العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-06-08, 06:44 PM   رقم المشاركة : 1
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
لا إله إلا الله





رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ غير متصل

رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ is on a distinguished road


التطبير بدعة أم شعيرة ... مقال لعباس الموسوي هدية للرافضة





الكاتب عباس الموسوي ......... إمامي في الطريق للهداية إن شاء الله
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين .

تعيش الأمة الإسلامية أحداث ومواقف وأعمال كثيرة في إطار المذهب أو الفرقة أو الطائفة الواحدة أو في إطار الأمة الإسلامية الواحدة أو في إطار العالم الواحد، وبعض هذه الأعمال واضحة الحكم والأهداف ومعلومة الأصل والمنبع وبعضها لا.

وعندما نتفحص الصراع الطائفي بين المذاهب نجد أنهم –كل طائفة على حدة -بذلوا جهوداً كبيرة من أجل تثبيت معتقداتهم وتخطئة معتقدات المذاهب الأخرى ، باعتقادها أنها تعتمد على القرآن والسنة الشريفة في معرفة الأحكام الشرعية أكثر من غيرها.

وعندما نتفحص المذهب الواحد نجد هذا الخلاف والاختلاف موجوداً كظاهرة طبيعة تارة وتارة أخرى كظاهرة خلافية وقد تكون عدائية

وما يهمنا في هذا البحث أن نتفحص بعض الظواهر والأعمال في مذهبنا الإمامي لنجد ما يوافق مذهبنا بشكل حقيقي وما هو دخيل وموضوع ومبتدع ليس له أصل في الشريعة ، ولا أشك في أنه لا يوجد من يقول أن كل ما عندنا من روايات صحيح، ولا كل ما عندنا من ظواهر وعادات صحيح ، ولا كل ما بين أيدينا من أمور ينبغي الاعتقاد بها ، وإلا فما فائدة الكتابة والتحقيق والتمحيص وإن وجد فهذا ليس له من العلم شيء.
ونحن اليوم بين ظواهر جديدة لم نكن نسمع عنها أو نراها من قبل ، هل لأنه لا يوجد إعلام مسبق يرينا هذه الصور أم ماذا ؟

فهذه الكاميرات الحية والصور الفوتوغرافية تنقل لنا ومن خلال شاشات التلفزة ومواقع الانترنت كل هذه المشاهد والأحداث فليس كل بعيد بعيد هذه الأيام بل البعيد قريب مهما وصل من مكان ومهما حاول أن يختفي خلف جدار أو غيره .

وهنا أحاول أن أدرس هذه الظواهر –ظاهرة التطبير والمشي على الجمر - من عدة جوانب كالتالي:

1-نعلم أن الشعائر أمور توقيفية من الشارع المقدس فهل هذه الظاهرة أمر توقيفي منه أم لا ؟

2-نبحث عن ملاك هذه الظاهرة وأثر ذلك على الطائفة المحقة .

3-ثم نرى هذه الظواهر هل تنطبق عليها تعاريف البدعة بالاصطلاح اللغوي أو الشرعي أم لا ؟

4-وهل لهذه الظاهرة إجماع بين الفقهاء والعلماء أم ماذا ؟

5-نتعرف على الفرق بين الحكم والفتوى في حالة فرض من يفتي بوجوب أو استحباب هذه الظاهرة .

فهدفنا من خلال هذه الأمور أن نصل إلى نتيجة من هذه الظواهر هل هي شعيرة ينبغي إحياؤها في كل سنة في ذكرى الإمام الحسين عليه السلام أم بدعة ابتدعها جماعة لأغراض خاصة سياسية أو مذهبية أو غير ذلك .

وقد يقول البعض مستنكراً ومن قال أن هذه شعيرة من الشعائر –إن كان هناك من يقول بذلك- حتى يرد عليها بهذه الصورة؟! .

نقول إن ما يعمله البعض هذه الأيام من تصرفات تدخل ما هو خارج عن نطاق الدين في الدين وما هو خارج عن نطاق المذهب في المذهب ، ثم متى كانت هذه الظواهر ؟! ومتى طلعت على العلن ؟!

فالواقع أن هؤلاء يرون أن هذه الأعمال شعيرة سنوية ينبغي إحياؤها ، وهدفنا هنا تمحيص هذه الأعمال والظواهر لنعرف ما هو من مذهبنا مما هو دخيل عليه .

وقد يستغرب بعض المؤمنين الغيارى على المذهب -وبشكل حقيقي- طرح مثل هذا الأمور وبهذه السهولة ونقد هذه الفكرة أمام عامة الناس الموافق والمخالف مما يجعل ذلك في نظره عرضة وفرصة لأخذ المخالفين ذلك فرصة للتشنيع وإظاهر ذلك لعامة الناس وأن الشيعة هكذا حالهم من البدع والخرافات ، فمن باب أولى أن لا تطرح مثل هذه المواضيع .

ونجيب على ذلك بكل بساطة في نقطتين :

الأولى : إذا كنا نعمل هذه ونؤمن بها ونعتقد أنها شعيرة من الشعائر – ليس نحن بل من يعمل هذه الظواهر – فلماذا الخوف من النقد ومن التشنيع فالموافق والمخالف يشاهد هذه الظواهر على السواء .

الثانية: أن الأمور لم تعد مخفية كالسابق فأنتم تشاهدون الآن كما قلت أعلاه على شاشات التلفزة كيف ينقل المراسلون الظواهر الشيعية الجيدة والتي تدخل ضمن الشعائر وغير الجيدة التي فيها توهين للمذهب ، كما يتفنن المخالف على شبكة الانترنت في وضع الصور المزرية واقعاً والتي تحدث في يوم عاشوراء وغيره بغرض توهين المذهب ويستغل البعض محاضرات بعض الخطباء لينقل منها صوتيات مهينة للمذهب، وبالتالي فلا حاجة لقول هذا الكلام فكل تصرفات الشيعة اليوم وأقوالها بيد وبعين جميع العالم ، وعلى هذا فحري بنا أن نمحص كل هذه التصرفات والظواهر والتي لا تعد من الشعائر في شيء ولا نخفي ذلك ونتستر عليها بحجة الخوف من التسقيط في المجتمع أو توهين المذهب فما تسببه هذه الظواهر هو التوهين وحسبك ذلك .

وقد يقول غيور آخر : إن في هذا الطرح تعدٍّ على المرجعيات وهذا ما لا ينبغي أن يكون فنحن من نقدس المرجعيات والعلماء أكثر من أي طائفة أخرى وهذا الطرح يبين خلاف ما ندعيه .

ونجيب على ذلك : أن هذا ليس تعدياً على أي مرجع لأنه لا يوجد أي مرجع على الإطلاق يقوم بهذه الظاهرة ولكن قد يقول بعض المراجع بإباحية هذه الظاهرة فيأخذها البعض كوجوب كأنها صلاة من حيث العناية بها في مقابل عدم اهتمامه بالصلاة ذاتها كما نلحظ ذلك مذ كنا صغاراً حيث نلاحظ أن كثيراً ممن يمارسون هذه الظاهرة ليس لهم توجه تديني – إن صح التعبير – كما وإنما نناقش هذه الظواهر والتصرفات التي نراها من وجهة نظرنا ونظر كثير من العلماء والمراجع مهينة للمذهب وليس في مقابل رأي مرجع من المراجع العظام لأنه كما قلت لا يوجد من المراجع من يوجب هذه الظاهرة ليرد عليه .

ونحاول في هذا البحث أن نناقش هذه الظواهر مناقشة علمية بعيدة عن التجريحات والتوهينات ، وأرجو أن يوفقنا العلي القدير لما فيه خيره وخير الإسلام والمسلمين وخير الطائفة المحقة .

تمهيد للبحث

إن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة غير ناقصة صالحة للحياة بشكل دائم، تلبيّ جميع احتياجاتها ، وتستوعب مختلف أبعادها، بالرؤية الواضحة، والتكليف المشخص، والموقف العملي المحدّد ، من خلال المفاهيم والأحكام المتنوعة التي عالجت جميع جوانب الوجود، ودخلت في كل تفاصيله، كما جاء في حلقات الشهيد الصدر من تعريف الحكم – الخطاب الصادر من الله لتنظيم كافة شؤون الحياة انطلاقاً من كون الشريعة الإسلامية هي الشريعة الخاتمة، وهي الشريعة الشاملة، قال تعالى : (اليَومَ أكملتُ لَكمْ دِينَكُم وَأتْممتُ عَليكُم نِعمتي وَرضيتُ لَكُم الإسلام دِيناً) المائدة / 3 .

ولا بد من معرفة أن الشريعة الإسلامية التي هي هذه التعاليم والقوانين التشريعية منبثقة من عالم الغيب والكمال المطلق، واتصالها بالقدرة الإلهية المهيمنة على هذا الكون ، والمدركة لجميع مصالحه ومفاسده بكل تفصيل .

كما أنَّ اليد الإلهية هي التي تقف وراء حفظ هذهِ التعاليم والذب عنها إلى آخر لحظة في الوجود ، يقول الله عزَّ شأنه :
( إنّا نحنُ نزَّلْنَا الذِكْرَ وَإِنّا لهُ لَحافظُونَ ) الحجر : 9 .

إذن فهناك عنصران رئيسيان يقفان وراء ديمومة وبقاء الشريعة الإسلامية المقدسة في حياة الإنسان، وهما : استيعاب مساحة التطبيق، وغيبية النشوء.

فالقوة الغيبية المطلقة هي صاحبة الدور الوحيد في صياغة الرؤية الإسلامية المحددة إلى مختلف الوقائع والأحداث التي تكتنف بها الحياة، وهي التي تحدد للسلوك الإنساني طبيعةَ سيره وحركته ضمن مفردات هذا الكون الواسع.

وقد كان القرآن الكريم هو المجسد الأول لهذه الغاية ، والملبي الأمثل لذلك الغرض المرتجى والهدف المرسوم ، نظراً لما اشتمل عليه من أنظمة وقوانين وأحكام تملأ جميع مساحات الواقع، وتستجيب لمختلف متطلباته واحتياجاته، فلا تبقى واقعة في الحياة تخلو من حكم ، ولا يمكن أن تعترضَ الإنسانَ مشكلةٌ في طريق سعادته وكماله إلاّ وتجد لها الحل بين طيّات الكتاب الكريم، قال تعالى : ( وَنَزَّلْنا عَليكَ الكتابَ تِبياناً لكلِ شَيء وَهدىً وَرحمَةً وَبُشرى لِلمُسلِمينَ) النحل / 89 .

وقال تعالى ما فَرَّطنا فِي الْكِتابِ مِن شيء ) الأنعام / 38 .

وجاءت الآيات الكثيرة تأمر المسلمين باتباع القرآن الكريم ، واسترشاده ، والاستلهام منه ، كما قال تعالى : ( وَهذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُباركٌ فَاتَّبعوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلّكُمْ تُرْحمُونَ ) الأنعام / 155 .

وقال تعالى : (اتَّبِعُوا مَا اُنزِل إِليْكُم مِن رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبعُوا مِن دُونِهِ أَوْليَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكّرونَ ) الأعراف / 3 .

هذا هو الخط التشريعي الأول المتصل بالسماء ، وأما الخط الثاني الذي يكمّل شوط هذه المهمة، ويتناول تفاصيلها باستيعاب ، فهو عبارة عن سنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ، قولاً وفعلاً وتقريراً ، حيث التجسيد العملي الأمثل لتلك التعاليم القرآنية، والتوضيح المتمم للخصوصيات والتفاصيل الجزئية التي انطوت عليها عموميات الكتاب الكريم ، إذ أنَّ من المفترض أن يتناول الكتاب الكريم أصول التشريع الإسلامي، وخطوطه العامة ، دون الجزئيات والتفاصيل ، فقد قال تعالى: ( وَأَنزلنَا إِليْكَ الِذّكرَ لتُبيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِليْهِمْ وَلعَلَّهُمْ يَتفَكَّرُونَ ) النحل / 44 .

وقد قرن الله تعالى في كتابه الكريم طاعة الرسول بطاعته، مقرراً أنَّ كلَّ واحد من هذين المصدرين يكمّل الآخر، ويوضح معالمه، كما قال تعالى:

( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فإن تَوَلّوْا فَإنَّ اللهَ لاَ يُحبُّ الكافِرينَ ) آل عمران / 32 .

وقال تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلكُمْ تُرحَمُونَ ) آل عمران / 132 .

وقال تعالى : ( يا أيها الذينَ آمنُوا أطيعُوا اللهَ ورسولَه ولا تَولّوا عنه وأنتُم تَسمعُونَ ) الأنفال / 20

وقال تعالى : (ومَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقهِ فَأُولئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ) النور / 52 .

وقال تعالى (وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقدْ فَازَ فَوزاً عَظِيماً ) الأحزاب / 71 .

وقال تعالى : (يَا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِى الأمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنازَعتُمْ فِي شَيء فَردُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إن كنتُمْ تُؤْمنُونَ بِاللهِ وَاليوْمِ الآخرِ ذَلكَ خيْرٌ وَأَحْسنُ تَأْويلاً ) النساء / 59 .

وقال تعالى : ( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطيعُواْ الرَّسُولَ فإن تَولوْاْ فَإنَّما عَليهِ مَا حُمِّلَ وَعليْكُم مّا حُمِّلْتُمْ وإن تُطيعُوهُ تهْتدُوا وَما عَلى الرَّسُولِ إلاّ البَلاغُ المُبينُ ) النور/ 54 .

كما تضافرت الآيات على ضرورة احترام شخصية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتبجيله ، وتوقيره ، ونصرته ، واتباع سيرته وسلوكه، كما في قوله تعالى: ( لقد كانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوةٌ حَسَنةٌ ) الأحزاب / 21 .

وقال تعالى مخاطباً نبيَّه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): ( قُل إن كُنتمْ تُحِبّون اللهَ فَاتَّبعُوني يُحبِبكُمُ اللهُ وَيَغفرْ لَكُمْ ذُنوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران / 31 .

كما وَرَدَ التحذير في الكتاب الكريم عن مخالفة أوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والخروج عن جادة السعادة التي اختطها للبشرية بعنائه ، وجهاده ، وصبره على أداء الرسالة السماوية المقدسة، كما في قوله تعالى: ( لاَ تَجْعلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكمْ كَدُعاءِ بَعضِكم بَعْضاً قَدْ يَعلمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسللُونَ مِنكمْ لِوَاذاً فَلْيحذَرِ الَّذينَ يُخَالِفونَ عَن أمرِهِ أن تُصيبَهُمْ فِتنَةٌ أو يُصيبَهمْ عَذابٌ أليمٌ ) النور / 63 .

وجاءت الأحاديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لتؤكد على نفس هذا المعنى، وتحث المسلمين على اتباع سنته وتحذِّر من مخالفته ، فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : « مَن تمسكَ بسنتي في اختلاف أمتي كان له أجر مائة شهيد » [1]

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : « كلّ أمتي يدخلون الجنةَ إلاّ مَن أبى ! ، قالوا : يا رسولَ الله ! ومَن يأبى ؟ قال : مَن أطاعني دخل الجنة ، ومَن عصاني فقد أبى » [2].

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : « ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا » [3] .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « لا قول إلاّ بعمل، ولا قول ولا عمل إلاّ بنية ، ولا قول ولا عمل ولا نية إلاّ بإصابة السنة » [4].

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنـَّه قال : « إنَّ الفقيه حق الفقيه : الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) » [5]

وجاءَ في ( نهج البلاغة ) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : « اقتدوا بهدي نبيكم فانَّه أفضل الهدي ، واستنّوا بسنته فإنها أهدى السنن » [6]

وفي الحقيقة إن قضية اتباع سنة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) تُعد من القضايا البديهية التي يقوم عليها عود الإسلام، وترتكز على أساسها مجمل تعاليمه وأحكامه، حتى أصبح أصل اتباع سنة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مورداً لإجماع المسلمين على الإطلاق، وإن كان هناك اختلاف بينهم في طريقة الأخذ بالسنة وشروط ذلك .

ومن المقطوع به أن إنكار هذا المعنى الشرعي بخصوص السنة النبوية يساوق إنكار الإسلام من الأساس، وعدم الإيمان بأهم أولياته ومرتكزاته، لأنَّ هذا المصدر يعتبر عصب الحياة بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية، ويشكّل القاعدة الثانية للتشريع بعد القرآن الكريم، ولولا السنة النبوية لما أمكننا أن نفهم أحكام الشريعة ، ونعيَ مقاصدها الحقيقية بشكل مطلق .

وقد ورد في الأحاديث إن المخالف لسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمتحدّي لها يُعد خارجاً عن دائرة الإيمان بالله، فضلاً عن المنكر لها من الأساس، فقد ورد عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) في أمر التشديد على مخالفة السنة النبوية أنه قال: « مَن خالف كتابَ الله وسنةَ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كفر » [7].

وورد عنه (عليه السلام) أيضاً أنه قال: « لو أنَّ قوماً عبدوا اللهَ وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة ، وحجّوا البيت ، وصاموا شهر رمضان، ثم قالوا لشيء صنعه الله تعالى : ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلكَ في قلوبهم ، لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا قوله تعالى: ( فَلا وربِّكَ لا يؤمنونَ حتى يُحكِموكَ فِيمَا شَجرَ بَيْنهمْ ثُم لاَ يَجِدواْ فِي أنفُسِهمْ حَرَجاً مِما قَضيْتَ وَيُسلِّمواْ تَسلِيماً)النساء / 65، ثم قال أبو عبدالله (عليه السلام) وعليكم بالتسليم » [8]
وهكذا الأمر بالنسبة إلى سنة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهبَ الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فهي الامتداد الشرعي لسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، والسبيل المتمم للشوط الذي بدأ به (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد دلَّ عليها الكتاب الكريم، ودلَّت عليها السنة النبوية الشريفة. كما في حديث الثقلين وحديث الدار والمنزلة وغير ذلك من الأحاديث الدالة على ذلك والتي لا مجال لها هنا .

النقطة الأولى :

الشعائر توقيفية

قال تعالى ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (32) سورة الحـج

«الشعائر» جمع «شعيرة» بمعنى العلامة والدليل، وعلى هذا فالشعائر تعني علامات الله وأدلّته، وهي تضمّ عناوين لأحكامه وتعاليمه العامّة، وأوّل ما يلفت النظر في هذه المراسم التي ذكرت فيها الآية مناسك الحجّ التي تذكّرنا بالله سبحانه وتعالى.

جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن الحج وأعماله في سورة الحج ومن البديهي كون مناسك الحجّ من الشعائر التي قصدتها هذه الآية. خاصّة مسألة الأُضحية التي اعتبرتها الآية (36) من نفس السورة ـ وبصراحة ـ من شعائر الله، إلاّ أنّ من الواضح مع كلّ هذا احتفاظ الآية بمفهوم شمولي لجميع الشعائر الإسلامية، ولا دليل على اختصاصها ـ فقط ـ بالأضاحي، أو جميع مناسك الحجّ. خاصّةً أنّ القرآن يستعمل «من» التي يستفاد منها التفريق في مسألة أضحية الحجّ، وهذا دليل على أنّ الأضحية من شعائر الله كالصفا والمروة التي تؤكّد الآية (158) من سورة البقرة على أنّهما من شعائر الله (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله).

ويمكن القول: إنّ شعائر الله تشمل جميع الأعمال الدينيّة التي تذكّر الإنسان بالله سبحانه وتعالى وعظمته، وإنّ إقامة هذه الأعمال دليل على تقوى القلوب.

كما تجب ملاحظة أنّ المراد من عبارة (يعظّم) ليس كما قاله بعض المفسّرين من عظمة جثّة الأضحية وأمثالها، بل حقيقة التعظيم تعني تسامي مكانة هذه الشعائر في عقول الناس وبواطنهم، وأن يؤدّوا ما تستحقّه هذه الشعائر من تعظيم واحترام.[9]

كما أنّ العلاقة بين هذا العمل وتقوى القلب واضحة أيضاً، فالتعظيم رغم أنّه من عناوين القصد والنيّة، يحدث كثيراً أن يقوم المنافقون بالتظاهر في تعظيم شعائر الله. إلاّ أنّ ذلك لا قيمة له، لأنّه لا ينبع من تقوى القلوب. إنّما تجده حقيقة لدى أتقياء القلوب. ونعلم أنّ مركز التقوى وجوهر اجتناب المعاصي والشعور بالمسؤولية إزاء التعاليم الإلهيّة في قلب الإنسان وروحه، ومنه ينفذ إلى الجسد. لهذا نقول: إنّ تعظيم الشعائر الإلهيّة من علامات التقوى القلبيّة [10].

وقد جاء في حديث عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال وهو يشير إلى صدره المبارك: ( التقوى هاهنا )[11] .

توضيح :

إنَّ ثوابت الشريعة الإسلامية التي بُنيت على أساس كون التشريع أمراً توقيفياً ومستمداً من خصوص المصادر الأساسية [القرآن والسنة] ، لا تسمح مطلقاً بورود أيّ لون من ألوان التشريع من خارج هذا الإطار ، لأنَّ مثل هذا التشريع الدخيل يُعد خرقاً للحصانة المنيعة التي تقف وراء سرِّ ديمومة التشريع ، وبقائه واستمراره إلى حيث الشوط الأخير في هذهِ الحياة ، مما يؤدّي في النتيجة إلى إحداث فجوات خطيرة ، وشروخ عميقة ، في هذا الغطاء الذي يؤطّر الأحكام الشرعية المقدسة ، ويحيط بها ، ويصونها عن نفوذ الرؤية القاصرة التي تسبب حدوث المسخ والتشويه والتحريف .

وقد ضمن المولى سبحانه وتعالى توفير هذه الحصانة لكتابه العزيز ، وصيانته من التحريف والتبديل والتغيير ، ومخالطة الباطل له ، حيث يقول : ( إنّا نَحنُ نَزَّلنا الذِكرَ وَانَّا لَهُ لَحافظُونَ )الحجر/9.

ويقول تعالى وَانَّه لكِتابٌ عَزيزٌ * لاَّ يَأتيهِ البَاطلُ مِن بَينِ يَديهِ وَلا مِن خَلفهِ تَنزِيلٌ مِن حَكيم حَميد ).

كما أمرَ المولى سبحانه وتعالى نبيَّه الكريم أيضاً أن يشدد على هذا المعنى ، ويؤكّد عليه بشأن السنة النبوية ، ويعالج هذا الأمر بما يتناسب مع حجمه وخطورته من تنبيه وتأكيد وتذكير ، فورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) سيل متدفق من الأحاديث ، وحشد كبير من التوصيات التي اتجهت مضامينها نحو توفير هذا الضمان ، وتهيئة الأجواء الملائمة له .

النتيجة:

يتصور البعض – وللأسف الشديد – أن هذه الأمور من الشعائر وهي ليست كذلك لأن كون أمر من الأمور شعيرة من شعائر الله هو أمر توقيفي بمعنى أنه لا بد أن يصدر بيان من الشريعة أنه شعيرة ، فما لم يرد من النبي أو الإمام ذلك لا يكون ثمة دليل على كونه من الشعائر .
فليست هذه الظاهرة في الكتاب الكريم ولا في السنة النبوية فلم ترد في لسان المعصومين كما هو الحال في إقامة المآتم الحسينية – مثلاً – حيث وردت في روايات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم[12] ذلك أما هذه الظواهر فلم يرد فيها ما يدلل على ذلك لا من الكتاب ولا من السنة .

وخلاصة الأمر أن هذه الظاهرة ليست شعيرة من الشعائر .

النقطة الثانية :

ملاك هذه الظواهر

ماذا نقصد بالملاك في الحكم الشرعي التكليفي ؟

تمهيد:

ننقل لكم كلام الشهيد آية الله العظمى السيد الصدر حيث يقول في حلقات الأصول ( ونحن إذا حللنا عملية الحكم التكليفي كالوجوب - كما يمارسها أي مولى في حياتنا الاعتيادية - نجد أنها تنقسم إلى مرحلتين: إحداهما: مرحلة الثبوت للحكم[13]، والأخرى مرحلة الإثبات والإبراز[14]، فالمولى في مرحلة الثبوت يحدد ما يشتمل عليه الفعل من مصلحة - وهي ما يسمى بالملاك - حتى إذا أدرك وجود مصلحة بدرجة معينة فيه تولدت إرادة لذلك الفعل بدرجة تتناسب مع المصلحة المدركة، وبعد ذلك يصوغ المولى إرادته صياغة جعلية[15] من نوع الاعتبار، فيعتبر الفعل على ذمة المكلف )[16] .

ففي مرحلة الثبوت لابد من توفر ثلاثة عناصر ، وهي كما ذكرها الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه :

1-الملاك .

2-الإرادة .

3-الاعتبار .

والملاك يعني- في ضمن برلمان مثلاً - أن أخذ شيء معين وليكن ضريبة على دخول أمر ما في الدولة مثلاً هل فيه مصلحة أو ليس فيه مصلحة ، فلو فرضنا أنه اتضح بعد المناقشات أنّ هذا الفعل فيه مصلحة ، حينئذ تنشأ رغبة وإرادة عند المشرعين ، وهذه الإرادة تؤدي إلى موقف يتطلب إصدار مثل هذا التشريع ، وبالتالي يصار إلى التصويت على التشريع ، بعد ذلك تنبري مجموعة من الأعضاء لصياغة هذا التشريع ، واعتباره على المخاطبين به ، ثم بعد أن تتم هذه العناصر ، يتم تبليغ الإعلام بنشره .

أما لو كان هناك تشريع خاص بمنع السفر فحينئذ يجب النظر في المفسدة التي تنشأ من هذا السفر ، ثم بعد ذلك تنشأ الإرادة ، وهي حالة المبغوضية ثم بعد ذلك يصاغ التشريع .

التشريع بالنسبة إلى المولى يمر أيضاً بمرحلتين مع فارق كبير بينه تعالى وبين الموالي العرفيين ، فوجوب الصلاة مثلاً لابد من أن يكون له ملاك ، لابد أن تكون هناك مصلحة شديدة للصلاة ، ثم تنبثق منها إرادة ومحبوبية ، ثم يصاغ التشريع ثم يخاطب المكلف بهذا التكليف في مرحلة الإثبات .

وفي مورد حرمة شرب الخمر لابد من أن تكون هناك مفسدة شديدة تنشأ منها المبغوضية والإرادة والمحبوبية ثم تعتبر الحرمة للعقل .

فعند هذا الكلام يتضح مفهوم الملاك.

وعليه فإن الحكم التكليفي ينقسم إلى خمسة أقسام (الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة ) بتعريف الأصوليين فما هو ملاك كل حكم ؟

الوجوب : ملاكه مصلحة شديدة والإرادة هي عبارة عن محبوبية شديدة بدرجة الإلزام بالنسبة إلى الوجوب ، فالمصلحة هي الملاك والمحبوبية هي الإرادة .

الاستحباب : هو كالوجوب فيه مصلحة ولكنها ليست شديدة وفيه إرادة ومحبوبية ولكنها ليست بدرجة الإلزام والوجوب بل يجوز فيها الترخيص .

الحرمة : مفسدة شديدة هي الملاك ومبغوضية شديدة هي الإرادة أي بدرجة الإلزام بالترك .

الكراهة : هي كالحرمة لكنها بلا إلزام بالترك ، الشيء المكروه فيه مفسدة هي الملاك ، ومبغوضية هي الإرادة لكنها يجوز معها الترك فكل مكروه جائز .

ملاك الإباحة :

الإباحة بالنسبة إلى الملاك تنقسم إلى قسمين :

1-تارة يكون الفعل المباح ناشئاً من خلوه من أي مصلحة أو مفسدة تقتضي الإلزام بالفعل أو لا تقتضي ذلك ،كشرب الماء ، فالإباحة هنا ناشئة من كون الفعل خالياً من أي ملاك ، وهذه الإباحة يعبر عنها بالإباحة اللااقتضائية أو اللاملاكية ، أي إباحة لا ملاك فيها ، فملاكها اللاملاك.

2-وتارة أخرى تنشأ الإباحة من وجود ملاك أو مصلحة في الفعل المباح ، ولكنها تكمن في كون المكلف ينبغي أن يبقى حراً ومطلق العنان ومرخصاً. إذاً الإباحة هنا ملاكية ،يُعطى المكلف فيها حرية الفعل والترك ،ويترك له الخيار، ويعبر عنها بالإباحة الاقتضائية ، حيث يوجد فيها ملاك ومقتضي لترخيص المكلف وإطلاق عنانه ، وهذا المقتضي هو نفس إعطاء حرية للمكلف

فهل هذه الظواهر واجبة أم مستحبة أم مكروه أم محرمة أم مباحة حسب ملاكها ؟

من الواضح أن هذه الظاهرة -التطبير- ليست واجبة ولا مستحبة ولا محرمة ولا مكروة لأنه لم يرد من الشارع أمر أو نهي وغاية ما يمكن أن يقال أنها مباحة .

توضيح :

وقد يقول قائل إن هذا العمل – التطبير- مستحب .

فنقول له : ننظر إلى جواب السيد الخوئي (قده) حول إدماء الرأس وما شاكله حيث يقول ( لم يرد نص بشعاريته فلا طريق إلى الحكم باستحبابه )[17] .

فهل هذه الظواهر ورد نص بشعاريتها أم لا ؟

الجواب : لا .كما قلنا أعلاه .

ثم نقول هل هذه الأعمال تؤدي إلى الإضرار بالنفس ؟

يقول الفقهاء بحرمة الإضرار بالنفس مطلقاً سواء أدى إلى التهلكة أو لم يؤد إليها ، ولذلك تكون بعض الظواهر – كالتطبير مثلاً – حرام بالعنوان الأولي باعتباره مصداقاً للإضرار بالنفس .

والظاهر أن هذه الأعمال تؤدي إلى التهلكة أي الضرر بالنفس بأي نوع من الأضرار .

ثم نسأل هل هي مباحة ؟

لنفترض أن أحدهم يقول أن هذا الفعل مباح وليس فيه إضرار بالنفس لأنه لا يؤدي إلى التهلكة.

نقول : أن عدم القول بحرمة الإضرار بالنفس إذا لم يؤد إلى التهلكة لا يعني جواز مثل هذه الظواهر شرعاً ، فإن بعض هذه العناوين الثانوية قد تطرأ على الفعل المباح تجعل منه أمراً محرماً نتيجة لحرمة تلك العناوين الثانوية ، ولذلك نجد السيد الخوئي يقول رداً على سؤال حول بعض مظاهر عاشوراء ( لا يجوز فيما إذا أوجب ضرراً معتداً به أو استلزم الهتك والتوهين والله العالم ).

ما المقصود بالهتك والتوهين عند السيد الخوئي ؟
ثم يوضح – في جواب آخر – أن المراد من الهتك والتوهين ( ما يستلزم الذل والهوان للمذهب في نظر العرف السائد ).[18] وهذا ما يحدث في عالمنا اليوم من التوهين في مذهب أهل البيت عليهم نتيجة هذه الظواهر غير الصحيحة .

وما نشاهده ونسمعه أن هذه الظاهرة –التطبير- فيها توهين للمذهب من قبل العامة وخصوصاً بعد ظهورها لعامة الناس من خلال الانترنت وغيره من وسائل الإعلام .

النتيجة :

كون هذه الظواهر لم ترد في الشريعة الإسلامية في مصادرها الأساسية ( القرآن والسنة ) فهي لا تعد شعيرة من ناحية ومن ناحية أخرى هذه الأعمال فيها من المفسدة للمذهب لما تؤديه من الهتك والتوهين مما لا يختلف فيه أحد، وبالتالي فهذه الظواهر هي للحرمة أقرب إن لم نقل بحرمتها لمفسدتها الواضحة .

النقطة الثالثة :

هل هذه الظاهرة -التطبير- بدعة أم لا ؟

تمهيد :

لا بد أولاً من دراسة ومعرفة معنى البدعة في الاصطلاح اللغوي والشرعي ومن ثم مطابقة ذلك على هذه الظواهر لمعرفة ما هو بدعة وما هو تشريع وشعيرة .

البدعة في اللغة والاصطلاح الشرعي .

البدعة لغةً :

للبدعة في اللغة أصلان ، أحدهما : ( البَدع ) ، وهو مأخوذ من ( بَدَعَ ) ، وثانيهما : (الإبداع ) ، وهو ما مأخوذ من ( أبدعَ).

وكلا هذين الأصلين يعطي معنىً واحداً ، وهو عبارة عن إنشاء الشيء لا على مثال سابق ، واختراعه وابتكاره بعد أن لم يكن .

يقول الفراهيدي عن (البَدع):«هو إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة »[19]

ويقول الراغب عن ( الإبداع ) : « هو إنشاء صفة بلا احتذاء واقتداء »[20].

وينص الأزهري على أنَّ ( الإبداع ) أكثر استعمالاً من ( البَدع ) ، وهذا لا يعني أنَّ استعمال (البَدع) خطأ ، وإنما هو صحيح ولكنه قليل ، فيقول في ذلك : و « ( أبدعَ ) أكثر في الكلام من ( بَدَعَ ) ، ولو استعمل ( بَدَع ) لم يكن خطأ » [21] !

وعلى هذا الأساس تقول من ( البَدع ) : « بدعتُ الشيء إذا أنشأته » [22] .

وتقول من ( الإبداع ) : ابتدعَ الشيء : أي « أنشأه وبدأه » [23] ، وتقول أيضاً : «أبدعتُ الشيء أي اخترعته لا على مثال » [24] .

و ( أبدَعَ ) الله تعالى الخلق ( إبداعاً ) : أي خلقهم لا على مثال سابق ، و ( أبدعتُ ) الشيءَ و ( ابتدعته ) : استخرجته وأحدثته ، ومنه قيل للحالة المخالفة ( بدعة ) ، وهي اسم من ( الابتداع ) ، كالرفعة من الارتفاع [25] ، ومعنى ( البدعة ) : الشيء الذي يكون أولاً [26] ، وجمع ( البدعة ) (البدع) [27]، وإنّما سميت ( بدعة ) لانَّ قائلها ابتدعها هو نفسه [28].

وفي أسماء الله تعالى ( البديع ) : وهو الخالق المخترع لا على مثال سابق [29] .

يقول الله تعالى : ( بَدِيعُ السَّمواتِ وَالاَرضِ ) البقرة / 117: أي مبتدعها ومبتدئها لا على مثال سبق [30]، وبديع الحكمة غريبها ، ومنه الحديث : « روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة، فإنها تكلّ كما تكل الأبدان » [31] .

ويقول الله تعالى : ( وَرَهبَانيَّةً ابَتَدعُوها ) الحديد : 27 . : أي أحدثوها من عند أنفسهم[32].

فيتحصل لدينا من خلال كل ما تقدَّم أنَّ المعنى اللغوي لـ ( البدعة ) : هو الشيء الذي يُبتكر ويُخترع من دون مثال سابق ، ويُبتدأ به بعد أن لم يكن موجوداً من قبل .

البدعة في الاصطلاح الشرعي :
قال السيد المرتضى : البدعة الزيادة في الدين أو نقصان منه من إسناد إلى الدين . [33]

قال العلامة في المختلف : كل موضع لم يشرع فيه الأذان فإنه يكون بدعة .[34]

قال الشهيد السعيد محمد بن مكي العاملي ( ت -786 هـ ) : محدثات الأمور بعد عهد النبي صلى الله عليه وآله تنقسم أقساماً لا يطلق اسم البدعة عندنا إلا على ما هو محرّم منها .[35]

ومع ذلك كله فقد خالف الشهيد كلامه في كتاب الذكرى ، وقال :

إن لفظ البدعة غير صريح في التحريم فإن المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم تجدد بعده وهو ينقسم إلى : محرم ومكروه .

وقال الطريحي ( ت-1086 هـ ) البدعة : الحدث في الدين وما ليس له أصل في كتاب ولا سنة وإنما سميت بدعة لأن قائلها ابتدع هو نفسه ، والبِدَع – بالكسر والفتح – جمع بدعة ومنه الحديث ( من توضأ ثلاثاً فقد أبدع ) أي فعل خلاف السنة لأن ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم فهو بدعة .[36]

وقال المجلسي ( ت 1110 هـ) البدعة في الشرع : ما حدث بعد الرسول صلى الله عليه وآله ولم يرد فيه نص على الخصوص ولا يكون داخلاً في بعض العمومات ، أو ورد نهي عنه خصوصاً أو عموماً ، فلا تشمل البدعة ما دخل في العمومات مثل بناء المدارس وأمثالها الداخلة في عمومات إيواء المؤمنين وإسكانهم وإعانتهم ، وكإنشاء بعض الكتب العلمية ، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعية ، وكالألبسة التي لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأطعمة المحدثة فإنها داخلة في عمومات الحلية ، ولم يرد فيها نهي .

وما يفعل منها على وجه العموم إذا قصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة كما أن الصلاة خير موضوع ويستحب فعلها في كل وقت . ولو عيّن ركعات مخصوصة على وجه مخصوص في وقت معين صارت بدعة ، وكما إذا عيّن أحد سبعين تهليلة في وقت مخصوص على أنها مطلوبة للشارع في خصوص هذا الوقت بلا نص ورد فيها كانت بدعة ، وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيها نص بدعة سواء كانت أصلها مبتدعة أو خصوصيتها مبتدعة ، ثم ذكر كلام الشهيد عن قواعده .[37]

وقال المحدث البحراني ( ت – 1186 هـ) : الظاهر المتبادر من البدعة لا سيما بالنسبة إلى العبادات إنما هو المحرّم ، ولما رواه الشيخ الطوسي عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين عليهما السلام ( إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها النار ) [38]

وقال المحقق الاشتياني ( ت – 1322 هـ) البدعة : إدخال ما علم أنه ليس من الدين ولكن يفعله بأنه أمر به الشارع .[39]

توضيح :

وبعد هذا العرض السريع والموجز لتعريف البدعة لغة واصطلاحاً نتساءل :

هل هذه الظاهرة سنة متبعة عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته عليهم السلام أم لا؟

هل هذه الظاهرة من الدين في شيء ؟

إذا لاحظنا التعاريف السابقة وجدنا أن هذه الظاهرة ينطبق عليها ما يلي :

1- إنشاء الشيء لا على مثال سابق ، واختراعه وابتكاره بعد أن لم يكن .

2-إنشاء صفة بلا احتذاء واقتداء.

3-ابتدعها صاحبها بنفسه ومشى عليها من يتبعه ويشايعه فيها .

4-ليست من السنة في شيء فلم يقم بهذه الظواهر أحد من المعصومين في ذكرى جدهم الإمام الحسين عليه السلام .

5-ليست من الدين في شيء .

النتيجة :

فالنتيجة إذن : أن هذه الظاهرة بدعة ابتدعها من يعملها لأول مرة ، وليست من الدين في شيء وليست من المذهب الحق البعيد عن البدع والمبتدعات والذي لا يبتني على شيء إلا ما هو صحيح بالأدلة والبراهين ومستند إلى الأدلة الشرعية الصحيحة .

النقطة الرابعة :

الإجماع لهذه الظاهرة

الإجماع مصطلح أصولي فهل هذه الظواهر فيها إجماع بين الفقهاء والأصوليين لنعتمد عليها أم لا؟

لنتعرف على المقصود من الإجماع أولاً ثم نناقش هذه الظواهر :

قسم الإجماع في كلمات الأصوليين إلى أقسام :

منها المحصل والمنقول ، ومنها البسيط والمركب .

ومقصودهم من التقسيم الأول :

1-الإجماع المحصل : هو الذي يحصّل الفقيه العلم به عن طريق الحس والتتبع لا عن طريق النقل والسماع .

2-الإجماع المنقول : وهو نقل الإجماع المحصّل مروياً إلى الآخرين بلسان فقيه أو أكثر ، فإذا نقله إلى الآخرين الذين لم يحصلوه كان الإجماع منقولاً بالنسبة إليهم بخبر الواحد )[40].

ويقسم الإجماع إلى بسيط ومركب :

أ-الإجماع البسيط: ( هو الاتفاق على رأي معين في المسألة )

ب-الإجماع المركب هو انقسام الفقهاء إلى رأيين من مجموع ثلاثة وجوه أو أكثر ، فيعتبر نفي الوجه الثالث ثابتاً بالإجماع المركب ) .[41]

وما يهمنا هنا الحديث عن الإجماع المحصل البسيط وهو الاتفاق على رأي معين في المسألة .

وعلى هذا نقول :

هل هناك إجماع على هذه الظاهرة – التطبير– من قبل الفقهاء المعاصرين فضلاً عن المتقدمين ؟

فهذه مسألة أو مسائل أو قل ظاهرة وظواهر ليس فيها عدم إجماع فقط بل لا يرى كثير من الفقهاء المتأخرين ( المعاصرين ) هذه الظاهرة أصلاً حتى يكون إجماع هذا أولاً.

ثانياً : الفقهاء المتقدمون منذ الغيبة الكبرى وإلى الآن لم نر في كتبهم ولم نسمع أحداً ينقل إجماعهم على هذه الظاهرة أو حتى يستشهد في كتاباته بمثل هذه الظواهر من كتب المتقدمين . فمن أين جاءت هذه الظواهر ؟! وعلى أي مستند شرعي قامت ؟!

والنتيجة : إن هذه الظواهر لا إجماع فيها أصلاً حتى يتعبد بها أو يقول البعض بأنها شعيرة ينبغي على الشيعة القيام بها في كل سنة مواساة للإمام الحسين عليه السلام وعقيلته الطاهرة زينب عليها السلام .

النقطة الخامسة :

فتوى المجتهد أم حكم الحاكم

على فرض أن هناك من يفتي بوجوب التطبير – ولا أحد يقول بذلك – هل علينا اتباع فتوى المجتهد أم حكم الحاكم ؟

تمهيد :

القضايا التي تتعلق عليها أحكام الفقهاء إما قضايا خارجية أو حقيقة :

1-القضايا الخارجية : وهي ما كان موضوعها الأفراد الموجودة بالفعل أو أنها ستوجد في المستقبل مثل : (أكرم أحفاد محمد ) الموجودون والذين سيوجدون بعد عشرين سنة مثلا .

2-القضايا الحقيقة : هي ما كان موضوعها مفروض الوجود وإن لم يكن موجوداً فعلاً مثل : (كل تراب يجوز التيمم به ) .

وبشكل عام هناك ثلاثة أنواع للحكم الفقهي الذي يتصدى الفقيه لإعطائه لنا :

1-الحكم 2-الفتوى 3-الاحتياط

وما يهمنا هنا في هذه المسألة (التطبير) هل للفقهاء حكم أو فتوى أو احتياط ؟

وقبل ذلك لا بد من تعريف هذه المصطلحات ومعرفة الفرق بينهم ؟

1-الحكم : هو رأي الفقيه الصادر في القضية الخارجية كأن يقول :

[ أحرم عليكم التطبير – مثلاً – لأنه يشوه صورة الشيعة ] على فرض إباحيته .

أو يقول [ أوجب عليكم محاربة إسرائيل لأنها تهدد الإسلام ]

ومن أمثلة ذلك بين مراجعنا العظام :

1-تحريم السيد الشيرازي الكبير ( السيد محمد حسن الشيرازي) للتدخين في إيران في قضية (التنباك) المعروفة في عام 1980م .

2-وجوب المشاركة في ثورة العشرين على الانجليز عندما بسطت نفوذها على العراق عام 1920م . وكان ذلك بقيادة المرجع الشيخ محمد تقي الشيرازي .

3-حكم الإمام الخميني بقتل سلمان رشدي مؤلف كتاب ( الآيات شيطانية ) بعد أن سخر بالقرآن والإسلام .

2-الفتوى : هي رأي الفقيه الصادر على نحو القضية الحقيقة كأن يقول مثلاً الربا حرام ) أو يقول : ( كل من سب الله مرتد فيجب قتله ) .

ما الفرق بين الحكم والفتوى ؟

الفتوى
الحكم

تكون في الأمور الكلية
تكون في الأمور الجزئية

تكون كاشفة للحكم الشرعي عند الله سواء طابقت الواقع أم لا
إنشاء وتوليد الحكم الفقهي ويكون بنحو الإنشاء

يُلزم بها المقلد لهذا الفقيه فقط دون غيره من مقلدي المراجع الآخرين
يُلزم بالحكم جميع المقلدين على مختلف مراجعهم بالإضافة إلى مراجعهم


النتيجة :

أن الحكم لا ينبغي لأحد من المسلمين مخالفته فضلاً عن الشيعة .

وعليه :

إذا وجد من فقهاء الشيعة من يحرم التطبير أليس من المفترض والطبيعي أن يمتثل الشيعة لحكم هذا الفقيه حتى لو كان ذلك يخالف رأي مرجعه – لو صحت المخالفة – وهذا ما يقرره المراجع في رسائلهم العملية وإليك جملة من الفقهاء الذين يفتون بوجوب الامتثال لحكم الحاكم :

1-السيد الخوئي (قدس سره ) والسيد السيستاني ( دام ظله ) في منهاج الصالحين والسيد محمد صادق الروحاني والشيخ الوحيد الخراساني في تعليقه على منهاج الصالحين للسيد الخوئي المسألة (26) :

[ حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر ....]

2-السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى المسألة (57) : ونقل نفس العبارة .

3-الشهيد السعيد محمد باقر الصدر في الفتاوى الواضحة حيث يقول [ يجب طاعة الفقيه وإنفاذ حكمه ] .

4-السيد محمد الحسيني الروحاني في منهاج الصالحين المسألة (20)

5-السيد محمد سعيد الحكيم في منهاج الصالحين المسألة (13)

6-الشيخ محمد إسحاق الفياض في منهاج الصالحين المسألة (27)

7-السيد محمد رضا الكلبيكاني في هداية العباد المسألة ( 1376)

8- الشيخ لطف الله الصافي في هداية العباد المسألة ( 1375)

9-السيد علي الخامنئي في أجوبة الاستفتاءات السؤال (65)

10-الإمام الخميني في تحرير الوسيلة م 5 من مسائل طرق إثبات الهلال .

وفي الأيام القليلة الماضية وجهت بعض الأسئلة لآية الله العظمي الشيخ بهجت وإليكم السؤال والجواب :

"سماحة المرجع الجليل آية الله بهجت (دام ظلّه العالي)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وزّعت في الآونة الأخيرة مجموعة من الأقراص المدمجة تحمل عنوان (حقيقة المظلوم) بشأن فتوى المرحوم آية الله الاصفهاني القاضية بلزوم التطبير، ونُسب فيه إليكم ذهابكم الى قدسية الدماء السائلة ممن يقوم بعملية التطبير ، ووصيتكم باستخدام هذا الدم في الكفن والقبر لسماحتكم .

وعلى هذا الأساس ، نرجو من سماحتكم إعلان رأيكم حول صحة أو سقم هذا الموضوع تنويراً لأذهان مقلديكم وللرأي العام كافة .

مع الشكر الجزيل لكم . عدد من مقلدي سماحتكم في طهران ، مسجد الامام موسى بن جعفر (ع)

الردّ :

باسمه تعالى

إن كلّ ما نقلته هو مناهضة المرحوم الأستاذ أبو الحسن الاصفهاني (رحمة الله عليه) لظاهرة التطبير ، ثم بقي على رأيه ولم يأذن به إلى آخر حياته .

أما أنا فلا أمتلك مثل هذه الملابس الملطخة بالدماء ، ولم أوص بكذا وصية". أنتهى

فإذا كان علينا الاحترام لأراء بعضنا البعض وعدم تسفيهها لمجرد أنها رأي مخالف لرأينا فإنه ينبغي علينا الامتثال للأحكام التي يصدرها أي فقيه- من مراجعنا العظام بلا استثناء – فيها مصلحة الإسلام عامة والشيعة خاصة .

والسؤال هنا لمؤيدي التطبير ؟

ماذا لو أصدر مرجعكم ( أي مرجع من المراجع العظام بلا استثناء ) حكماً حول قضية معينة ألا ترون أنه يجب علينا جميعا الامتثال لهذا الحكم أم لا ؟!

أم أن الحكم والفتوى عندكم واحد ؟!

إن كان كذلك فلا كلام حول هذه القضية وإن كان الكلام أن حكم الحاكم نافذ فعلام المخالفة والعناد .!

إن مسيرة فقهاء الشيعة الإمامية للناظر البصير قائمة على مواجهة كل التحديات ولا يكون ذلك إلا بالحكم .

التوقّف عند الشبهات

أكّدت الشريعة على ضرورة التوقف عند الشبهات ، وعدم اقتحامها ، وضرورة التثّبت عندها ، من أجل الاحتياط في الدين ، وضمان سلامة التحرك في حدوده المشروعة وفي ضمن إطاراته المقررة ، ولكي لا يقع المكلف في مخالفة شرعية ولو على مستوى الاحتمال ، حرصاً على إيجاد الفواصل المنيعة بين المحللات والمحّرمات ، وتلافياً لاحتمال اختلاط بعضها بالبعض الأخر .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « أيها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة ، وحرامي حرام إلى يوم القيامة ، ألا وقد بيَّنهما الله عزَّ وجلَّ في الكتاب ، وبيَّنتُهما في سيرتي وسنتي ، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي ، مَن تركها صلح له أمر دينه ، وصلحت له مروته وعرضه ، ومَن تلبَّس بها ووقع فيها واتبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى ، ومَن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه أن يرعاها في الحمى ، ألا وانَّ لكل ملك حمى ، ألا وانَّ حمى الله عزَّ وجلَّ محارمه ، فتَوقَّوا حمى الله ومحارمه ».

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لكميل بن زياد أنه قال :« يا كميل أخوكَ دينكَ فاحتط لد************ بما شئت » [42] .

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال :« الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وتركُكَ حديثاً لم تروه خير من روايتكَ حديثاً لم تحصه »[43] .

وعنه أيضاً (عليه السلام) أنه قال : « أورع الناس مَن وقفَ عند الشبهة » [44].

ومقصدي من هذا الكلام أن نتنبه إلى كل أعمالنا وظواهرنا فإذا كانت هذه الظاهرة أو غيرها مشتبه بين حليتها وحرمتها فالشرع والعقل يوجهان إلى الاحتياط وهو ترك العمل.

عدم جواز الاجتهاد في مقابل التشريع

قلنا سابقاً أنَّ التشريع الإلهي أمر توقيفي لا يجوز الاجتهاد في مقابله ، أو الإدلاء برأي شخصي في شأنه ، لأنَّه صادر من الكمال المطلق المحيط بكل جزئيات الحياة ، والمستوعب لمختلف أجوائها وظروفها ، والتشديد على أية ظاهرة تشريعة تحاول أن تحدث منفذاً في هذا الإطار العام ، أو تصنع نفسها بديلاً عن القوانين الإلهية الشاملة ، وكان بسبب ذلك أن حذَّرت الشريعة الإسلامية تحذيراً شديداً من الكذب والافتراء على الله ورسوله ، من خلال حشد كبير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ، فمن ذلك قوله تعالى فَمنْ أظَلمُ مِمنِ افْترَى عَلَى اللهِ كَذِباً أوْ كَذَّبَ بِآيَاتهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلحُ المُجرِمونَ) يونس/ 17 .

وقوله تعالى ( قُلْ أَرأيتُم مَّا أَنزَل اللهُ لَكُم مِن رِزق فَجَعلتُم مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ اللهُ أذِنَ لَكُم أمْ عَلَى اللهِ تَفْترونَ ... ) يونس / 59 .

وقوله تعالى (وَلاَ تَقولُواْ لِما تَصِفُ السِنتُكمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرامٌ لِتفْترُواْ عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفترُونَ عَلَى اللهِ الكَذِب لاَ يُفلحُونَ ) النحل / 116 .

وقوله تعالى : (وَيَومَ القِيامَةِ تَرى الَّذِينَ كَذبُواْ عَلَى اللهِ وُجُوههُم مُّسَودّةٌ أليسَ فِي جَهنَّمَ مَثْوى لِلمُتكَبرِينَ ) الزمر : 60 .

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :« اتقوا تكذيب الله ! ، قيل : يا رسول الله وكيف ذاك ؟ قال : يقول أحدكم : قال الله، فيقول الله عزَّ وجلَّ : كذبت لم أقله ، ويقول لم يقل الله ، فيقول عزَّ وجلَّ : كذبت قد قلته» [45] .

وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :« مَن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » [46].

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال :« والله ما أحد يكذّب علينا إلاّ ويذيقه الله حرَّ الحديد »[47]
كما حذَّرت الشريعة تحذيراً شديداً من أي لون من ألوان الاستدلال العقلي الذي لا يحمل غطاءً شرعياً ، ولا يستند إلى أساس راسخ في الدين ، من أمثال الرأي والقياس والاستحسان ، وغلَّظت على هذه الحالة الدخيلة في مجموعة كبيرة من الآيات والروايات أيضاً ، قال تعالى وَمَنْ أضَلُّ مِمَّنِ اتَّبعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) القصص / 50 .

وقال تعالى : ( وَلاَ تَتبعِ الْهَوى فُيضلكَ عَن سَبيلِ اللهِ إنَّ الَّذِينَ يَضلّونَ عَن سَبيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيد بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الحِسابِ ) ص / 26 ، وقال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُركَاء شَرعُواْ لَهمُ مِن الدِينِ مَا لَمْ يَأذَن بِهِ اللهُ ) الشورى / 21 .

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :« قال الله جلَّ جلاله : ما آمن بي مَن فسَّر برأيه كلامي ، وما عرفني مَن شبَّهني بخلقي ، وما على ديني مَن استعمل القياس في ديني » [48].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال :« لا رأي في الدين » [49].

وعن سعيد الأعرج قال: « قلتُ لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنَّ من عندنا ممن يتفقه يقولون: يرد علينا ما لا نعرفه في كتاب الله ولا في السنة ، فنقول فيه برأينا ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : كذبوا ، ليس شيء إلاّ وقد جاءَ في الكتاب ، وجاءت فيه السنة » [50].

وكثيراً ما نلاحظ هذه الأيام من محاولة الاستدلال العقلي لإثبات هذه الظاهرة وغيرها في الوقت الذي لا يوجد لها مخرج شرعي ولا أساس .

وننوه على أن هذا العنوان لا يقصد من خلاله النظر لأحد فإنني قلت أعلاه أنه لا يوجد مرجع يقول بوجب هذا العمل .

يبقى نقطة نشير إليها

حتى ولو فرضنا التمسك بالأدلة العامة والمطلقة على إباحة التطبير الخالي من الضرر البدني والوهن المذهبي لا مجال للتمسك بها مع حاكمية الحاكم إذ هذه المنطقة – وهي منطقة الفراغ بعبارة الشهيد الصدر- من شؤون الولي الفقيه في ملئها وقد حكم الإمام الخامنائي حفظه الله تعالى فيها.

وختاماً نقول :

نحن أبناء الدليل أينما مال نميل

عبارة جميلة لها معنى واسع وكبير باللسان نرددها وبالفعل لا نطبقها ، لأننا نتبع ما نميل إليه لا ما يميل إليه الدليل .

فالدليل إذا لم يناسب رغباتنا قلنا أنه غير صحيح وحاولنا نفيه بكل طريقة وإذا أردنا إثباته قلنا أن هذا الدليل معتبر .

فمعايير صحة الدليل وخطأه رغباتنا وميولاتنا وأهواؤنا .

ولكن إذا طبقت الموازيين العلمية الصحيحة ننفر منها لماذا ؟

فالتطبير بأي حكم كان . يحتاج إلى دليل

فأين دليله من الكتاب أو السنة ؟!

ومن مِن العلماء المتقدمين يقول بذلك ؟ خصوصاً بعد زمن الغيبة الكبرى .

فأين الشيخ الصدوق ؟! وشيخ الطائفة الطوسي ؟! والشيخ الكليني ؟! والعلامة الحلي ؟! والشيخ البهائي ؟! والشهيد الأول والثاني ؟! والعلامة المجلسي ؟! والشيخ النجفي صاحب الجواهر ؟! والسيد محسن الحكيم و ........ الكثير الكثير من العلماء .

لم نر في كتبهم ما يسمى بالتطبير ! ولم ينقل عنهم أحد !

كما أننا لم نعرف من أين جاء هذا التطبير ؟!

ومتى حدث أول مرة ؟

وما هو أول مصدر – كتاب – وجدت فيه هذه الظاهرة ؟!

وهل هذه الظاهرة – التطبير – بكيفيتها الحالية مشروحة في كتاب معين ؟!

نحن أبناء الدليل .....

لا يوجد لدينا دليل

نحن أبناء الدليل ......

نعارض ما يأتينا من دليل

نحن أبناء الدليل ......

(تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) نرى فيها الدليل

نتحاكم إلى الدليل

نقبل بالدليل

لا أن ندعي أننا أبناء الدليل أينما مال نميل ثم لا نجد من كلامنا إلا الكلام

آه ثم آه ...

هذا ونرجو من العلي القدير أن يكون ما كتبناه واضحاً للافهام وجلياً للأبصار وشافياً للقلوب وأستغفر الله ليّ ولكم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (سـبأ:24).






--------------------------------------------------------------------------------



الهوامش:

[1] المحاسن للبرقي ، تحقيق : مهدي الرجائي ، ج : 1 ، باب : ثواب الأخذ بالسنّة ، ح : 7 ، ص : 95 .

[2] صحيح البخاري ، كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة ، ج : 8 ، ص : 139 .

[3] سنن ابن ماجة ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، ج : 1 ، باب : اتّباع سنة رسول الله ، ح : 1 ، ص : 3.

[4] الأصول من الكافي للكليني ، ج : 1 ، باب : الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، ح : 9 ، ص : 70 .

[5] الأصول من الكافي للكليني ، ج : 1 ، باب : الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، ح : 8 ، ص : 70 .

[6] نهج البلاغة : خ / 110 .

[7] الأصول من الكافي للكليني ، ج : 1 ، باب : الأخذ بالسنة .. ، ح : 6 ، ص : 70 .

[8] المحاسن للبرقي ، ج : 1 ، باب : تصديق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ح : 371 ، ص : 423 .

[9] انظر تفسير الأمثل لناصر مكارم الشيرازي وتفسير الميزان للطباطبائي تحت الآية المذكورة .

[10] بما أنّ هناك ارتباطاً بين الشرط والجزاء، وكلاهما يخصّان موضوعاً واحداً، نجد في الآية السالفة الذكر محذوفاً تقديره (ومن يعظّم شعائر الله فإنّ تعظيمها من تقوى القلوب). ويمكن أن يكون الجزاء محذوفاً فتكون عبارة «فإنّها من تقوى القلوب» علّة نابت عن معلول تقديره: «ومن يعظّم شعائر الله فهو خير له فإنّ تعظيمها من تقوى القلوب» راجع تفسير الأمثل في ذيل هذه الآية وكذلك تفسير الميزان ومجمع البيان .

[11] تفسير القرطبي، المجلّد السابع، الصفحة 448.

[12] انظر سيرتنا وسنتنا سيرة وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للأميني .

[13] وهي مرحلة تشريع الحكم من قبل الله ، وعبر عنها بمرحلة الجعل والاعتبار.

[14] وهي مرحلة صدور الخطاب المتضمن للحكم المجعول من قبل الله تعالى وتبليغه للناس من قبل النبي (ص).

[15] الجعل بمعنى جعل الحكم وهو ثبوت الحكم في الشريعة كثبوت الحج على المستطيع .

[16] الحلقة الثانية الشهيد الصدر ج1 ص 12 .

[17] المسائل الشرعية للسيد الخوئي ج 2 ص 337 .

[18] المصدر السابق .

[19] العين للفراهيدي ، ج : 2 ، ص : 54 .

[20] معجم مفردات الفاظ القرآن الكريم للراغب الاصفهاني ، ص : 36 .

[21] تهذيب اللغة للازهري ، ج : 2 ، ص : 241 .

[22] جمهرة اللغة ابن دريد ، ج : 1 ، ص : 298 .

[23] لسان العرب لابن منظور ، ج : 8 ، ص : 6 .

[24] الصحاح للجوهري ، ج : 3 ، ص : 1183 .

[25] المصباح المنير الفيومي ، ج : 1 ، ص : 38 .

[26] لسان العرب لابن منظور ، ج : 8 ، ص : 6 .

[27] جمهرة اللغة لابن دريد ، ج : 1 ، ص : 298 .

[28] مجمع البحرين للطريحي ، ج : 4 ، ص : 299 .

[29] النهاية ابن للاثير ، ج : 1 ، ص : 106 .

[30] تاج العروس للزبيدي ، ج : 5 ، ص : 270 .

[31] مجمع البحرين للطريحي ، ج : 4 ، ص : 298 .

[32] مجمع البحرين للطريحي ، ج : 4 ، ص : 298 .

[33] الشريف المرتضى : الرسائل 3 / 38 .

[34] العلامة : المختلف : 2 / 131 .

[35] الشهيد الأول : القواعد والفوائد : 2/144 – 145 القاعدة 205 وقد ذكر الأقسام الخمسة غير واحد من الفقهاء منهم القرافي في الفروق : 4/202 – 205 وسيوافيك الكلام في عدم صحّة هذا التقسيم .

[36] الطريحي النجفي : مجمع البحرين : ج1 ، مادة بدع لاحظ ترتيب المجمع .

[37] المجلسي : البحار : 74 / 202 – 203 .

[38] البحراني ( الشيخ يوسف ) الحدائق : 10 / 180 .

[39] الاشتياني : بحر الفوائد : 80 وترى قريباً من هذه الكلمات في فرائد الشيخ الأنصاري : 30 وفوائد الأصول لمحقق النائيني : 2/130 .

[40] علم أصول الفقه في ثوبه الجديد لمغنية ص 227 .

[41] الحلقة الثالثة من حلقات الشهيد الصدر ج 1 ص 219 .

[42] الامالي للمفيد ، ص : 283 .

[43] المحاسن للبرقي ، ج : 1 ، ح : 101 ، ص : 340 .

[44] بحار الأنوار للمجلسي ، ج : 2 ، باب : 31 ، ح : 2 ، ص : 258 .

[45] بحار الأنوار للمجلسي ، ج : 2 ، باب : 16 ، ح : 16 ، ص : 117 .

[46] سنن ابن ماجة ، ج : 1 ، باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ص : 13 ح : 30 و 33 .

[47] بحار الأنوار للمجلسي ، ج : 2 ، باب : 16 ، ح : 18 ، ص : 117 .

[48] أمالي الصدوق المجلس الثاني ، ح : 3 ، ص : 15 .

[49] المحاسن للبرقي ، ج : 1 ، ح : 78 ، ص : 333 .

[50] بحار الأنوار للمجلسي ، ج : 2 ، باب : 34 ، ح : 47 ، ص : 304 .








التوقيع :
من الأهل والمؤمنون في هذه الآية ؟
وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال

تدبر الآية
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة

قال الله عن دعاء الأموات
والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم

قال علي ع
بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في هدم القبور وكسر الصور
وسائل الشيعة 2/870

قال صلى الله عليه وسلم :
( من يحرم الرفق يحرم الخير كله )
صحيح الجامع 6606


من مواضيعي في المنتدى
»» كيف يعذب إبليس بالنار وهو مخلوق منها ؟
»» اضحكوا مع خولة عليها السلام (( قصة الكذب وتصديقه ))
»» أعضاء منتدى فيصل نور ..يهنئون ابن الإسلام بهدايته
»» موقع لهداية الرافضة الفرس للإسلام
»» صورة صك الغفران ... هدية من الأخ السعدي
 
قديم 17-06-08, 08:55 PM   رقم المشاركة : 2
المناظر12
عضو نشيط





المناظر12 غير متصل

المناظر12 is on a distinguished road


بارك الله فيك

وجعله الله في ميزان حسناتك







 
قديم 17-06-08, 11:26 PM   رقم المشاركة : 3
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
لا إله إلا الله





رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ غير متصل

رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ is on a distinguished road


جزاك الله خير المناظر ......


مقالات الموسوي ..شبه الرائعة ...
دفاعه عن التوحيد ونفيه أن الأئمة أمروا بدعائهم وغيرها الكثير مما أخرجه الموسوي هداه الله

هنا







التوقيع :
من الأهل والمؤمنون في هذه الآية ؟
وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال

تدبر الآية
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة

قال الله عن دعاء الأموات
والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم

قال علي ع
بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في هدم القبور وكسر الصور
وسائل الشيعة 2/870

قال صلى الله عليه وسلم :
( من يحرم الرفق يحرم الخير كله )
صحيح الجامع 6606


من مواضيعي في المنتدى
»» سؤال صريح للمقداد ومن معه من الرافضة (( 2 ))
»» أية الشيطان النجفي(( لعنه الله)) يؤلف سورة !!!!!
»» حمل كتاب شيعي لمؤلف شيعي ينسف الإمامة والنص عليها
»» البداية من دجال الشيعة لعنه الله الذي حلل ما حرم الله ..
»» الاسلام عندما يستقر في قلوب الرافضة (( هداية رافضي))
 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:57 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "