العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية > الرد على شبهات الرافضة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-05-07, 10:24 PM   رقم المشاركة : 1
احمد احمد
عضو نشيط






احمد احمد غير متصل

احمد احمد is on a distinguished road


الأحداث التي تلت حرب الجمل

بسم الله الرحمن الرحيم

الأحداث التي تلت حرب الجمل

إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله .. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا و أنتم مسلمون}آل عمران/102
.{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجاً كثيراً و نساء و اتقوا الله الذي تسآءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}النساء/1
.{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديدا ، يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم ، و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}الأحزاب/70-71
. و بعد :-
فإن دراسة التاريخ لا ينبغي أن تكون ميداناً للسلوة و تزجية الفراغ ، و مهما فصل عامل الزمن بين الحدث والحديث ، فالفرصة قائمة لأخذ الدروس و العبر ، و على دارسي التاريخ بشكل عام و التاريخ الإسلامي على الخصوص ، أن يتجاوزوا سرد الحدث و الاكتفاء بإحصاء القتلى أو الجرحى لهذا الحدث أو ذاك .
فإن فقه المرويات ، و عبر الحوادث ، لهدف كبير من أهداف دراسة التاريخ ، و بدونه تصبح الدراسة تجميعاً لا يسمن و لا يغني من جوع .
و إذا أخذ المتقدمون على عاتقهم رصد الحدث بمروياته المختلفة ورسموا الصورة بشكلها الإجمالي ، فإن على المتأخرين استكمال هذا الجهد و سد هذا النقص ، و الخروج بنتائج تجعل من الحدث في الماضي ، عبرة للحاضر ، ومؤشراً لإصلاح المستقبل بإذن الله . مقتبس من كتاب كيف دخل التتر بلاد المسلمين ، لسليمان بن حمد العودة (ص 5-6) بتصرف يسير .
و إن التاريخ الإسلامي لم يبدأ تدوينه إلا بعد زوال دولة بني أمية وقيام دول لا يسر رجالها التحدث بمفاخر ذلك الماضي و محاسن أهله .
فتولى تدوين تاريخ الإسلام ثلاث طوائف :-
1 - طائفة كانت تنشد العيش والجدة من التقرب إلى مبغضي بني أمية بما تكتبه وتؤلفه .
2 - و طائفة ظنت أن التدين لا يتم، و لا يكون التقرب إلى الله إلا بتشويه سمعة أبي بكر وعمر عثمان
و بني عبد شمس جميعاً .
3 - و طائفة ثالثة من أهل الإنصاف و الدين - كالطبري و ابن عساكر و ابن الأثير ، و ابن كثير - رأت أن من الإنصاف أن تجمع أخبار الإخباريين من كل المذاهب و المشارب ، كلوط بن يحي الشيعي المحترق ، و سيف بن عمر العراقي المعتدل ، - و لعل بعضهم اضطر إرضاءً لجهات كان يشعر بقوتها ومكانتها - ، فتجعل العهدة بعد ذلك على القارئ .
و قد أثبت أكثر هؤلاء أسماء رواة الأخبار التي أوردوها ليكون الباحث على بصيرة من كل خبر بالبحث عن حال راويه .
و قد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنها هي تاريخنا ، بل على أنها مادة غزيرة للدرس و البحث يستخرج منها تاريخنا ، و هذا ممكن و ميسور إذا تولاه من يلاحظ مواطن القوة و الضعف في هذه المراجع ، وله من الألمعية ما يستخلص به حقيقة ما و قع و يجرّدها عن الذي لم يقع ، مكتفياً بأصول الأخبار الصحيحة مجردة عن الزيادات الطارئة عليها . العواصم من القواصم (ص 179) .
و لقد كثرت النداءات بضرورة إعادة كتابة التاريخ الإسلامي على الوجه الخصوص ، و لهذه النداءات وجه من الحق ، فأهل الأهواء كان لهم دورهم في تدوين التاريخ الإسلامي ، و كان من أبرز أهل الأهواء الشيعة ؛ فلقد كان لهم دور كبير في تدوين التاريخ الإسلامي ، و منهم الغلاة و الذين يقال عنهم رافضة سيأتي بيان المراد من هذا المفهوم في ثنايا البحث الذين عملوا على تشويه هذا التاريخ ، لأن تشويههم له يعينهم على الطعن في نقلة هذا الدين .
و لقد نبه بعض العلماء الأجلاء إلى هذا الموضوع و أهميته لدراسة التاريخ ، فممن نبه إليه : فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله المحيسن في محاضرته - ما أدخلته الشيعة في التاريخ الإسلامي - و كل من الدكتور سليمان بن حمد العودة ، و الدكتور محمد بن صامل السلمي ، و الدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى في ندوة علمية اشتركوا فيها و عنوانها : أثر التشيع في كتابة التاريخ . و للدكتور سليمان العودة بحث مستقل بعنوان : نزعة التشيع و أثرها في الكتابة التاريخية . فليراجع للأهمية . و ممن نادى بهذه الفكرة : الدكتور محمد نور ولي في كتابه أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري .و انظر أيضاً مقال : حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي للدكتور عبد المنعم حسنين في مجلة الجامعة الإسلامية العدد الأول . و إن الرجوع إلى كتب السنة ، و ملاحظات أئمة الأمة ، مما يسهل هذه المهمة .
و قد آن لنا أن نقوم بهذا الواجب الذي أبطأنا فيه كل الإبطاء .خاصة بعد أن أخذ أهل الألمعية من المنصفين في دراسة الحقائق فبدأت تظهر لهم و للناس منيرة مشرفة ، و لا يبعد - إذا استمر هذا الجهاد في سبيل الحق - أن يتغير فهم المسلمين لتاريخهم ، و يدركوا أسرار ما وقع في ماضيهم من معجزات . من كلام محب الدين الخطيب في تعليقه على كتاب العواصم من القواصم لابن العربي . (ص 179) . بتصرف .
و قد ترددت كثيراُ في الكتابة أو الحديث عن هذا الموضوع لحساسيته و عظم شأنه ، لكن الذي دفعني للكتابة هو ما سمعته و قرأته من أقوال الجهال أصحاب الهوى ممن ينتسبون للعلم و هو منهم براء ، أسمعهم يتشدقون بأقوال و كلمات ما أنزل الله بها من سلطان في حق الصحابة و ما شجر بينهم ، متذرعين بشبهات يتشبثون بها ، وروايات ضعيفة ساقطة موضوعة مكذوبة واهية أوهى من خيوط العنكبوت ، يتلقفونها و يلتقطونها من كتب الأدب و التاريخ و قصص السمر و الكتب المنحولة و الضعيفة ككتاب الأغاني و البيان و التبيين و الإمامة و السياسة و نهج البلاغة و غيرها ، فيطيرون بها في الآفاق كشيطان العقبة ؛ مثل : تكفير بعض الصحابة أو الطعن في خلافة عثمان أو علي أو سبٍ للصحابة أمثال ، معاوية و عائشة و طلحة و الزبير و غيرهم .
يقول الإمام مالك في الذين يقدحون في الصحابة : إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك ، فقدحوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء و لو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين . الصارم المسلول (ص 553) .
و هذا القول من الإمام مالك انطلق من نظرته البعيدة إلى أبعاد الخبر فليس الأمر قدحاً في الصحابة فقط ، بل إن هذا يجر في أبعاده إلى ما هو أخطر منه .
و بهذا المنظار انطلق ابن تيمية رحمه الله بقوله : الطعن فيهم - أي في الصحابة - طعن في الدين . منهاج السنة (1/18) . و الأمثلة في هذا كثيرة .
و إن الباحث المسلم كثيراً ما يحس بالمرارة ، أو يصاب بخيبة الأمل ، و هو يتابع تفاصيل العصر الراشدي ،
و هو العصر الذهبي في تاريخ الإسلام ، في حشود الروايات التي تقدمها مصادرنا القديمة ، و على رأسها
تاريخ الرسل و الملوك للإمام الطبري ، فيجد البون شاسعاً بين ما يعهده عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من سلامة في الاعتقاد و استقامة في السلوك ، و ما كانوا عليه من خلق كريم ، و بين ما تصوره الروايات التي نقلها الرواة و الإخباريين على أنه الواقع التاريخي .
و في العصر الحديث تلقف المستشرقون و من شايعهم و تأثر بآرائهم من المنتسبين إلى الإسلام ، هذه الأباطيل بل كانت مغنماً تسابقوا إلى اقتسامه ما دامت تخدم أغراضهم للطعن في الإسلام و النيل من أعراض الصحابة الكرام .
و من هذا المنطلق ، و بحكم تخصصي في مجال التاريخ الإسلامي ، واستكمالاً لما توقفنا عنده في حلقات ذلكم اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ حول الأحداث والفتن التي سببها في ذلك العصر - حيث توقفنا عند حرب الجمل - ، فإنه قد أشار عليّ أحد الإخوة الأفاضل بإكمال الموضوع ، لذا رأيت أنه من المناسب فعلاً ، أن أكمل الموضوع وأطرحه بأسلوب سهل ميسر موثق ، حتى يكون المسلم على بينة بما كان من أحداث تلت تلك الفتنة أي حرب الجمل - و بقدر ما وفقني الله من جمع للروايات الصحيحة مما توافرت لدي ، و إبرازها بدلاً من تلك الروايات الضعيفة و المكذوبة المنتشرة على ألسنة الناس و في بطون الكتب ، خاصة كتب التاريخ الحديثة ، فقطعت شوطاً في تنسيقها و ترتيبها ، استعداداً لكتابتها . حتى تم إنجاز هذه الحلقات و الحمد لله .
و أخيراً و إن حاولت الكتابة وفق منهج المحدثين ، لا أدَّعي أنني متقن لهذا المنهج عالم بكوامنه ، بل أنا قليل البضاعة في هذا المجال ، فرحم الله امرءاً عرف قدر نفسه .
و لقد حاولت بهذه الدراسة المتواضعة نقد الأسانيد و تحليل المتون مستنفذاً في ذلك جهدي ، محاولاً تتبع خطى النقاد الذين سبقوني في هذا المجال ، وصولاً إلى الاختيار بقدر المستطاع من مجموع الروايات المتعددة لكل حادثة ، إذ كان الاعتماد أساساً على الروايات التي خرِّجت في كتب الصحاح ، و نقدت في بعض كتب السنن و المسانيد أو التي حكم عليها النقاد القدامى من المحدثين و المؤرخين أمثال ابن كثير و ابن حجر ، و غيرهم ، بالصحة أو التحسين .
و في الختام أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى و صفاته العلى أن يجعل عملنا هذا حسناً ، و موافقاً للحق ،
و أن ينفع به المسلمين و يرجح حسناتي يوم الدين .
معركة صفّين ..
أخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان فيكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة . صحيح البخاري مع الفتح (12/316) .
قال ابن حجر في الفتح (13/92) : و المراد بالفئتين من كان مع علي و معاوية لما تحاربا بصفين ، و المراد بقوله : دعواهما واحدة ، أي دينهما واحد ، لأن كلاً منهما كان يتسمى بالإسلام ، أو المراد أن كلاً منهما كان يدّعي أنه المحق .
هنا لما فرغ علي رضي الله عنه من أمر البصرة ، فما أن أعطى أهلها بيعتهم و استقام له الأمر فيها ، رأى أن الشام يجب أن تبايع ، فأرسل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه و معه كتاباً لمعاوية يطلب منه البيعة ، و يذكره بما حدث في الجمل ، فلما وصل جرير أعطى لمعاوية الكتاب ، فأرسل معاوية يستشير رؤوس الشام ، فأبوا البيعة إلا بأخذ الثأر من قتلة عثمان ، و كان هذا الرفض من معاوية هو الانتقام لمقتل عثمان ، حيث أنه معاوية كان يرى أنه على قوة في الشام و أنه لن يفرط في هذه القوة إلا بالانتقام لمقتل عثمان رضي الله عنه ، و أنه ولي دم عثمان ، لأنه صار رأس بني أمية مكانةً ، و قد تحدد موقفهم منذ اللحظة التي حمل فيها النعمان بن بشير رضي الله عنه قميص عثمان و هو ملطخ بدمائه و معه أصابع نائلة زوجة عثمان فوضع القميص على المنبر في الشام ليراه الناس و الأصابع معلقة في كم القميص ، و ندب معاوية الناس للأخذ بثأر عثمان و القصاص من قتلته ، و قد قام مع معاوية جماعة من الصحابة في هذا الشان ، و علي رضي الله عنه كان يقول تبايع ثم ننظر في قتلة عثمان . تاريخ الطبري (4/562) و البداية و النهاية لابن كثير (7/228) .
إذاً الاختلاف بين معاوية و علي هو في أيهما قبل ، فهو خلاف أولويات ، و هذا رد على من يزعم أن معاوية رضي الله عنه كان يريد و يطمع في الخلافة .
توقفنا في الحلقة الماضية عند الحديث عن موقف معاوية من البيعة لعلي رضي الله عنهما ، واليوم سنرى الأحداث التي تخللت حرب صفين .
رجع جرير إلى علي بالخبر ، و جاء رسول من معاوية إلى علي رضي الله عنه فلما دخل عليه و استأمن لنفسه قال : لقد تركت ورائي ستين ألف شيخ يبكون على قميص عثمان ، و هو منصوب لهم و قد ألبسوه منبر دمشق قال علي : مني يطلبون دم عثمان ! ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله . تاريخ الطبري (4/444) . وبدأ علي يستعد للتوجه نحو الشام .
في بداية ذي الحجة من سنة (36 هـ) خرج علي رضي الله عنه متوجهاً نحو الشام و كان عدد جيشه كما قدرته بعض الروايات ما بين خمسين ألفاً و مائة ألفاً مقاتل . تاريخ خليفة (ص 193) بسند حسن .
فتحرك نحو الشام فوصل إلى منطقة النخيلة ، و قد ضم عدداً من الصحابة البدريين و أصحاب بيعة الرضوان ، وقد بالغ ابن دحية في تقدير أعدادهم حتى ذكر أنهم سبعمائة من أصحاب الشجرة ، و ذلك لبيان أن الحق مع علي ، و لكن ترجيح موقف علي واضح لا يحتاج إلى هذه المبالغات ، انظر : عصر الخلافة الراشدة لأكرم العمري ( ص 465-467) .
فوصلت الأخبار إلى معاوية بتحرك جيش علي فتجهز هو أيضاً بجيش كبير ، حيث قدرته بعض الروايات الضعيفة بستين ألفاً أو سبعين ألفاً أو مائة وعشرين ألفاً . الذهبي تاريخ الإسلام - عهد الخلفاء الراشدين (ص 545) بدون سند و تاريخ خليفة (ص 193) بسند فيه مجاهيل و البداية و النهاية لابن كثير (7/275) بدون سند ، أنظر : عصر الخلافة الراشدة لأكرم العمري (ص 465) . فخرج حتى عسكر في صفين - موضع على شاطئ الفرات من الجانب الغربي ، بقرب الرقة ، آخر تخوم العراق و أول أرض الشام . انظر : معجم البلدان (3/414) - ، فخيم هناك عند الماء و انتظر وصول جيش علي رضي الله عنه . تاريخ الطبري (4/563) .
فلما وصل جيش علي رضي الله عنه إلى صفين كان جيش معاوية قد احتل موارد الماء ، في حين كان جيش علي في منطقة لا ماء فيها ، فأرسل علي إلى معاوية يطلب منه أن يدع الماء بينهما ، فتشاور معاوية مع القادة فاختلفوا فقرر معاوية أن يمنع الماء و لكن يكون منعاً صورياً فقط ، و وضع كتيبة صغيرة على الماء ، فجاء الناس ليشربوا فمنعوهم ، فاشتكى الناس لعلي فقال أرسلوا إلى الأشعث فجاء فقال : ائتوني بدرع ابن سهر - رجل من بني براء - فصبها عليه ثم أتاهم فقاتلهم حتى أزالهم عن الماء . ذكره ابن أبي شيبة في المصنف (15/292) و خليفة بن خياط في تاريخه (ص 193) و هو حسن الإسناد .
هنا احتل جيش علي الماء ، فقال علي : دعوهم فإن الماء لا يمنع . ابن حجر في تهذيب (1/359) . و مصنف ابن أبي شيبة (15/294) و تاريخ خليفة (ص 193) بسند حسن . فأمر بالسماح لمن شاء بالشرب ، فاجتمع الجيشان حول ماء صفين .
على أن هناك رواية أخرى تردّ القتال من أصله أخرجها عبد الله بن الإمام أحمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا أبو المغيرة الخولاني - ثقة - حدثنا صفوان بن عمرو - ثقة - حدثني أبو الصلت سليم الحضرمي - ذكره ابن أبي حاتم و لم يذكر فيه جرحاً و لا تعديلاً ، الجرح و التعديل (4/212) - و لو وقف على توثيق له لنسفت هذه الرواية روايات أبي مخنف الكذاب والتي تذكر القتال حول الماء ، من أصلها . انظر الكلام حول القتال عند الماء في مرويات أبي مخنف (ص 289-296) - قال : حلنا بين أهل العراق و بين الماء ، فأتانا فارس ، ثم حسر فإذا هو الأشعث بن قيس فقال : الله الله يا معاوية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ! هبوا أنكم قتلتم أهل العراق ، فمن للبعوث و الذراري ؟ أم هبوا أنا قتلناكم ، فمن للبعوث و الذراري ؟ إن الله يقول :{ و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما }الحجرات/9
. قال معاوية : فما تريد ؟ قال : خلوا بيننا و بين الماء . فقال لأبي الأعور خل بين إخواننا و بين الماء . تهذيب الكمال (3/286-295) و سير أعلام النبلاء (2/41) و النص منقول منه .
وقد وصف أبو العالية الرفاعي - شاهد عيان ثقة (ت 90 هـ) المعركة بقوله : لما كان زمن علي رضي الله عنه و معاوية ، و إني لشاب القتال أحب إليّ من الطعام الطيب ، فتجهزت بجهاز حسن حتى أتيتهم فإذا صفان لا يُرى طرفاهما ، إذا كبر هؤلاء كبر هؤلاء ، و إذا هللّ هؤلاء هللّ هؤلاء . قال : فراجعت نفسي فقلت : أي الفريقين أنزله كافراً ، و أي الفريقين أنزله مؤمناً ؟ فما أمسيت حتى رجعت و تركتهم . طبقات ابن سعد (7/114) .
و لم ينفرد أبو العالية بالتردد و الشك ثم التوقف عن القتال ، فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص يصرح بحقيقة مشاعره و هو يقف إلى جوار أبيه بيده الراية و يتقدم في الجيش الشامي منزلة أو منزلتين : مالي و لصفين !! مالي و لقتال المسلمين !! لوددت أني مت قبله بعشر سنين أما والله على ذلك ما ضربت بسيف و لا طعنت برمح و لا رميت بسهم . طبقات ابن سعد (4/266-267) بسند صحيح .
و حين عسكر علي رضي الله عنه بصفين سلك مع أهل الشام نفس الأسلوب الذي سلكه مع أهل الجمل ، فأرسل وفداً إلى معاوية يدعوه إلى الصلح ، و ما ذكره بعض المؤرخين من روايات تفيد بأن علياً أرسل بشير بن عمرو الأنصاري و سعيد بن قيس و شبث بن ربعي و عدي بن حاتم و غيرهم ليكلموا معاوية و يطلبوا منه الرضوخ لعلي و ما جرى بينهم من مناقشات و سباب و لعان و شتم لمعاوية و اتهام لبعض الصحابة في التورط في دم عثمان كعدي و عمار و علي و أن معاوية تباطأ في إرسال العون طمعاً في أن تكون الخلافة له . هذا كله كذب ملفق ليس له أصل من الصحة ، بطله أبو مخنف الكذاب . انظر هذه الروايات و مناقشتها في مرويات أبي مخنف (ص 297-310) .
ذكر أبو حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال (ص 162) أن معاوية كتب إلى علي يقول له : فإن كنت صادقاً فأمكنا من قتلة -أي عثمان - نقتلهم به و نحن أسرع الناس إليك ، و إلا فليس لك و لأصحابك عندنا إلا السيف ، فوالله الذي لا إله غيره لنطلبن قتلة عثمان في البر و البحر حتى نقتلهم أو تلحق أرواحنا بالله و السلام .
و ذكر القاضي ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم (ص 166) ، أن سبب القتال بين أهل الشام و أهل العراق يرجع إلى تباين المواقف بينهما : فهؤلاء -أي أهل العراق - يدعون إلى علي بالبيعة و تأليف الكلمة على الإمام ، و هؤلاء - أي أهل الشام - يدعون إلى التمكين من قتلة عثمان و يقولون : لا نبايع من يؤوي القتلة .
هنا قد يتساءل سائل لماذا أبقى علي رضي الله عنه على أهل الفتنة في جيشه بعد أن فرغ من حرب الجمل ولم يخرجهم من جيشه أثناء توجهه إلى الشام ؟
قلت : كان سبب إبقاء علي على أهل الفتنة في جيشه أنهم كانوا سادات في أقوامهم ، فكان علي يرى أن يصبر عليهم إلى أن تستقر الأمور .
وقد أجاب عن ذلك الإمام الطحاوي في شرح الطحاوية (ص 483) بقوله : و كان في عسكر علي رضي الله عنه من أولئك الطغاة الخوارج الذين قتلوا عثمان ، من لم يُعرف بعينه و من تنتصر له قبيلته ، و من لم تقم عليه حجة بما فعله ، و من قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله .
و على كل حال كان موقفه منهم موقف المحتاط منهم ، المتبرئ من فعلهم .و هو و إن كان لم يخرجهم من عسكره فقد كان يعاملهم بحذر و ينظر إليهم بشزر ، حتى قال الإمام الطبري في تاريخه (4/445) : بأنه لم يول أحد منهم أثناء استعداده للمسير إلى الشام ، حيث دعا ولده محمد بن الحنفية و سلمه اللواء و جعل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قائد الميمنة و عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه على الميسرة و جعل على مقدمة الجيش أبا ليلى بن عمر بن الجراح و استخلف على المدينة قثم بن العباس رضي الله عنهم .
و هذه بادرة منه رضي الله عنه ليعلن تبرؤه من أولئك المارقين ، و يثبت قدرته على السيطرة على أمر المسلمين من غير عون منهم ، فقد كان له في المسلمين الموالين له و المؤيدين لخلافته ما يغنيه عن الاستعانة بهم و التودد إليهم . و هذا أقصى ما يمكنه فعله بتلك الطائفة إذ ذاك ، و هو كافٍ في عذره لأنهم مئات و لهم قرابة و عشائر في جيشه ، فما يأمن لو عاملهم بأكثر من هذا من الشدة أن يمتد حبل الفتنة في الأمة ، كما حصل ذلك لطلحة و الزبير و عائشة بالبصرة حين قتلوا بعضاً منهم ، فغضب لهم قبائلهم و اعتزلوهم . إفادة الأخيار للتباني (2/52) .
توقفنا في الحلقة الماضية عند الحديث حول الاستعداد لحرب صفين ، وما سبقها من أحداث واستعدادات ، واليوم إن شاء الله سوف يكون الحديث عن أحداث هذه الحرب .
مقدمات معركة صفين ..
بدأ القتال و تقاتل الناس لكنه كان قتالاً خفيفاً لمدة أسبوع لم يكن لأحد على أحد غلبة حيث أرسل علي
رضي الله عنه كتيبة فأخرج له معاوية كتيبة فتقاتلتا و لم تستطع إحداهما أن تحسم الأمر فرجعتا ، فأرسل كتيبة أخرى و هكذا ظل الأمر طيلة شهر ذي الحجة . حتى إن المؤرخين يقولون أن معركة صفين حدثت فيها أكثر من سبعين جولة ووقعة . ذكره ابن حجر في الفتح (13/92) .
فلما انتهى شهر ذي الحجة أرسل علي رضي الله عنه إلى معاوية و قال له : هل لك إلىأن نتهادن شهراً و أن لا يحدث فيه قتال ، لعل أن نتفاوض و نتفاهم ؟ و كان الأمل في الصلح يحدوا الجميع ، حيث إن علياً رضي الله عنه غير راغب في القتال أصلاً ، فهو يريد أن يؤخر القتال قدر المستطاع و كذلك معاوية ، فلم يكد يعرض عليه علي هذا الأمر حتى بادر معاوية بالموافقة على إيقاف القتال في شهر المحرم .
و فعلاً ما كاد يدخل شهر المحرم حتى توقف القتال تماماً و الجيشان في أماكنهما يتزاورون و يتسامرون في الليل ، و لا غرابة في ذلك لأنه لم تكن بين الجيشين أحقاد ، بل كان كل طرف ينافح عما يعتقده حقاً ، و لأنهم كانوا أهلاً من نفس القبائل و العشائر . المنتظم لابن الجوزي (5/117-118) .
ذكر يحيى بن سليمان الجعفي - أحد شيوخ البخاري - في كتاب صفين من تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية : أنت تنازع علياً أو أنت مثله ؟ قال : لا و إني لأعلم أنه أفضل مني و أحق بالأمر ، و لكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً و أنا ابن عمه و وليه أطلب بدمه ؟ فأتوا علياً فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان ، فأتوه فكلموه فقال : يدخل في البيعة و يحاكمهم إلي ، فامتنع معاوية فسار علي في الجيش من العراق حتى نزل بصفين و سار معاوية حتى نزل هناك و ذلك في ذي الحجة سنة ست و ثلاثين ، فتراسلوا فلم يتم لهم أمر . سير أعلام النبلاء (3/140) . و ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 59/132) و ابن حجر في الفتح (13/92) و حسن ابن حجر إسناده .
و انتهت الهدنة و بدأت غرة صفر و بدأت الوقعة . و في اليوم الثامن من صفر عزم علي على أن يحسم الأمر فقرر أن تكون هجمة كاملة ، فتجهز الناس و أمر علي بالهجوم فتقاتلوا و استمر القتال ثلاثة أيام لا يتوقف . المنتظم لابن الجوزي (5/118) . و قد التزم كلٌ من الطرفين بأحكام قتال البغاة .
روى الحاكم بسند صحيح عن أبي أمامة قال : شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح ، و لا يطلبون مولياً و لا يسلبون قتيلاً . انظر إرواء الغليل (8/114) و المستدرك (2/155) و البيهقي في سننه (8/182) . و طبقات ابن سعد (7/411) .
و ثبت بالإجماع أن علي بن أبي طالب لم يصادر شيئاً من أموال البغاة . و أما ما ذكره أبو مخنف من أخذ أموالهم التي كانت بالعسكر ، فهذا لا يصح إذ الإجماع منعقد على حرمة أموالهم و لم تصح هذه الرواية عند الفقهاء و لذلك لم يأخذوا بها .
ولم يكن الطرفان يكفر بعضهما ، لكن بعض الجند المتحمسين في جيش علي رضي الله عنه كانوا يلعنون
و يكفرون الشاميين ، فلا يلقى من قادته إلا النهر و التوبيخ ، و من طريق زياد بن الحارث ، قال : كنت إلى جنب عمار فقال رجل : كفر أهل الشام ، فقال عمار : لا تقولوا ذلك نبينا و نبيهم واحد و قبلتنا و قبلتهم واحدة، لكنهم قوم مفترون جاروا عن الحق ، علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا . مصنف ابن أبي شيبة (15/294) .
و قال رجل يوم صفين : اللهم العن أهل الشام ، فقال علي رضي الله عنه : لا تسب أهل الشام جمعاً غفيراً فإن بها الأبدال ، فإن بها الأبدال ، فإن بها الأبدال . مصنف عبد الرزاق (11/249) . و الأبدال هم من تميزوا عن غيرهم بالعلم و العبادة ، انظر فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/905) .
روى الحاكم في المستدرك ، عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال : سمعت عمار بن ياسر بصفين في اليوم الذي قتل فيه و هو ينادي : أزلفت الجنة و زوجت الحور العين اليوم نلقى حبيبنا محمداً صلى الله عليه
وسلم ، عهد إلىّ أن آخر زادك من الدنيا ضَيح لبن . المستدرك (3/389) و المسند (4/319) و ابن سعد (3/258) . و الضيح بالفتح هو اللبن الخاتر يصب فيه الماء ثم يخلط .
ثم إن أبو الغادية الفزاري و هو أحد الجنود في جيش الشام ، قام و قتل عمار رضي الله عنه . تاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين (ص 582) .
قال الإمام أحمد رحمه الله : عن أبي غادية قال : قتل عمار بن ياسر فأخبره عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن قاتله و سالبه في النار . فقيل لعمرو فإنك هو ذا تقاتله قال : إنما قال قاتله و سالبه . و غادية هذا صحابي و هو قاتل عمار و قد روى الحديث هذا ، ثم صار بعد يستأذن على معاوية و يقول : قاتل عمار ، و الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : قاتل عمار في النار . انظر : الصحيح المسند من دلائل النبوة (ص 424) و الحديث في المسند (4/198) و هو حسن .
روى الإمام أحمد في المسند (2/206-207) قال : حدثني أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنبري قال : بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار ، يقول كل واحد منهما أنا قاتله . فقال عبد الله بن عمرو بن العاص : ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه فإني سمعت يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا قال أبي : تقتله الفئة الباغية ، فقال معاوية : ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو ؟ فما بالك معنا ؟ قال : إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أطع أباك ما دام حياً و لا تعصه . فأنا معكم و لست أقاتل .
و روى الإمام أحمد في المسند (2/206) و (4/199) ، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه قال : لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال : قتل عمار و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتله الفئة الباغية ، فقام عمرو بن العاص فزعاً يرجع - أي يقول إنا لله و إنا إليه راجعون - حتى دخل على معاوية فقال له معاوية ما شأنك ؟ قال : قتل عمار ، فقال معاوية : قد قتل عمار فماذا ؟ قال عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تقتله الفئة الباغية ، فقال له معاوية : دحضت في بولك أي زللت و زلقت - أو نحن قتلناه ، إنما قتله علي و أصحابه جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا .
هذا غير مقبول من معاوية رضي الله عنه ، ولكن ليس معناه أن معاوية قد كفر كما تدعي الرافضة ، و لكنه رضي الله عنه كان مجتهداً فأخطأ و بغيه لا يخرجه عن الإيمان لقوله تعالى { و إن طائفتان من المؤمنين .. إلى قوله إلى أمر الله } فسماهم الله مؤمنين . انظر هذا الأمر في : صحيح المسند من دلائل النبوة (ص 424-425) ، و قد رد علي رضي الله عنه بأن محمداً صلى الله عليه وسلم إذاً قتل حمزة حين أخرجه . و هذا الحديث موجود في مصنف عبد الرزاق (11/240) بسند صحيح .
و كان الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو من أقوى الحجج على أن علي رضي الله عنه أولى بالحق ،
و أن معاوية رضي الله عنه بغى عليه ، لكن معاوية تأول الحديث فاستطاع رضي الله عنه أن يحفظ جيشه
من الانسحاب و الفتنة و أن يرفع من معنويات الجند بقوله إنما قتل عمار من جاء به .
نكتة حول حديث :-
ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار، قال يقول عمار : أعوذ بالله من الفتن . رواه البخاري مع الفتح من حديث أبي سعيد (1/644) .
قال الحافظ ابن حجر : قوله ( يدعوهم ) أعاد الضمير على غير مذكور ، و المراد قتلته كما ثبت من وجه آخر ( تقتله الفئة الباغية يدعوهم الخ ) ، فإن قيل : كان قتله بصفين و هو مع علي ، والذين قتلوه مع معاوية ، و كان معه جماعة من الصحابة ، فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار ؟ فالجواب : أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة ، و هم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم ، فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها و هو طاعة الإمام ، و كذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي ، و هو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك ، و كانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك ، لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم .
و قال ابن بطال تبعاً للمهلب : إنما يصح هذا في الخوارج الذين بعث علي عماراً يدعوهم إلى الجماعة ، ولا يصح في أحد من الصحابة . وتابعه على هذا الكلام جماعة من الشّراح . و فيه نظر من أوجه :-
أحدها : أن الخوارج إنما خرجوا على علي بعد قتل عمار بلا خلاف بين أهل العلم بذلك ، فإن ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم ، و كان التحكيم عقب انتهاء القتال بصفين ، وكان قتل عمار قبل ذلك قطعاً ، فكيف يبعثه إليهم علي بعد موته .
ثانيهما : أن الذين بعث إليهم علي عماراً إنما هم أهل الكوفة .
ثالثهما : أنه شرح على ظهر ما وقع في هذه الرواية الناقصة ، و يمكن حمله على أن المراد بالذين يدعونه إلى النار كفار قريش كما صرح به بعض الشراح ، لكن وقع في رواية ابن السكن و كريمة و غيرهما و كذا ثبت في نسخة الصغاني التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري التي بخطه زيادة توضيح المراد و تفصح بأن الضمير يعود على قتلته وهم أهل الشام ، و لفظة (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم ) الحديث ، و اعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في الجمع و قال : إن البخاري لم يذكرها أصلاً ، و كذا قال أبو مسعود . قال الحميدي : و لعلها لم تقع للبخاري ، أو وقعت فحذفها عمداً . و قد أخرجها الإسماعيلي و البرقاني في هذا الحديث .
قلت أي ابن حجر - : و يظهر لي أن البخاري حذفها عمداً و ذلك لنكتة خفية ، و هي أن أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة ، و الرواية التي بينت ذلك ليست على شرط البخاري ، و قد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد و حملهم لبنة لبنة و فيه فقال أبو سعيد : فحدثني أصحابي ، و لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية ، و ابن سمية هو عمار ، و سمية اسم أمه . و هذا الإسناد على شرط مسلم ، و قد عين أبو سعيد من حدثه بذلك ، ففي مسلم و النسائي من طريق أبي سلمة عن أبي سعيد قال : حدثني من هو خير مني أبو قتادة ، فذكره . فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ، و هذا دال على دقة فهمه و تبحره في الإطلاع على علل الأحاديث .
و في هذا الحديث زيادة أيضاً لم تقع في رواية البخاري و هي عند الإسماعيلي و أبي نعيم في المستخرج من طريق خالد الواسطي عن خالد الحذاء و هي : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك ؟ قال : إني أريد من الله الأجر . أنظر هذه النكتة في : فتح الباري (1/645-646) .
هذا و قد روى حديث تقتل عمار الفئة الباغية ، جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان و أم سلمة عند مسلم و أبو هريرة عند الترمذي و عبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي و عثمان بن عفان و حذيفة و أبو أيوب و أبو رافع و خزيمة بن ثابت و معاوية و عمرو بن العاص و أبو اليسر و عمار نفسه ، و كلها عند الطبراني و غيره ، و غالب طرقه صحيحة أو حسنة و فيه عن جماعة آخرين يطول عدهم و في هذا الحديث علم من أعلام النبوة و فضيلة ظاهرة لعلي و لعمار ، و ردّ على النواصب الزاعمين أن علياً لم يكن مصيباً في حروبه . انظر : الصحيح المسند من دلائل النبوة (ص 422-423) و مسلم رقم ( 7253 ) و الترمذي (5/669) .
استمر القتال سجالاً و كثر القتل بين الناس و هم لا يتوقفون . ثم إن علياً رضي الله عنه شد في الهجوم على جيش معاوية فكانت تلك الليلة من أشد الليالي حتى سميت بليلة الهرير . المنتظم (5/120) .
فطحنت المعركة ألوفاً من الجانبين ، و كلّ الباقون من القتال ، هنا تفتق ذهن عمرو بن العاص عن فكرة التحكيم التي أنقذت الجيش الشامي من الهزيمة ، فأرسل معاوية رجلاً يحمل المصحف إلى علي و يقول : بيننا و بينكم كتاب الله فقال علي : أنا أولى بذلك بيننا كتاب الله . و توقف القتال و انسحب الفريقان ، وقدر محمد بن سيرين عدد القتلى في هذه المعركة بحوالي سبعين ألف رجل كان منهم خمس و أربعين ألف شخص من جيش الشام ، أي كان نصف الجيش قد فني فما قدروا على عدّهم إلا بالقصب ، وضعوا على كل إنسان قصبة ، ثم عدوا القصب . الذهبي في تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين (ص 545) و معجم البلدان (3/414-415) . و مصنف ابن أبي شيبة (15/295) بإسناد حسن لكنه من مرسل ابن سيرين . و تاريخ خليفة (ص 194) مختصراً .
و سئل علي رضي الله عنه عن قتلى الفريقين يوم صفين فقال : قتلانا و قتلاهم في الجنة ، يصير الأمر إلي
و إلى معاوية . المعجم الكبير للطبراني (19/307) .
يصف سالم بن عبيد الأشجعي و هو صحابي شهد المعركة موقف علي رضي الله عنه فيقول : رأيت علياً بعد صفين و هو أخذ بيدي ، و نحن نمشي في القتلى فجعل علي يستغفر لهم حتى بلغ أهل الشام فقلت له : يا أمير المؤمنين إنّا في أصحاب معاوية !؟ فقال علي : إنما الحساب عليّ و على معاوية . مصنف ابن أبي شيبة (15/303) . أي أنه يرى نفسه و معاوية مسؤلين عما حدث و هما يحاسبان على ذلك .
و ما حصل من قتال بين علي و معاوية لم يكن يريده واحد منهما ، بل كان في الجيش من أهل الأهواء من يحرص على القتال ، الأمر الذي أدى إلى نشوب تلك المعركة الطاحنة ، و خروج الأمر من يد علي و معاوية رضي الله عنهما . أشراط الساعة ليوسف الوابل (ص 103) .
و أكثر الذين كانوا يختارون القتال من الطائفتين لم يكونوا يطيعون لا علياً و لا معاوية ، و كان علي و معاوية رضي الله عنهما أطلب لكف الدماء من أكثر المتقاتلين ، لكن غلبا فيما وقع ، و الفتنة إذا ثارت ؛ عجز الحكماء عن إطفاء نارها .
فكان في العسكرين قوم ينتصرون لعثمان غاية الانتصار و قوم ينفرون عنه ، و قوم ينتصرون لعلي و قوم ينفرون عنه ، ثم قتال أصحاب معاوية لم يكن لخصوص معاوية ، بل كان لأسباب أخرى . و قتال الفتنة مثل قتال الجاهلية ، لا تنضبط مقاصد أهله و اعتقاداتهم ؛ و كما قال الزهري : هاجت الفتنة الأولى و أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون و فيهم البدريون ، فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن ؛ فإنه هدر أنزلوه منزلة الجاهلية . منهاج السنة لابن تيمية (4/452-458) . و البيهقي في السنن الكبرى (8/174-175) .
و من المعروف و المتفق عليه بين الإخباريين و المؤرخين أن الخلاف بين علي و معاوية ، كان سببه طلب تعجيل القصاص من قتلة عثمان . و من الملاحظ أن الصحابة رضوان الله عليهم متفقون على إقامة حدّ القصاص على قتلة عثمان ، لكن الخلاف بينهم وقع في مسألة التقديم أو التأخير ، فمعاوية رضي الله عنه و من معه كانوا يرون تعجيل أخذ القصاص من الذين حصروا الخليفة حتى قتل ، و أن البداءة بقتلهم أولى ، بينما رأى أمير المؤمنين علي و من معه تأخيره حتى يوطد مركز الخلافة و يتقدم أولياء عثمان بالدعوى عنده على معيّنين ، فيحكم لهم بعد إقامة البيّنة عليهم ، لأن هؤلاء المحاصرين لأمير المؤمنين عثمان ليسوا نفراً من قبيلة معيّنة بل من قبائل مختلفة . على أن استعجال تنفيذ القصاص بدون إقامة الدعوى من أولياء المقتول عند الإمام ، و حكمه على القاتل ، يؤدي لا محالة إلى انتشار الفتنة بحرب طاحنة يذهب فيها كثير من الأبرياء .
و لذلك كان رأي علي رضي الله عنه أسدّ و أصوب من رأي معاوية رضي الله عنه كما نطقت بذلك النصوص الشرعية .
و قد اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتصّ من أحد و يأخذ حقه دون السلطان ، أو من نصبه السلطان لهذا الأمر ، لأن ذلك يفضي إلى الفتنة و إشاعة الفوضى . و لهذا جعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض . الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/256) في تفسير سورة البقرة الآية (179) .
و الظاهر أن معاوية رضي الله عنه اعتقد و فهم أن قتل عثمان رضي الله عنه منكر من أعظم المنكرات ،
و إزالة المنكر من حيث هو لمن قدر عليه فرض كفاية لا يتوقف على إمام يرجع إليه فيه ، و منزلته في الإسلام و عند المسلمين تخوّل له ذلك ، وقد خفي عليه أن إزالة هذا المنكر يتعلق بالقصاص مع المرتكبين له ، وأخذ القصاص منهم يتوقف على الإمام و إقامة أولياء المقتول البينة على الجاني عنده ، ثم حكمه بمقتضى ذلك ، لكن اجتهاده أداه إلى ذلك فما يمكن أن يقال فيه إنه مجتهد مخطئ له أجر واحد على اجتهاده .
على أن طلحة و الزبير رضي الله عنهما أقرب إلى الصواب من معاوية رضي الله عنه من أربعة أوجه :-
1- مبايعتهما لعلي طائعين مع اعترافهما بفضله، و معاوية لم يبايعه و إن كان معترفاً بفضله . تاريخ الطبري (4/438) ، و مصنف ابن أبي شيبة ( 15/271-274) .
2- منزلتهما في الإسلام و عند المسلمين و معاوية لاشك دونهما فيها . كان طلحة و الزبير رضي الله عنهما من السابقين الأولين و من العشرة المبشرين بالجنة ، بينما كان معاوية رضي الله عنه من مسلمة الفتح .
3- أنهما أرادا الإصلاح بين الناس ، ولم يتعمدوا محاربة علي و من معه في وقعة الجمل ، بينما أصر معاوية على حرب علي و من معه في صفين .
4- أنهما لم يتهما علياً بالهوادة في أخذ القصاص من قتلة عثمان ، و معاوية و من معه اتهمه بذلك . تاريخ الطبري ( 4/444) و (4/454) و (4/462-464) و البداية والنهاية لابن كثير (7/259) .
و قد شاع بين الناس قديماً و حديثاً أن الخلاف بين علي و معاوية رضي الله عنهما كان سببه طمع معاوية في الخلافة ، و أن خروج معاوية على علي و امتناعه عن بيعته كان بسبب عزله عن ولاية الشام .
و قد جاء في كتاب الإمامة و السياسة المنسوب لابن قتيبة الدينوري رواية تذكر أن معاوية ادّعى الخلافة ،
و ذلك من خلال الرواية التي ورد فيها ما قاله ابن الكواء لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه : اعلم أن معاوية طليق الإسلام و أن أباه رأس الأحزاب ، و أنه ادعى الخلافة من غير مشورة فإن صدقك فقد حلّ خلعه و إن كذبك فقد حرم عليك كلامه . الإمامة و السياسة (1/113) .
لكن الصحيح أن الخلاف بين علي و معاوية رضي الله عنهما كان حول مدى وجوب بيعة معاوية و أصحابه لعلي قبل إيقاع القصاص على قتلة عثمان أو بعده ، و ليس هذا من أمر الخلافة في شيء . فقد كان رأي معاوية رضي الله عنه و من حوله من أهل الشام أن يقتص علي رضي الله عنه من قتلة عثمان ثم يدخلوا بعد ذلك في البيعة .
يقول إمام الحرمين الجويني في لمع الأدلة : إن معاوية و إن قاتل علياً فإنه لا ينكر إمامته و لا يدعيها لنفسه ، و إنما كان يطلب قتلة عثمان ظناً منه أنه مصيب ، و كان مخطئاً . لمع الأدلة في عقائد أهل السنة للجويني (ص 115) .
أما شيخ الإسلام فيقول : بأن معاوية لم يدّع الخلافة و لم يبايع له بها حتى قتل علي ، فلم يقاتل على أنه
خليفة ، و لا أنه يستحقها ، و كان يقر بذلك لمن يسأله . مجموع الفتاوى ( 35/72) .
و يورد ابن كثير في البداية و النهاية (7/360) ، عن ابن ديزيل - هو إبراهيم بن الحسين بن علي الهمداني المعروف بابن ديزيل الإمام الحافظ (ت 281 هـ) انظر : تاريخ دمشق (6/387) و سير أعلام النبلاء (13/184-192) و لسان الميزان لابن حجر (1/48) - ، بإسناد إلى أبي الدرداء و أبي أمامة رضي الله عنهما ، أنهما دخلا على معاوية فقالا له : يا معاوية ! علام تقاتل هذا الرجل ؟ فوالله إنه أقدم منك و من أبيك إسلاماً ، و أقرب منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و أحق بهذا الأمر منك . فقال : أقاتله على دم عثمان ، و أنه آوى قتلة عثمان، فاذهبا إليه فقولا : فليقدنا من قتلة عثمان ثم أنا أول من أبايعه من أهل الشام .
و يقول ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة ( ص 325) : و من اعتقاد أهل السنة و الجماعة أن ما جرى بين معاوية و علي رضي الله عنهما من الحرب ، لم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة للإجماع على أحقيتها لعلي .. فلم تهج الفتنة بسببها ، و إنما هاجت بسبب أن معاوية و من معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم لكون معاوية ابن عمه ، فامتنع علي .
و هكذا تتضافر الروايات و تشير إلى أن معاوية رضي الله عنه خرج للمطالبة بدم عثمان ، و أنه صرح بدخوله في طاعة علي رضي الله عنه إذا أقيم الحد على قتلة عثمان . و لو افترض أنه اتخذ قضية القصاص
و الثأر لعثمان ذريعة لقتال علي طمعاً في السلطة ، فماذا سيحدث لو تمكن علي من إقامة الحد على قتلة عثمان .
حتماً ستكون النتيجة خضوع معاوية لعلي و مبايعته له ، لأنه التزم بذلك في موقفه من تلك الفتنة ، كما أن كل من حارب معه كانوا يقاتلون على أساس إقامة الحد على قتلة عثمان ، على أن معاوية إذا كان يخفي في نفسه شيئاً آخر لم يعلن عنه ، سيكون هذا الموقف بالتالي مغامرة ، و لا يمكن أن يقدم عليه إذا كان ذا أطماع .
إن معاوية رضي الله عنه كان من كتاب الوحي ، و من أفاضل الصحابة ، و أصدقهم لهجة ، و أكثرهم حلماً فكيف يعتقد أن يقاتل الخليفة الشرعي و يريق دماء المسلمين من أجل ملك زائل ، و هو القائل : والله لا أخير بين أمرين ، بين الله و بين غيره إلا اخترت الله على ما سواه . سير أعلام النبلاء للذهبي (3/151) .
أما وجه الخطأ في موقفه من مقتل عثمان رضي الله عنه فيظهر في رفضه أن يبايع لعلي رضي الله عنه قبل
مبادرته إلى القصاص من قتلة عثمان ، بل و يلتمس منه أن يمكنه منهم ، مع العلم أن الطالب للدم لا يصح أن يحكم ، بل يدخل في الطاعة و يرفع دعواه إلى الحاكم و يطلب الحق عنده .
و يمكن أن نقول إن معاوية رضي الله عنه كان مجتهداً متأولاً يغلب على ظنه أن الحق معه ، فقد قام خطيباً في أهل الشام بعد أن جمعهم و ذكّرهم أنه ولي عثمان -ابن عمه - و قد قتل مظلوماً و قرأ عليهم الآية الكريمة {و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا }الإسراء/33
ثم قال : أنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان ، فقام أهل الشام جميعهم و أجابوا إلى الطلب بدم عثمان ، و بايعوه على ذلك و أعطوه العهود و المواثيق على أن يبذلوا أنفسهم و أموالهم حتى يدركوا ثأرهم أو يفني الله أرواحهم . انظر : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/150-152) .

فائدة ..
يقول ابن العربي : و لا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إثارة الفتنة و تشتيت الكلمة . أحكام القرآن لابن العربي (4/1718) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/318) في تفسير سورة الحجرات .
و يناقش الإمام الباقلاني هذا الموضوع في التمهيد في الرد على الملحدة (ص 231) فيقول : و على أنه إذا ثبت أن علياً ممن يرى قتل الجماعة بالواحد ، فلم يجز أن يقتل جميع قتلة عثمان إلا بأن تقوم البينة على القتلة بأعيانهم ، و بأن يحضر أولياء الدم مجلسه و يطلبون بدم أبيهم و وليهم .. و إن قتل قتلة عثمان ، لا يؤدي إلى هرج عظيم و فساد شديد ، قد يكون فيه مثل قتل عثمان أو أعظم منه ، و إنّ تأخير إقامة الحد إلى وقت إمكانه و تقصّي الحق فيه أولى و أصلح للأمة و ألمّ لشعثهم و أنفى للفساد و التهمة عنهم .
و إن السياسة الحكيمة تقتضي ما كان ينادي به أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من التريث و الأناة و عدم الاستعجال ؛ إذ إن الأمر يحتاج إلى وحدة الصف و الكلمة لإيجاد موقف موحد ، و مواجهة ذلك التحدي الذي يهدد مركز الخلافة ، بيد أن الخلاف في الرأي أضعف مركز الخلافة الجديد ، و قضى بالتالي على كل الآمال في نيل ثأر الخليفة المقتول .
يقول النووي في شرح صحيح مسلم (7/167) و (18/219-220) بأن الروايات - أي عن النبي صلى الله عليه وسلم - صريحة في أن علي رضي الله عنه كان هو المصيب المحق ، و الطائفة الأخرى أصحاب معاوية كانوا بغاة متأولين ، و فيها التصريح بأن أصحاب الطائفتين مؤمنون لا يخرجون بالقتال عن الإيمان و لا يفسقون .
و لهذا فإن علياً رضي الله عنه تألم و تكدر بقتال أهل الجمل و قال بعد صفين : لو علمت أن الأمر يكون
هكذا ما خرجت . مصنف ابن أبي شيبة (15/275) و (15/293) .
و قد ندم بعض من شارك في القتال كما في الصحيح عن شقيق بن سلمة حين سئل هل شهدت صفين ؟
قال : نعم و بئست صفون . صحيح البخاري مع الفتح (13/296) .
بل نقل عن علي نفسه أن قال : لله درّ مقام سعد بن مالك و عبد الله بن عمر - أي في اعتزال الفتنة - إن كان بِراً إن أجره لعظيم و إن كان إثماً إن خطأه ليسير . مجموع الفتاوى لابن تيميمة (4/440) .
و هكذا إذا نظرنا نظرة مجملة إلى القضية سوف نجد أن الموقف الأحوط و الأمثل هو موقف الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة و آثروا عدم قتال أهل القبلة ، و ذلك أن الله تعالى إنما أمر بقتال الفئة الباغية و سماهم باغية إذا رفضت الصلح ، و لم يأمر بقتالها ابتداءً .
روى ابن سعد في الطبقات (3/143-144) ، و أبو نعيم في الحلية (1/94) ، عن ابن سيرين قال : لما قيل لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ألا تقاتل؟ إنك من أهل الشورى و أنت أحق بهذا الأمر من غيرك ؟ قال : لا أقاتل حتى يأتوني بسيف له عينان و لسان يعرف المؤمن من الكافر ، فقد جاهدت و أنا أعرف الجهاد . و قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني و رجاله رجال الصحيح (7/299) .
و يتخذ عبد الله بن عمر رضي الله عنه أيضاً موقف الحياد و العزلة فلم يشترك في أي قتال بين المسلمين قط ؛ روى الإمام البخاري في صحيحه مع الفتح (13/49) عن سعيد بن جبير قال : خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثاً حسناً ، قال : فبادرنا إليه رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن ! حدثنا عن القتال في الفتنة و الله يقول : { و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة } فقال : هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك ؟ و إنما كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين ، و كان الدخول في دينهم فتنة و ليس كقتالكم .
و بهذا المذهب التزم إما أهل السنة أحمد بن حنبل و بنى عليه موقفه في رفض الخروج على الدولة العباسية .
و على مذهب الإمساك في الفتنة كان كذلك الإمام البخاري ، فإن تراجم أبواب كتاب الفتن من صحيحه
تنطق بذلك ، و على منواله سار الإمام مسلم و غيره من المصنفين في الحديث في هذه المسألة . تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/182 و 184) .
و قال الإمام الطبري : و إن أشكل الأمر - أي اشتبه و لم يمكن التميز فيه بين الحق و الباطل - فهي الحالة
التي ورد النهي عن القتال فيها . انظر الفتح لابن حجر (13/35) .
و قد رجح هذا المذهب و انتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه ، فيذكر في منهاج السنة (8/525-526) أقوال أئمة العلم في القتال ، و من ذلك قوله : و منهم من يقول كان الصواب أن لا يكون قتال ، و كان ترك القتال خيراً للطائفتين فليس في الاقتتال صواب ، و لكن علي كان أقرب إلى الحق من معاوية و القتال قتال في الفتنة ، ليس بواجب و لا مستحب و كان ترك القتال خيراً للطائفتين مع أن علياً كان أولى بالحق و هذا قول أحمد و أكثر أهل الحديث و أكثر أئمة الفقهاء ، و هو قول أكابر الصحابة و التابعين لهم بإحسان و هو قول عمران بن حصين رضي الله عنه و كان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال ، و هو قول أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة و ابن عمر و سعد بن أبي وقاص و أكثر من بقي من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار رضي الله عنهم . و كذلك انظر الفتاوى (4/440-441) .
على أن هذا المذهب هو أقوى المذاهب و أرجحها بدلالة النصوص الشرعية و أقوال السلف الصالح السابقة الذكر ، و هو أقوى من مذهب من يرى أن الصواب هو القتال مع علي رضي الله عنه فضلاً عمن يرى أن الصواب هو القتال مع من حاربه . هذا مواقف الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة و كفوا عن القتال تمسكاً بالأحاديث الصريحة الواردة في هذا الأمر ، و التي تنهى عن القتال بين المسلمين علماً بأن الكف كان أحوط و الصلح أمثل ، و بالجملة هذا مذهب أهل الحديث عامة و من تأمله ظهر له قوة دلائله النصية و صدق نتائجه الواقعية . تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/180 و 187) .
و إذا نظرنا إلى روايات الإمام الطبري في هذا الموضوع - أي موقعة صفين - نجدها تبلغ أربعاً و ستين رواية كلها من طريق أبي مخنف ، و لم يخرج من غير طريقه سوى سبع روايات فقط ذكرت أحداثاً جانبية ، و هي بمجموعها لا تعدل رواية واحدة من روايات أبي مخنف المطولة . و بغض النظر عن ضعف أبي مخنف فإننا لا نستطيع أن نأخذ أحداث صفين من هذه الروايات ، ذلك أن أبا مخنف يصور لنا الوقعة من زاوية واحدة ، و هي جيش علي رضي الله عنه إذ لا يمكن مقارنته بما وصف به جيش معاوية رضي الله عنه . بل إنه لا يمكن أن يؤخذ منها حتى وصف جيش علي ؛ و السبب في هذا أن أبا مخنف ينظر إلى ذلك الجيش بعين واحدة ، و هي عين القبلية ، فقد أكثر من ذكر قبائل اليمن و قتالها و أشاد بأبطالها و رجالها .
هذا و قد ساق أبو مخنف روايات صفين في سلسلة متصلة الحلقات ، فهو يذكر الحادثة من طريق ثم يكملها من طريق آخر و هذا مما يزيد الشك فيها ، إذ إن هذا لا يظهر في الروايات التاريخية عادة ، بل لا يكون عند القراءة من كتاب أو حفظ ملحمة مكتوبة ، فينشد كل راوٍ بعضها فلا تتداخل المعلومات بين الروايات ، و إن المتمعن بهذه الروايات يرى ذلك جلياً . انظر مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري ( 279-281) بتصرف .
ونظراً لعدم حذاقة صانع الحوار - أبو مخنف - فقد أعطى الموضوع صورة تدل على أنه مصطنع فقد أقحمه بحوارات و كلمات تدل على كذب هذه الروايات .







التوقيع :
إن سعة العلم تلد رحابة الأفق وإن حسن النية يلد رحابة الصدر وإن الإيمان المحض يلد الحفاظ الدقيق علي وحدة هذه الأمة.
فإذا نشب خلاف علي مسألة ما بين علماء مخلصين فإن هذا الخلاف لن يطول اجله .
وإذا قدر له أن يطول فلن يترك في النفوس حقدا ولا في الصفوف صدعا .
وإذا حدث من ذلك شئ فلا بد أن يكون الأسباب مصطنعة بعيده عن دائرة العلم أو عن دائرة الإخلاص أو عن كلتيهما جميعا .
من مواضيعي في المنتدى
»» مفهوم عدالة الصحابة
»» اخ وليد الشيخ ما رايك في هذا
»» استشهاد الحسين رضي الله عنه دراسة نقدية تحليلة
»» زكاة الحلي
»» إضحك مع الكذاب الغبي سعيد فودة
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:13 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "