- "ولاية الفقيه" نظرية الحنق الرافضي ...
[align=center]كيف ومتى نشأت نظرية ولاية الفقيه؟ وهل تشكل أساسا من أسس الإسلام أو التشيع أو الثورة؟وما هو دورها في إضفاء الطابع الديني على النظام الحاكم في إيران؟ ولماذا امتاز الشيعة بهذه النظرية؟
كل هذه الأسئلة وغيرها قفزت إلى الأذهان مع مطالبة بعض كبار رجال الدين في إيران ، مؤخرا ، بإعادة النظر في نظرية ولاية الفقيه وتعديلها أو التراجع عنها ، لأنها - حسب قولهم - ابتعدت عن الشورى ومالت إلى الاستبداد.
من المعروف ان نظرية ولاية الفقيه ولدت قبل مائة وخمسين عاما على يدي الشيخ احمد النراقي (توفي سنة 1245هجرية)صاحب كتاب عوائد الأيام) وطبقها الإمام الخميني لأول مرة في (الجمهورية الإسلامية الإيرانية). وكانت هذه النظرية قد شكلت تطورا كبيرا في نظام المرجعية الدينية الذي نشأ عند الشيعة الامامية في ظل مقاطعتهم للأنظمة السياسية المختلفة في عصر غيبة (الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر).
وقد ولدت (المرجعية الدينية)للفقهاء ، واكتسبت صبغة شرعية من نظرية (النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي) التي بدأت تتبلور وتتطور منذ أواسط القرن الخامس الهجري ، حتى اكتملت على يدي الشيخ علي بن عبد العالي الكركي في القرن العاشر الهجري ، عندما قام بمنح الشاه طهماسب بن اسماعيل الصفوي إجازة للحكم باسمه باعتباره يمثل النائب العام عن الإمام المهدي.
وقد أثارت نظرية (النيابة العامة) عند ظهورها جدلا واسعا في صفوف الشيعة في القرون الوسطى وقسمتهم إلى (أصوليين) و (إخباريين) مثلما فعلت نظرية (ولاية الفقيه) التي أثارت معارضة شديدة من قبل كبار الفقهاء والمحققين كالشيخ مرتضى الانصاري (توفي سنة 1281) والسيد أبو القاسم الخوئي (توفي سنة 1412) حيث قال الأول في كتابه : ( المكاسب): ان الروايات التي يستشهد بها المريدون لولاية الفقيه لا تبين إلا وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية والفتيا والقضاء ، لا كونهم كالأنبياء وإلائمة في كونهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وان الدليل على وجوب طاعة الفقهاء دونه خرط القتاد.
اما السيد الخوئي فقد قال في كتاب ( الاجتهاد والتقليد) : ان ما استدل به على الولاية المطلقة غير قابل للاعتماد عليه، ومن هنا قلنا بعدم ثبوت الولاية له إلا في مورد الفتوى والقضاء ، وان الأخبار المستدل بها على الولاية المطلقة قاصرة السند والدلالة.
ولا يشك أحد في ضعف الروايات التي يستند إليها القائلون بنظرية ولاية الفقيه ، والمنسوبة إلى الإمام الغائب ، وهم يعترفون بذلك ، ولكنهم يتشبثون بها كأدلة مساعدة بعد تقريرهم لضرورة إقامة الحكومة الإسلامية في (عصر الغيبة) والتخلي عن نظرية التقية والانتظار للإمام الغائب.
وقد شكل القول بنظرية ولاية الفقيه ثورة في الفكر السياسي الشيعي لأنه أدى بالفقهاء إلى التخلي عن شروط العصمة والنص والسلالة العلوية الحسينية التي كان يشترطها الشيعة في الإمام في القرون الأولى.
وبالرغم من الجدل العنيف الذي كان يدور حول هذه النظرية فأنها شقت طريقها بعد نجاح الإمام الخميني في تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران قبل حوالي عشرين عاما، ولكنها كانت ولا تزال غامضة وبحاجة إلى بلورة وتطوير، خاصة في ما يتعلق بحدود الولاية وعلاقة الفقيه بالأمة. وقد أصبحت عرضة لجدل طويل في مجلس الخبراء التأسيسي الأول الذي انعقد بعد انتصار الثورة لصياغة الدستور، حيث كان يميل البعض إلى تقليص سلطة الفقيه إلى درجة الاقتصار على مهمة الإرشاد الروحي ، ويميل البعض الآخر إلى تمديد سلطته إلى درجة الهيمنة الكاملة على الحياة السياسية. وقد ولد الدستور الإيراني الإسلامي وهو يميل إلى كفة الأمة التي أعطاها حق التشريع من خلال مجلس شورى منتخب ، وحق التنفيذ من خلال سلطة تنفيذية منتخبة ممثلة برئيس الجمهورية ، ولم يعط الفقيه الولي سوى منصب قائد القوات المسلحة وحق تنصيب الرئيس الأعلى للقضاء.
ولكن الإمام الخميني الذي صادق علة الدستور لم يكتف عمليا بالصلاحيات التي منحه إياها الدستور ، بل فرض هيمنته الكاملة علة مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية وأقال الرئيس الأول أبوا لحسن بني صدر لأنه تمرد على تعليماته ، ووجه رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس السيد علي الخامنائي سنة 1988 لأنه اعترض على بعض ممارساته ، خاصة في ما يتعلق بإجازة قانون العمل الذي لم يكن يحظى بموافقة مجلس المحافظة على الدستور.
وقد اتهم الإمام الخميني خامنئي في تلك الرسالة بالجهل بنظرية ولاية الفقيه وقال لهL يظهر انكم لا تؤمنون ان الحكومة التي تعني الولاية المخولة من قبل الله إلى النبي الأكرم مقدمة على جميع الأحكام الفرعية الإلهية… وان استشهادكم بقوليL ان صلاحية الحكومة هي في إطار الأحكام الإلهية) يخالف بصورة كلية ما قلته. ولو كانت صلاحيات الحكومة محصورة في إطار الأحكام الفرعية الإلهية لوجب ان تلغى أطروحة الحكومة الإلهية والولاية المطلقة وان تصبح دون معنى. وما قيل حتى الآن وما قد يقال ناشيء من عدم معرفة الولاية المطلقة الإلهية).
وقد اعتبر الإمام الخميني في تلك الرسالة ولاية الفقيه كولاية الرسول الأعظم وقال بصراحة: انه يستطيع ان يلغي الاتفاقيات الشرعية التي يعقدها مع الأمة من طرف واحد إذا رأى بعد ذلك انها مخالفة للإسلام أو لمصلحة البلد.
ولم يكن الإمام الخميني يؤمن بحاجة الفقيه إلى رأي الأمة أو انتخابها له لأنه منصب ومعين من قبل الإمام المهدي الغائب ، ولذا فقد كان يطالب الأمة بتقديم النصح والنصرة والولاء له ، ويستند في ذلك على تراث (المرجعية الدينية) ونظرية (نيابة الفقيه العامة عن الإمام المهدي) التي تعطي للفقيه قدسية لا مثيل لها وتجعله مشابها للنبي أو الإمام المعصوم بناء على الحديث المنسوب إلى الإمام المهدي والذي يقولL ان الراد على الفقهاء كالراد علينا والراد علينا كالراد على الله)
وبناء علة نظرية الإمام الخميني هذه انطلق الشيخ محمد يزدي رئيس القضاء الأعلى في إيران قبل عدة اشهر في دعوته إلى تعديل الدستور وحصر السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في يدي الولي الفقيه وتحريم ممارسة أي شيء من ذلك إلا بإذنه.
وفي الحقيقة ان نظرية (النيابة العامة) هي سر الصبغة الدينية لنظام الحكم وللحاكم في إيران . إلا انه بالرغم من سيادة هذه النظرية اليوم فأنها - كما قلنا - جوبهت ولا تزال تجابه بمعارضة من قبل بعض الفقهاء والمحققين الكبار الذين يرفضون الصفة الدينية المقدسة للحاكم، حتى وان كان فقيها عادلا ، وذلك لاحتمال تعرضه للجهل أو الهوى أو حب السلطة والانحراف والاستبداد.
ومن هنا فان الفقهاء يناقشون في صحة نظرية ولاية الفقيه أو النيابة العامة ويقولون انها ليست سوى فرضيات أو نظريات اجتهادية حادثة لم تكن معروفة بين الفقهاء السابقين ولا تحظى بإجماع الشيعة أو عامة المسلمين.
ان إعادة النظر في (ولاية الفقيه) لا تعني إعادة النظر في الإسلام أو الحكم الإسلامي ، وإنما تعني إعادة النظر في أسس الحكومة وهل تقوم على تفويض الهي للحكم باسم الإمام الغائب أو تفويض من الأمة للحكم باسمها بالحدود والصلاحيات التي ترسمها وتحددها.
ويتوقف على هذا الجدل الدائر في إيران مستقبل النظام السياسي بين تشديد قبضة الولي الفقيه والاستبداد بالسلطة بصورة كاملة ، أو الاتجاه نحو مزيد من الحرية والشورى والمشاركة الشعبية في تقرير الأمور , كما يتوقف عليها موقع رئيس الجمهورية المنتخب السيد محمد خاتمي وقدرته على تنفيذ وعوده الانتخابية بتوفير الحرية الثقافية والتعددية السياسية والسماح للأحزاب بالعمل في ظل الجمهورية الإسلامية[/align]