يقول أحد العلماء:
الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء، حين يريد أن يمتدح أحدا من أهل العلم والنبلاء قال "الصوفي"، وهو أن التصوف علم من علوم الشرع الإسلامية يعنى بصلاح القلوب كما أن الفقه علم من العلوم الإسلامية يعنى بتبيين الحلال والحرام كما أن التوحيد علم من علوم الشريعة الإسلامية يعنى بشئون العقيدة.. إذا كان هذا هو المقصود فلا عاقل ينكره بل أسال الله أن أكون من هؤلاء.
ولعل بعض الاخوة الذين تربوا على بغض السادة الصوفية ورد التصوف برمته وجدوا في أنفسهم شيئا من الشك وعدم الارتياح لما جاء في هذا الكلام.
جاء في كتاب (العبر في خبر من غبر) للحافظ الذهبي ذكر حوادث مرتبة حسب سنة وقوعها. فيذكر الذهبي السنة ثم يسرد الحوادث والوقائع ومن ذلك ذكره لوفاة الأعلام والمشايخ من فقهاء وصوفية ومحدثين. وذكر كلمة الصوفي على سبيل الثناء لأرباب الزهد والعبادة والمجاهدة والتقوى.
وهذه نماذج على سبيل المثال لا الحصر غير مرتبة زمنيا :
[HR]
وأبو القاسم القشيري، عبد الكريم بن هوازن النيسابوري الصوفي الزاهد، شيخ خراسان، وأستاذ الجماعة، ومصنّف "الرسالة" توفي في ربيع الآخر، وله تسعون سنة، روى عن أبي الحسين الخفّاف، وأبي نعيم الإسفراييني وطائفة. قال أبو سعد السمعاني: لم ير أبو القاسم مثل نفسه، في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة.
وفيها القاسم بن عثمان الدمشقي الزاهد، المعروف بالجوعي. من كبار الصوفية والعباد العارفين. صحب أبا سليمان الداراني، وروى عن سفيان بن عيينة وجماعة.
وفيها الزاهد الكبير أحمد بن عيسى. أبو سعيد الخراز شيخ الصوفية، وهو أول من تكلم في علم الفناء، والبقاء، قال الجنيد: لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخراز لهلكنا.
وفيها عمرو بن عثمان. أبو عبد الله المكي الزاهد. شيخ الصوفية وصاحب التصانيف في الطريق، صحب أبا سعيد الخراز والجنيد، وروى الكثير عن يونس بن الأعلى وجماعة.
وفيها أبو عبد الله أبو عبد الجلا الزاهد، شيخ الصوفية، واسمه أحمد بن يحيى، صحب ذا النون المصري والكبار، وكان قدوة أهل الشام، توفي في رجب، وقد سئل عن المحبة فقال: مالي وللمحبة، أنا أريد أتعلم التوبة.
وفيها توفي أبو العباس بن عطاء الأزدي الزاهد، وهو أحمد ابن محمد بن سهل بن عطاء، أحد مشايخ الصوفية القانتين الموصوفين بالاجتهاد في العبادة، قيل: كان ينام في اليوم والليلة ساعتين، ويختم القرآن كل يوم، توفي في ذي القعدة بالعراق.
وفيها أبو عمر الدمشقي الزاهد، من كبار مشايخ الصوفية وساداتهم، وهذا القول مروي عنه: كما فرض الله على الأنبياء إظهار المعجزات، فرض على الأولياء كتمان الكرامات، لئلا يفتتنوا بها.
والكتَّاني الزاهد، أبو بكر محمد بن علي بن جعفر، شيخ الصوفية المجاور بمكة، أخذ عن أبي سعيد الخزّار وغيره، وهو مشهور.
وفيها الأستاذ أبو الحسن المزيّن، شيخ الصوفية، صحب الجنيد، وسهل بن عبد الله، وجاور بمكة.
وفيها أبو يعقوب النَّهرجوري، شيخ الصوفية، إسحاق بن محمد، صحب الجنيد وغيره، وجاور مدة، وكان من كبار العارفين.
وفيها الزاهد العابد، أبو صالح المسجد المشهور بظاهر باب شرقي، و يقال اسمه مفلح. وكان من الصوفية العارفين.
وفيها توفي أبو إسحاق القرميسيني، إبراهيم بن شيبان شيخ الصوفية ببلاد الجبل، صحب إبراهيم الخواص، وساح بالشام، ومن قوله : علم الفناء والبقاء، يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبوديّة، وما كان غير هذا، فهو من المغاليط والزندقة.
وفيها إبراهيم بن المولَّد، وهو إبراهيم بن أحمد بن محمد الرقِّي، الزاهد الواعظ شيخ الصوفية، أخذ عن الجنيد وجماعة، وحدَّث عن عبد الله ابن جابر المصيِّصي.
وفيها محمد بن داود بن سليمان أبو بكر النيسابوري، شيخ الصوفية والمحدثين ببلده، طوّف وكتب بهراة ومرو، والرَّيّ، وجرجان، والعراق، والحجاز، ومصر والشام والجزيرة. وصنّف الشيوخ والأبواب والزُّهديات، توفي في ربيع الأول، سمع من محمد بن أيوب بن الضُّريس وطبقته.
وفيها الخلدي، أبو محمد بن جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخلدي الخوّاص الزاهد، شيخ الصوفية ومحدّثهم، سمع الحارث بن أبي أسامة، وعلي بن عبد العزيز البغوي وطبقتهما، وصحب الجنيد، وأبا الحسين النُّوري، وأبا العباس بن مسروق، وكان إليه المرجع في علم القوم، وتصانيفهم وحكاياتهم وحجّ ستاً وخمسين حجّة، وعاش خمسة وتسعين عاماً، توفي في رمضان.
وإسماعيل بن نجيد، الإمام أبو عمرو السُّلمي النَّيسابوري، شيخ الصوفية بخراسان، في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة، أنفق أمواله على الزّهاد والعلماء، وصحب الجنيد، وأبا عثمان الحيري، وسمع محمد بن إبراهيم البوشنجي، وأبا مسلم الكجِّي، وطبقتهما. وكان صاحب أحوال ومناقب. قال أبو عبد الرحمن السُّلمي سبطه: سمعت جدي يقول: كل حال لا يكون عن نتيجة علم وإن جلّ فإن ضرره على صاحبه، أكبر من نفعه.
وفيها توفي أبو القاسم النَّصراباذيّ، إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه النيسابوري الزاهد الواعظ، شيخ الصوفية، والمحدثين، سمع ابن خزيمة بخراسان، وابن صاعد ببغداد، وابن جوصاء بالشام، وأحمد العسّال بمصر، وكان يرجع إلى فنون من الفقه والحديث والتاريخ وسلوك الصوفية، ثم حجّ وجاور سنتين، ومات بمكة، في ذي الحجة.
وأبو طالب، صاحب "القوت"، محمد بن علي بن عطية الحارثي العجمي، ثم المكّي، نشأ بمكة، وتزهد وسلك، ولقي الصوفية، وصنّف ووعظ، وكان صاحب رياضة ومجاهدة، وكان على نحلة أبي الحسن بن سالم، البصري، شيخ السالمية. روى عن عليّ بن أحمد المصيِّصي، وغيره.
وأبو علي الدقّاق، الحسن بن علي النيسابوري، الزاهد العارف شيخ الصوفية، توفي في ذي الحجة. وقد روى عن أبي عمرو بن حمدان وغيره.
وعبد الله بن يوسف بن مامويه، الشيخ أبو محمد، المعروف بالأصبهاني، وإنما هو أردستاني، نزل نيسابور، وكان من كبار الصوفية، وثقات المحدثين الرحّالة، روى عن أبي سعيد بن الأعرابي، ومحمد بن الحسين القطّان، وجماعة. توفي في رمضان وله أربع وتسعون سنة.
وابن ماشاذه، الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن ميلة الأصفهاني الفقيه الفرضي الزاهد، روي عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن حكيم، وأبي علي المصاحفي، وعبد الله بن جعفر بن فارس وطائفة، وأملى عدة مجالس، قال أبو نعيم، وبه ختم كتاب الحلية: وختم التحقيق في طريقة الصوفية، بأبي الحسن، لما أولاه الله من فنون العلم والسخاء والفتوة، وكان عارفاً بالله، فقيهاً عاملاً، له الحظ الجزيل من الأدب.
ومعمر بن أحمد بن محمد بن زياد، أبو منصور الأصبهاني الزاهد، شيخ الصوفية في زمانه بأصبهان روى عن الطبراني، وأبي الشيخ. ومات في رمضان.
وابن الترجمان، محمد بن الحسين بن علي الغزّي، شيخ الصوفية بديار مصر. روى عن محمد بن أحمد الجندري، وعبد الواهب الكلابي وطائفة، ومات في جمادى الأول بمصر، وله خمس وتسعون سنة، وكان صدوقاً.
وأبو الحسن الزوزني، علي بن محمود بن ماخرة، شيخ الصوفية، ببغداد، في رمضان، عن خمس وثمانين سنة، وكان كثير الأسفار، سمع بدمشق من عبد الوهاب الكلابي وجماعة.
وكرَّكان الزاهد القدوة، أبو القاسم عبد الله بن علي الطوسي، شيخ الصوفية، وصاحب الدويرة والأصحاب، روى عن حمزة المهلَّبي وجماعة، ومات في ربيع الأول.
وأبو المظفَّر موسى بن عمران الأنصاري النيسابوري، مسند خراسان، في ربيع الأول، وله ثمان وتسعون سنة، روى عن أبي الحسن العلوي والحاكم، وكان من كبار الصوفية.
وأبو عبد الله محمد بن حمويه الجوينيّ، الزاهد، شيخ الصوفية بخراسان. له "مصنّفٌ في التصوف". وكان زاهداً قدوةً عارفاً بعيد الصيت.
ويوسف بن أيوب أبو يعقوب الهمذاني الزاهد شيخ الصوفية بمرو، وبقية مشايخ الطريق العاملين. تفقّه على الشيخ أبي إسحاق فأحكم مذهب الشافعي، وبرع في المناظرة، ثم ترك ذلك وأقبل على شأنه. وروى عن الخطيب، وابن المسلمة، والكبار. وسمع بإصبهان، وبخارى، وسمرقند. ووعظ وخوّف، وانتفع به الخلق. وكان صاحب أحوال وكرامات توفي في ربيع الأوّل عن أربع وتسعين سنة.
وأبو العباس بن العريف أحمد بن محمد بن موسى الصِّنهاجي الأندلسي الصوفيّ الزاهد.
قال ابن بشكوال: كان مشاركاً في أشياء من العلم، ذا عناية بالقراءات، وجمع الروايات والطرق وحملتها وكان متناهياً في الفضل والدين منقطعاً إلى الخير. وكان العباد وأهل الزهد يقصدونه ويألفونه.
يتبع >>>