سلسلة صوفية مشهورة وطريقة صوفية منتشرة في مصر وتونس والجزائر وغيرها من البلدان، والشاذلية نسبة إلى أبي الحسن علي بن عبدالله المولود بغمارة من قرى سبته سنة 593هـ(76).
وقال الكمشخانوي:
"بل ولد بقرية عمان من قرى أفريقية قرب مرسية، وهي من المغرب الأقصى أيضاً"(77).
ولكن عطاء الله الاسكندراني وهو تلميذ أبي العباس المرسي يذكر أن مبدأ ظهوره بشاذلة ولكن منشأه بالمغرب الأقصى فلم يعرف بالمنشأ والمولد، بل نسب إلى مبدأ ظهوره(78).
واختلفوا في نسبه أيضاً، فمريدوه والمتعلّقون به ينسبونه إلى الأشراف ويصلون بنسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، كعادة أهل كل طريقة صوفية ولو أنهم يختلفون فيما بينهم في أسماء آبائه، فالبعض ينسبونه إلى إدريس بن عبدالله المبايع له ببلاد المغرب(79).
وبعضهم إلى غيره(80).
وأما الجامي فينسبه في نفحاته إلى الحسين، لا إلى الحسن(81).
وكان ضريراً كما سماه ابن الملقن والشعراني بالضرير الزاهد(82).
ولكن لم يتضرر عيناه إلا بعد مدة من تحصيل العلم كما يظهر من ترجمته في مختلف الكتب(83).
وانتقل في صغره إلى مدينة تونس، فبدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة وبلدة إلى بلدة حتى حجّ ثم دخل العراق وبدأ يفتش عن القطب الصوفي –حسب زعمه- وقال له أحد الأولياء هناك:
"إنك تبحث عن القطب بالعراق، مع أن القطب ببلادك، ارجع إلى بلادك تجده"(84).
فرجع إلى بلاده باحثاً ومفتشاً عن القطب، يسأل عن المقبل والمدبر والراحل والمقيم إلى أن اجتمع به، وهو أبو محمد عبدالسلام بن مشيش، فيقول الشاذلي: أتيت إليه "وهو ساكن مغارة برباط رأس جبل، فاغتسلت في عين أسفل الجبل وخرجت عن علمي وعملي، وطلعت إليه فقيراً، وإذا به هابط إليّ، فقال:
مرحباً يا علي، وذكر نسبي إلى رسول الله"(85).
"ثم قال لي: يا علي، طلعت إلينا فقيراً من علمك وعملك، وأخذت منا غنى الدنيا والآخرة، فأخذني من الدهش فأقمت عنده أياماً إلى أن فتح الله عليّ بصيرتي"(86).
وعبدالسلام هذا ينقل فيه الشيخ الأكبر للأزهر سابقاً عبدالحليم محمود عن صاحب "الدرة البهية":
"هو القطب الأكبر، والعلم الأشهر، والطود الأظهر العالي السنام.
هو البدر الطالع الواضح البرهان، الغنيّ عن التعريف والبيان، المشتهر في الدنيا قدره، والذي لا يختلف في غوثيته اثنان.
وطريه ترياق شاف لأدواء العباد، وذكره رحمة نازلة في كل ناد.
سرى سرّه في الأفاق، وسارت بمناقبه الركبان والرفاق.
قضى عمره في العبادة، وقصده للانتفاع أهل السعادة.
وكان رضي الله عنه في العلم في الغاية، وفي الزهد في النهاية، جمع الله له الشرفين: الطيني والديني، وأحرز الفضل المحقق اليقيني"(87).
ويذكره الشاذلي بنفسه هو ومكانته السامية ودرجته الرفيعة، ومعرفته وعلمه بما يختلج في صدور الناس، وفيضه وفيضانه بقوله:
"كنت في سياحتي في مبدأ أمري حصل لي تردد: هل ألزم البراري والقفار للتفرغ للطاعة والأذكار أو ارجع إلى المدائن والديار لصحبة العلماء والأخيار؟ فوصف لي وليّ هنالك، وكان برأس جبل فصعدت إليه، فما وصلت إليه إلى ليلاً، فقلت في نفسي لا أدخل عليه في هذا الوقت، فسمعته يقول من داخل المغارة: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك أعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئي إلا إليك، قال فالتفت إلى نفسي وقلت: يا نفس انظري من أي بحر يغترق هذا الشيخ، فلما أصبحت دخلت إليه فأعربت من هيبته.
فقلت له:
يا سيدي كيف حالك؟
فقال: أشكوا إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار.
فقلت: يا سيدي أما شكواي من حر التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه، وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا؟
فقال: أخاف أن تشغلني حلاوتها عن الله.
قلت: يا سيدي سمعتك البارحة تقول: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك أعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئي إلا إليك، فتبسم ثم قال:
يا بني، ما تقول: سخر لي خلقك قل: يا رب كن لي، أترى إذا كان لك أيفوتك شيء؟ فما هذه الجناية"(88).
وحتى ابنه الصغير يعلم ما في قلوب الناس كما يذكر الشاذلي أيضاً:
"كنت يوماً بين يدي الأستاذ فقلت في نفسي: ليت شعري هل يعلم الشيخ اسم الله الأعظم؟ فقال ولد الشيخ وهو في آخر المكان الذي أنا فيه: يا أبا الحسن ليس الشأن من يعلم الاسم الأعظم، إنما الشأن من يكون هو عين الاسم، فقال الشيخ من صدر المكان: أصاب وتفرس فيك ولدي"(89).
ويقول ابن عطاء الله الاسكندري: إن طريقة الشاذلي تنتسب إلى الشيخ عبدالسلام بن مشيش، والشيخ عبدالسلام ينتسب إلى الشيخ عبدالرحمن المدني، ثم واحد عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب(90).
.........
(76) النفحة العلية في أوراد الشاذلية ص 226 ط مكتبة المتنبي القاهرة،أيضاً أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبدالحليم محمود ص 20.
(77) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص 115.
(78) لطائف المنن لابن عطاء الأسكندراني ص 135 بتحقيق عبدالحليم محمود ط مطبعة حسان القاهرة 1974.
(79) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص 115.
(80) انظر لطائف المنن للأسكندراني ص 135، طبقات الأولياء لابن الملقن ص 459.
(81) انظر نفحات الأنس للجامي ص 567 (فارسي) ط إيران.
(82) طبقات الأولياء لابن الملقن ص 458، الطبقات الكبرى للشعراني ج 2 ص 4.
(83) انظر دائرة المعارف الإسلامية ص 562 وغيرها من الكتب.
(84) درة الأسرار ص 23 نقلاً عن "أبي الحسن الشاذلي" للدكتور عبدالحليم محمود ص 23.
(85) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص 116.
(86) "المدرسة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي" للدكتور عبدالحليم محمود ص 23 ط دار الكتاب الحديث القاهرة.
(87) أيضاً ص 24.
(88) لطائف المنن لابن عطاء الإسكندري ص 159 ، 160ط مطبعة حسان القاهرة 1974م.
(89) أيضاً ص 160.
(90) الوصية الكبرى لعبدالسلام الأسمر الفيتوري ، أيضاً لطائف المنن للإسكندراني ص 65.