رضي بعض متأخري الشيعة بما رضي به المعتزلة لأنفسهم من مخالفة جمهور المسلمين، فخالفوهم في كثير من مسائل الاعتقاد، جرياً وراء العقل ( مع أني أشك بهذا ) وإحاطته بالقدسية والعلو على نصوص الشرع . ( للتنبيه : سوف أحاول فقط السرد دون الرد إلا ما اتقتضت له الحاجة وكذلك سوف أقتصر على مسالتين فقط )لكن حاول التدقيق لمعرفة التناقض في عقيدتهم
وسوف نعرض في هذا المبحث عن مسألتين من مسائل الاعتقاد الكبيرة، والتي حصل فيها كلام كثير وردود مستفيضة مشهورة، وهما : مسألة القول بخلق القرآن ، ومسألة رؤية الله جل جلاله.
المسألة الأولى : القول بخلق القرآن .
اشتهر عن المعتزلة تبعاً للجهمية القول بخلق القرآن ،وأن القرآن مخلوق ليس كلاماً لله تكلم به .
والسؤال الذي يطرح نفسة هل الشيعة الإمامية يقولون بخلق القرآن متابعة للمعتزلة الجهمية أم لا ؟
حتى أظهر واقع المذهب الشيعي فأقول :
أن في هذه المسألة تنقسم الروايات إلى قسمين : قسم المتقدمين من أئمة الشيعة .. وقسم متأخري الشيعة الإمامية
أولاً : روايات متقدمي الشيعة :
فقد جاء في تفسير العياشي (1/8) : (عن الرضا أنه سئل عن القرآن فقال .... إنه كلام الله غير مخلوق .. ) . وعند الكشي في رجاله (ص490) : (...إن الكلام ليس بمخلوق ..) .
وفي التوحيد لا بن بابويه القمي :
قيل لأبي الحسن موسى رضي الله عنه (يا بن رسول الله ما تقول في القرآن : فقد اختلف فيه من قبلنا فقال قوم : إنه مخلوق، وقال قوم إنه غير مخلوق ، فقال رضي الله عنه : أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكني أقول : إنه كلام الله عز وجل ) . وفي العبارة الأخيرة : (إنه كلام الله عز وجل ) بيان ما عليه السلف أهل السنة والجماعة .
وأما روايات متأخري الشيعة الإمامية فقد جاءت على عكس ما عُهد عن آل البيت :
فقد عقد المجلسي في البحار باباً بعنوان : (باب : أن القرآن مخلوق ) [بحار الأنوار : 92/117-121] . وساق فيه روايات كثيرة، ومعظمها تخالف ما عنون له ، ولكن للشيعة الإمامية تأويل في معنى القول بخلق القرآن وسوف يأتي .
سؤال يا اخوة هل نسبة هذه المسألة إلى الشيعة ظلم وزور ؟
يرد هذا الاتهام وينفيه ما ذهب إليه آية الشيعة محسن الأمين حيث قال : (قالت الشيعة والمعتزلة القرآن مخلوق ) [أعيان الشيعة : 1/461] . بل جعل الكلام الذي كُلم به موسى ليس من الله بل من الشجرة ! وهذا هو عين ما تذهب إليه المعتزلة، فقال محسن الأمين : ( ... يوجد الكلام في بعض مخلوقاته كالشجرة حين كلم موسى، وكجبريل حين أنزله الله بالقرآن ) [أعيان الشيعة : 1/453] .
ابن بابويه القمي يحاول دفع إتهامهم بهذه المسألة :
نهج في هذا مسلكان :
الأول : جعل معنى مخلوق أي : مكذوب . قال : (وإنما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه لأن المخلوق في اللغة قد يكون مكذوباً ، ويقال : كلام الله مخلوق أي مكذوب ) [التوحيد : 225، وكذا البحار : 92/119] . قلت : محاولة التأويل هذه يردها الاختلاف الكبير الذي حصل بين أهل السنة والجماعة (السلف)، وبين المعتزلة والجهمية حول هذه المسألة وهي معروفة ومشهورة.
والثاني: جعل هذه المقالة من باب التقية، فقد نقل آيتهم البرو جردي في كتابه تفسير الصراط المستقيم (1/304) عن ابن بابويه قوله : ( ولعل المنع من إطلاق الخلق على القرآن إما للتقية مماشاة للعامة ، أو كونه موهماً لمعنى آخر ..) .
لاحظ أخي الطيب شدة حرصهم من القدم على مخالفة أهل السنة في كل شي إن أستطاعوا ..
بيان
قلت : هذه من المسائل المستشنعة التي تفوه بها المعتزلة والجهمية قبلهم، وتابعهم عليها الشيعة الإمامية، وحقيقتها نفي صفة الكلام لله ، والله سبحانه يتكلم كيف شاء متى شاء حيث شاء ، ونفي هذه الصفة أعني صفة الكلام ، فيه نسبة النقص إلى الله . فإن المخلوق الأخرس ناقص الخلقة ، والله جل في علاه - وله المثل الأعلى - تنزه عن المشابهة وهو الكامل المنزه من كل نقص وعيب . ثم إن نفي كون القرآن كلام الله، يلزم منه عدم قدسية القرآن ويؤدي إلى إهمال نصوصه لكونه مخلوقاً كأحد مخلوقاته وليس كلامه ! .
المسألة الثانية : رؤية الله عز وجل .
وبسط هذه المسألة يطول ليس هذا موضعها ، إنما القصد هو بيان ما عليه الشيعة الإمامية تجاه رؤية ربها في الدنيا والآخرة .
والشيعة الإمامية تابعت المعتزلة فيما ذهبت إليه في رؤية الله عز وجل ، فنفت أن يرى المؤمنون ربهم في الآخرة، وحججهم هي نفس حجج المعتزلة، ولكن زادوا عليهم أن لهم روايات وأخبار تؤكد هذه العقيدة، فيروون عن أبي عبد الله جعفر الصادق بأنه سئل : (عن الله تبارك وتعالى هل يرى في المعاد ؟ فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيراً .. إن الأبصار لا تدرك إلا ما له لون وكيفية، والله خالق الأكوان والكيفية ) [بحار الأنوار : 4/31- وعزاه إلى أمالي الصدوق ] .
التناقض الذي يعيشها الشيعة في هذه المسألة :
ويناقض الرواية السابقة ما رواه الكليني في الكافي (1/85) عن أبي عبد الله أنه قال : (... ولكن لا بد من إثبات أن له كيفية لا يستحقها غيره ، ولا يشارك فيه ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره ) .
قلت : فهذا رد على الرواية السابقة، وبيان خطأ ما روي في بحار الأنوار .
قول بعض غلاة الشيعة في هذه المسألة :
وقد غلا جعفر النجفي صاحب كشف الغطاء في هذه المسألة كثيراً وكفّر من قال بالرؤية ، قال : (ولو نسب إلى الله بعض الصفات ... كالرؤية حكم بارتداده ) [كشف الغطا ص 417] .
وجعل الحر العاملي هذه المسألة من أصول الدين، فعقد لهذه المسألة باباً في وسماه : (أن الله سبحانه لا تراه عين ولا يدركه بصر في الدنيا ولا في الآخرة ) [الفصول المهمة في أصول الأئمة ص 12] .
ويرد عليه ما رواه ابن بابويه القمي عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال( قلت : له أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة ؟ قال : نعم ) [ابن بابويه/ التوحيد ص 117، وبحار الأنوار : 4/44] .
أخي القارئ هناك مسائل أتركها لمخافة التطويل وأتركها لوقتها وهي :
1- الإيمان ومفهومه عند الشيعة الإمامية
2- الإيمان بالملائكة في عقيدة الشيعة الإمامية
3- الإيمان بالكتب في عقيدة الشيعة الإمامية
4- الإيمان بالرسل في عقيدة الشيعة الإمامية
5- الإيمان باليوم الآخر في عقيدة الشيعة الإمامية الاثني عشرية
6- الإيمان بالقدر عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية