نحن ايضا لا نفهم المسيحية, إذ أن المتدينين المسيحيين نسبتهم قليلة, والأغلبية لا يعنيهم أمر كنيسة المهد أو القيامة, كما أن الإعلام اليهودي حسم أمرهم منذ سنوات طويلة
نحن لم نفهم شيئا, لذا اعتقدنا أن الغرب سوف يهب لنجدة كنيسة المهد التي استباحها اليهود, اعتقدنا واهمين أن المسيحيين في العالم الذين ينتفضون بسبب مزاعم كاذبة عن اضطهاد المسيحيين في مصر سوف يقاتلون إسرائيل لأنها قصفت الكنيسة وأصابت راهبا, واستباحت واحدا من أهم الأماكن المقدسة في الديانة المسيحية.
إن شيئا من ذلك لم يحدث, وكعادتنا تعجبنا وصرخنا وسألنا في دهشة: ما سر الصمت المسيحي العالمي تجاه جريمة إسرائيل في كنيسة المهد, السؤال حاولنا الإجابة عنه, والدهشة كشفت السر الذي لا يفهمه العرب.
مليار ونصف المليار مسيحي في العالم يتمركزون في الغرب صاحب القوة والنفوذ والقرار السياسي في العالم كله, لذا فقد توقع الجميع أن إسرائيل لا تستطيع الاقتراب من المقدسات المسيحية, وهي تسحق وتدمر الأراضي الفلسطينية, لكن يبدو أ ن التصورات والتوقعات والتكهنات كانت في غير محلها, فالقوات الإسرائيلية حاصرت كنيسة المهد التي أقيمت في مكان ميلاد المسيح قبل نحو ألفي عام, وأطلقت نيرانها علي الأبواب والرهبان, ورغم ذلك لم يتحرك أحد في العالم لإنقاذ الكنيسة, بل لم يبكها أحد, رغم أن المسيحيين في الغرب بكوا دما ودموعا في وجه الجميع عندما حطمت طالبان تمثالا لبوذا في أفغانستان, وطالبوا بإنقاذ التراث الإنساني والآثار العالمية, ولا نعرف أين كل هؤلاء الآن مما يجري لكنيسة المهد, هذا المكان المقدس والرمز الحقيقي للعقيدة المسيحية التي يدين بها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وكل سادة العالم الغربي, وفوق ذلك كله فإنها تابعة لبابا الفاتيكان وليس لإحدي كنائس الشرق المغلوب علي أمره, وأمرها.
نائب بطريرك الفاتيكان أو الكاثوليك في مصر الدكتور يوحنا قلته, رفض الفصل بين المسجد الأقصي وكنيسة المهد علي أساس أن كليهما له مكانته المقدسة لدي مليارات من البشر, وأوضح أن إسرائيل لا تهتم بالعالم كله, ولا تضع أي اعتبار للأماكن المقدسة أو للأديان الأخري, لأنها لا تعترف بها أصلا, ولا تعترف إلا بلغة القوة ولا تلقي بالا إلي المشاعر الدينية والأمور العاطفية لأنها تعي جيدا أننا في عالم لا يحترم إلا القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
ولأن الاعتداء علي كنيسة المهد لم يؤلم سوي المتدينين ورجال الدين فقط, لم تهتم إسرائيل بالأمر, لاسيما أن رجال الدين دورهم إرشادي وحكمة ووعظ ولا يديرون حركة العالم, فالدين لا يحرك السياسة ولا القادة, سواء في الإسلام أم المسيحية أم الهندوس أم البوذيين, فما يتحكم في السياسة هي القوة العسكرية والاقتصادية, ولا يستطيع أحد أن يجزم بأن رؤساء جميع دول العالم يطيعون كتبهم المقدسة, وتصوراتنا بأن رئيس الولايات المتحدة وقادة العالم الغربي سيهبون لإنقاذ كنيسة المهد هي مجرد تخيلات لأمور ليست صحيحة, لقد كان كارتر رئيس الولايات المتحدة الأسبق قسا في الكنيسة البروتستانتية, وعندما حاول أن يكون مسيحيا ملتزما في السياسة سقط سقوطا ذريعا, ونفس الشيء يحدث في كل الدول, فالعالم لم يعد يتحمل حكم رجل الدين, العالم تحركه قوة الاقتصاد والعسكر والمصلحة, ومن لا يملك هذه القوي الثلاث هو الضعيف في هذا العالم.
ويري الأنبا يوحنا قلته, أن الربط بين تحرك الغرب في حالة الاعتداء علي إحدي كنائس صعيد مصر وما يجري لكنيسة المهد في فلسطين ربط في غير محله, لأن التحرك ضد مصر والإسلام والمسلمين هو لعبة صهيونية, ونشاط يقوم به أقباط المهجر في أمريكا, كما أن الغرب علي استعداد لسماع هذه الدعاية لأنها تجد هوي في عقولهم وقلوبهم, ولا ننسي أن مسيحيي أستراليا وباقي دول العالم, ربما لم يسمعو ا بما جري في مصر من محاولات لإشعال الفتن بين المسلمين والمسيحيين.
وأكد قلته أن كنيسة المهد يحميها الفلسطينيون باعتبارهم حراس الأرض المقدسة, ونحن نثق في أن الله هو الحامي الأول والأخير للأماكن المقدسة وفي اعتقادي أن إسرائيل لن تهدم كنيسة المهد, لأنها أحد عناصر الجذب السياحي الذي يحقق لها دخلا اقتصاديا.
ويوضح الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وتوابعها وأحد أهم معاوني البابا شنودة أن هناك فهما خاطئا لعدد المسيحيين في العالم, وقدرتهم علي التأثير, وقال: إن المتدينين بين المسيحيين لا تتجاوز نسبتهم%40 من عدد المسيحيين في العالم, أما الباقون فلا دخل لهم بالدين, ولا يهمهم من قريب أو بعيد كنيسة المهد أو القيامة أو غيرها من المقدسات المسيحية, لذلك فهم يتأثرون أكثر بالإعلام الذي يسيطر عليه اليهود تماما, ويبثون رسائل باللغة التي يفهمها الغرب, ويصورون أن كنيسة المهد في داخلها إرهابيون لو خرجوا سينفذون عمليات انتحارية بين مدنيين إسرائيليين, ومع الأسف فإننا كعرب لم تصل رسالتنا إلي الغرب, لأننا مازلنا نتحدث إلي بعضنا البعض فقط, ويستطرد الأنبا مرقص بأن كنيسة المهد لم يبكها أحد سوي العرب مسيحيين ومسلمين, لأننا نعرف الحقيقة, ولأن رجل الدين سواء بابا الفاتيكان أم البابا شنودة أم رئيس أي طائفة لا يملك إصدار قرار سياسي فلا يوجد رجل دين يحكم, وإنما مهمته إعلان الحق وليس فرض الحق بقوة السلاح.
وينبهنا القس صفوت البياض رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر التي يتبعها مسيحيو أمريكا ورئيسها جورج بوش, إلي أننا نظلم المسيحية والمسيحيين بتصورنا أن الوازع الديني هو الذي يحكم مسيحيي الغرب, مؤكدا أن المادة والمصلحة هما الأهم بالنسبة لهم, ولأن اليهود يسيطرون علي اقتصاد وإعلام وسياسة أمريكا فقد نجحوا في التغلغل داخل المجتمع الأمريكي, كما تبني عدد كبير هناك مذهب المسيحية الصهيونية واتباع هذا المذهب متشددون يؤمنون بأهمية عودة اليهود جميعا إلي القدس وبناء هيكل سليمان, مفسرين بعض الآيات في التوراة تفسيرا غير صحيح, رغم أن الإنجيل أكد في أكثر من آية أن هيكل سليمان لن يعود, وأن الله جعل داخل كل إنسان مؤمن هيكلا, فالعبادة بالروح وليست بالأحجار.
وعلي هذا الأساس والكلام لايزال للقس صفوت البياض, نحن لا نبكي علي كنيسة المهد, لكن علي الإنسان الفلسطيني الذي لا تحترم روحه ولا إنسانيته ولا حتي جثته وهو ميت, فقد داست إسرائيل علي كل القيم والمباديء والمقدسات ونحن نلوم الغطرسة الإسرائيلية, وغياب العدالة الغربية, وبالذات الأمريكية القادرة علي الردع, لكنها لا تفعل.
ويؤكد د. عبدالمعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد السابق في كلية أصول الدين, أن المسلم الحقيقي يحزن ويأسف لما يجري في كنيسة المهد, لأنها دار عبادة تتوجه فيها القلوب إلي الإله الواحد, والدهشة من موقف أمريكا والغرب, ليست مقصورة علي الصمت علي ما يجري لكنيسة المهد, فكل ما يجري في فلسطين وللإنسان الفلسطيني, شيء معيب وإهانة لكل الإنسانية ويفضح حضارة الغرب الزائفة التي تدعي أنها ترعي حقوق الإنسان والحريات الدينية, وتساءل بيومي أين قانون حماية الحريات الدينية الذي اخترعته أمريكا من كل ما جري في فلسطين, ألا تستحق إسرائيل بعد كل ما فعلته لفت نظر, يا سيدي ابك معي علي كل ما يجري حولنا ولا تسأل لماذا لم يبك أحد علي كنيسة المهد.
ويلقي الكاتب الصحفي فهمي هويدي باللائمة علي العرب والرؤساء العرب, ويقول الغرب والأمريكيون خصوصا لا هم غيورون علي الكنيسة ولا بوذا, ولا غيره هم يسعون لإذلال العرب والمسلمين والمصالح هي التي تحكم كل التصرفات, ونحن كعرب لم نفعل شيئا, ولم نقدم خطابا يحترمه العالم, فكيف نطلب من الغرب أن يكون أكثر غيرة علي مصالحنا ومقدساتنا وشعوبنا . 0