العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-06-02, 03:50 AM   رقم المشاركة : 1
assunni
عضو نشيط






assunni غير متصل

assunni


الجيل الختامي

الجيل الختامي
من أيام أفلاطون (430-348ق.م) وكتابه ( الجمهورية) ثم من عصر أبي نصر الفارابي(260-339هـ) وكتابه (المدينة الفاضلة).
إلى زمن السرتوماس مور Tomas More(1478-1535م) وكتابه (يوتوبيا) Utopia.
من تلك العصور و الأزمان –إلى يوم الناس هذا- و الإنسانية تحلم بالجيل المثالي الذي يود البشر لو يظفرون به فيتخذونه قدوة لهم في السلم والحرب, والمنشط والمكره في مختلف أطوار الحياة, ليكون لهم من كماله الإمكاني المثل المقتدى به في كمالهم الإنساني.
هي أمنية من أماني الشعوب والأمم, من أقدم الأزمان إلى الآن, تحدث عنها الحكماء, وتغنى بها الشعراء, وترنم بها رخيم أصوات الهاتفين, وهمس بها صفوة الضارعين والمناجين, من كل صادح أو باغم.
بل إن "الجيل المثالي" هو الذي دعا إلى تكوينه وعمل على تحقيقه الأنبياء من أولي العزم, وهو الذي تمناه الحكماء وأهل العلم, وه الذي كانت الإنسانية ولا تزال ترنو إلى شبحه المرجي في أحلام يقظاتها وفترات غفواتها.
تريث موسى بقومه في آفاق العريش وبرية سيناء وصحاري النقب وحوالي بئر سبع أربعين حولا يلتحف معهم سحائب السماء ويفترش أديم الغبراء, وهو يحاول أن يربي منهم جيلا مثاليا يستن بسنن الله, وتتخلق بأخلاق الرفق والحزم والتضحية والاستقامة والاعتدال, فيرضى بها عن ربه ويرضي ربه عنه, ثم مات موسى ولما يبلغ من أمته هذه الأمنية....
ونبغ في الصين حكيمها... كونغ فوتس الذي عرفناه من طريق الإفرنج باسم كونفوشيوس (550-479 ق.م), ولا شك أنه كان من أصدق الدعاة إلى أن يتعامل الناس بالمروءة. لكنه لم يرتفع بدعوته إلى تخليص الصين من عبوديتها لابن السماء (الامبراطور) ولما في السماء من شمس وقمر وكواكب وسحائب ورعود وصواعق وأمطار, ولا إلى تخليصهامن عبادة الأرض, وما في الأرض من جبال وبحار وأنهار. ولا من أرواح الآباء, وما تقيمه في سبيلهم من حدود وسدود وقيود. وقد أخفق كونغ فوتس في كل ماقام به من دعوة في أرجاء الصين, فعاد إلى بلده يوًلف الصحائف في الدعوة إلى المروءة, وقد رأينا تفصيل ذلك في كتايه (الحوار). ثم مات وليس له من المتأثرين بدعوته إلا عدد قليل من تلاميذه, وبقيت الصين هي الصين من ذلك الحين بدعوته إلا قليل من تلاميذه, وبقيت الصين هي الصين من ذلك الحين إلى الآن ...
أعلن حكماء اليونان مذاهبهم في الحكمة وتهذيب النفس, فصنفوا في ذلك المصنفات, ألقوا به الخطب. وقد اشتطوا في كثير مما صنفوا وخطبوا. وكتاب (الجمهورية) لأفلاطون من أبرز الأمثلة على هذا الشطط. ثم انقضى زمن حكماء اليونان وحمكتهم, دون أن تعمل شعوبهم بما دعوها إليه, لأن الدعوة والمدعوين للعمل بها لم يكونا أهلا لذلك ...
وعالج المسيح في فلسطين عقول مواطنيه من العامة والخاصة, ممن كانوا يقصدون هيكل أورشليم, أو يتسلقون جبل الزيتون, أو يترددون على شواطئ بحيرة طبريا وحقول أرض الجليل وحدائقها, فلم يستجب لدعوته إلا عدد ضئيل لا يكاد يسمى جماعة فضلا عن أن يكون أمة.
إن الإنسانية من أقدم أزمانها, و في مختلف أوطانها, لم تشهد "الجيل المثالي" إلا مرة واحدة حين فوجئت بإقباله عليها من صحارى أرض العرب يدعو إلى الحق والخير بالقوة والرحمة, فكان ذلك مفاجأة عجيبة لكل من شهد هذا الحادث التاريخي الفذ من روم و فرس وآراميين و كنعانيين وعبريين و مصريين و ليبيين و بربر و فاندال و لاتين و تيوتون وسكسونيين وصقلبيين و غيرهم.
وكانت المفاجاة عجيبة- بمصدرها, وكيفيتها, وأطوارها- ثم كانت عجيبة العجائب بنتائجها التي لا تزال إلى اليوم من معجزات التاريخ. أين كان هؤلاء؟ وكيف تكونوا على حين غفلة من الأ مم؟ وما هذا الرسالة الي يحملونها؟ وكيف نجحت؟ وما هي وسائل نجا حها.
سلسلة من الأسئلة لا يكاد الناس يتساءلون بأولها حتى يفاجأوا بما ينسيهم تاليه أوله. إلى أن رأوا من صفات هذه الأمة المثالية ما أيقنوا به أنها تحمل إلى الإنسانية رسالة الحق و الخير, و أنها تترجم عن رسالتها بأخلاقها, وسيرتها و أعمالها, وأن الذي اعتقدته وتخلقت به ودعت الأمم إليه هو الحق الذي قامت به السماوات و الأرض.
وكما تساءل الناس عن هذه العجائب في زمن وقوعها, ثم أنساهم بعضها بعضا, نحن نتساءل اليوم عن كثير من أسرارها. و بالرغم من ضياع العدد الأكبر من المراجع القديمة فيما احترق مع بيوت الفسطاط و مدارسها و جوامعها مدة أربعة و خمسين يوما, و فيما غرق بمياه دجلة أيام ابن العلقمي ومستشاره ابن أبي الحديد, وفيما خسرناه بضياع الأندلس و كوارث الحروب الصليبيةو وبما فرطنا به في أزمان الجهل و الانحطاط- لتستفيد الإنسانية من الاقتداء به, التأسي بسننه و أخلاقه وتصرفاته.
و أول ما نعلمه و نؤمن به من أسباب ال كمال في هذا الجيل المثالي أنه تلقى بربيته على يد معلم الناس الخير خاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم. إن هذا السبب في طليعة أسباب الكمال لهذا الجيل المثالي, لا يشم في ذلك عاقل فضلا عن مؤمن. ولكن بحق لنا أن نتساءل: ألم يكن موسى أحد المبعوثين برسالات الله؟ ومع ذلك فقد جاء في (سفر العدد) من التوراة الموجودة الآن في أيدي قومه (14:26-27) مانصه: ( وكلم الرب موسى و هارون قائلا: حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة علي؟ (29) في هذا القفر فسقط جثثكم جميع المعدودين منكم حسب عددكم, من ابن عشرين فصاعدا الذين تذمروا علي)
أين-من أصحاب موسى هؤلاء- أصحاب محمد عليهما صلاة الله وسلامه يوم سار بهم إلى بدر وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ليناجزوا ثلاثة أضعافهم من أهل الرجولة و الحماسة والبأس, فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القلة القليلة من أصحابه وادي ذفران أراد أن يختبر إيمانهم, فأخبرهم عن قريش, واستشارهم في الموقف. فقام الصديق أبو بكر فقال و أحسن, ثم قام عمر بن الخطاب الذي أعز الله به الإسلام فقال وأحسن, ثم قام فارسهم المقداد بن عمرو (الأسود)الكندي فقال: (يا رسول الله, امض لما أراك الله فنحن معك. والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون, ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه), فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا, ودعا له. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشيروا علي أيها الناس). فقال له سعد بن معاذ سيد الخزرج و أقوى زعيم في الأنصار: (والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟)قال: (أجل). قلا سعد: فقد آمنا بك وصدقناك , وشهدنا أن ما جئت به هو الحق و أعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقناعلى السمع والطاعة. فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك. فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته اخضناه معك ماتخلف منا رجل واحد, ومانكره أن تلقى بنا عدونا غدا. إنا لصبر في الحرب, صدق في اللقاء, لعل الله يريك منا ماتقر به عينك. فسر بنا على بركة الله), وقد كان عملهم أبين من قولهم و أصدق.
هكذا كانوا في مواقف البأس و عند الشدائد. ورأيناهم في تحريمهم الحقوق و إذعانهم للإنصاف والعدل في حياتهم السلمية كما تحدثت عنهم أم سلمة رضي الله عنها-فيما رواه عنها الإمام احمد في مسنده و أبو داود في سننه-قالت: (جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث قد درست ليس بينهما بينة, فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إلي,وإنما أنا بشر, ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض, وأنما أقضى بينكم على نحو مما أسمع, فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه, فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها اسطاما في عنقه يوم القيامة فبكى الرجلان, وقال كل واحد منهما: حقي لأخي! فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إذا قلتما ذلك فاذهبا, فاقتسما ثم توخيا الحق, ثم استهما(أي اعملا قرعة على القسمين بعد قسمهما), ثم ليحل كل واحد منكما صاحبه). وهذان الرجلان المثاليان في الإيمان بالحق لانزال إلى الآن نجهل اسميهما, لأنهما من عامة الصحابة لا من خواصهم الممتازين بالفضائل الإنسانية النادرة المثال كالعشرة المبشرين بالجنة وطبقتهم ممن اختصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمكانة و المناقب وهذه الطريقة في تربية محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه على محبة الحق, و استجابة أصحابه له فيما أحب صلى الله عليه وسلم أن يكونوا عليه, قد أشاعت هذا الخلق في الخاصة والعامة من أبناء ذلك الجيل المثالي. فلما كانت خلافة الصديق رضوان الله وسلامه عليه ناط منصب القضاء برمز العدالة في الإنسانية- وهو عمر بن الخطاب--وكانت تمر على عمر الأشهر ولا يأتيه اثنان يتقاضيان عنده, وأي حاجة بهذه الأمة المثالية إلى القضاء والمحاكم وهي أمة الحق, ومن أخلاقها أن تتحرى الحق بنفسها فلا تحتاج إلى تحكيم القضاء فيه.
بل إن الطبقة الدنيا في هذا الجيل( وأحوالها, و أخلاقها معروفة في كل جيل و قبيل) وهم ممن يستطيع الشيطان في العادة أن يغلبهم على إرادتهم في بعض الأحيان فيقعون في زلة يستوجبون عليها الحد الشرعي, فإن من أعجب ما وقع في تاريخ البشر أن يأتي من يقع في شيء من تلك الزلة من أهل تلك الطبقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعترف له بزلته, و يلح بلجاجة و إصرار على طلب إقامة الحد عليه (وفي ذاك حتفه) ليتطهر مما دنسه به الشيطان. وكان نبي الرحمة إذا رأى هذا الأيمان العجيب في هذه الطبقة من أصحابه الطيبين يحاول جهده أن يدرأ الحد عنهم بكل ما يجيزه الشرع, فيأبون إلا أن يتعجلوا عقوبة الدنيا ليتقوا بها عقوبة الآخرة.
وهذه الملاحظة- من هذه الطبقة بالذات- قد سبق إلى التنويه بها والتحدث عنها إمام كبيرمن أئمة أهل البيت من زيدية اليمن, وهو الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة( المتوفى ببلدة كوكبان باليمن سنة 614) نقل ذاك عنه عالم الزيدية في القرن التاسع السيد محمد بن إبراهيم ابن علي المترضى الوزير(577-840) في كتابه (الروض الباسم)(1: 55-56) فذكر تلك الطبقة وقال: ( إن أكثرهم تساهلا في أمر الدين ممن يتجاسر على الإقدام على الكبائر, لاسيما معصية الزنا... وذلك دليل خفة الأمانة و نقصان الديانة, لكنا نظرنا في حالهم فوجدناهم فعلوا ما لا يفعله من المتأخرين إلا أهل الورع الشحيح, والخوف العظيم, ومن بضرب بصلاحه المثل و يتقرب بحبه إلى الله عز وجل. وذلك أنهم بذلوا أرواحهم في مرضاة رب العالمين, وليس يفعل ذلك إلامن يحق له منصب الإمامة في أهل التقوى واليقين). أي أن طبقة الدهماء في ذلك الجيل المثالي-ممن قد يقعون في الكبائر-كان لهم من صدق الإيمان و الاستقامة على الحق ما يرفعهم إلى مرتبة من يحق له منصب الإمامة في أمة من أهل التقوى والدين, فكيف بخاصة الصحابة الذين نزههم الله عز وجل عن أصغر الهفوات, ورفعهم إلى أعلى الدرجات. ولولا أن النبوة ختمت بمربيهم و هاديهم إلى الحق صلى الله عليه وسلم لما كان مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أقل من الأنبياء الذين سلفوا في الأمم الأخرى. وإن هذا الذي يتكلم عن الزناة من دهماء الصحابة و استحقاقهم لمنصب الإمامة إمام من علماء أهل البيت يعني ما يقول, ويعلم معنى أقواله. لكنه رأى هذه الطبقة في ذلك (الجيل المثالي) قد صدر عنها من صدق الإيمان مالم تر أمة من أمم الأرض مثله, فحكم بعلمه, وكان منصفا لنفسه وللحق, ولدعوة الإسلام و آثارها في أهلها الأولين.
وقد علق على كلام المنصور بالله علامة الزيدية السيد محمد بن إبراهيم الوزير(1: 56-57 من روض الباسم)قائلا يخاطب قارئ كتابه: " فأخبروني على الإنصاف: من في زماننا- وقبل زماننا- من أهل الديانة سار إلى الموت نشيطا, وأتى إلى ولاة الأمر مقرا بذنبة مشتاقا إلى لقاء ربه, باذلا في رضا الله لروحه, ممكنا للولاه أو القضاة من الحكم بقتله؟! وهذه الأشياء تنبه الغافل, وتقوي بصيرة العاقل. وإلا ففي قول الله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس) كفاية وغنية, مع ما عضدها من شهادة المصطفى عليه السلام بأنهم " خير القرون", وبأن غيرهم" لو أنفق مثل أحد ذهبا مابلغ مد أحدهم ولا نصيفه", إلى أمثال ذلك من مناقبهم الشريفة ومراتبهم المنيفة".
ونعود إلى المقارنة الأولى بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأمة موسى عليه السلام- وكلاهما من الانبياء أولي العزم- وموسى أتيح له من الوقت لتربية أمته ضعف الوقت الذي أتيح لمحمد صلى الله عليه و سلم في تربية أمته, فكيف نالت أمة محمد صلى الله عليه وسلم هذه المكرمة فكانت " الجيل المثالي" الذي خلده الله عز وجل في القرأن بقوله في سورة آل عمران 110 ( كنتم خير أمة أخرجت للناس), بينما الجيل الذي كان مع موسى استحق أن يدمغ بما ورد في سفر العدد (14: 26-27و 29) كما نقلناه عن التوراة التي يطبع منها في كل سنة ملايين النسخ بكل الللغات؟
أنا فكرت في هذا الأمر كثيرا من خمسين سنة إلى الآن, ومن ذلك الحين و أنا أراقب كل مايقع عليه نظري من تحقيقات العلماء وخطرات أفكارهم لأصل إلى حكمة الله في هذا الامتياز الذي اختص بة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلهم "الجيل المثالي" الوحيد الذي عرفه تاريخ الإنسانية.
فكرت في معادن الأمم, ومواهبها, وسجاياها, فراقبتها جميعا وهي في بداوتها( أي في مادتها الخام) قبل أن تطرأ عليها الحضارات والعلوم المكتسبة والصناعات و الأنظمة الإجتماعية التي هي من صنع التشريع البشري, فتبين لي أن الأمة التي منها " الجيل المثالي" في الإسلام امتازت في بداوتها على كل أمة اخرى في بداوتها بسعة المدارك ونضوج العقل ودقة المشاعر وجودة الأخلاق, و أنها امتازت بداوتها بلغة هي أرقى على الإطلاق من كل لغة أخرى للبشر في طورهم البدوي. وكل رقي لأي لغة أخرى غير اللغة العربية هو من أثر الحضارة واتساعها الحادث في الصناعات والعمران والفنون والثروة, ولو أن عالما من علماء اللغات أمسك بيده قلما بالمداد الأحمر وشطب به كل لفظة في المعجم الألماني أو الإنجليزي أو الفرنسي يرى أنها من الألفاظ التي حدثت بعد التقدم الصناعي أو العلمي أو الاقتصادي او الفني, ولم تكن للألمان أو الإنجليز أو الفرنسيين في بداوتهم, لما بقى لهذه الأمم في أكبر معاجمها اللغوية إلا مايعادل نصف جزء من أجزاء لسان العرب العشرين إن لم يكن أقل من ذاك. والعرب لما استفحل ملكهم وصارت لهم جيوش عظيمة واصطلاحات عسكرية وإدارية وفلسفية وعلمية وصناعية أبى علماؤهم أن يقحموا على معاجمهم وأصل لغتهم هذه الاصطلاحات الطارئة, فألفوا كتبا مستقلة للاصطلاحات, وبقيت معاجم اللغة تمثل أصل اللغة بشواهدها من شعر العرب وحكمتهم و أمثالهم في أيام بداوتهم, فهي برهان حسي قائم أمام الأنظار على ما امتازت به العربية بين جميع اللغات التي نطق بها البشر. ومما امتازت به الأمة التي ظهر منها " الجيل المثالي" إنسانيتها العليا في معاملة الغير و إكرامه بالأمن والقرى, وإذا استثنينا ما يكون في حالة الحرب بين القبيلة وغيرها من العرب, فإن جزيرة العرب من أقدم أزمانها إلى هذه الساعة أعظم بلاد الله أمنا على الإطلاق, ينتقل فيها من يشاء حيث شاء فيجد لنفسه فندقا مجانيا عند كل بصيص ضوء يعشو إليه في الليل, أو أي خباء يلوح له في النهار, وله (حق) الضيافة ثلاثة أيام بلا من عليه ولا فضل لمضيفيه. ومن آداب الضيافة عندهم أن لا يسألوا ضيفهم حتى عن اسمه. وكان عندهم نظام الأشهر الحرم يمتنع فيها القتال بين المتحاربين, وكان عندهم الأمن المطلق حتى للحمام والظباء وسائر الصيد في داخل أعلام الحرم في جميع أيام السنة., ولو لقى الرجل قاتل أبيه في أرض الحرم ماكان له أن يروعه أو يزعجه. أنا مقتنع بأنه كما اختار الله محمدا صلى الله عليه وسلم لأكمل رسالاته وآخرها, اختار العربية لكتابه الحكيم, لأنها أكمل اللغات وأغناها. واختار أيضا لرسوله أصدق الأمم وأكرمها معدنا وأجمعها للصفات التي تكفل نجاح هذه الدعوة و تقوى بها على حمل هذه الأمانة, فكانت بها خير أمة أخرجت للناس. وقد دعت إلى الإسلام بسيرتها و أخلاقها وتصرفاتها فتعرفت الأمم إلى الرسالة المحمدية بما رأت العيون من سيرة الصحابة, أكثر مما سمعته الآذان من بيانهم. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استجابوا لهذه الدعوة وتشرفوا بالدخول في الإسلام كانوا متفاوتين في مبلغهم من سجايا أمتهم: فبعضهم كان أسرع إدراكا من بعض. وإذا امتاز أحدهم على أخيه بناحية من نواحي الخير, كان لأ خيه ناحية أخرى من الخير يمتاز بها. كان أبو بكر اسبق من عمر إلى إدراك الحق في دعوة الإسلام, لكن عمر حتى في أشد عصبيته على الإسلام-يوم بلغه إسلام أخته وابن عمه وجاء ليبطش بهما- طرقت سمعه صيحةمن صيحات الحق التي يهتف بها الإسلام, فبردت عصبيته, وتغلب نزوعه للحق على نزوعه لنصرة الإلف, فكان-في خلال دقيقتين اثنتين- من أكرم أنصار الحق على الله, ومن أسرع البشر إلى الاستجابة لنداء الحق. وخالد بن الوليد كان شابا من أبناء الأعيان من رؤساء قريش, سكر بخمرة النصر على المسلمين في أحد, وعاد إلى مكة نشوان بها, لكن الحق الذي كان الإسلام يهتف به كان يطرق مسامع خالد, فتأمل فيه فوجده حقا, فترك ثروة أبيه وجاهه ومربط خيله الواسع في مكة, وخرج قاصدا المدينة ليدخل في دين الذين حاربهم, وانتصر عليهم, فلقى في طريقه عمرو بن العاص و حامل مفتاح الكعبة وعلم أنهما مثله قد تبين لهما الحق وخرجا في طلبه والالتحاق بأهله والجهاد في سبيله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم عند بلوغهم المدينة:" رمتكم مكة بأفلاذ كبدها".
مثل هذه الأخلاق كثيرة جدا في" الجيل المثالي" الذي صنع منه محمد صلى الله عليع وسلم اصحابه ولكننا قلما نجد ذلك شائعا في الأمم الأخرى. نعم. إن الخير موجود في كل الأمم, ولكن لا إلى الحد الذي يقوم به الجيل المثالي, ولذلك كان اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه( الكتاب 61-الباب الأول) من حديث أبي زرعة هن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تجدون الناس معادن, خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" ومما لاشك فيه ان العرب كانوا على وثنية, ولكن مَن مِن الأمم لم يكن عند ظهور الإسلام من أهل الوثنية بمختلف معانيها؟ إلا أن العرب كانوا أحدث الأمم في وثنيتهم, لأنها طرأت عليهم قبيل الإسلام بمئات قليلة من السنين على يد عمرو بن لحي الخزاعي في خبر طويل لايتسع المقام للإفاضة فيه. وكانت العرب قبل ذلك من أهل الحنيفية دين إبراهيم وإسماعيل, وبنو إسماعيل انتشروا من مكة وتوطنوا في جميع البقاع الشمالية من جزيرة العرب إلى أسوار مدينة دمشق. ومن العرب من كانوا على دين شعيب وقد ترك التاريخ لنا نصوصا في هذا المعنى. وهذه الوثنية الطارئة على العرب لم يكن لها عندهم مم الهياكل والسدنة, والتهاويل مايضارع الذي لها عند غيرهم, فكانوا أقرب أمم الأرض إلى دين الفطرة, وبذلك استحقوا ثناء الله عليهم فيما جاء بسورة ( البقرة 143): ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونو شهدآء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه و إن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع أيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم), وما جاء في سورة (الأنفال 64) : ( يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) وما جاء في سورة (التوبة 100): ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبدا ذلك الفوز العظيم).
نقل الحافظ ابن حجر في الأصابة (3: 2 طبعة السلطان عبدالحفيظ) عن الزبير بن بكار" أن رجلا قال لعمرو بن العاص: ماأبطأ بك عن الإسلام, وأنت أنت في عقلك؟ قال: إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدم( يعني أباه ومن هم في طبقته) وكانوا ممن توازي حلومهم الجبال. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فأنكروا عليه, قلدناهم, فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا نظرنا وتدبرنا, فإذا حق بين, فوقع في قلبي الإسلام, فعرفت قريش ذلك مني, من إبطائي عما كنت أسرع فيه من عونهم عليه, فبعثوا إلي فتى منهم فناظرني في ذلك, فقلت: أنشدك الله ربك ورب من قبلك ومن بعدك: أنحن أهدى أم فارس والروم؟ قال: نحن أهدى( يعني الصدق والعدالة والأمانة ةالتعاون المحمود) قلت: فنحن أوسع عيشا أم هم؟ قال: هم. قلت: فما يتفعنا فضلنا عليهم إن لم يكن لنا فضل إلا في الدنيا وهم أعظم منا فيها أمرا في كل شيء؟ وقد وقع في نفسي أن الذي يقوله محمد- من أن البعث بعد الموت ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته- حق, ولا خير في التمادي في الباطل".
إن المسلمين-بل الإنسانية كلها- أشد ماكانوا اليوم حاجة إلى معرفة فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرم معدنهم وأثر تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم, وما كانوا عليه من علو المنزلة التي صاروا بها" الجيل المثالي" الفذ في تاريخ البشر. وشباب الإسلام معذور إذالم يحسن التأسي بالجيل المثالي في الإسلام لأن أخبار أولئك الأخيار قد طرأ عليها من التحريف والإغراض والبتر والزيادة وسوء التأويل في قلوب شحنت بالغل على المؤمنين الأولين فأنكرت عليهم حتى نعمة الأيمان! وقد أصبح من الفرض الديني... على كل من يستتطيع تصحيح تاريخ صدر الإسلام أن يعتبر ذلك من أفضل العبادات, وأن يبادر له ويجتهد فيه مااستطاع, إلى أن يكون أمام شباب المسلمين مثال صالح من سلفهم يقتدون به, ويجددون عهده, ويصلحون سيرتهم بصلاح سيرته.
وهذه المعاني تحتاج إلى دراسات علمية عميقة, ليتبين لنا سر الله في تكوين هذا " الجيل المثالي" على يد حامل أكمل رسالات الله. وإن فصلا كهذا أضيق من أن يلم- ولو بإشارات قصيرة ولمحات سريعة- بمثل هذه المعاني التي تخطر على البال في أثناء المطالعات والتفكير, ونحن نكتفي بتسجيلها ليتخذ منها أذكياء الطلبة و الشبان مواضيع للدراسة والتمحيص.
والله الموفق
بقلم :
محب الدين الخطيب
"المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال"
وهو مختصر "منهاج السنة" لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية.
اختصره الحافظ أبو عبدالله محمد بن عثمان الذهبي.
حققه وعلق حوشيه: محب الدين الخطيب.







التوقيع :
اعلم غفر الله لي ولك، أن الله عز وجل لا يغفر أن يشرك به ولكنه يغفر ما دون الشرك لمن يشاء..
فحاول يا عبد الله أن تقابل ربك صافيا نقيا من الشرك....
فلا تعبد إلا الله
لا تصرف العبادات إلا لله
ولا تدعوا مع الله إله آخر
واعبد الله مخلصا له الدين
واعبده كما عبده سيد المرسلين
والحمد لله رب العالمين.....
من مواضيعي في المنتدى
»» رسالة إلى الأحمق التيجاني
»» الأخوان:[ ماجد النجدي] و[ الغضنفر] أنقل لكم رواية : يوميات مشرك
»» قد رُفعت التقية استارها بكل وقاحة
»» مسلم بس: انظر إلى هذا الموضوع.
»» هدية للأشاعرة الطاعنين بشيخ الإسلام ابن تيمية الشهرستاني يقول الخناثى من المعتزلة
 
قديم 14-06-02, 01:54 AM   رقم المشاركة : 2
النعمان





النعمان غير متصل

النعمان is on a distinguished road


جزاك الله خير ..

ورحم الله محب الدين الخطيب كان اسد من اسود السنة







التوقيع :
منتدى الدفاع عن السنة شوكة في حلوق الروافض

http://www.d-sunnah.net
من مواضيعي في المنتدى
»» استمع للشيخ محمد مال الله وهو يتحدث عن تهديد الخميني له ( إهداء لفاضح الشيعة )!!!
»» رغم الحملات الكلامية : التجارة بين إسرائيل وإيران تزدهر من خلال الأردن
»» هل لديك مراهقات في منزلك أذن ادخل هنا
»» جبريل يترك تبليغ الوحي ويمهد الحسين / مقطع صوتي
»» إخواني ...... فلنجمع هنا أكاذيب بابا نويل التيجاني والرافضي النجدي ..
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:49 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "