بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين و لا عدوان إلا على الظالمين و بعد :
فهذه نصيحة عزيزة من إمام السنة في عصره الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى قال في الصحيحة (2/732-733) :
"هذا و بمناسبة ما ابتلينا به من كثرة الشباب و غيرهم الذين يكتبون في هذا العلم –وهم عنه غرباء مفلسون ،كما يقطع بذلك كل منصف وقف على النماذج الكثيرة من الأوهام ، بل و الجهالات المتقدمة في هذه الاستدراكات و في المقدمة أيضا في هذا المجلد و غيره- فإني أرى لزاما علي أن أذكر ( و الذكرى تنفع المؤمنين) فأقول :
إني أنصح أولئك الكاتبين و الناقدين أن لا يتسرعوا بالكتابة –إن كانوا مخلصين- لمجرد أنهم ظنوا أنهم صاروا أهلا لذلك ، بل عليهم أن يتريثوا و يتمرسوا فيه زمنا طويلا ، حتى يشعروا في قرارة نفوسهم أنهم صاروا علماء فيه ، و ذلك بأن يقابلوا نتائج كتاباتهم و تحقيقاتهم بأحكام من سبقنا من الحفاظ النقاد في هذا العلم ، فإذا غلب عليها موافقتهم كان ذلك مؤشرا قد سلكوا سبيل المعرفة بهذا العلم .
هذا أولا .
و ثانيا : أن يشهد لهم بذلك بعض أهل العلم الصالحين المعاصرين بعد أن يطلعوا على شيء من كتاباتهم و تحقيقاتهم ، ذاكرين نصيحة الشاطبي المتقدمة (ص:713) - و العالم –تأملوا لم يقل طالب علم- إذا لم يشهد له العلماء فهو في الحكم باق على الأصل من عدم العلم حتى يشهد فيه غيره ، و يعلم هو من نفسه ما شهد له به ، و إلا فهو على يقين من عدم العلم أو على شك ، فاختيار الإقدام في هاتين الحالتين على الإحجام لا يكون إلا باتباع الهوى ، إذ كان ينبغي له أن يستفتي في نفسه غيره ، و لم يفعل ، و كان من حقه أن لا يقدم إلا أن يقدمه غيره و لم يفعل-، فإنها صريحة في أنه من اتباع الهوى أن يشهد المرء لنفسه بأنه عالم ! و أنا أقرب هذا لكل مخلص من طلاب العلم بلفت نظره إلى مثل قوله تعالى :"فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" ، فإنه يدل بفحوى الخطاب على أن المجتمع الإسلامي من حيث العلم و الجهل قسمان : أهل الذكر –و هم العلماء بالقرآن و السنة و هم الأقلون- و الذين لا يعلمون و هم الأكثرون ، بنص القرآن و بحكم المشاهدة و الواقع ، فإذا علم هذا ، فلينظر أولئك المشار إليهم هل هم من الأقلين أم من الأكثرين ؟
و في ظني أنهم سوف لا يجدون أنفسهم –إذا كانوا من المتقين- إلا من الأكثرين ، و حينئذ عليهم أن يعودوا إلى رشدهم ، و يتوبوا إلى ربهم من حشرهم أنفسهم في أهل الذكر ، فإذا بدا لهم أنهم من هؤلاء ، فعليهم أن يحتاطوا لدينهم و أن يسألوا أهل الذكر حقا ، فإن شهدوا لهم بذلك حمدوا الله و سألوه المزيد من علمه ، و إلا فهم من المغرورين المعجبين بأنفسهم ، الهالكين بشهادة نبيهم صلى الله عليه و سلم القائل : ثلاث مهلكات : شح مطاع و هوى متبع ، و إعجاب المرء بنفسه . كيف لا و هو القائل : لو لم تذنبوا لخسيت عليكم ما هو أشد من ذلك العجب العجب ؟.
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .
جزى الله الشيخ الألباني خير الجزاء وجعله في ميزان حسناته .