هل اندمج الرافضة الإخباريون في الأصوليين أم حصل العكس ؟

[أبو الفداء]

السلام عليكم أيها الإخوة الكرام من أهل السنة و رحمة الله و بركاته .. لقد اشتقت إليكم كثيراً .
كثيراً ما كنت أتساءل : هل اندمج الرافضة الإخباريون في الأصوليين أم حصل العكس ؟ ، و قد كنت أحاول الإجابة ، و بعد تأمل توصلت إلى ما يمكن أن يكون إجابة عن هذا التساؤل ، و أقدمه هنا مع رجاء أن ينفع الله تعالى به ، إنه جواد كريم:

لقد حقق الجناح الأصولي في المذهب الشيعي الاثنا عشري في القرن التاسع عشر انتصاراً لافتاً في محاربة المدرسة الأخبارية التي يسميها الأصوليون تنفيراً (الحشوية) على يدي زعيم الجناح (جعفر كاشف الغطاء) ، ولكن رجلا من بقايا المدرسة الاخبارية، هو (أحمد الأحسائي) 1753 – 1826 رفض التسليم و القاء السلاح و الالتزام بمبدأ الأصوليين القائم على تمحيص الأخبار و الاجتهاد ، وأصر على التمسك بالتراث الشيعي كما هو دون تمحيص أو نقد أو تدقيق، وخاصة فيما يتعلق بالعقائد التي كان لإذاعتها كما وردت عن المعصومين أعظم الأثر في نبذ فرق الشيعة في الأوساط الإسلامية ، كما رفض الأحسائي الاعتماد على المصادر والطرق التي دعا إليها الأصوليون كأسس لاقتباس و عرض المذهب ، والتي كان الأصوليون مستميتون من أجل إقرارها و تشذيبها وتنظيمها من أجل توجيه التراث الديني المنسوب الى أهل البيت بما يخدم دعوة التشيع التي تلقت العديد من الضربات القاصمة التي أدت إلى ترنح المذهب و اتجاهه نحو السقوط التهائي ، كما كانوا مستميتين فيما زعموه محاولة لتنقية المذهب من الخرافات والأساطير الدخيلة والأحاديث الضعيفة التي كانت تبين حقيقة الشيعة والتشيع كدين مناقض للإسلام القائم على توحيد الله و اتباع رسوله . وهذا ما أدى به الى تقبل الكثير من روايات الغلاة الموضوعة والمدسوسة في تراث أهل البيت.

[أبو الفداء]

وفيما كانت المدرسة الأصولية توشك على تحقيق انتصارها الكبير لصالح (النسخة الجديدة المنقحة من المذهب الشيعي) طرح الشيخ الإخباري أحمد الأحسائي نظرية "الكشف" المشابهة لنظريات بعض الصوفية ، وقال: "ان الإنسان اذا صفت نفسه وتخلص من أكدار الدنيا يستطيع ان يتصل بأحد الأئمة من أهل البيت عن طريق الكشف والأحلام ، فيوحي له الأئمة بالعلم الغزير وتكشف له الحجب". وادعى الأحسائي انه حصل على العلم بهذه الطريقة "الكشفية" وقال : انه رأى في منامه ذات ليلة الامام الحسن بن علي فأجابه عن مسائل كانت غامضة ، ثم وضع فمه على فمه وأخذ يمج فيه من ريقه ! ، وإنه علمه بيتا من الشعر كلما قرأه قبل النوم رأى في منامه أحد الأئمة وأتيحت له فرصة التعلم منه".
وقد وسع الأحسائي بذلك باب التطرف والغلو والشرك والخرافات الشيعية المتوسع أصلاً ، وراح يبث أفكارا مغالية متناقضة مع الاسلام بصورة عامة ، كالقول بأن المعصومين الأربعة عشر ، أي النبي وفاطمة والأئمة الاثني عشر ، هم علة تكوين العالم وسبب وجوده ، وهم الذين يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون . ومع ان الاحسائي كان يقر بأن الله تعالى هو الخالق الرازق والمحيي والمميت في الحقيقة ، الا انه كان يقول : بأن الله العزيز قد تكرم عن مباشرة الأمور بنفسه وأوكلها الى المعصومين الأربعة عشر حيث جعلهم أسبابا ووسائط لأفعاله ، فهم مظاهر لأفعال الله ومحال لمشيئته.

[أبو الفداء]

وجاء الأحسائي بفكرة أخرى هي وجود الجسد "الهورقليائي" للإنسان الى جانب الجسد "الصوري". وقال عنه انه الجسد الذي عرج به رسول الله الى السماء ، والذي يعيش به الامام الثاني عشر الغائب المزعوم "محمد بن الحسن العسكري" في ظل "الغيبة" منذ منتصف القرن الثالث الهجري ، وكان يعتقد ان الامام عندما غاب نزع عنه جسده "الصوري" وبقي محتفظا بجسده "الهورقليائي" وهذا هو سر بقائه على قيد الحياة كل تلك المدة الطويلة التي جاوزت ألف عام دون ان يتطرق اليه الفناء .
ويروى عن الشيخ الأحسائي انه قال: ان الامام (الغائب) لما خاف من أعدائه خرج من هذا العالم ودخل في جنة "هورقلياء" وسيعود الى العالم بصورة شخص من أشخاصه.
إضافة الى ذلك امتاز الأحسائي بالدعوة الى انتظار الامام المهدي المزعوم والتبشير بقرب ظهوره بمناسبة انقضاء ألف سنة على غيبته ، وقام بجولة واسعة في ايران كان يقول لأتباعه في كل قرية يمر بها: ان الامام الغائب على وشك الظهور ، وانهم يجب ان يكونوا على أهبة الاستعداد لنصرته ، وكان يؤكد لهم: ان الامام الغائب حين يظهر سوف يبدل الكثير من العقائد والتعاليم الاسلامية الموجودة ، وان ذلك مما سيرتعب منه نقباء الأرض لعدم قدرتهم على تحمله.

[أبو الفداء]

ولكن الأحسائي هلك قبل حوالي عشرين عاما من الموعد الذي حدده لظهور المهدي الأسطورة ، وهو في طريقه الى الحج بالقرب من المدينة المنورة ، فأوصى الى أحد تلامذته وهو كاظم الرشتي ، ليكون خليفته من بعده ، وقال لأتباعه: لا يوجد أحد يعرف مقصدي ما عدا كاظم الرشتي ، فاطلبوا علومي منه ، وقد تلقاها مني مباشرة ، وهي التي تلقيتها من الأئمة الذين تلقوها من رسول الله. ثم أوصى الشيخ أحمد خليفته كاظم بأن يكون يقظا يترقب ظهور المهدي ويمهد أذهان الناس له.

وقام الرشتي الذي كان يتخذ من مدينة كربلاء مقرا له ، بما أوصاه به أستاذه الشيخ أحمد ، فكان يواصل التبشير بقرب ظهور الغائب !! ، وكان يقول لأتباعه: ان الموعود الذي تنتظرونه موجود في وسطكم وترونه بأعينكم ولكنكم لا تعرفونه ، وقال لأحد أتباعه:"انك سوف تراه".
وقبل شهور من حلول الموعد الذي ضربه الأحسائي لظهور المهدي وهو عام 1260هـ (والذي كان يصادف بداية عام 1844 م) مرض كاظم الرشتي مرض الموت فرفض الوصية الى أحد بخلافته من بعده ، واعتذر لذلك بقرب ظهور الامام الغائب، وأوصى أتباعه بأن يهجروا بيوتهم ويطهروا أنفسهم ثم يتفرقوا في البلاد مكرسين أوقاتهم كلها للبحث عن "الموعود" الذي حان حينه. وتوفي الرشتي عام 1843م

وهذا ما مهد الطريق أمام نشوء "الحركة البابية" ، حيث قام أحد تلامذته وهو الملا حسين البشروئي بالاتفاق مع تلميذ آخر له هو علي محمد الشيرازي، المعروف بـ"الباب" ، والادعاء بأن الأخير هو "الموعود" أو "باب المهدي" الذي حل فيه الجسد "الهورقليائي" للامام الغائب المهدي المنتظر المزعوم "محمد بن الحسن العسكري".
وقد انتشرت الدعوة "البابية" في صفوف الإخباريين (الشيخيين) في ايران انتشارا كبيرا ، لأنهم كانوا يترقبون ظهور "صاحب الزمان" بمناسبة قرب انتهاء ألف سنة على غيبته . وعندما حلت سنة 1260هـ صاروا متلهفين لسماع النبأ العظيم الذي كان قد بشر به زعيماهم أحمد الأحسائي و كاظم الرشتي ، فلما وصلهم نبأ ظهور "الباب" علي محمد الشيرازي ، تهافت الكثير منهم عليه. وكان لنظرية الأحسائي في "الجسم الهورقليائي" دور كبير في تقبل الشيخيين لفكرة حلول الامام المهدي في "الباب".

[أبو الفداء]

وقد رفض الشيعة الأصوليون في العراق وإيران دعوى "الباب" في المهدوية، ورأوا في فكرة نسخ الدين الاسلامي التي جاء بها ، نوعا من الهرطقة والكفر و الخروج على التشيع (الأصولي) ، وأصدر الشيخ محمد تقي البرغاني فتوى بتكفير البابيين ، كما ألقت الحكومة الإيرانية القبض على "الباب" وأعدمته في تبريز في 9 تموز من عام1850 ، ولكن حركته استمرت بصورة سرية وتطورت فيما بعد الى "الحركة البهائية" التي أعلنت خروجها من الدين الاسلامي.

وكان هناك بالطبع جناح من الإخباريين "الشيخية" أنفسهم رفض الدعوة البابية وفكرة نسخ الدين الاسلامي وحارب "البابيين" بشدة ، وكان هذا الجناح بقيادة الميرزا محمد حسن جوهر (توفي سنة 1261هـ/ 1845م) الذي كان يتخذ من كربلاء مقرا له ، وكذلك الميرزا محمد باقر الاحقاقي ( توفي سنة 1301هـ / 1883م) . وقد قام هذا الجناح بالانفتاح على المدرسة الأصولية و محاولة الاندماج فيها ، ورفض بعض ما قرره الإحسائي و الرشتي من قبل ، لكنه ظل محافظا على ولائه للشيخ أحمد الأحسائي واسم "الشيخية" مع انخراطه داخل المدرسة الأصولية ، لكنه كذلك ظل يحتفظ بمرجع ديني خاص (صوري) ، وامتاز بنظام توريث المنصب القيادي الديني شخصيا وبصورة عمودية ، بدءا من الشيخ محمد باقر الاسكوئي الإحقاقي الذي ورث المنصب لابنه الشيخ موسى الاسكوئي الذي ورثه الى ابنه الشيخ علي الذي كان يقيم في الكويت (توفي سنة 1964) الذي أوصى الى ابنه (اللاديني أو العلماني) الدكتور جعفر رائد، ولكنه رفض المنصب لأنه كان قد خلع الزي الديني وكفر بالنظريات الشيخية، وانخرط في السلك الدبلوماسي الإيراني وأصبح سفيرا للشاه في المملكة العربية السعودية) فانتقلت المرجعية الدينية للشيخية الى أخ الشيخ علي ، الميرزا حسن ، الذي ورثها بدوره الى ابنه الميرزا عبد
الرسول الاسكوئي الإحقاقي ، الذي ورثها الى ابنه الشيخ عبد الله.

[أبو الفداء]

لكن لكن اللافت للنظر إن نشاطات الإخباريين كانت قد انحسرت حتى اختفت أو كادت ، و ربما دفع ذلك المراقبين إلى سؤال مشروع هو : أين ذهب الجناح الإخباري في المذهب الإثناعشري ؟..
هل استطاع شيوخ الاتجاه الأصولي (إذابة) الاتجاه الإخباري و استيعابه أو إنهائه إلى الأبد ؟ أم إن الاتجاه الإخباري قد استطاع بفضل ذكاء قادته و غباء قادة خصومه أن يستوعب الاتجاه الأصولي ليذيبه فيه ، و هل كان ما تقدم من انفتاح إخباري على المدرسة الأصولية تمهيداً لما يشبه الانقلاب من الداخل ، لتكون للإخباريين بعد ذلك الكلمة الفصل في التشيع ، و يكونوا بذلك قد ردوا الصفعة لخصومهم ؟..
ربما ظهر ذلك في إظهار الإخباريين للإنكفاء مع تميزهم خلافا للأصوليين بنظام خاص في المرجعية الدينية يقوم على الوراثة الشخصية العمودية ، ويكفل لهم المحافظة على سماتهم الخاصة استعداداً لساعة الانقلاب .
و ربما ظهر كذلك في محاولة المرجع الأسبق الميرزا حسن ، الانفتاح على الأصوليين كما مر ، وان يدعو علانية إلى فتح باب الاجتهاد في محاولة للتقرب خاصة من الأصوليين اللذين كانوا يغالون في المناداة بذلك ، حتى سمي بالإمام المصلح ، و قد أدت محاولة الشيخ حسن الى انفتاح الإخباريين على الأصوليين وذهابهم للدراسة في قم والنجف واستقبال العلماء والخطباء الأصوليين لهم في حسينياتهم وتقليد الإخباريين المراجع الآخرين !!.
إن مما يقوي النظرية الثانية إظهار علماء الشيعة أخيراً للغلو الذي حارب الأصوليون الإخباريين لأجل عدم إظهاره ، و يتجلى ذلك واضحاً في إعلانهم للقول بتحريف القرآن بطرق مختلفة منها ما أخذ شكل التصريح المباشر و منها ما هو تلميح بعد أن كانوا يتبرأون في السابق من ذلك ، كما يتجلى في إعلانهم لسب أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و إنكارهم للسنة و تعظيمهم للقبور و إظهارهم لما يسمونه بالشعائر الحسينية و التي هي عبارة عن لطم الوجوه و الصدور و ضرب الحراب و إسالة الدماء ..
إن كل ذلك يؤكد – من وجهة نظري – أن التيار الإخباري هو الذي استطاع أن يستوعب التيار الأصولي ، مع تخليه عن مجرد التسمية ...

[أول الغيث]

معلومات قيمة بارك الله فيك

[بايعقوب]

نعم
ربما كان أصل خلاف الأصولين مع الإخبارين
هو متى تظهر هذه العقائد المنفره
ربما حان الأن الوقت
فأهل السنة في غيبوبه
فلا ستر ولا تستر



وجزاك الله خيراً على هذا المقال الرائع المبسط

[sharp arrow]

الرد على العنوان فقط ..

أخي الكريم الأمر لا يحتاج إلى تفصيل ....

بعد فترة طويلة مع الشيعة تبين لي أنهم إخباريون وأصوليون في الوقت ذاته ... أي حسب ما تقتضيه الحاجة ... وأما حكاية وجود أجنحة لللإخباريون وآخرى للأصوليون فهذه مجرد ترف فكري يراد به صنع مادة للبحث لا أكثر ...

الشيعي أيا كان داخل بيته وبين جدران الحسينية إخباري حتى العظم فلا يعتد بالنقل الصحيح ولا يستند على دليل بل يقبل بكل ما يلقى على مسامعه ويقر به دون الحاجة إلى التحقيق والتأكد والبحث ...
لكنه يتحول بأسلوب حربائي إلى أصولي عند تحتم المواجهة مع أسياد الحقيقة أهل السنة ...

وشكرا لك على الموضوع ...

[بايعقوب]

أنا ماقاله الأخير الذي قبلي من برمودا حيث يوجد الغائب
هو الأقرب للصحة