصحابة والمودّة بينهم، وبذلك يفتضح أمر الذين وضعوا الروايات المكذوبة والموضوعة، والآية تشمل كلّ من سار على هدى القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين، قال ابن عباس: قرابة الرحم تقطع، ومنة المنعم تكفر، ولم نر مثل تقارب القلوب.
قال الشاعر:
ولقد صحبتُ الناسَ ثم خبرتُهم
وبلوْتُ ما وصلوا من الأسبابِ

فإذا القرابةُ لا تقرّبُ قاطعًا
وإذا المودّةُ أقربُ الأسبابِ


منقول عن موقع المختصر والإسلام اليوم






 
قديم 17-07-08, 04:44 PM   رقم المشاركة : 10
أبو العلا
مشرف سابق








أبو العلا غير متصل

أبو العلا is on a distinguished road


مقتطفات من المقال

المقال السابق للدكتور علي الصلابي حفظه الله تعالى مقال جميل عظيم مقنع ،
ومما يجدر أن يُقرأ في المقال ويُتمعن فيه ما يلي من النقاط:

1/ ما أضمر لهما إلاّ الذي أتمنى المضيّ عليه:
عن سويد بن غفلة، قال: مررت بنفر من الشيعة يتناولون أبا بكر وعمر، فدخلت على عليٍّ فقلت: يا أمير المؤمنين، مررت بنفر من أصحابك آنفًا يتناولون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له من الأمة أهل، فلولا أنك تُضْمُر على مثل ما أعلنوا عليه ما تجرؤوا على ذلك فقال عليّ: ما أضمر لهما إلاّ الذي أتمنى المضيّ عليه، لعن الله من أضمر لهما إلاّ الحسن الجميل، ثم نهض دامع العين يبكي، قابضًا على يدي حتى دخل المسجد، فصعد المنبر وجلس عليه متمكنًا قابضًا على لحيته ينظر فيها وهى بيضاء، حتى اجتمع له الناس، ثم قام فخطب خطبة موجزة بليغة، ثم قال: ما بال قوم يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين؟ أنا مما قالوا بريٌّ، وعلى ما قالوا مُعاقب، ألا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا يحبهما إلاّ مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلاّ فاجر رديّ، صحبا رسول الله على الصدق والوفاء، يأمران وينهيان، وما يجاوزان فيما يصنعان رأي رسول الله، ولا كان رسول الله يرى بمثل رأيهما، ولا يحب كحبهما أحدًا، قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهما راض، ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمر رسول الله أبا بكر لصلاة المؤمنين، فصلى بهم تسعة أيام في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قبض الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- واختار له ما عنده، ولاّه المؤمنون أمرهم، وقضوا إليه الزكاة، لأنهما مقرونان، ثم أعطوه البيعة طائعين غير كارهين، أنا أول من سن ذلك من بني عبد المطلب، وهو لذلك كاره يودّ أن أحدنا كفاه ذلك، وكان –والله- خير من بقي، أرحمه رحمة، وأرأفه رأفة، وأثبته ورعًا، وأقدمه سنًا وإسلامًا..فسار فينا سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى مضى على ذلك، ثم ولى عمر الأمر من بعده، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، فلم يفارق الدنيا حتى رضي به من كان كرهه، فأقام الأمر على منهاج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه، يتبع آثارهما كتباع الفصيل أمه، وكان والله رفيقًا رحيمًا، وللمظلومين عونًا راحمًا وناصرًا، لا يخاف في الله لومة لائم، ضرب الله بالحق على لسانه، وجعل الصدق من شأنه، حتى كنا نظن أن ملكًا ينطق على لسانه، أعز الله بإسلامه الإسلام، وجعل هجرته للدين قوامًا، ألقى الله تعالى له في قلوب المنافقين الرهبة، وفي قلوب المؤمنين المحبة..إلى أن قال: فمن لكم بمثلهما – رحمة الله عليهما- ورزقنا المضيّ على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلاّ باتباع آثارهما والحبًّ لهما، ألا فمن أحبني فلُيحبّهما، ومن لم يحبهما فقد أبغضني، وأنا منه بريء، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة، ولكن لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم، ألا فمن أتيت به يقول هذا بعد اليوم، فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر وعمر، ولو شئت سميت الثالث، وأستغفر الله لي ولكم.


2/ أبو بكر وعمر وعثمان-رضي الله عنهم- كان لهم بالنبي اختصاص عظيم:

قد عُرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- كان لهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- اختصاص عظيم، وكانوا من أعظم الناس اختصاصًا به، وصحبة له وقربة إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم، ويثني عليهم، وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرًا وباطنًا في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته، أو بعد موته، فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم، إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما قيل:
فإنْ كنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ وإنْ كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ
وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواصّ أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما قال الإمام مالك وغيره: إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليقول القائل: رجل كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين، ولهذا قال أهل العلم: إن الرافضة دسيسة الزندقة.

3/ ما يترتب على مذهب الرافضة من تكفير الصحابة:
إن مذهب الرافضة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن القيام بأمر الله، ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة، بل بطلانها ما دام نَقَلَتُها مرتدين، ويؤدي إلى القدح في القرآن العظيم؛ لأنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم، وهذا هو هدف واضع هذه المقالة، ولذلك قال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة, ولذلك اعترفت كتب الشيعة أن الذي وضع هذه المقالة هو ابن سبأ فقالت: إنه أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرّأ منهم، وادّعى أن عليًا عليه السلام أمره بذلك.

4/ قرائن عملية وأدلة واقعية على حقيقة العلاقة بين علي والخلفاء الراشدين: قامت القرائن العملية والأدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين علي في علاقته مع إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع نقله، وقد نقلنا منه الكثير فيما مضى ما يثبت المحبة الصادقة والإخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة، والصفوة من جيل الصحابة- رضوان الله عليهم- وتأتي في مقدمة هذه الأدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين علي ابنته أم كلثوم لأمير المؤمنين عمر, فإذا كان عمر فاروق هذه الأمة قد صار عند الشيعة الروافض أشد كفرًا من إبليس، أفلا يرجعون إلى عقولهم ويتدبرون فساد ما ينتهي إليه مذهبهم؟ إذ لو كان أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- كافرين -كما يفترون- لكان علي بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر، رضي الله عنه، كافرًا أو فاسقًا معرضًا بنته للزنا، لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض, والعاقل المنصف البريء من الغرض، الصادق في محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته واتباعه لهم لا يملك إلاّ الإذعان لهذه الحقيقة، حقيقة الولاء والحب بين الخلفاء الأربعة- رضوان الله عليهم- ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد بن بويه- وكان رافضيًا يشتم صحابة رسول الله – إن عليًا- رضي الله عنه – زوّج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، استعظم ذلك وقال: ما علمت بهذا، وتاب وتصدّق بأكثر ماله، وأعتق مماليكه، ورد كثيرًا من المظالم، وبكى حتى غشي عليه, لشعوره بعظم جرمه فيما سلف من عمره، الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلاء الأطهار مغترًا بشبهات الروافض, وقد حاول شيوخ الشيعة الروافض إبطال مفعول هذا الدليل، فوضعوا روايات مكذوبة على لسان الأئمة تقول: ذلك فرج غصبناه, فزادوا الطين بلة، حتى صوّروا أمير المؤمنين في صورة «الديوث» الذي لا ينافح عن عرضه، ويقر الفاحشة في أهله، وهل يُتصوّر مثل هذا في حق أمير المؤمنين علي بطل الإسلام؟ إن أدنى العرب ليبذل نفسه دون عرضه، ويُقتل دون حرمه، فضلاً عن بني هاشم الذين هم سادات العرب، وأعلاها نسبًا، وأعظمها مروءة وحمية، فكيف يثبتون لأمير المؤمنين وابنته حفيدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل هذه المنقصة الشنيعة، وهو الشجاع الصنديد، ليث بني غالب، أسد الله في المشارق والمغارب.

ومن القرائن أيضاً علاقات القربى القائمة بينهم، ووشائج الصلة، وكذلك مظاهر المحبة، حتى إن عليًا والحسن والحسين- كما مر معنا- يسمون بعض أولادهم باسم أبي بكر وعمر، وهل يطيق أحد أن يسمى أولاده بأسماء أشد أعدائه كفرًا وكرهًا له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردّد في أرجاء بيته يرددها مع أهله في يومه مرات وكرات


فهل من عقلاء يتأملون ما سبق ويعلمون الحق ويتبعوه؟
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحشر10






 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:34 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "