العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الحــوار مع الــصـوفــيـــة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-10-06, 06:51 AM   رقم المشاركة : 1
abo othman _1
مشرف بوابة الرد على الصوفية






abo othman _1 غير متصل

abo othman _1 is on a distinguished road


الأفلاَطونيّة الحديثة بقلم إحسان إلهي ظهير رحمه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أنقل لكم هذا المبحث من كتاب الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله تعالى من كتابه [ التصوف المنشأ والمصادر ]


الأفــلاَطـونيّة الحــَدِيثـَة


ولقد ذكر جمع من الكتّاب والباحثين في التصوف ممن اشتغلوا بالتصوف من المسلمين وغير المسلمين . وقل من شذ عنهم أن الأفلاطونية الحديثة هي أحد المصادر الأساسية للتصوف , بل إنها هي المصدر الأول بالنسبة للقائلين بوحدة الوجود والحلول بدءاً من أبي اليزيد البسطامي , وسهل التستري , والترمذي الملقب بالحكيم , ابن عطاء الله الأسكندري , وابن سبعين , وابن الفارض , والحلاج , ولسان الدين بن الخطيب , وابن عربي , والرومي , والجيلي , والعراقي , والجامي , والسهروردي المقتول , وبايزيد الأنصاري وغيرهم .

وأن هؤلاء أخذوا نظرية الفيض والمحبة والمعرفة والإشراق مع الآراء الأخرى التي تمسكوا بها عن الأفلاطونية المحدثة .

وعبارات الصوفية أنفسهم ناطقة بها وشاهدة عليها ولو أنهم اختلطت عليهم آراء الأفلاطونية الحديثة وآراء أفلاطون وأرسطو وغيرهم من حكماء اليونان الآخرين , حيث نسبوا ذلك إلى هذا , وهذا إلى تلك .

فيقول صوفي معاصر :
وأما وحدة الوجود الحلولية التي تجعل من الله كائنا يحل في مخلوقاته أو الاتحادية بالمعنى المفهوم خطا تلك التي تجعل من الكائن الفاني شخصية تتحد بالموجود الدائم الباقي المنزه عن سائر النسب والإضافات والأحياز الزمانية والمكانية المحدثة أو يتحد به شيء منها فإنها مذهب هندي أو مسيحي وليس بإسلامي ولا يعرفه الإسلام , استمده أهل الشذوذ في التصوف الإسلامي من الفلسفة البائدة , وغذوا به مذهبهم الشاذ بفكر أفلاطونية وآراء بوذية وفارسية عن طريق الفارابي وابن سينا , حاله أن المتتبع لحياة الحلاج ومؤلفات السهروردي وابن عربي يرى أنهم تأثروا بالمتفلسفة المسلمين الذين أخذوا عن الفلسفة الأفلاطونية الحديثة والأرسطو طاليسية( 1 ) .

وكتب قبله بقليل :
( فكان يعلن بعضهم أنه اطلع على الغيب وأن في مقدوره الإتيان بخوارق العادات ثم يذهب إلى ما هو أبعد من هذا مثل قولة الحلاج المشهورة : ما في الجبة غير الله – وغيره : أنا الحق وبمثل هذا وذاك ثار على الحلاج معاصروه ورموه بالسحر تارة والجنون أخرى وعذب عذابا أليما إلى أن مات في أوائل القرن الرابع , والله أعلم بحاله وكان من أمثال الحلاج من بالغوا مبالغة قلت أم كثرت كشهاب الدين عمر السهروردي المقتول رئيس جماعة الإشراقيين ومحيي الدين بن عربي الأندلسي . وابن سبعين الصقلي , وهم من رجال القرنين السادس والسابع وتابعهم جماعة من شعراء الفرس أمثال جلال الدين الرومي وفريد الدين العطار وكلهم يرمي إلى أن يقيم التصوف الإسلامي على دعائم فلسفية أو فارسية وهندية أو يونانية )( 2 ) .

ويقول الدكتور عبد القادر محمود :
( فإذا عدنا إلى تاريخ الاتصالات الأولى نجد أن الثقافة اليونانية كانت هي الثقافة المسيطرة على العقول في الشرق منذ عهد الإسكندر بالإضافة إلى ثقافات الشرق نفسه , حتى إذا أقبل المسلمون على حضارات غيرهم من الأمم القديمة كان إقبالهم على الثقافة الهللينية بمعونة نساطرة الحيرة وبمعاقبة غسّان , والسريان في الشام وغيرها , والصابئة من أتباع زرادشت , واليهود والنصارى . لكن الذي نؤكده أن باب الاتصال المباشر كان الأفلوطينية المحدثة ولو أن المسلمين حسبوها لأرسطو حين اعتقدوا خطأ أن كتاب الربوبية له , وهو في الواقع لأفلوطين الذي عرفوا من ورائه أفلاطون والثقافة اليونانية القديمة .

إننا نلاحظ أن الأستاذ نسلكسون يرى أن الأثر كان في القرن السادس الهجري , ويختلف معه ماسينيون , فيرى على وجه أصح أنه كان في القرن الرابع , والواقع أنه في القرن الثالث , بدليل أن الربوبية ظهرت عربية في الوسط الإسلامي في القرن الثالث الهجري وكان لها أثرها المباشر في نظريات الاتصال الفارابية , ونظريات البسطامي والحلاج . فإذا اعتمدنا على جهد اصطفان بن صُدَّيللي الغنوصي السرياني الذي كان أستاذاً في مجمع ( أريو باجوس ) الذي تخرج منه ديونيسيوس Dionysius الأريوباجي , والذي كان معاصرا ليعقوب السروجي الأديب السرياني المشهور ( ت 521 م ) أقول – إذا عدنا إلى اصطفان بن صُدَّيللي , وجهوده في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي وفي ( الرُّها ) بالذات فإننا نجد من جهوده الخطيرة أنه نقل بعد رحلاته في مصر وغيرها مذاهب وحدة الوجود وعاد ونشرها في ( الرُّها ) و كما اشتغل بشرح الإنجيل , وأنكر أبدية عذاب جهنم , وأكد أن المذنبين سيعودون إلى الجنة بعد تطهير . وكان لهذا أثره في سخط أهل الرّها فطردوه ورموه بالإلحاد , فرحل إلى دير في بيت المقدس , ووجد لآرائه هناك أرضا خصبة , وجمع آراءه , ونسبها إلى ديونيسيوس لشهرته . من هنا لا نجد غرابة مطلقاً في الدوائر الصوفية في الإسلام انتشار مثل هذه الأقوال التي شاعت مع جهم بن صفوان , ثن اندفعت في أفق الفكر الإسلامي , حيث شكلت مذاهب الفيض والإشراق والمعرفة والجذب والحلول والاتحاد ووحدة الشهود ووحدة الوجود , وكل مركبات ( الثيوصوفية ) بتأثير الأمشاج المختلطة مع الغنوص الشرقي القديم . فإذا نظرنا في مذاهب الفيض الأفلوطيني - نجد أن الله والعقل الأول والنفس الكلية والمادة غير المصورة والنفوس الجزئية – كل أولئك عبارة عن مراتب الوجود الأفلوطينية , وهذا ما نجده في مدرسة ابن عربي في الحقيقة المحمدية أول فيض من الذات الإلهية , ثم بقية الفيوضات في جميع الموجودات , وعند ابن الفارض في وحدة الشهودية وفي مذهبه القطبية والحقيقة المحمدية , وعند الإشراقية السهروردية والشيرازية التي تجعل الله نور الأنوار فياضاً بالأنوار القاهرة وهي النفوس والعقول , وبالجواهر الغاسقة الناشئة عن الأنوار , وهي الأجسام , حتى المصطلحات في المثل أو المعاني الأزلية , والحقيقة , وحقيقة الحقائق , والعلة والمعلول , والوحدة والكثرة , وتحقق الذات في الموضوع وشيوع الموضوع في الذات .

كل هذا يعود إلى أصوله الأفلوطينية التي تعود هي الأخرى إلى الغنوص الشرقي والغربي المؤول في الفلسفات اليهودية والمسيحية اللاهوتية . لقد أخذت النظريات الصوفية لدى الصوفية الفلاسفة أو الفلاسفة الخلص لدى المشائية الإسلامية وجوهرها من الأفلوطينية , وخاصة في المعرفة الإشراقية , التي تُلقى إلقاء في النفس عند تَطَهُّرها وتحررها , ويكفينا دليلا التاسوع الخامس لأفلوطين الذي يقول : ( النفس التي لا تضاء بضوئه تظل بغير رؤية ) , فإذا أضيئت فإنها تحتوي على كل ما تنشده فترى الأسمى بالأسمى – ترى الأسمى الذي هو في الوقت نفسه وسيلة الرؤية لأن ما يضيء النفس هو نفسه الذي تريد رؤيته , كما أننا نرى الشمس بضوء الشمس . لقد مارس أفلوطين ( ت 205 م ) هذه التجربة , وأعطى الاتجاه للفارابي وابن سينا , والحلاج والسهروردي , وابن عربي وابن الفارض , وابن سبعين وبقية الركب المشائي أو الصوفي . يقول أفلوطين ( وقد حدث مرات عدة أن ارتفعت خارج جسدي بحيث دخلتُ في نفسي , كنت حينئذ أحيا , وأظفر باتحاد مع الإلهي ) . ( يجب على أن أدخل في نفسي , ومن هنا أستيقظ . وبهذه اليقظة أتحد بالله ) . ( يجب عليَّ أن أحجب عن نفسي النور الخارجي لكي أحيا وحدي في النور الباطن ) )( 3 ) .

-------------------------------
( 1 ) جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف للمنوفي الحسيني ج1 ص 292 ط القاهرة .
( 2 ) أيضا ص 276 .
( 3 ) الفلسفة الصوفية في الإسلام للدكتور عبد القادر محمود ص 31 , 32 , 33 ط دار الفكر العربي .

------------------------------






التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» هؤلاء تركوا التصوف / الشيخ عبد المنعم الجداوي
»» الرد الأقوم على ما في فصوص الحكم
»» الموسوعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية بين التزوير وإثبات الباطل
»» آلان إسطوانة نبع الفوائد فيما عند الصوفية من العقائد
»» نظرات في موقع صلاح الدين القوصى الصوفي
 
قديم 27-10-06, 07:04 AM   رقم المشاركة : 2
abo othman _1
مشرف بوابة الرد على الصوفية






abo othman _1 غير متصل

abo othman _1 is on a distinguished road



ويقر هذا الأمر الدكتور عبد الرحمن بدوي – ولو أنه يختلف مع الدكتور عبد القادر في طرق وصولها إلى الصوفية – حيث أنه يقول تحت عنوان التأثير اليوناني في التصوف :
( وأهم نص في هذا الباب هو كتاب ( أثولوجيا أرسطو طاليس ) وهو كما نعلم فصول ومقتطفات , منتزعة من التساعات الأفلاطونية , وفيه نظريات الفيض والواحد التي ستلعب دورا خطيرا في التصوف الإسلامي , خصوصا عند السهروردي المقتول وابن عربي , وفيه نظرية ( الكلمة ) أو اللوغوس .

ولا شك في تأثر الصوفية المسلمين ابتداء من القرن الخامس الهجري بما في ( أثولوجيا ) من آراء . وإنما الخلاف هنا هو في هل وصل تأثيره إلى التصوف الإسلامي مباشرة , أو عن طريق كتب الإسماعيلية , وكلها حافلة بالتأثر به .

ويتلوه في الأهمية الكتب المنسوبة إلى هرمس .. وشخصية بارزة التأثير عند السهروردي المقتول , وابن عربي . الأول خصوصا في فكرة الطباع التام , التي تأثر بهل كل الإشراقيين بعد السهروردي , والطباع التام هو ( النوس ) . ويسمى أيضا الروجانية و الطبيعة الكريمة .

ويتصل به ما يرد من علم الصنعة سواء عند الصنوعيين ( الكيماويين ) وعند الصوفية المسلمين .

ومن النصوص المهمة المنسوبة إلى هرمس : رسالة هرمس في معاذلة النفس , التي نشرناها في كتابنا : الأفلاطونية المحدثة عند العرب , فهي مناجيات للنفس وتحليل لها , وتأنيب للنفس الأمارة , ودعوة للنفس من أجل التطهر والتقديس .
ومن السهل أن نجد أصداء لها ومشابه في مناجيات الصوفية المسلمين .

ثم إن هناك فصولا منحولة لأفلاطون وسقراط وغيرهما من الفلاسفة اليونانيين معظمها آداب وأقوال .... وكلها تتشابه في بعض آرائها مع الأقوال المنسوبة إلى كبار الصوفية المسلمين في كتب طبقات الصوفية المختلفة ( القشيري , السلمي , الشعراني , الهروي , العطار , الجامي الخ الخ )( 1 ) .

ولقد أقر الدكتور أبو العلاء العفيفي أيضا بتأثر ابن عربي ومن نهج منهجه في الأمور الكثيرة وفي نظرية الفيض بأفلاطونية المحدثة( 2 ) .

وكتب الدكتور التفتازاني كلاما يشبه هؤلاء حيث قال ك
( ونحن لا ننكر الأثر اليوناني على التصوف الإسلامي , فقد وصلت الفلسفة اليونانية عامة , والأفلاطونية المحدثة خاصة , إلى صوفية الإسلام عن طريق الترجمة والنقل , أو الاختلاط مع رهبان النصارى في الرها وحران . وقد خضع المسلمون لسلطان أرسطو , وإن كانوا قد عرفوا فلسفة أرسطو على أنها فلسفة إشراقية , لأن عبد المسيح بن ناعمة الحمصي حينما ترجم الكتاب المعروف بـ ( أثولوجيا أرسطو طاليس ) قدمه إلى المسلمين على أن لأرسطو على حين أنه مقتطفات من تاسوعات أفلوطين .

وليس من شك في أن فلسفة أفلوطين السكندري التي تعتبر أن المعرفة مدركة بالمشاهدة في حال الغيبة عن النفس وعن العالم المحسوس , كان لها أثرها في التصوف الإسلامي فيما نجده من كلام متفلسفي الصوفية عن المعرفة . وكذلك , كان لنظرية أفلوطين السكندري في الفيض وترتيب الموجودات عن الواحد أو الأول . أثرها على الصوفية المتفلسفين من أصحاب الوحدة كالسهروردي المقتول , ومحي الدين بن عربي , وابن الفارض , وعبد الخالق بن سبعين , وعبد الكريم الجيلي , ومن نحا نحوهم .

ونلاحظ بعد ذلك أن أولئك المتفلسفة من الصوفية نتيجة اطلاعهم على الفلسفة اليونانية قد اصطنعوا كثيرا من مصطلحات هذه الفلسفة مثل : الكلمة – العقل الأول - العقل الكلي – العلة والمعلول - الكلي .... إلخ )( 3 ) .

وبمثل ذلك قال الدكتور محمد كمال جعفر( 4 ) .
والدكتور مصطفى حلمي( 5 ) .
والدكتور زكي مبارك( 6 ) .
والدكتور محمد جلال شرف( 7 ) .
والدكتور هلال إبراهيم هلال( 8 ) .

-----------------------------------------
( 1 ) انظر تاريخ التصوف الإسلامي للدكتور عبد الرحمن بدوي ص 41 , 42 .
( 2 ) انظر تعليقات أبي العلاء العفيفي من فصوص الحكم لابن عربي الجزء الثاني ص 9 ط دار الكتاب العربي بيروت .
( 3 ) انظر مدخل إلى التصوف الإسلامي للدكتور أبي الوفا الغنيمي التفتازاني ص 33 , 34 .
( 4 ) انظر مقدمة كتاب المعارضة والرد لسهل بن عبد الله التستري ط دار الإنسان القاهرة .
( 5 ) انظر القيم الروحية ص58 وما بعد .
( 6 ) انظر التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق ج1 ص 249 .
( 7 ) انظر دراسات في التصوف الإسلامي ص 346 .
( 8 ) انظر ولاية الله والطريق إليها , مقدمة .


---------------------------






التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» الرد الأقوم على ما في فصوص الحكم
»» لا يا سلفية الذكر له شروط فرجاء من غير تعصب
»» هؤلاء تركوا التصوف / الشيخ محمد عيد العباسي
»» سلسلة أعلام التصوف 7 أبو الحسن الشاذلي
»» الرد شبهة المجاز العقلي
 
قديم 27-10-06, 07:13 AM   رقم المشاركة : 3
abo othman _1
مشرف بوابة الرد على الصوفية






abo othman _1 غير متصل

abo othman _1 is on a distinguished road



وأما الدكتور قاسم غني الفارسي فكتب :

( وأن طريق الوصول إلى المبدأ والحصول على التمتع الأبدي هو تطهير النفس السفلية عن طريق التجرد من الشهوات الجسمانية والميول الحسية وممارسة الفضائل الأربع , وهي : العفة , والعدل , والشجاعة , والحكمة . هذه نماذج من آراء الفلسفة الأفلاطونية الحديثة التي وفق المسلمون بينها وبين الشرع الإسلامي . ولهذا الغرض حذفوا منها أشياء وزادوا عليها أشياء وسموها ( حكمة الإشراق ) .

وقد أثر في التصوف والعرفان ذيوع آراء أفلاطون وظهور الفلسفة الأفلاطونية الحديثة بين المسلمين أكثر من أي شيء . وبعبارة أخرى , أحرز التصوف الذي كان إلى ذلك الحين زهدا عمليا أساسا نظريا وعمليا .

وإذا دققنا في آراء الأفلاطونية الحديثة وجدنا أن الصوفي الزاهد الذي غض الطرف عن الدنيا وما فيها بحكم أنها فانية , وتعلق خاطره بما هو خالد . يشعر بلذة الرضا في فلسفة أفلوطين . بل يحصل على منتهى غايته في تلك الآراء , وموضوع وحدة الوجود في الفلسفة الأفلاطونية الحديثة جذب أنظار الصوفية أكثر من أي شيء آخر لأن الذين يؤمنون بهذه العقيدة يرون أن العالم كله مرآة لقدرة الحق تعالى وكل موجود بمثابة مرآة تتجلى ذات الله فيها إلا أن المرايا كلها ظاهرة , والوجود المطلق والموجود الحقيقي هو الله . ينبغي على الإنسان أن يسعى حتى يمزق الحجب ويجعل نفسه محلا لتجلي جمال الحق الكامل ويبلغ السعادة الأبدية .

على السالك أن يطير بجناح العشق نحو الله تعالى ويحرر نفسه من قيد وجوده الذي ليس إلا مظهرا فحسب . وينمحي ويفنى في ذات الله أي الموجود الحقيقي )( 1 ) .

هذا وبمثل ذلك قال الآخرون من الفرس الذين اشتهروا باشتغالهم في التصوف , مثل الدكتور عبد الحسين زرين كوب( 2 ) .
والأستاذ مهدي توحيدي بور( 3 ) .
وقبلهم الأردبيلي أحمد بن محمد ( 4 ) .
وغيرهم الكثيرون الكثيرون .

وأما صوفية الهند وكتاب شبه القارة عن التصوف فأيضا أقروا بتلك الحقيقة الناصعة التي لا يمكن التهرب والأعراض عنها .

فلقد قال البروفيسور يوسف سليم جشتي في كتابه الكبير عن التصوف , بعد ما استعرض آراء الأفلاطونية الحديثة ونظريتها مفصلة , قال :

( إن التصوف لم يقتبس , ولم يؤخذ إلا من المنابع الصافية والمصادر الطاهرة , وعلى رأسها الأفلاطونية المحدثة , وتبني الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي نفس الأفكار التي نشرها أفلوطين الأسكندري , المبنية على الفكر الفلسفي والمشاهدة الذاتية , والذي بين أن تزكيه النفس لا يمكن إلا بالتبتل عن العلائق الدنيوية والعالم المادي , ولها مراتب ثلاث :

تصفية النفس , وتجلية النفس , وتحلية النفس .

ولا يمكن الوصول إليها إلا بالمراحل الثلاث :
أولا : بالفن والآداب , والمراد منها طلب الحقيقة وجمالها . وأن هذين الشيئين أي ( Truth and Beauty ) اسمان لشيء واحد في الحقيقة .

ثانيا : بالعشق .
ثالثا : بالحكمة
.

وأهم الأشياء في فلسفة أن طريق تهذيب النفس وتكميل الروح ليس ببرهاني ولا عقلي , بل هو وجداني وكشفي , كما أن فلسفته في الإلهيات تدور على وحدة الوجود , وهذا عين ما كان يؤمن به الشيخ الأكبر ابن عربي وغيره , كما أومن به أنا أيضا )( 5 ) .

وبمثل ذلك قال الآخر :
ولا يبعد أن التصوف الإسلامي قد تأثر إلى حد كبير بالفلسفة اليونانية والتصوف الهندي والأديان الأخرى المجاورة للعرب كالمسيحية في الشام واليهودية في اليمن والزرادشتية في العراق وبلاد الفرس وغيرها إذ تم الاختلاط بين العرب وبين معتنقي هذه الديانات في القرن الثاني والثالث الهجري , وترجمت الفلسفة اليونانية كما ترجمت الثقافات الأخرى التي كانت موجودة عند أهل هذه البلاد المفتوحة قبل دخولهم في الدين الإسلامي .

لذلك رأى بعض العلماء أن التصوف الإسلامي هو إيجاد الفلسفة اليونانية .

بينما قال البعض الآخر : أنه نواة الدين المسيحي , في حين أن فريقا من المحققين يميلون إلى التصوف الإسلامي قد أخذته العرب من الهنود كما أخذت العرب الفلسفة من اليونان إذ كان التصوف شائعا رائجا بين الهنود قبل الإسلام بقرون , ولم يظهر عند العرب في صورة مذهب مستقل إلا بعد فتح البلاد الهندية واختلاطهم بأهل تلك البلاد )( 6 ) .

فهذه هي عبارات ونصوص الباحثين من المسلمين الذين عرفوا بالبحث والكتابة عن التصوف والصوفية , والأكثر منهم عرفوا بالولاء للصوفية والدفاع عنهم وعن معتقداتهم , والبعض منهم يُعَدّ من الصوفية ويحسب على التصوف .

---------------------------------
( 1 ) انظر التصوف الإسلامي للدكتور قاسم غني ترجمة صادق نشأت ص 142 , 143 .
( 2 ) انظر كتابه دنباله جستجودر تصوف إيران ص 267 وما بعد ط طهران 1362 هجري شمسي .
( 3 ) انظر مقدمة نفحات الأنس للجامي الطبعة الفارسية ص 83 وما بعد ط إيران 1337 .
( 4 ) انظر حديقة الشيعة ص 266 ط طهران .
( 5 ) انظر تاريخ التصوف باللغة الأردية ليوسف سليم جشتي ص 63 وما بعد ط علماء اكيدمي وزارة الأوقاف باكستان 1976 م .
( 6 ) مقدمة كتاب بايزيد الأنصاري للدكتور مير ولي خان الطبعة العربية ص 99 ط مجمع البحوث الإسلامية باكستان 1396 هـ
.

--------------------------






التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» مصطلحات الصوفية / وثائق
»» الآن عرفت لماذا انكسر التتار
»» ابن عربي يشهد بأن نافي الإينية عن الله أين الله عز وجل ناقص الايمان !!
»» سلسلة الصوفية والتصوف في ميزان الشريعة
»» لقاء منتدى التصوف العالم المجهول مع الاخ الصوفي السابق / الصابر
 
قديم 27-10-06, 07:24 AM   رقم المشاركة : 4
abo othman _1
مشرف بوابة الرد على الصوفية






abo othman _1 غير متصل

abo othman _1 is on a distinguished road



هذا ولأجل ذلك ذهب معظم المستشرقين إلى أن الأفلاطونية الحديثة من أهم مصادر التصوف , وخاصة للتصوف المتأخر من القرون الأولى , ولقد بحث المستشرق الأنجليزي ************لسون هذا الأمر في مقالاته عن التصوف بمواضع عديدة , فأرجع نشأته إلى عوامل خارجة عن الإسلام عملت عملها ابتداء من القرن الثالث الهجري . وأهم هذه العوامل وأبرزها في نظره هو الأفلاطونية الحديثة المتأخرة التي كانت شائعة في مصر والشام إلى عهد ذي النون المصري ومعروف الكرخي , ولهذا يتخذ من ذي النون المصري محورا لبحثه في هذه المقالة , فيأتي بكثير من الأسانيد التاريخية عن حياة ذي النون ونشأته , ويستدل بها على أن ذا النون كان على علم بالحكمة اليونانية الشائعة في عصره . ويتتبع حركة الثقافة اليونانية المتأخرة وطرق وصولها إلى المسلمين .

وينتهي إلى أن التصوف في ناحيته النظرية مأخوذة من الأفلاطونية الحديثة موافقا في ذلك رأي ميركس الذي شرح هذه النظرية في كتابه ( التاريخ العام للتصوف ومعالمه ) هيد لبرج سنة 1893 م ( 1 ) .

ويقول ************لسون :
( ولا حاجة بنا إلى الإطناب في الكلام عن انتشار الثقافة الهلينية بين المسلمين في ذلك العصر , فإن كل من له إلمام بتاريخ العرب الأدبي يعلم كيف طغت موجة العلوم اليونانية – وقد بلغت ذروتها آنئذ - على العراق من مراكز ثلاثة : من الأديرة المسيحية في الشام , ومن مدرسة جنديسابور الفارسية في خوزستان , ومن وثني حران أو الصابئة في الجزيرة . وقد نقل إلى العرب كتب لا حصر لعددها في الفلسفة والطب وسائر العلوم اليونانية الأخرى , وعكف على دراستها المسلمون وأتخذوها أساسا قامت عليه اتجاهاتهم الجديدة في البحث , حتى لتكاد العلوم والفلسفة الإسلامية تكون مؤسسة على حكمة اليونان وحدها .

وأبرز شخصية يونانية في الفلسفة الإسلامية هي أرسطو طاليس لا أفلاطون , ولكن العرب استمدوا أول علمهم بفلسفة أرسطو طاليس من شراح الأفلاطونية الحديثة , وكان المذهب الذي غلب عليهم هو مذهب أفلوطين وفور فوريوس وأبرقلس . وليس كتاب ( أثولوجيا أرسطو طاليس ) الذي نقل إلى العربية حوالي 840 م حسب تقدير دتريصي إلا ملخصاً لمذهب الأفلاطونية الحديثة . ومعنى هذا أن الأفكار الأفلاطونية الحديثة قد انتشرت بين المسلمين انتشارا واسعاً ... ولا داعي الآن إلى الاسترسال في هذا الموضوع بأكثر من هذا القدر , ويكفي القول بأن المسلمين قد وجدوا المذهب الأفلاطوني الحديث أينما حلوا وفي أي مكان اتصلوا فيه بالحضارة اليونانية .

وقد كان لمصر والشام دائما الصدارة بين الأمم التي انتشرت فيها الحضارة اليونانية , وهما البلدان اللذان ظهر التصوف فيهما لأول مرة بمعناه الدقيق وتطور كما أسلفنا . والرجل الذي اضطلع بأكبر قسط في تطور هذا النوع من التصوف , هو ذو النون المصري الذي وصف بأنه حكيم كيميائي , أو بأنه – بعبارة أخرى – أحد أولئك الذين نهلوا من منهل الثقافة اليونانية . فإذا أضفنا إلى هذا أن المعاني التي تكلم فيها ذو النون هي _ في جوهرها – المعاني التي نجدها في كتابات يونانية مثل كتابات ديونيسيون ........

وليس عندي من شك في أن المذهب الغنوصي بعد ما أصابه من التغيير والتحوير على أيدي مفكري المسيحية واليهودية , وبعد امتزاجه بالنظريات اليونانية كان من المصادر الهامة التي أخذ عنها رجال التصوف الإسلامي , وأن بين التصوف والغنوصية مواضع اتفاق كثيرة هامة . ولا شك عندي أيضاً في أن دراسة هذه المسألة دراسة دقيقة وافية لما يأتي بأطيب الثمرات , ولكنني على يقين من أننا إذا نظرنا إلى الظروف التاريخية التي أحاطت بنشأة التصوف بمعناه الدقيق , استحال علينا أن نرد أصله إلى عامل هندي أو فارسي , ولزم أن نعتبره وليداً لاتحاد الفكر اليوناني والديانات الشرقية : أو بمعنى أدق وليد اتحاد الفلسفة الأفلاطونية الحديثة والديانة المسيحية والمذهب الغنوصي )( 2 ).

ويقول في مقال آخر :
( ومما يحملنا على الجزم بوجود أثر للفلسفة اليونانية في التصوف الإسلامي أن نظرية المعرفة فيه ظهرت في غربي آسيا ومصر في بلاد تأصلت فيها الثقافة اليونانية أحقابا طويلة , وكان بعض المبرزين في الكلام فيها من أصل غير عربي )( 3 ) .

وفي مقال آخر صرح بأن التصوف الفلسفي الإلهي هو أثر من آثار النظر اليوناني , ولا يمكن الإنكار من امتزاج الفكر اليوناني والدين الإسلامي في التصوف وخاصة الأفلاطونية المحدثة ( 4 ) .

وبمثل ذلك قال براون في كتابه ( تاريخ فارس الأدبي ) , والمستشرق الأوليري في كتابه ( الفكر العربي ومكانته في التاريخ )( 5 ) .

ومير كس في كتابه( 6 ) .

ويقول ماسينيون المستشرق الفرنساوي :
( وتسربت الفلسفة اليونانية إلى العالم الإسلامي , وأخذ يزداد باطراد منذ أيام الأذرية القرامطة القدامى , والرازي الطبيب إلى عهد ابن سينا , وكان من نتيجة ذلك أن استحدثت في القرن الرابع الهجري مصطلحات ميتافيزيقة أدق من سابقتها يفهم منها أن الروح والنفوس جواهر غير مادية , وأن ثمة معاني عامة وسلسلة من العلل الثانية وغير ذلك , وأن هذه المصطلحات اختلطت بالإلهيات المنحولة لأرسطو , وبمثل أفلاطون , وفيوضات أفلوطين , وقد كان لهذا كله أثر بالغ في تطور التصوف )( 7 ) .

فهذه هي آراء المستشرقين , تشبه تماما آراء من ذكرناهم قبل ذلك من المسلمين .

--------------------------------
( 1 ) انظر مقدمة الكتور أبي العلاء العفيفي لطائفة من الدراسات المجموعة باسم في التصوف الإسلامي وتاريخه ص ( س) .
( 2 ) انظر في التصوف الإسلامي وتاريخه لنكلسون ترجمة عربية ص 14 وما بعد .
( 3 ) أيضا ص 73 , 74 .
( 4 ) صوفية الإسلام ص 15 .
( 5 ) انظر ص 196 , أيضا مدخل إلى التصوف للتفتازاني ص 32 , 33 .
( 6 ) انظر كتابه التاريخ العام للتصوف ومعالمه .
( 7 ) التصوف لماسينيون ص 38 , 39 .


-------------------------------------






التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» كيف تصبح صوفيا أصليا
»» حمل حوار مع المالكي في رد منكراته و ضلال
»» الباطنية الصوفية مسترة إلى اليوم عبد الهادي الخرسة مثالا
»» حمل كتاب الشرك في القديم والحديث للشيخ أبو بكر محمد زكريا
»» الرد على شبهة خدرت رجل ابن عمر
 
قديم 27-10-06, 07:34 AM   رقم المشاركة : 5
abo othman _1
مشرف بوابة الرد على الصوفية






abo othman _1 غير متصل

abo othman _1 is on a distinguished road



وهناك في كتب بعض الصوفية المتقدمين ما يدل على ارتباطهم بالفلسفة اليونانية وأخذهم عنها , وتأثرهم بها , حيث مجدوها وبالغوا في الثناء عليها , وعلى من أوجدها وطرحها ونشرها بين الناس , ولو حصل الخطأ في نسبة بعض الآراء والأفكار إلى البعض دون البعض , وإلى الواحد دون الآخر كما مرت الإشارات إلى ذلك أثناء نقل العبارات السابقة عنهم .

فيقول الجيلي في كتابه ( الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل ) في الجزء الثاني منه ما يدل على حبه العميق لموجدي الفلسفة اليونانية والربط الشديد لموجديها , فيقول :

( ولقد اجتمعت بأفلاطون الذي يعدونه أهل الظاهر كافرا , فرأيته وقد ملأ العالم الغيبي نورا وبهجة , ورأيت له مكانة لم أرها إلا لآحاد من الأولياء , فقلت له : من أنت ؟
قال : قطب الزمان وواحد الأوان , ولكم رأينا من عجائب وغرائب مثل هذا ليس من شرطها أن تفشي , وقد رمزنا لك في هذا الباب أسراراً كثيرة ما كان يسعنا أن نتكلم فيها بغير هذا اللسان , فألق القشر من الخطاب وخذ اللب إن كنت من أولي الألباب )( 1 ) .

وفي مقام آخر من كتابه كتب أن أرسطو تلميذ أفلاطون لزم خدمة الخضر واستفاد منه علوما جمة , وكان من تلامذته( 2 ) .

وهذا غير ما ذكر من آرائه وآراء أفلاطون وفلسفتهما , والتعلق والتمسك بها ومصطلحاتها التي استعملها واعتنقها وآمن بها .

وبمثل ذلك كتب لسان الدين بن الخطيب في كتابه الصوفي الكبير ( روضة التعريف بالحب الشريف ) حيث يلقب أفلاطون كلما يذكره بمعلم الخير , وأرسطو بحكيم متأله , وسقراط وهرمس وغيرهم من أهل الأنوار .

وحكى عن أرسطو ( خطأ ) أنه حصل له الاتحاد بالذات الإلهية . فيقول نقلا عن أرسطو أنه قال :

( إني ربما خلوت بنفسي كثيراً , وجعلت بدني جانبا , وصرت كأني مجردا بلا بدن , عري من الملابس الطبيعية , فأكون داخلا في ذاتي , خارجا من سائر الأشياء . فأرى في ذاتي من الحسن والسناء , والبهاء والضياء والمحاسن العجيبة , والمناظر الأنيقة , ما أبقى له متعجبا متحيراً باهتاً , فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الأعلى الشريف . فلما أيقنت بذلك , رقيت بذهني إلى العلة الإلهية المحيطة بالكل , فصرت كأني موضوع متعلق بها . فأكون فوق العالم كله , فأراني كأني واقف في ذلك الموقف الشريف المقدس الإلهي فأرى هنالك من النور والبهاء , والبهجة والسناء , وملا تقدر الألسن على صفته , ولا الأسماع على نعته , ولا الأوهام أن تحيط به , فإذا استغرقني ذلك النور والبهاء , لم أطق على احتماله , ولا الصبر عليه فارتددت عاجزاً عن النظر إليه , وهبطت من العقل إلى الفكر والروية , فإذا صرت في عالم الفكر والروية , حجبت الفكرة عني ذلك النور والبهاء , وحالت بيني وبينه الأوهام , فأبقى متعجباً كيف انحدرت من ذلك الموضع الشاهق العالي الإلهي , وصرت سفلا في موضع الفكر والضيقة , بعد أن قويت نفسي على التخلف عن بدنها , والرجوع إلى ذاتها , والترقي إلى العالم العقلي , ثم العالم الإلهي , مع العقول فوق العوالم كلها , حتى صارت في موضع البهاء والنور والسناء مجتلية الذي هو علة كل نور وبهاء , وسبب كل دواء وبقاء .

ومن العجب . أني كنت رأيت نفسي ممتلئة نوراً , وهي في البدن كهيئتها , والبدن معها , وهي خارجة عنه , على أني لما أطلت الفكرة , ومحضت الروية , وأجلت الرأي , وصرت كالمتحير المبهوت , تذكرت الفلنطوس , فإنه أمر بالطلب والبحث عن جوهر النفس الشريفة , والحرص على الصعود إلى ذلك العالم الشريف الأعلى . وقال : إنه من حرص على ذلك , وارتقى إلى العالم الأعلى , ولحق بالجواهر الإلهية , والأسباب الكلية , يجزي أحسن الجزاء اضطرارا . فلا ينبغي لأحد أن يفتر عن الطلب والحرص , والجد في الارتقاء إلى ذلك العالم , وإن تعب وكد ونصب , فإن أمامه الراحة التي لا تعب بعدها , في حياة دائمة , وعيشة راضية , ولذات باقية لا يتناهى أمدها , ولا يقطع مددها , مخلوقة للإنسان كلها , والإنسان مخلوق لها , أليس عجزا أن تمر ساعة من عمره في غير ما خلق له من ذلك ؟ أليس من فرط في السعي لذلك ظالما لنفسه , ومهلكا ذاته , وفاعلا بجوهرته النفيسة ما لم يفعل به أعدى عدو له , فيندم حين لا ينفعه الندم )( 3 ) .

ثم علق عليه بقوله :
( وبيان هذه السعادة : من تعرض له , فقد تعاطى ما لا يستقل به نفس , ولا تطمع فيه قوة ... وسبيل السعادة عندهم الرياضة , وعلاج الأخلاق , حتى يصير شيبها بالخير المحض وهو المبدأ , وتلطيف السر , وأن يصرف عن النفس شواغل الجسم , ويترقى في معارج المحبة والشوق إلى ذلك الكمال بالفكرة , حتى تحس النفس بانجذابها إلى عالمها , وتفيض عليها عجائبه . وقد أخبر هؤلاء الإلهيون عن أنفسهم عن أنفسهم بما ذكرناه آنفا , من أنهم نزعوا جلابيب الجسمانية في هذا العالم , وترقوا إلى العالم العلوي , فأبصروا من نوره ولذاته أموراً مذهلة , ثم عادوا إلى عالم الحس , ورمزوا ذلك في كتبهم , حسبما نقل سقراط الدنان , ومعلم الخير أفلاطون وإمام المشائين أرسطو ) ( 4 ) .

وهذه العبارات منثورة مبعثرة في كتب القوم كثيرا , ناطقة عن كنههم وحقيقة مشربهم الذي اختاروه منهجا ومسلكا من التصوف والصوفية كشهادات داخلية واعترافات ذاتية .

وعلى ذلك قال الصوفي المشهور عبد الوهاب الشعراني عن شيخه :
( وكان سيدي أفضل الدين رحمه الله يقول :
كثير من كلام الصوفية لا يتمشى ظاهره إلا على قواعد المعتزلة والفلاسفة فالعاقل لا يبادر إلى الإنكار بمجرد عزو الكلام إليهم , بل ينظر ويتأمل في أدلتهم التي استندوا إليها , فما كل ما قاله الفلاسفة والمعتزلة في كتبهم يكون باطلا )( 5 ) .

وبعد هذه الشهادات والاعترافات لا نرى الاحتياج إلى ذكر عبارات الصوفية , ومقارنتها بآراء الفلاسفة والأفلاطونية المحدثة كي لا يطول بنا الحديث ولو أننا سوف نتكلم في هذا الخصوص ونضطر إلى سرد تلك النصوص في محل آخر من الكتاب عند الاحتياج والضرورة .

فهذه هي مصادر التصوف , التي استقى منها شجرته حتى نمت وازدهرت , فأينعت وأثمرت , ولا يمكن رده إلى مصدر واحد ( فإن أثر المسيحية والأفلاطونية الحديثة والفلسفة البوذية عامل لا سبيل لنا إلى إنكاره في التصوف الإسلامي . وقد كانت هذه المذاهب والفلسفات متغلغلة في الأوساط التي عاش فيها الصوفية , فلم يكن بدّ من أن تترك طابعها في مذاهبهم , ولدينا أدلة كافية توضح أثرها في التصوف ومكانتها منه , ولو أن المادة التي بين أيدينا لا تمكننا من تتبع أثرها بالتفصيل . وبالجملة يمكن القول بأن التصوف في القرن الثالث – شأنه في ذلك شأن التصوف في عصر من عصوره – ظهر نتيجة لعوامل مختلفة أحدثت أثرها في مجتمعه . أعني بهذه العوامل البحوث النظرية في معنى التوحيد الإسلامي , والزهد والتصوف المسيحيين , ومذهب الغنوصية , والفلسفة اليونانية والهندية )( 6 ) .

وكان هناك مصدر هام له تأثير قوي في تكوين التصوف وتشكيله , وتحوير منهجه وتطويره , وترويج الأفكار الأجنبية البعيدة عن الإسلام وتعاليمه فيه , غير هذه المصادر التي ذكرناها , وهو : التشيع الذي وضع نواته اليهود , وساهمت في تنشئته وتنميته الديانات الفارسية .

ولكن لما لهذا المصدر من أهمية كبيرة وتأثير كبير لتغيير وجهة التصوف ومجراه , وتخليق أفكار غريبة فوق الغرابة التي وجدت فيه من المصادر الأخرى ربما تصطدم بنصوص صريحة للقرآن والسنة لا تحمل التأويل وتقضي على تعاليمها .

ولفارق آخر وهو أن مصادر التصوف الأخرى أخذ منها التصوف أفكارها , واقتبس منها آراءها دون أن يكون لتلك المصادر قصد ورغبة , وهدف وغرض , ولتلقين المتصوفة تعاليمها وفلسفاتها , ونشرها بينهم , غير أن التشيع بثّ أفكاره ودسّ معتقداته , وروجّ نظرياته بين الصوفية عن قصد وعمد لتشويش المسلمين في عقائدهم ومعتقداتهم وتبكيت أهل السنة عن الاعتراض على التشيع وزيغه وضلاله , وإلزامهم السكوت بإبراز طائفة تنتمي إليهم , وتحسب عليهم , وتحمل نفس المعتقدات التي تشتمل عليها هي , وهذا أمر خطير في تاريخ الطوائف والفرق , والملل والنحل .

ولذلك نخصص لبيانه بابا مستقلا ليكون الباحث والقارئ على إطلاع كامل على ما يحتاجه هذا البحث , وتتطلبه هذه القضية .


-------------------------------
( 1 ) الإنسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ج2 ص 52 , 53 الطبعة الرابعة 1981 م .
( 2 ) أيضا ج2 ص 117 .
( 3 ) روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص 559 , 560 , 561 .
( 4 ) أيضا ص 560 .
( 5 ) الطبقات الكبرى للشعراني ج1 ص 11 .
( 6 ) ************لسون : التصوف : دائرة معارف الدين والأخلاق ج12 ص 10 وما بعد 1934 م , أيضا ( في التصوف الإسلامي وتاريخه ) ص 72 .


---------------------------------






التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» تنبيه الشريف والعَوَام إلى ما عند ابن عربي من الطوامّ بقلم الشيخ أحمد الكوس
»» رد الفقير أبي عثمان على د. الشريف في تمجيده لابن عربي الصوفي الكبير
»» غاية الأماني في الرد على النبهاني
»» قصة عتق ثويبة
»» كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن أعرف
 
قديم 27-10-06, 07:36 AM   رقم المشاركة : 6
abo othman _1
مشرف بوابة الرد على الصوفية






abo othman _1 غير متصل

abo othman _1 is on a distinguished road



تم بحمد الله

===============

أبو عثمان






التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» هل تدنت كرامة الصوفي حتى أكل الغائط ؟
»» تأملوا هذه الصورة
»» مناظرات الشيخ الألباني
»» جديد الصوفية في تونس
»» حمل word علاقة التصوف بالثورات السياسية على الحكام وبالتكفير والانقلابات
 
قديم 27-10-06, 10:33 AM   رقم المشاركة : 7
باري القوس
عضو نشيط





باري القوس غير متصل

باري القوس


جزاك الله خيرا أخي أبو عثمان


اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين







التوقيع :
وهذه الدنيا لها حكم تقول خير ما فيه ترك ما فيها
فاعط كل ذي حق حقه ولا تقلل قدر ذي شأن واعط القوس باريها
من مواضيعي في المنتدى
»» يا حليل بني رافض!!!!!!!!!!!!!!!
»» اجمل ما في السعودية مفتيها!!!!!!!!!
»» اريد منكم ردا على هذا الموضوع
»» الى المدعي العام !!!!!!!!!!!!!!!
»» سؤال اعتقد انه مهم..!!
 
قديم 28-10-06, 07:44 AM   رقم المشاركة : 9
zazoo
عضو نشيط






zazoo غير متصل

zazoo is on a distinguished road


جزاك الله خير مشرفنا الغالي بوعثمان، بس المقال واايد طويل فلم أكمله كلَّه

هل تعرف مكتبة فيها كتاب الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمة الله عليه عندنا في الكويت؟

بصراحة أحب أن أقتني نسخة منه..







 
قديم 01-11-06, 11:20 PM   رقم المشاركة : 10
abo othman _1
مشرف بوابة الرد على الصوفية






abo othman _1 غير متصل

abo othman _1 is on a distinguished road



وإياك أخي الحبيب zazoo

بالنسبة للكتاب لا اعلم بالضبط أي كتبة تبيعه ، ولكن ابحث عليه في حولي شارع الحسن البصري

=================

أبو عثمان






التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» ترجمة عبد القادر الجيلاني بين الحقيقة والوهم
»» أثر / تفكر ساعة خير من عبادة سنة
»» الصوفية يحتفلون بمولد سيد شباب أهل الجنة Sofiyah
»» اعلان الشيخ الدمشقية يطالب الشيخ يوسف الرفاعي بالمناظرة وأن يثبت ما افتراه عليه
»» نظرات في معتتقدات ابن عربي pdf
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:57 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "