• ثالثاً المذهب المالكي
1ـ فقد جاء في كتاب " ترتيب المدارك " للقاضي عياض 2/54
: " قال التِّنيسيُّ : كنا عند مالك وأصحابه حوله ، فقال رجلٌ مِنْ أهلِ نَصيبين : عندنا قوم يُقال لهم الصوفيّة ، يأكلون كثيراً ، ثمّ يأخذون في القصائد ، ثمّ يقومون فيرقصون ؟ فقال مالك : أَصبيانٌ هم ؟ قال : لا ، قال : أمجانينُ هم ؟ قال : لا ، هم قومٌ مشايخ ، وغيرُ ذلك عقلاء ، فقال مالك : ما سمعتُ أنّ أحداً من أهل الإسلام يفعلُ هذا !!
فقال له الرجل : بل يأكلون ، ثمّ يقومون ويرقصون دَوَائبَ ، ويلطم بعضُهم رأسه ، وبعضهم وجهه ، فضحك مالك ثم قام فدخل منزله ، فقال أصحابُ مالك للرجل : لقد كنتَ يا هذا مشؤوماً على صاحبنا ، لقد جالسناه نيِّفاً وثلاثين سنة ، ما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم ! " انتهى
2ـ وقال أبو العبّاس القرطبي المحدّث صاحب " المفهم في شرح صحيح مسلم " عند كلامه على الغناء عند الصوفيّة : " .. وأمّا ما ابتدعته الصوفيّة في ذلك ، فمِن قَبيل ما لا يُخْتَلفُ في تحريمه ، لكنّ النفوس الشهوانيّة غلَبَت على كثيرٍ ممن يُنسَبُ إلى الخير ، حتى لقد ظهَرَتْ من كثير منهم فَعَلاتُ المجانين والصبيان ، [mark=FFFF00]حتى رَقَصوا بحركاتٍ متطابقة ، وتقطيعاتٍ متلاحقة ، وانتهى التَّواقُحُ بقومٍ منهم إلى أن جعلوها مِنْ بابِ القُرَب وصالحِ الأعمال ، وأنَّ ذلك يُثمِرُ سَنِيَّ الأحوال ، وهذا على التحقيق : مِنْ آثار الزندقة ، وقول أهل المَخْرَقَة ، والله المُستعان[/mark] " انتهى
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي عقِبَه : " وينبغي أن يُعْكَسَ مُرادهم ، ويُقرأ : ( يُثمرُ سَيِّءَ الأحوال عوض سنيَّ الأحوال ) انتهى انظر فتح الباري 2/368
3ـ وجاء في المدخل لابن الحاج المالكي الصوفي 3/98 :
( فصلٌ ) [mark=FFFF00]وأشدُّ من فعلهم السّماع كونُ بعضهم يتعاطونه في المساجد [/mark]؛ وقد تقدّم توقير السلف رضي الله عنهم للمساجد ؛ كيف لا يكون ذلك وقد كانوا يكرهون رفع الصوت فيه ذكراً كان أوغيره . وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت بالقراءة فيه ، ........ [mark=FFFF00]وبعضُ هؤلاء يفعلون السماع على ما هو عليه اليوم في المساجد ويرقصون فيها وعلى حُصُرِ الوقف[/mark] ! انتهى
4ـ وقال القاضي أبو بكر الطرطوشي في كتابه المسمى بكتاب " النهي عن الأغاني " :.. وبلغنا أنّ طائفة من إخواننا المسلمين ؛ وفّقنا الله وإيّاهم ؛ قد استزلّهم الشيطان واستهوى عقولهم في حبِّ الأغاني وسماع الطقطقة واعتَقَدَتْه [mark=FFFF00]مِنَ الدِّين الذي يُقرّبهم من الله تعالى [/mark]وجاهرَت به جماعة المسلمين وشاقّت به سبيل المؤمنين وخالفت العلماء والفقهاء وحمَلَةَ الدين { ومن يُشاقق الرسول من بعد ما تبيّنَ له الهُدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين ، نولّه ما تولّى ونُصْله جهنّم وساءت مصيراً } وقد سُئلَ مالك رحمه الله عمّا رخّص فيه أهلُ المدينة منَ الغناء . فقال : [mark=FFFF00]إنّما يفعله عندنا الفسّاق[/mark] ، ونهى عن الغناء واستماعه . وأمّا أبو حنيفة رحمه الله فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب ، وكلّ ذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحمّاد وإبراهيم والشعبي لا اختلاف بينهم في ذلك ، و لا نعلم أيضاً بين أهل البصرة خلافاً في كراهيّة ذلك والمنع منه . وأمّا الشافعي رحمه الله فقال في كتاب القضاء : إنّ الغناء لهوٌ مكروه ويشبه الباطل والمحال . وكان الشافعي يكره الطقطقة بالقضيب ويقول وضعته الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن القرآن . ... وهذه الطائفة ( يعني الصوفية ) مخالفة لجماعة المسلمين لأنهم جعلوا الغناء ديناً ورأت إعلانه في المساجد والجوامع . انتهى المدخل 3/101
5ـ وقال الحسن : "[mark=FFFF00] ليس الدفّ من سنّة المسلمين [/mark]" ، وقد سأَلَ إنسانٌ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن الغناء .فقال : أنهاك عنه وأكرهه لك ، قال أحرامٌ هو ، قال : انظر يا ابن أخي إذا ميّزَ الله بين الحقّ والباطل منْ أيّهما يحصل الغناء ؟
وقال الحكم بن عيينة رحمه الله : السماع يورث النفاق كما ينبت الماء الزرع .
وقال الفضيل بن عياض : الغناء رقية الزنا .
وقال الضحاك : الغناء مفسدة للقلب مسخطة للربّ .
وقال ابن الكاتب : إيّاك والغناء .
وقال المُحاسبي في رسالة الإرشاد : الغناء حرام كالميتة .
وقال بعض الزهاد : الغناء يُورث العناد في قوم ، ويورث التكذيب في قوم ، ويورث الفساد في قوم .
قال ابن الحاج : (([mark=FFFF00]ونحنُ لا نذمّ إنشاد الشعر ولا نحرّمه ، وإنما يصير الشعرُ غناءً مذموماً إذا لُحّنَ وصُنعَ صَنْعَةً تورثُ الطرب وتزعج القلب وهي الشهوة الطبيعية [/mark])) . انتهى المدخل 3/105
6ـ وقال ابن الحاج المالكي : فإن قيل : أليس قد روي عن جماعة من الصالحين أنهم سمعوه ؟ قُلنا : ما بلغنا أنّ أحداً من السلف الصالح سمعه و لا فعله ، وهذه مصنّفات أئمة الدين وعلماء المسلمين مثل مصنّف مالك بن أنس وصحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وكتاب النسائي رضي الله عنهم إلى غيرها خالية من دعواكم وهذه تصانيف فقهاء المسلمين التي تدور عليها الفتوى قديماً وحديثاً في شرق البلاد وغربها ، فقد صنّف المسلمون على مذهب مالك بن أنس تصانيفَ لا تحصى وكذلك مصنّفات علماء المسلمين على مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من فقهاء المسلمين ، [mark=FFFF00]وكلّها مشحونة بالذبّ عن الغناء وتفسيق أهله [/mark]! فإن كان فعله أحدُ من المتأخّرين فقد أخطأ ولا يلزمنا الاقتداء بقوله ونترك الاقتداء بالأئمة الراشدين . انتهى المدخل 3/108
7ـ فإن سألوا عن معنى قراءة القرآن بالألحان . فالجواب : أنّ مالكاً قال : لا تعجبني القراءة بالألحان ولا أحبه في رمضان ولا غيره لأنّه يُشبه الغناء ، ويُضحك بالقرآن فيُقال فلان أقرأ من فلان .
وقال مالك : لم تكن القراءة في المصحف في المسجد من أمرِ الناس القديم ، وأوّل منْ أحْدَثَه الحجّاج . وقال : وأكره أن يُقرأ في المصحف في المسجد .
[mark=FFFF00]وقال بعض الصالحين : مَنْ تلذّذَ بألحان القرآن حُرِمَ فَهْمَ القرآن [/mark].
وقال ابن الحاج : وأمّا الدفّ والرقص بالرجل وكشفُ الرأس وتخريق الثياب فلا يخفى على ذي لبٍّ أنه لعبٌ وسُخْفٌ ونبذٌ للمروءة والوقار ولِما كان عليه الأنبياء والصالحون .... ولو لم يكن في السماع والرقص شيء يُذمّ إلا أنه أول من أحدَثَه بنو إسرائيل حين اتخذوا العجلَ إلهاً من دون الله تعالى فجعلوا يغنّون بين يديه ويُصفّقون ويرقصون ... فهم أصلٌ لما ذُكر وما كان هذا أصله فينبغي بل يتعيّن على كلّ عاقل أن يهربَ منه ويولّي الظهر عنه إنْ كان عاجزاً عن تغييره ، وأمّا إن كان له قدرة على ذلك فيتعين عليه والله الموفّق .
وقال القاسم بن محمد : الغناء باطل والباطل في النار .
[mark=FFFF00]وقال ابن القاسم : سألتُ عنه مالكاً فقال : قال تعالى ( فماذا بعد الحقّ إلا الضلال ) أفحقٌّ هو [/mark]؟!!
انتهى المدخل 3/ 110ـ118
8ـ وسُئل الإمام القاضي أبو بكر الطرطوشي رحمه الله : ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصُّوفية ؟ وأُعْلِمَ - حرس اللهُ مُدَّتَه - أنه اجتمع جماعة من الرجال , فيكثرون من ذكر الله تعالى , وذكر محمد صلى الله عليه وسلم ثمَّ إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيَّاً عليه , ويحضرون شيئاً يأكلونه . هل الحضور معهم جائز أم لا ؟ أفتونا مأجورين يرحمكم الله .
الجواب : - يرحمك الله - مذهبُ الصوفية بطالة وجهالة وضلالة , وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وأما الرقص والتواجد فأوَّل من أحدثه أصحاب السامري , لمّا اتّخَذَ لهم عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون فهو دينُ الكفار وعبّاد العجل , وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى , وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار , فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور قي المساجد وغيرها , ولا يحلُّ لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم , ولا يعينهم على باطلهم وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق . انتهى من تفسير القرطبي ( ج11 صــ237- 238 ) .
9ـ وقد ذُكرَ أنّ بعض الناس عمَلَ فتوى وكان ذلك في سنة إحدى وستين وستمئة ومشى بها على الأربع مذاهب ولفظها : ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين وعلماء المسلمين وفّقهم الله لطاعته وأعانهم على مرضاته ، في جماعة من المسلمين وردوا إلى بلدٍ فقصدوا إلى المسجد وشَرَعوا يصفّقون ويُغنّون ويرقصون تارةً بالكفّ ، وتارةً بالدّفوف والشبابة فهل يجوز ذلك في المسجد شرعاً أفتونا مأجورين يرحمكم الله تعالى .
فقالت الشافعيّة : السماع مكروه يشبه الباطل مَنْ قال به تُرَدُّ شهادته والله أعلم .
وقال المالكيّة : يجبُ على ولاة الأمور زجرهم وردعهم وإخراجهم من المساجد حتى يتوبوا ويرجعوا ، والله أعلم .
وقالت الحنابلة : [mark=FFFF00]فاعلُ ذلك لا يُصلّى خلفه ولا تُقبل شهادته ولا يُقبل حكمه وإنْ كان حاكماً . وإنْ عُقِدَ النكاح على يده فهو فاسد[/mark] ، والله أعلم .
وقالت الحنفيّة : الحُصُرُ التي يُرقص عليها لا يُصلّى عليها حتى تُغسل والأرضُ التي يُرقصُ عليها لا يُصلّى عليها حتى يحفر ترابها ويُرمى ، والله أعلم . انتهى المدخل 3/99
10ـ وقال القرطبي المُفسِّر الصوفي في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " 7/348 عند تفسيره لقوله تعالى :
{ إنما المؤمنون الذين إذا ذُكرَ الله وَجِلَت قلوبهم وإذا تُلِيَت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربّهم يتوكّلون }
فقال رحمه الله : " وصَفَ الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوَجَل عند ذكره . وذلك لقوّة إيمانهم ومراعاتهم لربّهم ، وكأنّهم بين يديه . ونظير هذه الآية { وبشّر المُخبتين ، الذين إذا ذُكرَ الله وجلت قلوبهم } وقال: { وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله } فهذا يرجِعُ إلى كمال المعرفة وثقة القلب . والوَجَل : الفزع من عذاب الله ؛ فلا تناقض . وقد جمعَ الله بين المعنيين في قوله { الله أنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مَثَانيَ تقشعرُّ منه جلود الذين يخشون ربهم ثمّ تلينُ جلودُهم وقلوبهم إلى ذكر الله } أي تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإن كانوا يخافون الله . فهذه حالة العارفين بالله ، الخائفين من سطوته وعقوبته ؛[mark=FFFF00] لاكما يفعله جُهّال العوامّ والمبتدعة الطَّغام مِنَ الزعيق والزّئير ، ومِنَ النُّهاق الذي يُشبه نُهاق الحمير[/mark] . فيُقال لمن تعاطى ذلك وزعم أنّ ذلك وجدٌ وخشوع : لم تبلغ أنْ تساوي حالَ الرسول ولا حال أصحابه في المعرفة بالله ، والخوف منه ، والتعظيم لجلاله ؛ ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهْمَ عن الله والبكاء خوفاً من الله . ولذلك وصفَ الله أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال : { وإذا سمعوا ما أُنزل إلى الرسول ترى أعيُنَهُم تفيضُ من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين }
فهذا وصفُ حالهم وحكايةُ مقالهم . ومنْ لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم ؛ فمن كان مُستنَّاً فليستنّ بهم ، [mark=FFFF00]ومَنْ تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو أخسّهم حالاً ؛ والجنون فنون [/mark]. انتهى
--------------------------------------