[align=center]الحمد لله رب العالمين
لقد رجع القاضي محمد بن الطيب
المعروف بأبي بكر الباقلاني
عن معتقده إلى اعتقاد السلف الصالح
والبرهان على ذلك
نقلاً عن كتاب صفات الله عز وجل
للإمام محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله - المتوفى سنة 1393 هـ:
قال قال الباقلاني في كتاب" التمهيد " مانصه:
( بابٌ في أنّ لله وجهاً ويَدَيْن فإن قال قائل:
فما الحجة في أن لله عز وجل وجهاً ويدين؟
قيل له:
" ويبقى وجهه ربك ذو الجلال والإكرام "
وقوله تعالى:" ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَّ"
فأثبت لنفسه وجهاً ويدين
فإن قالوا: فلِمَ أنكرتم أن يكون المعنى في قوله:
" خلقت بيديَّ أنه خلقه بقدرته أو نعمته؟
لأن اليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة وبمعنى القدرة كما يُقال:
لي عند فلان يد بيضاء، يُراد به نعمة
وكما يقال: هذا الشيء في يد فلان وتحت يد فلان
يراد به أنه تحت قدرته وفي ملكه ويقال:
رجل أيْدٌ إذا كان قادراً
وكما قال تعالى: خلقنا لهم مما عملت أيدينا "
يريد بقدرتنا وقال الشاعر:
إذا ما رايةٌ رُفعت لجدٍ.... تلقّاها عرابةُ باليمين
فكذلك قوله : " خلقت بيديَّ" يعني بقدرتي أو نعمتي.
يُقال لهم:
هذا بـــــــــاطل
لأن قوله :" بيديَّ" يقتضي إثبات يدين هما صفة له
فلو كان المراد بهما القدرة لوجب أن يكون له قُدرتان
وأنتم تزعمون أن للباري قدرة واحدة
فكيف يجوز أن تثبتوا له قُدرتين؟
وقد أجمع المسلمون من مثبتي الصفات والنافين لها
على أنه لايجوز أن يكون له تعالى قدرتان
فبطل ما قُلتم
وكذلك لايجوز أن يكون الله تعالى خلق آدم بنعمتين
لأن نعم الله تعالى على آدم وعلى غيره لاتعد ولاتحصى
ولأن القائل لايجوز أن يقول :
رفعت الشيء بيدي أو وضعته بيدي وهو يعني نعمته!
وكذلك لايجوز أن يقال:
لي عند فلان يدان يعني نعمتين!
وإنما يقال :
لي عنده يدان بيضاوان
لأن القول: (يد)
لايستعمل إلا في اليد التي هي صفة الذات
ويدل على فساد تأويلهم أيضاً أنه لو كان الأمر على ما قالوه لم يغفل عن ذلك إبليس
وعن أن يقول :
وأي فضل لآدم عليَّ يقتضي أن أسجد له وأنا أيضاً بيدك خلقتني التي هي قدرتك وبنعمتك خلقتني؟
وفي العلم
بأن الله تعالى فضل آدم عليه بخلقه بيديه دليل على فساد ما قالوه
فإن قال قائل:
فلمَ أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة إذا كنتم لم تعقلوا يد صفة ووجه صفه لا جارحة؟
يقال له:
لا يجب ذلك كما لايجب إذا لم نعقل حيّاً علماً قادراً إلا جسماً أن نقضي نحن وأنتم على الله تعالى بذلك
وكما لايجب متى كان قائماً بذاته أن يكون جوهراً أو جسماً لأنا وإياكم لم نجد قائماً بنفسه في شاهدنا إلا كذلك)
وقال الباقلاني أيضاً في كتاب التمهيد مانصه:
( فإن قالوا : فهل تقولون : إنه في كل مكان؟
قيل: معاذ الله
بل هو مستوٍ على العرش كما أخبر في كتابه فقال:
" الرحمن على العرش استوى"
وقال تعالى:
" إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"
وقال:
" أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض"
ولو كان في كل مكان لكان في جوف الإنسان وفمه
وفي الحشوش والمواضع التي يُرغب عن ذكرها تعالى الله عن ذلك
ولوجب أن يزيد بزيادة الأماكن إذ خلق منها ما لم يكن خلَقَهُ
وينقُصُ بنُقصانها إذا بطل منها ما كان
ولصحَّ أن يُرغب إليه نحو الأرض وإلى ظهورها وعن أيماننا وشمائلنا
وهذا ما قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله
إلى أن قال -رحمه الله-
ولايجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو اسيلاؤه عليه كما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق...من غير سيف ولادمٍ مهراقِ
لأن الإستيلاء هو القدرة والقهر
والله تعالى لم يزلْ قادراً قاهراً عزيزاً مقتدراً
وقوله:
" ثم استوى على العرش"
يقتضي
استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن!
فيبطل ماقالوه
فإن قال قائل:
ففصِّلوا لي صفات ذاته من صفات فعله
قيل له:
صفات ذاته هي التي لم يزل ولايزال موصوفاً بها
وهي الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه والعينان واليدان)
..............
يتبع إن شاء الله رجوع إمام الحرمين الجويني عن معتقده إلى ماكان عليه السلف[/align]