رضي الله عنهم أجمعين ....... قولوا آمين
السلام عليكم
توطئة قرمزية ! اليوم يا معاشر النبلاء .. سأرسم لكم لوحة بألوان طيف قانية ! وسأنغم القلم تنغيماً وأطرز زاويتي تطريزاً ..حيث أني سأطوف بكم إلى حدائق ذات بهجة .. فتعالوا معي وتصوغوا بآذانكم فلعلكم تستمعون من فيض عبارتي صوت نغم ذاك الخرير المتحدر من أروع روضة ماء وغدير ..! ولكن عفوا يا أيها السادة .. فرحلتنا لن يشتم شذاها .. ويستطعم حلاوتها ويتلمس طلاوتها سوى من تشرب قلبه وصلحت فطرته على حب الرسول وعترته وأزواجه أمهات المؤمنين وصحبه وأخص منهم الخلفاء الأربعة صديقنا الصديق وفاروقنا عمر وإمامنا المرتضى علي وذي النورين عثمان ممن زوجه نبينا بابنتيه رضي الله عنهم وحشرنا معهم ..
ديباجتنا تبدأ يوم أن خطب نفرٌ من الصحب الكريم بضعة الرسول وابنته البتول ومصونته المطهرة وسيدة النساء فاطمة الزهراء فاعتذر لهم وقال إنها لصغيرة .. وبودي أن أكمل فصول القصة ولكني أدع إكمالها للشيخ أبو جعفر الطوسي ليكملها من كتابه الأمالي في الجزء الأول ص 38 وكذلك صاحبه الشيخ المجلسي في جلاء العيون 1/169 فيقولان : في يوم من الأيام كان أبو بكر وعمر وسعد بن معاذ جلوساً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذوا يتذاكرون فيما بينهم بزواج فاطمة عليها السلام..فقال أبو بكر إن أشراف قريش طلبوها من النبي ولكن رسول الله قال لهم بأن الأمر في ذلك لله..ونظن أنها لعلي بن أبي طالب ، ولا نرى ما يمنع علياً أن يتقدم إلى فاطمة إلا فقره وقلة حاله ، ثم أن أبو بكر قال لعمر وسعد هيا بنا إلى علي بن أبي طالب لنشجعه أن يطلب ذلك من النبي عليه السلام فقال عمر ما أحسن ما فكرت به ، فذهبوا إلي بيت أمير المؤمنين عليه السلام فلما وصلوا قالوا له يا علي ليس هناك خصلة خير إلا وأنت سابق بها فما الذي يمنعك أن تطلب من الرسول ابنته ؟ فلما سمع علي هذا الكلام من أبى بكر اغرورقت عيناه بالدموع وقال ومن لا يريد الزواج منها ولكن يمنعني فقري وأستحي والله أن أطلبها من رسول الله وأنا بهذا الحال ..! فشجعه الصديق أبو بكر وقال اذهب واخطبها وأجعل الأمر لله فذهب علياً المرتضى وخطبها من رسول الله فوافق النبي وطلب منه مهراً لها فما وجد علي رضي الله عنه معه شيء فقال رسول الله فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا قَالَ هِيَ عِنْدِي قَالَ فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ ..فأمهرها بها
وبدأت فاطمة تتجهز لأعظم عرس في تاريخ البشرية..وتعالوا معي يا من خصصتكم بالمجيء لنرى معاً شكل هذا التجهيز الرائع لحفل زفاف زهرتنا الزهراء على ذي الفقار الذي يحبه الله ورسوله ..فلقد جاء في كتاب الأمالي للطوسي ج 1 ص 39 أن علياً باع درعه وأتى بثمنه إلى رسول الله ثم أخذ رسول الله الدراهم وأعطاها لأبي بكر الصديق وقال له : ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت وأردف معك عمار بن ياسر مع بعض الأصحاب .. فحضروا السوق فكانوا يعرضون الشيء مما يصلح فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبو بكر فإن استحسنه للزهراء فاطمة ورضي به اشتروه ..حتى إذا استكملوا الشراء أخذ ابو بكر جهاز فاطمة وحمله إلي بيت رسول الله..! فيا الله .. والله ليس هناك أجمل من هذا التواصل والتراحم وصدق الله ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) .. ولم ينتهي الأمر عند هذا فحسب ولكن رسول الله توّج زواج ابنته الزهراء بالإمام علي بأن جعل الشهود عليه هم أعلى الناس مكانة ومنزلة في الصحب الكريم ..ولندع الشيخ المجلسي يحكي لنا تلك اللحظات من كتابه بحار الأنوار ج1 ص47 فيقول : عن أنس أنه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فغشيه الوحي .. فلما أفاق قال لي : يا أنس أتدري ما جاءني فيه جبرئيل من عند صاحب العرش قال قلت الله ورسوله أعلم فقال أمرني أن أزوج فاطمة من علي فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وبعددهم من الأنصار .. فانطلقت فدعوتهم له فلما أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله بعد أن حمد الله وأثنى عليه إني قد زوجت فاطمة من علي ..! فهللوا الصحابة وفرحوا جميعاً.
ولم تنتهي لوحتنا ذات الألوان القانية إلى هنا .. ولكن تعالوا معي لنرى من هو الذي جهز زهراءنا البتول لتزف إلى إمامنا المرتضى ..!؟ يحكي لنا هذه المرة الإمام بن ماجه في سننه في كتاب النكاح ، باب الوليمة فيقول (( عَنْ عَائِشَةَ بنت الصديق وَأُمِّ سَلَمَةَ قَالَتَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُجَهِّزَ فَاطِمَةَ حَتَّى نُدْخِلَهَا عَلَى عَلِيٍّ فَعَمَدْنَا إِلَى الْبَيْتِ فَفَرَشْنَاهُ تُرَابًا لَيِّنًا مِنْ أَعْرَاضِ الْبَطْحَاءِ( أي من الصحراء ) ثُمَّ حَشَوْنَا مِرْفَقَتَيْنِ (أي وسادتين) لِيفًا فَنَفَشْنَاهُ بِأَيْدِينَا ثُمَّ أَطْعَمْنَا( أي الناس في الوليمة) تَمْرًا وَزَبِيبًا وَسَقَيْنَا مَاءً عَذْبًا وَعَمَدْنَا إِلَى عُودٍ فَعَرَضْنَاهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ لِيُلْقَى عَلَيْهِ( علي بن أبي طالب )الثَّوْبُ وَيُعَلَّقَ عَلَيْهِ السِّقَاءُ فَمَا رَأَيْنَا والله عُرْسًا أَحْسَنَ مِنْ عُرْسِ فَاطِمَةَ عليها السلام )) .. يا الله كم أنت رائعة يا عائشة ..بل والذي أروع منك هو أبوك الصديق الذي أشترى للزهراء جهازها فيا سبحان الله!
ويتزوجا ..ويثمر زواجهما أجمل ثمرتين واشرف سبطين إنهما الإمامان الجليلان سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليها السلام ..فالله أكبر يا زهراء ! هي بنت من ؟ وزوج من ؟ وأم من ؟ من ذا يضاهي بالفخار أباها ..!!؟ ويحكي لنا اليعقوبي في تاريخه ج2 ص 117 فيقول : أنه لما ولدت الزهراء الحسن رضي الله عنه .. فرح المسلمون بولادته فرحاً عظيماً .. ولما بدأ يحبو كان أبو بكر الصديق يحمله على عاتقه ويداعبه ويلاعبه وكان دائما ينشد له : بــــــــربي شبيه بالنبي .. غير شبيه بعلــــــي !
وكان الإمام علي يسمع نشيده ويضحك ..وكانت الزهراء فاطمة تقول صدق أبو بكر الصديق هو شبيه بالنبي غير شبيه بعلي ..!
أقسم بأن ريشتي لن تكل ولا أظنها ستمل عن رسم مثل هذه اللوحات الجميلة ولكني اختم لوحتنا اليوم بهذه الزخرفة : دخل المرتضى عليٌ ذات يوم داره الطاهرة فوجد الزهراء متكئة على وسادة وهي تستاك ( السواك ) فتحركت غيرته عليها من عود السواك كيف أنه قد حضيّ بثغرها الكريم .. فجاء إليها وأخذ السواك من يدها مداعباً ..ثم أخذ ينظر للسواك ويخاطبه قائلاً ::
حـــــظيت بثغرها يا عود الأراك … أما خفت يا عود الأراك أراك !!؟
لــــــو كنت من أهل القتال قتلتك … ما فاز مني يا سواكُ .. سواكَ !!
فضحكت الزهراء حتى أشرق وجهها من مداعبته رضي الله عنها..
هذه يا أحباب الرسول وعترته وصحبه بعضاً من سيرة حياتهم العطرة ..وشيء من شذاهم الفواح .. أردت به أن أعطر فيه قلوبكم وأروح فيه عن همومكم وأي رواح وسعادة أجمل وأطهر من ذكريات آل البيت (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) .
الكاتب بجريدة الوطن الكويتية
و السلام