العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-11-03, 01:33 PM   رقم المشاركة : 1
منير الليل
عضو نشيط







منير الليل غير متصل

منير الليل


مشروع روايات التاريخ الإسلامي في ضوء قواعد الجرح والتعديل

حوار- محمد عبدالعاطي


--------------------------------------------------------------------------------

كان اللقاء به مهمًّا.. والحديث معه مثيرًا وشيقًا.. يحمل فوق كاهله حملاً ثقيلاً.. وآمالاً كبيرة.. راح يحدثنا على مدى ثلاث ساعات عن مشروعه الفكري الذي وهب له حياته.. وقضى فيه زهرة شبابه .. كنت أستمع إلى خلاصة آرائه وأنا في حالة من الدهشة كأنما وقعت على كنز ..راح يقص عليَّ وقائع انتشرت في كتب المؤرخين المسلمين الذين لا تنقصهم الغيرة على الإسلام، والذين استندوا في رواياتها إلى كتب الثقاة أمثال الطبري وابن عساكر، ومع ذلك حينما وضع – ضيفنا – رواة هذه الأخبار على ميزان علم الجرح والتعديل كانت النتيجة العجيبة – وهنا وجه الإثارة – أن معظم تلك القصص التي تناولت الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين رواها:

1- إما مجهول بعينه، أو بحاله بشكل لا يسوغ معه قبول روايته والاحتجاج بها.

2- وإما ضعيف ضعفًا شديدًا، لا يُنتفع بأحاديثه وأخباره.

3- وإما زنديق أو صاحب بدعة أو هوى، امتلأ قلبه – كما يقول ضيفنا – حقدًا على الكرام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4- وإما عدو من اليهود والنصارى عُرِفَت عداوته للإسلام والمسلمين.

والنتيجة.. !!

أن تاريخ الجيل الذي شهد اتصال الأرض بالسماء، وأظلَّته أنوار النبوة، وسرت في روحه مشاعر الإحساس بعظمة هذا الدين، وشهدت الأرض جهادهم ومفاخرهم في نصرة الإسلام.. هذا الجيل الفريد من كبار الصحابة نقل إلينا معظم أخبارهم هؤلاء المجهولون أو المتهمون في دينهم ..!!

لماذا .. وكيف .. وما الحل ..؟‍‍‍‍‍‍

أسئلة طرحتها عليه حينما أطلعني على ملخص لمشروعه الفكري الجديد..

إنه الأستاذ الدكتور عبدالعزيز صغير دخان أستاذ علوم الحديث في جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية بالجزائر سابقاً والأستاذ حالياً بجامعة الإيمان بصنعاء ..

سألته في البداية: ما الجديد الذي يحمله مشروعك؟

فقال: الجديد هو النتيجة التي توصلت إليها في مقدمتك السابقة، والتي من شأنها أن تعيد النظر في القصص التي اشتهرت في كتب المؤرخين المعتدلين منهم قبل الحاقدين، والذين نقلوها عن الكتب القديمة التي حظيت بقبول الأمة على مدى القرون السابقة أمثال الطبري وابن عساكر، دون الانتباه للمنهج العلمي الذي استعمله هؤلاء المؤرخون العظام أثناء نقلهم روايات الخلاف بين الصحابة، وإسنادها إلى رجال لم يخضعوهم ساعتها لقواعد علم الرجال التي طُبِّقَت على أكمل وجه بالنسبة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

برأيك ما الأسباب التي أدت إلى الغفلة عن هذا المنهج في التحقق التاريخي؟

الأسباب ترجع إلى أن كثيرًا من أبناء المسلمين وقعوا ضحايا لما كتبه المستشرقون عن تاريخنا، اعتمادًا على مصادر نجدها اليوم بين أيدي أبناء المسلمين، وكلها تنْضَح بروح العداء والنوايا الخبيثة. وساعد على ذلك أيضًا غياب العالم الشرعي الواعي، فكثير من أبناء المسلمين يجهلون القواعد التي وضعها العلماء قديمًا في طريقة سرد الروايات التاريخية، حيث لم يلتزم علماؤنا الأقدمون بإيراد الصحيح من الروايات والإعراض عن غيره، بل أوردوا هذا وذاك حتى لا يحرموا الأجيال القادمة من التفصيلات التي وصلت إليهم، وكانوا يظنون أن هذه الأجيال ستضع تلك الروايات موضع التحقيق والتنقيح، لكن جاء الخلف وأخذوا كل ما كتبه السلف وكأنه من المُسَلَّمات التي لا تقبل الجدل، ثم كانت المقولة التي أحدثت ثقبًا خطيرًا في الكتابات التاريخية، ومازلنا نعاني من آثارها حتى الآن وأعني بها ما قيل عن إمكانية التساهل في رواية التاريخ مقارنة بالتشدد في روايات الحديث !!.. وهذا من أكبر الأخطاء التي وقع فيها مثقفونا، وهو لون من ألوان التأثر بالمنهج التاريخي الغربي؛ ولذا دعوت إلى تطبيق القواعد العلمية التي طبقت في علوم الحديث على روايات التاريخ الإسلامي خاصة فترة الصحابة لأن تاريخهم هو جزء من ديننا.

وكيف تكون البداية؟

يجب وضع هذه التراث الضخم من الحوادث والوقائع والأخبار الروايات مَوضِعَ الدراسة من وجه آخر، وهو البحثُ عن صحّة كلِّ ذلك، حتى يمكنَنا أن نبنيَ على ذلك بناءً صحيحًا، سواء في حكمنا على صحّة ما نُقِل إلينا، أو في حكمنا على أشخاص ذلك الزمن البعيد، قدحًا ومدحًا، تخطئةً وتصويبًا، ثمَّ في نجاحنا ـ بعد ذلك ـ في البناء الحضاري المستقبلي الذي ننشده ونتطلَّع إليه.

هل نحن كسالى؟

يُؤْسِفُني أن أقول نعم.. لأن جزءاً كبيراً من حوادث وأحداث تاريخنا حصل عند كثير من المسلمين اليقين بصحَّتها، واعتُبرت حقائقَ ومسلّماتٍ لا تجوز مناقشتُها، بَلْهَ الطعنُ فيها وردُّها، ولم نكلِّف أنفسنا قدراً من التعب والجهد لمعرفة حقيقتها وتفاصيلها، وقد كانت هذه الأحداث – للأسف الشديد - سبباً في زيادة الفرقة بين المسلمين، وسبباً في انحراف من انحرف من أبنائنا.

هل تظن أن هناك مؤامرة لتشويه التاريخ الإسلامي؟

بالتأكيد.. إلاّ أنّ هذه المؤامرةَ ما كانت لتنجح لولا وجود عوامل ضعف داخلية، ساهمت في التّمكين لنجاح هذه المؤامرة، فالمسلمون يُؤْتَوْن ـ في الغالب ـ من قِبَلِ أنفسهم واختلافهم وصراعهم وتقاتلهم، مصداقاً لقوله تعالى:} قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ { ([i]).

ألا ترى أن أفضل وسيلة للحفاظ على وعي الأجيال القادمة من التشويه هو جمع تلك الكتب غير الموثقة وحرقها..؟

هذه الفكرة التي تقول بها الآن فكر فيها الإمام الذهبي رحمه الله ، فهو يدعو إلى إحراق هذه الكتب التي فيها هذا الكذب والتشويه لمقام الصحابة، قال رحمه الله:“ كما تقرّر الكفّ عن كثير ممّا وقع بين الصّحابة ، وقتالهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ومازال يمرّ بنا ذلك في الدّواوين والكتب والأجزاء، ولكنّ أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا فينبغي طيّه وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفو القلوب، وتتوفّر على حبّ الصَّحابة والتَّرضِّي عنهم ”([ii]).

لكن في رأي هذا الذي اقترحه الإمام الذهبي رحمه الله نابع من إحساسه بخطورة هذه المؤلّفات والمصنفات، وهو المحدّث الكبير. ولكنّ هذا الأمر لم يعد ممكنًا، فقد انتشرت هذه الكتب، وتولَّت طباعتَها كثيرٌ من دُور النشر، وكثيرٌ من ذوي النيات السيَّئة، فلم يبقَ إلاّ وضعُها موضعَ الدراسة وبيان ما فيها من عُوار وخطأ وكذب، حفظاً لأجيال المسلمين من انحراف السلوك والعقيدة، ولكنّ الذهبي رحمه الله أفادنا بكلامه هذا فائدةً كبيرةً، وهو تصريحه بكون أكثر ما ينقل من ذلك في الكتب والدواوين كذباً وزوراً وافتراءً على مقام الصحابة رضي الله عنهم.

ألا تظن أن ما تدعو إليه هو نبش في قبور التاريخ في قضية لم تَعُد مثارة إلا في أدمغة المحققين أمثالك؟

هذا غير صحيح .. فدراسةُ عصر الصحابة ـ والحالة هذه ـ أصبحت واجباً من الواجبات، في سبيل معرفة أسباب ضعف الأمة الإسلامية، وتحديد مكامن الدّاء التي أُوتِيت منها، والاستفادة من ذلك في إصلاح حاضر هذه الأمّة وتجنيبها هذه المزالق في مستقبل حياتها،إلا لو سلمنا بما تقول لكان معنى هذا أن تظل الأمة الإسلامية ترزأ تحت ثِقَل أدوائها وأمراضها وأسقامها من الداخل وكيد أعدائها من الخارج

أعتقد أنّ فيما وقع بين الأصحاب رضي الله عنهم دروسًا بالغةَ الأهمية، تنفع في علاج حاضرنا، إذا أحسنَّا قراءتها وفهمها ووظّفناها توظيفًا صحيحًا سليمًا.

وما هو المنهج الذي اتبعته أثناء إبحارك في لجج التاريخ؟

إنّ من واجبي أن أبيّن ما الذي يميِّز هذا النوع من الدراسة التي أَنشدها (والتي يمثل كتابي ".. روايات تاريخ الصحابة في ميزان الجرح والتعديل.."، الذي انتهيت منه قبل عامين بداية لسلسلة أعمل فيها الآن أسميتها ".. سلسلة قضايا تاريخية في ميزان أهل الجرح والتعديل بدايةً متقدّمة لها) وبين ما كتبه كثيرٌ من المتخصصين في كتابة التاريخ، فما فعله كثير من هؤلاء الكُتَّاب هو محاولة تفسير وتحليل مضامين هذه الروايات، وتأويل ما يجب تأويله، حتى لا يتعارض مع مقام الصحابة والتابعين وما ورد في شأنهم من ثناء في الكتاب والسنّة، وقد أجاد هؤلاء كثيراً فيما فعلوا، ولكن الدراسة التي نريدها هي محاولة توثيق هذه الروايات أوَّلاً، ومعرفة حقيقتها وصحَّتها، وبَعد هذا يأتي دور التحليل والتأويل والتفسير؛ ولذلك فلا معنى لتأويل رواية ثَبُت بعد الدراسة كذبُها واختلاقُها، ولا معنى لتفسير خبر حَصَل اليقينُ أو الظنُّ الغالب أنّه من وضع الكذّابين وأصحاب الأهواء، والمنحرفين عن هدي الإسلام ابتداءً.

هذا هو الفرق بين المنهجين( أي: منهج التحليل والتفسير، بغضّ النظر عن صحّة الرواية. ومنهج توثيق الرواية التاريخية، ابتداءً وقبل كلّ شيء)، وهو فرق واضح لكلّ ذي قلب وعينين. وتظهر ثمرة الاختلاف هنا في روايات وأخبار شَحَنَهَا هؤلاء في كتبهم، ثمَّ راحوا يستميتون في تأويلها وتفسيرها ونقد متونها، وهي عند النظر في إسنادها متهافتة، لا تنهض على قدميها، ولا ينبغي الالتفات إليها، وتصديق ما فيها والتعويل عليها.

فالواجب هو استعراض هذه الروايات التاريخية ووضعها تحت مبضع قواعد الجرح والتعديل، فما صحَّ منها أو قارب الصحّة، فذلك الذي نبذله لأهل الفكر ليبنوا عليه قضايا الفكر الإسلامي، وأمَّا ما كان مكذوباً أو مختَلَقًا أو موضوعاً، فإنّ الاعتماد عليه بعد ذلك لا يمكن إلاّ أن يكون نوعًا من مجانبة الموضوعية والانسياق وراء العواطف، والإصرار على عصبية يمقتها الإسلام ويدعو إلى نبذها.

معنى ذلك أنك ستعيد ترتيب الأحداث التاريخية من جديد؟!

نعم .. سيكون من تمام هذا الجهد ترتيبُ الأحداث التاريخية، بناءً على الروايات الصحيحة، تشكِّل في النهاية سردًا منطقيًّا لأحداث التاريخ الإسلامي في صورة أقرب إلى الحقيقة، إن لم تكن هي الحقيقة نفسها.

ومن أين بدأت؟

بدأت من تاريخ الطبري وتاريخ ابن عساكر وتاريخ خليفة بن خياط؛ لأنّ هذه المؤلفات التزم فيها مؤلِّفوها إيرادَ الأخبار بأسانيدها، وهو الذي يتيح لنا دراسةَ هذه الروايات ومعرفة أحوال نقلتها، عكس ما فعله بعض المؤرخين المتأخّرين والمعاصرين الذين ساقوا الروايات مجرَّدة عن أسانيدها، وفي هذا جناية كبرى على التاريخ الإسلامي ورجاله وحوادثه وأخباره؛ لأنّ الذي يَهْجُم على هذه الكتب لن يستطيع أن يجد الوسيلة التي يُمَيِّز بها بين غَثِّ هذه الأخبار وسمينِها، وبين صحيحها وضعيفها وموضوعها، فلا يملك عندئذ إلاّ قبولَها والاستدلالَ بها اعتمادًا على ورودها في هذه الكتب، وإن كانت بعضُ هذه الكتب لا تخلو من إشارات إلى نَكارة بعض الروايات وضعفها وردِّها، ولكن معظم هذه الأقوال كانت تتعلَّق بنَكارة الرواية في ذاتها، أي من حيث المتنِ فقط دون السند، والله أعلم.

هل معنى كلامك أن الطبري أخطأ ؟

بالعكس الطبري أشار إلى هذه الحقيقة في مقدّمة كتابه، وحاول أن يَخْرُجَ من عُهدة ما ينقله من أخبار وروايات، إذ قال:“ فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مِمَّا يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنّه لم يعرف له وجهاً من الصِّحَّة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنّه لم يُؤْتَ في ذلك من قِبَلِنا، وإنّما أُتِيَ من قِبَلِ بعض ناقليه إلينا، وأنَّا إنَّما أدَّيْنا ذلك على نحو ما أُدِّي إلينا ”([iii]).

هكذا كان منهج الإمام الطبري رحمه الله في تاريخه، فهو لم يشأ أن يسلك سياسة الانتقاء للروايات التاريخية حتى لا يَحْرِم الأجيال القادمة من كثير من التفاصيل، ولكنّه في مقابل ذلك ساق كلَّ ذلك بأسانيده ليتيح الفرصة لمن يأتي بعده أن يضع ذلك كلّه موضع الدراسة والمناقشة سندًا ومتنًا.

وللإنصاف يجب أن نسجِّل هنا أنّ الإمام الطبري رحمه الله لم ينقل كلَّ ما وصل إليه من الأخبار، بل إنّ هناك أخبارًا لم يسمح لنفسه أن يسوِّد بها صفحاتِ كتابه، وهذا لبشاعتها وشناعتها.

فمن ذلك ما قاله في الكلام عن سبب سير المصريين إلى عثمان ونزولهم ذا خشب، حيث قال:“ ومنها ما أعرضت عن ذكره كراهةً مني لبشاعته ” ([iv]).

فهذا القول منه صريح في أنّه لم يكن ـ وهو ينقل الأخبار بأسانيدها ـ حاطب ليل، لا يدري ما يأخذ وما يترك، ولكن هذا النقد القليل منه موجَّه لمتن الرواية أو الخبر، أمَّا الأسانيد فإنّه ينقلها ويحيل أمرها وحقيقتها على من يتصدَّى لدراسة رجالها، والله أعلم.

ومن ذلك أيضًا قوله:“ قد ذكرنا كثيراً من الأسباب التي ذكر قاتلوه - يعني عثمان - أنَّهم جعلوها ذريعة إلى قتله، فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها ”([v]).

ولا شكّ أنَّ العلل التي تَرك من أجلها ذكرَ هذه الأسباب تتعلَّق بالمتن وما فيه من شذوذ وتناقض وتحامل وغير ذلك، ولا يتعلَّق الأمر بالسند قطعًا لأنّه لو كان الحال كذلك لما ساغ له - ولا سَوَّغ لنفسه، وهو الذي لا يخفى عليه ذلك - أن يورد هذا الكمِّ الكبير من الروايات عن الكذَّابين والمجاهيل والحاقدين، كما سنرى لاحقًا، والله أعلم.

ولماذا لا نتبع ما اتبعه سلفنا المؤرِّخون ؟

وهذا المنهج الذي سلكه هؤلاء المؤرخون كان ينفع في أزمنة سابقة، أمَّا اليوم – وفي غياب العلم، وانتشار الجهل بعلم الجرح والتَّعديل، ومعرفة صحيح الأسانيد من سقيمها – فإنّ ضرره بيِّن، لا يكاد يَخفى على أحد.

وإنّه يكفينا أن يخلص لنا من تاريخنا - ممّا خطّته أيدي الثقات، وصحّت الأسانيد إلى أصحابه، وخلا من التناقض والتضارب - جزءٌ قليلٌ، على أن يبقى تاريخنا محشوًّا بكثير من الأكاذيب والافتراءات والمبالغات، نهبًا لكلّ من أراد أن ينال من مكانة ذلك الجيل الفريد الذي شهد نور النبوّة واتّصال الأرض بالسماء، وجاهد بكلّ ما يملك، لإعلاء هذا الدين ونشره في بقاع الأرض البعيدة.

إنّنا - نحن المسلمين - أولى من غيرنا ألاّ نقبل من هذا التراث الضخم إلاّ ما صحّت نسبتُه إلى أصحابه، من قول أو فعل، بعيداً عن هالة التقديس وروح التضخيم، وحبّ المغالاة في قيمة الأشياء أو التنقّص منها.

لقد أصبح واجبًا على المسلمين ـ وهم يدرسون أحداث الفتنة التي وقعت بين الصّحابة ـ أن يعرضوا رواياتها على المنهج العلمي الذي وضعه المحدِّثون وضبطوا قواعده في كتب علوم الحديث؛ لنقد الأحاديث، وتمييز صحيحها من سقيمها، وهذا برأيي هو سفينة النجاة الوحيدة للحفاظ على تاريخ الصحابة رضوان الله عليهم.

فالرّوايات التّاريخية لا تختلف عن روايات الأحاديث، إذ إنّ منهج المحدِّثين وكثير من المؤرّخين واحد، وهو إيراد هذه الرّوايات بأسانيدها الطّويلة، بغضّ النّظر عن حال رواتها من حيث الثّقةُ والضّعفُ، إلاّ المحدِّثون الذين التزموا الصّحة فيما يروونه.

وكذلك الشّأن في رواية الأخبار، حيث ينبغي جمع الطّرق التي تتعلّق بحادثة تاريخية، حتّى يغلب على الظنِّ صحّةُ هذه الحادثة، وبالتالي يمكن اعتمادها في البناء التاريخي، وأحياناً نستعمل هذا المنهج في روايات الرّاوي الواحد، إذ نجمعها ونقارن بينها، فنستطيع أن نحكم عليه وعليها من خلال ذلك.

المراحل الكبرى..

ولا تخفى كثرة الروايات وتشعُّبُها وطولُ الفترة التاريخية التي نقصدها بالدراسة، والتي شهدت أحداثاً جساماً، تُعتبر معالمَ على تلك الفترة الطويلة؛ ولذلك فقد ارتأيت تقسيمَها إلى أربع مراحل كبرى، يمثِّلُ كلُّ جزء منها مرحلةً من هذه المراحل، وهي:

المرحلة الأولى: تبدأ من ظهور بعض التمرُّد على سلطة الولاة في الأقاليم في عهد عثمان رضي الله عنه إلى أن خرج منهم من خرج إلى المدينة، وما كان من قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبيعة عليّ رضي الله عنه (وذلك سنة 35 للهجرة ).

المرحلة الثانية: تبدأ من انعقاد البيعة لعليّ رضي الله عنه، وما كان من الأحداث الجسام، إلى وقوع معركة الجمل( سنة 36 هـ)، ثمَّ الصلح الذي تمَّ بين عليّ وعائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين.

المرحلة الثالثة: تبدأ من نهاية معركة الجمل، ثمَّ استمرار الأحداث إلى حين وقوع معركة صفين ( سنة 37هـ)، وما تلاها من أمر التحكيم، إلى اغتيال عليّ رضي الله عنه (سنة 40هـ)، وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية (سنة 41هـ)، واستقرار أوضاع الأمَّة الإسلامية في عام الجماعة.

المرحلة الرابعة: وهو مشروع لاستعراض الروايات الواردة في بيان تاريخ الأمويين، ودراستها، ومن ثمَّ تحديد مواطن الصحّة والخطأ، فيما وقع من الأمويين من سلوك تجاه خصومهم وأعدائهم من الخارجين عليهم بحُجَّة، أو الطامعين في وراثة ملكهم.

وفي أي مرحلة أنت ؟

أنا الآن عاكفٌ على الكتابة حول المرحلة الأولى، وقد أمكن إلى الآن حصر جميع الروايات التاريخية المتعلِّقة بهذه المرحلة، وتَمَّ دراسة أسانيدها ومعرفة حال رجالها ونَقَلَتِها، وأعترف ابتداءً بصعوبة هذا العمل، ولكنّ المُسْلِم إذا عرف أنّ كلّ ما يفعله نحو دينه هو عبادة يتقرّب بها إلى الله رجاء الثواب، هان عليه التعب والنصب في سبيل ذلك.


--------------------------------------------------------------------------------

([i]) سورة آل عمران، الآية 165.

([ii]) سير أعلام النّبلاء، الذهبي، 10/92.

([iii]) تاريخ الأمم والملوك( تاريخ الطبري)، الطبري1/25.

([iv]) المصدر السابق، 2/656.

([v]) المصدر السابق، 4/493.

http://islam-online.net/iol-arabic/d...30/alqawel.asp







التوقيع :
الله أكبر ولله الحمد
شبكة مجاهد مسلم
موقع أهل البيت
من مواضيعي في المنتدى
»» التعبئة الاسلامية، لشباب الدفاع عن السنة النبوية
»» من يرد على شبهة إحراق بيت فاطمة.... وجزاكم الله خيرا
»» رجال حول الرسول
»» يا من تزعمون بأنكم شيعة آل البيت:: كيف حصل هذا بكم
»» مختارات الحج
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:42 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "