العارف بالله علي وفا أحد رجال سلسلة الطريقة الشاذلية
هو علي بن محمد بن محمد بن وفا بن النجم محمد ، أبو الحسن السكندري الأصل المصري الشاذلي الصوفي المالكي ، اشتر بابن وفا ؛ أحد رجال الطريقة الشاذلية ذكره ابن عجيبة في أيقاظ الهمم [ ص 14 ، طبعة دار الخير ] ، فهو أحد الرجال الذي يمر به إسناد الطريقة الشاذلية .
ولد في القاهرة سنة 759 ومات أبوه وهو صغير فنشأ وهو وأخوه ومات أبوه وهو صغير فنشأ هو وأخوه في كفالة وصيهما الشيخ محمد الزيلعي فأدبهما وفقههما [ الضوء اللامع 21 / 6 ]
ولما بلغ سبع عشرة سنة جلس مكان أبيه وعمل الميعاد وشاع ذكره وبعد صيته وانتشر أتباعه وبالغ اتباعه بحبه حتى جعلوا رؤيته عبادة قال المقريزي في درر العقود الفريدة : (( وتعددت أتباعه وأصحابه ودانوا بحبه واعتقدوا رؤيته عبادة واتبعوه في أقواله وأفعاله وبالغوا في ذلك مبالغة زائدة وسموا ميعاده المشهد وبذلوا له رغائب أموالهم . هذا مع تحجبه وتحجب أخيه التحجب الكثير إلا عند عمل الميعاد أو البروز لقبر أبيهم أو تنقلهم في الأماكن ، فنالا من الحظ مالا ناله من هو في طريقتهم ... الخ )) [ 474 / 2 ]
قال الشعراني : (( كان في غاية الظرف، والجمال لم ير في مصر أجمل منه وجهاً، ولا ثياباً وله نظم شائع، وموشحات ظريفة سبك فيها أسرار أهل الطريق وسكرة الخلاع رضي الله عنه )) [ الطبقات الكبرى ص 315 ]
وقال الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر بأنباء العمر : (( وكان يقظاً حاد الذهن اشتغل بالأدب والوعظ وحصل له أتباع وأحدث ذكراً بألحان وأوزان يجمع الناس عليه وكان له نظم كثير واقتدار على جلب الخلق مع خفة ظاهرة )) [ ص 255 – 256 / 5]
لم يقف غلو اتباعه له عند حد اعتبار رؤيته عبادة بل كفروا الحافظ ابن حجر لأنه أنكر عليهم قال الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر : (( اجتمعت به مرة في دعوة فأنكرت على أصحابه إيماءهم إلى جهته بالسجود، فتلا هو وهو في وسط السماع يدور " فأينما تولوا فثم وجه الله " فنادى من كان حاضراً من الطلبة كفرت كفرت فترك المجلس وخرج هو وأصحابه )) [ ص 256 / 5 ]
وله من المؤلفات : الباعث على الخلاص في أحوال الخواص، والكوثر المترع في الأبحر الأربع ، والواردات الإلهية المسمى بالوصايا .
عقيدة علي وفا
إن العارف علي وفا كان له معتقدات كثير وغالبها لا تخرج عن معقدات ابن عربي أو ما يطلقهم عليهم أهل وحدة الوجود ومن طالع كتاب الوصايا أو الواردات الإلهية علم ذلك حتى قال الشعراني في الطبقات : (( وله كلام عال في الأدب، ووصايا نفيسة نحو مجلدات، وردت عليه فأملاها في ثلاثة أيام رضي الله عنه فأحببت أن ألخصها لك في هذه الأوراق بذكر عيوبها الواضحة، وحذف الأشياء العميقة عن غير أهل الكشف لأن الكتاب يقع في يد أهله، وغير أهله )) [ ص 315 ] ، ويصرح هنا الشعراني أنه في هذا الكتاب أمور لا يصرح بها إلا لأهلها وقد حصلت على هذا الكتاب وسوف أنقل بعض العبرات التي ربما تعمد الشعراني حذفها وكذلك بعض العبارات التي نقلها الشعراني .
نصوص عقيدة وحدة الوجود
قال الشعراني : (( وكان يقول من أعجب الأمور قول الحق تعالى لسيدنا موسى عليه السلام " لن تراني " أي مع كونك تراني على الدوام فافهم )) [ ص 315 ] إشارة منه إلى أن الوجود واحد وما ثم إلا الله وما رأى موسى إلا الله لكنه لا يعلم هذه الحقيقة التي علمها علي وفا – والعياذ بالله –
وقال الشعراني (( ... والصلاة صلة بين العبد وربه " ولذكر الله أكبر " وهو شهود ذاته، وحده لا شريك له لم يكن شيء غيره فافهم )) [ ص 316 ] ، يشير بذلك أن إثبات شيء غير الله عز وجل هو الشرك يعني بذلك الوحدة المطلقة فمن أثبت موجود غير الله تعالى فقد وقع بشرك عنده .
وقال الشعراني : (( وكان رضي الله عنه يقول: الواحد لا يظهر في كل إلا، واحداً وإن كانوا أكثر من واحد في الصورة فهم واحد في السريرة كعيسى، ويحيى، وموسى، وهارون مثلا فهما اثنان حساً وهماً في الحقيقة واحد: " فقولا، إنا رسول رب العالمين " [ الشعراء: 16 ] ، كما إذا شئت أن تعبر عن اسم الذات الأقدس بالعربية تقول: الله جل جلاله، وبالعبرانية الوهيم، وبالفارسية خداي، وبالتركية تكرى وبالرومية ثيبوس، وبالقبطيه ليصا، في كل لغة بلفظ، وانظر إلى جبريل حال تمثله في صورة البشر لم يخرج عن كونه جبريل ذا الأجنحة، والرءوس المتعددة بل هو عينه في كلتا الصورتين، واحد لم يتعدد )) [ ص 328 ] ، ويشر هنا إلى وحدة الوجود وأن هذه الموجودات ما هي إلا مظاهر الحق ظهر بها أو صورة الحق .
وقال الشعراني : (( وكان رضي الله عنه يقول: قيل لي: اسمع كل الموجودات موجوداتي فسمني بما شئت، وصفني بما أردت، وكل من سميته أو وصفته فإنما سميتني، ووصفتني مع تجردي عن كل ذاتك بذاتي، وقيوميتي، فيه معيناتي، اسمع لا يدعو عبد ربه إلا كنت الداعي، ولا يرى عبد قصر أخيه كما يرى سهيل في جنته إلا كان المرئي قصري، ولا حف ملائكة بعرش إلا كان المحفوف عرشي، ولا تكلمت بكلمة إلهية إلا والله متكلم بها، ولا أتيت بأمر إلا والله آت به " أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً " [ النساء: 4 ] )) [ ص 338 – 339 ]
وهذا الكلام صريح جدا بمعتقده حيث جعل كل شيء هو الله – تعالى الله عما يقول الظالمون – فإذا سميت شيء ما علي وفا فما سميت إلا الله ، وإذا سميت السماء أو الأرض أو حجر أو أي شيء ما سميت إلا الله – تعالى الله عما يقوله الظالمون علوا كبيرا -
وقال في كتاب الوصايا أو الواردات الإلهية : (( " ألا إنه بكل شيء محيط " كإحاطة ماء البحر بأمواجه معنى، وصورة فهو حقيقة كل شيء وهو ذات كل شيء وكل شيء عينه، وصفته فافهم )) [ ص 315 ] ، وهذا النص نقله الشعراني بحروفه في الطبقات [ ص 316 ] ، وهو صريح على معتقد علي وفا بأن كل شيء هو الله تعالى الله عما يقوله الظالمون علوا كبيرا -
قال في كتاب الواردات الإلهية : (( وجودك وموجودك اثنان بالبيان واحد بالحقيقة فافهم )) [ ص 45 ] ، وهنا يصرح بأن الوجود واحد ولكن المحجوب يراهم اثنان ولو وصل إلى الحقيقة لعلم أنه ما ثم إلا واحد .
وقال أيضا في نفس الكتاب : (( الله هو وجودك بمعنى ذاتك وأنت وجوده بمعنى عينه أيها الكامل عني الشيء هو وصفه من حيث نعته له واسمه من حيث تبيينه الذاتي به والله المحيط هو الوجود الذات المتعين بكل موجود فالكل صفاته وأسماؤه وبحكم مرتبته الإلوهية يصلح نظام الموجود ويكمل قوامه في كل مقام بحسبه فافهم )) [ ص 464 ] ، وهذا الكلام ظاهر البطلان لا يخفى بطلانه .