هذا مقال للشيخ عبد الرحمن وكيل رحمه الله ، وقد كتبه في ((مجلة الهدي النبوي)) العدد الأول سنة 1381 هـ تحت عنوان: (( زندقة الجيلي)) .
وقد بين فيه رأي الجيلي عن:
1. الله وصفاته وأسماؤه.
2. محمد وحقيقته.
3. إبليس وأصله ومصيره.
4. الولي وسلطانه.
5. التوحيد.
6. وحدة الأديان.
7. ألوان من التفسير الصوفي.
دعاني إلى كتابة هذه السطور ما نشرته مجلة ((آخر ساعة)) في عددها الصادر بتاريخ 24/5/1961م ، فقد نشرت حديثا صوفيا مطولا عنونت له بعنوان يستثير الدهشة، لما فيه من الغلو في الافتراء على الحقيقة ، وعنوان آخر يدفع الصوفية بما هي مدمغة به من قبل ، وإن كانت تحاول عند المسلمين أن تستره بشف رقيق من فتنة الرياء.
أما العنوان الأول فهو: (( التصوف يخدم العلم )) ، وأعتقد أن العنوان الصحيح الذي كان يجب أن يوضع، والذي يعبر تعبيرا كاملا عن حقيقة التصوف: ((التصوف يخدم الخرافة، ويمجد الوثنية)) ، فما وجدنا للصوفية في سلفها وخلفها علماً ولا أثارة من علم، وأنا لا أفتأت عليها فيما أقول، اللهم إلا إن سمي قولك عن الباطل إنه باطل افتياتا عليه. وليدلني الصوفية محتشدين بعضهم لبعض ظهيراً عن صوفي واحد ، أو كتاب تصوف مجد العلم، أو دعا إليه، وإنهم لن يجدوا؛ لأمر بين واضح، هو أن الصوفية نفسها تحارب العقل والفكر والعلم، إذ يكشف العقل عن ضلالتها، ويحكم بمروقها عن كل القيم العقلية، وهي تعترف في جرأة سليطة أنها ليست نتاجاً للعقل ولا ثمرة من ثمرات الفكر، أو الوحي الإلهي ، وإنما هي (( ذوق ووجد)) (1) ، ويا للعقل من الأذواق ، ويا للدين من المواجيد !
أروني حقيقة علمية في كتب ابن عربي كلها وهو شيخ الصوفية الأكبر !
لا تلوذوا بالشطحات العرابيد، ولا بتهويمات الخيالات الجوامح، فتزعموا أن علماء الفضاء في روسيا وأمريكا ما هم إلا صورة لابن عربي في أسماء مختلفة، فلقد زعمتم مثل هذا من قبل ، ووجدتم من يصدقكم، ولكن سلطان الحقيقة اليوم ذو حول وطول، فلن يأذن لمثل عناكب هذه الخرافة أن تصيد بخيوطها العقول !
أما العنوان الصوفي الآخر ، فهو ((جاجارين متصوف كبير)) ، و ((جاجارين)) هو الفتى الروسي الذي انطلق في الفضاء ثم عاد، وهو شيوعي ! فهل نفهم من هذا أن الشيوعية صوفية (2) !!
لقد قلنا من قبل: إن الصوفية ردغة ضلالات، وحمأة زندقات، وهي في دعواها أنها تمثل الروحانية إنما تمثل في الحقيقة المادية الصماء، فهي لا تؤمن بغير هذا الوجود المحسوس الملموس الواقعي رباً ، ولا تصدق بأن فوق العرش إلهاً، ولا تؤمن بأن للخلق خلاقاً ، فالخلاق هو نفسه هذا الخلق الذي نحسه! والشيوعية هي هذا الإلحاد الذي تفتريه الصوفية، كنا نقول هذا ، فكان ينبري لنا من الصوفية من يحاول التقصي عن الحقيقة، فيرغي ويُزبد ويصخب، ويتوعد ويهدد حتى جاء حديث ((آخر ساعة)) في صراحة يؤيدنا في كل حرف قلناه ، فلتعرف الصوفية أنها شيوعية، وأنها صهيونية وأنها صليبية وأنها مجوسية وأنها برهمية وأنها بوذية ثنوية
، فقد اعترف بما هو أكثر من هذا أئمتها وسادتها، ولا سيما ((عبد الكريم الجيلي)) ، وستأتي النصوص دامغة !
ولقد استوقف نظرنا في هذا الحديث قول صاحبه ((الكبير)):
((والعجيب أن التصوف كان دائما في خدمة العلم والعلماء ، ولقد كانت الخطوات الصوفية العليا هي الباب الذي نفذ منه العلماء إلى مجال التجربة والتطبيق لأنها فتحت أمامهم آفاقاً ارتادوها وأدركوا ما فيها من أسرار، ومن هنا نعلم أن التصوف يساهم بنصيبه وبطريقته في بناء العلم .
لو أنك عنيت بتتبع التطورات العلمية وحاولت أن تربط بينها وبين ما يملأ كتاب ((الإنسان الكامل)) لمؤلفه عبد الكريم الجيلي لأدركت إلى أي حد مهد التصوف للعلم وسائل البحث والاكتشاف )).
وسألت(3) : هل التصوف درجات:
قال: ما دام التصوف حالة نفسية فلا بد أن يختلف قوة وضعفاً، وذلك بحكم خضوعه للمقاييس العادية ومؤثرات ذلك الوجود.
فمثلا ذلك الطيار الذي يقود طائرته النفاثة وهي تسير بسرعة الصوت ... إنه في هذه الحالة يكون على درجة كبرى من الروح المعنوية العالية وهنا يفتي في نفسه ويصبح جزءا من الكون كله ... هذا الشعور الذي يتملكه أعلى مراحل الصوفية.
وأشار إلى جاجارين فقال: لا شك أن رجل الفضاء الروسي جاجارين ... قد عانى من هذه التجربة على أقصى درجاتها في أثناء رحلته إلى الفضاء .
فعلا جاجارين كان بلا شك يعاني نوعاً من الصوفية ، وهذا يعني أن الصوفية ليست مقصورة على دين معين، لأن التصوف –كما قلت- ظاهرة نفسية، ويجب أن نعترف بأن التصوف الإسلامي يعتبر أرقى درجات التصوف؛ لأن الإسلام يربط العبد مباشرة بربه، وفي هذا قول الله تبارك: {فأينما تكونوا(4) فثم وجه الله}... إن الإنسان في الإسلام لا يحتاج على طقوس حتى يواجه ربه، والرسول الأعظم هو الذي يقول: ((لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى)) . وهو بذلك يعتبر قمة من قمم الإنسان في مجال المعرفة الروحية. (انتهى حديث آخر ساعة) .
ولن نناقش الحديث إلا في قضيتين:
أولاهما: أن التصوف الإسلامي يعتبر أرقى أنواع التصوف؛ لأن الإسلام يربط العبد مباشرة بربه.
أقول: ترى هل التصوف هو الإسلام حتى يحمل عليه ما يحمل على الإسلام ؟ أو يحكم عليه بما يحكم به على الإسلام؟
الإسلام يربط العبد مباشرة بربه.
هذه حقيقة هي أم الحقائق العليا في دين الإسلام، وقد دعا إليها الرسل جميعاً، وهم قد أُرسلوا جميعاً بالإسلام.
ولكنها في التصوف أسطورة يهزأ بها، ويكفر بها شيوخ التصوف وأحباره وكهانه، وستأتي النصوص قاصمة قاصفة.
ولقد أغنانا الحديث نفسه ، فقرر أن التصوف ظاهرة نفسية !!
وأين هذا من وحي الله ؟
أما القضية الأخرى؛ فهي تلك التي مَجَّد فيها الحديث كتاب ((الإنسان الكامل)) لعبد الكريم الجيلي؛ حتى جعله من الكتب التي مهدت للتطورات العلمية الحديثة.
ولقد عدت إلى كتاب ((الإنسان الكامل)) أتجرعه مرة أخرى أو أنقب، وأجِدُ في التنقيب علِّي أجد شعاعة حيرى من هدى، أو لمحة ولْهَى من نور، فلم أجد في كل صفحاته إلا ما سأنقل إليك بعضه بنص ألفاظه، ولعلنا بعد تدبر هذه النصوص ابتغاء الوصول إلى الحقيقة نلقي أزمتنا للحق، ونؤمن بأن الصوفية في ((الإنسان الكامل)) للجيلي هي الصوفية في ((الفتوحات والفصوص)) لابن عربي، هي الصوفية في ((تائية)) ابن الفارض، هي الصوفية عند ((فيلون)) اليهودي، و ((أفلوطين)) المسيحي ، هي الصوفية ((الغنوصية)) و ((الباطنية)) ، فمنذ قام الإسلام قام التصوف ليحاربه، ولعل في قصة الشيطان مع آدم ما يجعلنا نفهم هذه الحقيقة ، ولهذا تجد الصوفية حفية ((بإبليس)) تمجده، وتضع عليه الطيالس والأكاليل ، وستأتي النصوص قاصمة راجفة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. يقول الجيلي في كتابه ((الإنسان الكامل)) عن أساطير التصوف: ((هذا لا يعرف بطريق العقل، ولا يدرك بالفكر)) إلخ ج 1 ص 27 .
2. للشيخ عبد الرحمن الوكيل مقالان تحت عنوان: ((الشيوعية تعانق الصوفية)) بمجلة الهدي النبوي.
3. السائل هو محرر مجلة ((آخر ساعة)).
4. سورة البقرة، آية:115 ، والصواب: {تولوا}.
يتبع