بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وسلم وبعد
مفاجئة عجيبة غريبة الحلاج اتضح بعد هذه القرون أنه شيعي
قد تستغرب أخي الكريم القاري لما ترى هذا العنوان الرنان الغريب العجيب لأن المشهور عن الحلاج أنه صوفي قتل وصلب بالزندقة ، ولم يذكر أحد من الذي ترجموا للحلاج - على حد علمي - أنه كان شيعياً .
ولكن إيش الحيلة فيمن يرى الزنادقة أولياء الله الصالحين ، وكل يوم نجد من المستشرقين من يدافع عن الحلاج ويعتبره شهيدا ، ولكن عندما نجد شخصية تولت أكبر صرح علمي تدافع عن الزنادقة بحجج لم ينزل الله بها من سلطان ، وللأسف أن هذه الشخصية هي شيخ الأزهر سابقا د. عبد الحليم محمود ، ولقد دافع عن الحلاج أشد المدافعة ليظهر الحلاج أنه قتل ظلما ، ولا يتأتى له ذلك إلا بالطعنة بالقضاة والعلماء الذين أفتوا بكفره وقلته ، وسواء كان الطعن تصريحا أو تلميحا ، ولن أطيل بهذه المقدمة فاشرع في صلب الموضوع .
قال د. عبد الحليم محمود مدافعا عن الحلاج ومن هم على شاكلته قائلا : (( وقد نتساءل : فيم إذن قتل حوكم الحلاج وقضي عليه بالقتل ؟!
إن أمر هذه القضية : قضية الحلاج معروف سرها ، وما كان سرها خافيا في يوم من الأيام . لقد كان الحلاج قوة جارفة . كان مركزا للجاذبية لا يضارع يلتف حوله الناس إينما حل ويسيرون معه أينما ارتحل .
وكان - ككل صوفي - يحب آل البيت لأنه كان يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان آل البيت إذ ذاك يطمحون في أن تكون الدولة لهم ، وكان بنو العباس يطمئنون إلى شخصية كشخصية الحلاج المحبة لآل البيت ، نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما دام الحلاج دعاية قوية تسير في كل مكان ، وتتجه إلى كل بلد ، فيجب حفاظا على أمن الدولة ، وتحصينا لاستقرارها . أن ينكل الحلاج ..
وما كان مقتل الحلاج دينيا قط ، كلا . وإنما كان سياسيا بحتا ، ومن السهل على الملوك المستبدين أن يزيفوا القضايا ، أو يأتوا بشهود الزور وأن يعدوا القضاة بالمال والترقية . وأن ينفذوا أهواءهم .
فكان ما كان من قضية ومن قتل . والدين من كل ذلك براء ، والألفاظ التي ينسبونها للحلاج ليست في كتاب من كتبه الموجودة لا تسند خصومة ولا تؤيدهم .
هذا ما كان من أمر الحلاج )). [ العارف بالله أبو العباس المرسي ص 140 ] .
قلت : على الرغم من قصر هذه المقالة إلا أنها اشتملت على دعاوى كثيرة ، ويا ليتها ظل على الدعاوى بل طغى الأمر إلى أن طعن بعلماء الإسلام ، فاستعين الله تعالى بالرد على هذه الدعاوى بعدة وقفات :
الوقفة الأولى : ( دعوى أن الحلاج قتل بسبب حبه لآل البيت )
ادعى د. عبد الحليم أن الحلاج ككل الصوفية يحب آل البيت ، فأقول : إذا كان يقصد متأخري الصوفية فنعم فهم يغلون في حب آل بيت رسول الله صلى الله عليهم وسلم وأقصد الفرع العلوي من ذرية فاطمة رضي الله عنها ، فأصبحوا بغلوهم كالرافضة أو أقل بقليل حتى ألبسوهم العصمة ، وما أنت بقضية الشيخ على الجفري ببعيد حيث أنهم يستميتون بالدفاع عن أخطاءه .
أما متقدمي الصوفية في عصر ذروة الظهور في زمن الحلاج والجنيد وأبي يزيد البسطامي لم يكونوا يهتمون لهذه القضية ، بل الذي يدعي أنهم كانوا يدعون لآل البيت العلوي عليه أن يثبت ذلك من أقوالهم فجل كلامهم عن تزكية النفس ، والشطحات والسكر وسلوكهم ومعتقداتهم وغيرها ، فهذا أبو بكر الكلاباذي المتوفى سنة 380 بعد الهجرة ألف كتابا أسماه التعرف لمذهب أهل التصوف وعقد فيه خمس وسبعين بابا كلها تتعلق بالتصوف ، ولم يعقد بابا خاصا بحب آل البيت العلوي .
ثم أن الصوفية ولاسيما في تلك الفترة لم يتدخلوا او يخوضون في أمر السياسية لا من بعيد ولا من قريب ، ولا يذكر هم أنهم خرجوا على حكومة من الحكومات ، فلذلك يترعرعون في كنفي الحكومات ، ولكن الأمر يختلف مع بني العباس لأنهم أمتازوا بعدم التهاون مع الزنادقة كم زنديق قتلوا ؟؟؟ اترك الجواب للباحثين عن الحقيقة .
ومن تتبع ترجمة الحلاج سواء كان في كتب الصوفية أو في كتب أهل السنة والجماعة لا يجب أن سبب قلته حبه لآل البيت ، بل لم يشير أحد لذلك البتة فيما أعلم .
والملاحظ من كلام د. عبد الحليم السابق أنه ركز على العزف على وتر العواطف ليستثير عواطف القاري ليترك طلب الدليل على ما ادعاه الدكتور ، وفي الحقيقة هذه عادتهم دائما يتركون البحث العلمي ومناقشة الأمور بتجرد وتعصب وتعاملون بالعاطف ، وهو يعلم أنه لو عرض حال الحلاج على الكتاب والسنة لعلم أنه زنديق ، ولكن التعصب يفعل ما يفعل .
الوقفة الثانية ( من هم آل البيت ؟ )
قال د. عبد الحليم : (( وما كان بنو العباس يطمئنون إلى شخصية كشخصية الحلاج لمحبة لآل البيت ، نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم )) .
فيتبادر إلى الذهن من هم آل البيت عند أهل السنة والجماعة ، وليست الإجابة على هذا التساؤل بالصعبة ولقد أجابة الصحابي الجليل زيد بن أرقم على هذا التساؤل حين سأله حصين : (( ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال كل هؤلاء حرم الصدقة قال نعم )) [ أخرجه مسلم ح 2408 ] .
فكل هؤلاء آل بيته صلى الله عليه وسلم ، ولكن الذي خصوا ذرية فاطمة رضي الله عنها بآل البيت هم الشيعة الإمامية الرافضة ، فإما أن يقروا أنهم صنيعة الشيعة أو أن د. عبد الحليم أراد أن يدافع عن الحلاج فاخترع هذه الدعوى ، أحلى الأمرين مرة ، ولا تنسى أن د. عبد الحليم لم يستغل مصادر أهل السنة والجماعة في الدفاع عن الحلاج ، فيكفيك هذا بطلان لدعوته .
فإذا أبيت إلا أن تقولوا آل البيت هم ذرية فاطمة رضي الله عنه فقط ، فلا تلوموننا عندما نقول أن الصوفية هم أقرب إلى الرافضة منهم إلى أهل السنة والجماعة .
الوقفة الثالثة ( نسبة العبارات الكفرية للحلاج )
قال د. عبد الحليم : (( والألفاظ التي ينسبونها للحلاج ليست في كتاب من كتبه الموجودة لا تسند خصومة ولا تؤيدهم )) .
فأقول : إما أن الدكتور لا يعلم ما في كتبه ، أو أنه يعلم ويكتم ذلك ، وواحلى الأمرين مرة ، فأنا أذكر مقطع من كتابه الطواسين قال الحلاج : (( تناظرت مع إبليس وفرعون في الفتوة فقال إبليس : إن سجدت سقط عني اسم الفتوة . قال فرعون : إن آمنت برسوله سقطت من منزلة الفتوة . وقلت أنا : إن رجعت عن دعواي وقولي ، سقطت من بساط الفتوة . وقال إبليس : ( أنا خير منه ) حين لم ير غيره غيرا ، وقال فرعون : ( ما علمت لمن من إله غيري ) ، حين لم يعرف في قومه من يميز بين الحق والباطل .
وقلت أنا : إن لم تعرفوه ، فاعرفوا آثاره ، وأنا ذلك الأثر ، وأنا الحق لأني ما زلت أبدا بالحق حقاً .
فصاحباي وأستاذاي . إبليس وفرعون ، وإبليس هدد بالنار وما رجع عن دعواه ، وفرعون أغرق في اليم ، وما رجع عن دعواه ولم يقر بالواسطة البتة ولكن قال : ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ) ألم تر أن الله قد عارض جبريل بشأنه ، وقال : لماذا ملأت فمه رملا .
وإن قتلت أو صلبت أو قطعت يداي ورجلاي لما رجعت عن دعواي . )) [ كتاب الطواسين طاسين الأزل والالتباس ص 192 - 193 ] .
وقال أيضا : (( فالحقيقة ، والحقيقة حقيقة ، دع الخليقة لتكون أنت هو ، أو هو أنت من حيث الحقيقة )) . [ طاسين الصفاء ص 172 ] .
وقال أيضا :
(( رأيت ربـي بعـين قلبـي فقلت من أنت ؟ قال أنت
فليس للأين منــك أيـن وليـس أينٌ بحـيث أنت
أنت الذي حزت كـل أين بنحو " لا أين " فأين أنت
وليس للوهـم منـك وهم فيعلم الأيـن أيـن أنـت ))
[ طاسين النقطة ص 180 ] .
وقال في أحد رسائله : (( بسم الله الرحمن الرحيم
المتخلي عن كل شيء لمن يشاء ، السلام عليك يا ولدي ، ستر الله عنك ظاهر الشريعة ، وكشف لح حقيقة الكفر ؛ فإن ظاهر الشريعة كفر خفي ، وحقيقة الكفر معرفة جلية ، أما بعد : حمدا لله الذي يتجلى على رأس إبرة لمن يشاء ، ويستتر في السماوات والأرضين عمن يشاء ، حتى يشهد هذا بأن لا هو ، ويشهد ذلك بأن لا غيره ، فلا الشاهد على نفيه مردود ، ولا الشاهد بإثباته محمود ، والمقصود من هذا الكتاب أني أوصيك أن لا تغتر بالله ، ولا تيأس منه ، ولا ترغب في محبته ، ولا ترض أن تكون غير محب ، ولا تقل فإثباته ولا تمل إلى نفيه ، وإياك والتوحيد ، والسلام )) [ نصوص الولاية ص 233 ] .
وقال أيضا : (( يمكنني أن أتكلم بمثل هذا القرآن )) . [ نصوص الولاية ص 235 ] .
وأكتفي بهذا القدر من كتب الحلاج ، وأشرع من كتب المتصوفة أنفسهم نقل ابن عربي عنه هذا البيت القبيح :
(( كفرت بدين الله والكفر واجب لدي وعند المسلمين قبيح ))
[ رسالة إلى الامام الرازي ص 191 ضمن رسائل ابن عربي ] .
فإذا لم يكن هذا كفر ، فأين الكفر في الدينا أو بعد هذا يقال أن قلته لم يكن دينيا وكان سياسيا ؟؟!! سبحان الله كيف يتلاعب بهم الشيطان .
الوقفة الرابعة ( حقيقة الافتراء على الحلاج )
قال د. عبد الحليم : (( ومن السهل على الملوك المستبدين أن يزيفوا القضايا ، أو يأتوا بشهود الزور وأن يعدوا القضاة بالمال والترقية . وأن ينفذوا أهواءهم . ))
لابد أن نطرح هذا السؤال هل الحاكم المستبعد وهو في أوج وقوته محتاج إلى فتوى من العلماء كي يقتل رجل يهدد أمن الدولة ؟؟
فهذا سؤال يطرح على المنصفين الذي يبحثون عن الحق ، ثم هل القضاة والمفتون لا يفتون لمصلحة أمن الدولة إلا إذا كفئوا على هذا الواجب ، أليس هذا طعنا بعلماء المسلمين في ذلك العصر دفاعا عن الزنديق ؟؟!!
ولقد نقل ابن كثير إجماع فقهاء عصر الحلاج على كفره قال : (( ...... وجمع له له الفقهاء ، فأجمعوا على كفره وزندقته ، وأنه ساحر ممخرق ورجع عنه رجلان صالحان ممن كان اتبعه أحدهما أبو علي هارون بن عبد العزيز الأرواجي ، والآخر يقال له : الدباس ، فذكرا من فضائحه وما كان يدعو الناس إليه من الكذب والفجور والمخرقة والسحر شيئا كثيرا )) [ البداية والنهاية ص 167/11 ] .
قلت : وللاستزادة من كلام العلماء في الحلاج مراجعة كتاب سير أعلام النبلاء ، وميزان الاعتدال ، ولسان الميزان .
الوقفة الخامسة ( موقف الحلاج من نفسه )
عندما يكون المرء ملكيا أكثر من الملك تجد مثل مقالات د. عبد الحليم محمود شيخ الأزهر ، فأنقل لكم كلام الحلاج نفسه وهو يقر أن مخالفيه على حق قال : (( يا بني إن بعض الناس يشهدون علي بالكفر وبعضهم يشهدون لي بالولاية ، والذين يشهدون عليّ بالكفر أحب إليّ وإلى الله من الذين يقرون بالولاية ؛ لأن الذي يشهدون لي بالولاية من حسن ظنهم بي ، والذين يشهدون عليّ بالكفر يشهدون تعصبا لدينهم ، ومن تعصب لدينه أحب إلى الله ممن أحسن الظن بأحد )) . [ نصوص الولاية ص 250 - 251 ] .
قلت : فمن لا يقتنع بقول العلماء ولا بقول المعني نفسه ، فلن يقنعه شيء حتى ولو كانت آية من كتاب الله عز وجل .
وفي نهاية المطاف أنصح نفسي وإخواني بأن لا يغتروا بالألقاب الزائفة وأن يعرضوا أقوال وأعمال الرجال على كتاب والله وسنة نبيه فإن وافقت فنعم ، وإن خالفت ترد ولا ينظر من هو قائلها .
وأسأل الله العلي القدير أن يبصر المسلمين في أمر دينهم ودنياهم ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، اللهم آمين آمين .
=============
أبو عثمان