ذكرت صحيفة الشرق الاوسط في عددها رقم 9079 هذا المقال اقراء اخي المسلم وادعي لي
أمير طاهري
منذ سقوط نظام صدام حسين توقع الكثيرون حدوث مواجهة او منافسة فقهية بين مدينتي النجف، في وسط العراق، وقم جنوب العاصمة الايرانية طهران، حول زعامة المسلمين الشيعة في العالم. أول خطوات هذا التنافس جاءت من آية الله الكبرى علي محمد السيستاني في النجف وآية الله ناصر مكارم شيرازي في قم حول ما اذا كان تدخين التبغ في الاسلام حلال. وكانت الرابطة الاسلامية للطلاب، المحسوبة على التيار الاصلاحي وتتخذ من طهران مقرا لها، هي التي طرحت هذا السؤال على السيستاني وشيرازي. إلا ان اجابة كل من السيستاني وشيرازي اظهرت التباين الكبير في فهمهما لاصول الفقه والتشريع والدور الذي يلعبه في المجتمع المسلم الحديث. ويعتبر السيستاني واحدا من ابرز رجال الدين الشيعة في العراق. إلا ان فرض الإقامة الجبرية عليه خلال حقبة نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وبالتالي انقطاعه عن الاتصال بالشيعة خارج العراق، حال دون استخدام السيستاني موقعه لعرض رؤيته حول المذهب الشيعي. والآن عقب زوال نظام صدام حسين، بات السيستاني حرا للمساعدة في إعادة بناء النجف كمركز للاجتهاد .
تتلمذ السيستاني على يد الراحل آية الله ابو القاسم الخوئي الذي يعتبر من اعظم فقهاء الشيعة خلال القرن الماضي. تبنى الخوئي نهجا قائما على صيغة معتدلة للاسلام تؤكد على اهمية التدين الشخصي وتعارض التشدد، كما عرف عنه ايضا تأكيده على ضرورة ألا يسعى رجال الدين الى السلطة السياسية وأن يعملوا بدلا عن ذلك في التحكيم بين الدولة والمجتمع.
وكان شيرازي واحدا من ستة رجال دين عينهم المرشد الاعلى) علي خامنئي مراجع للتقليد. برز اسم شيرازي مطلع عقد السبعينات الماضي عندما تحدث عن ان علماء الدين الشيعة لا يهتمون بقدر كاف بالنصوص الاسلامية الاساسية مثل الاحاديث المنسوبة الى الرسول صلى الله عليه وسلم، كما انتقد ايضا ولع الشيعة بزيارة الاضرحة المقدسة، التي يوجد الكثير منها في العراق. والفتاوى المتباينة حول التدخين لا تكشف فحسب وجود مدرستين للاجتهاد ، وإنما تسلط الضوء ايضا على رجل الدين في المجتمع. فشيرازي أعلن بوضوح لا لبس فيه ان تدخين التبغ بأي صورة وتحت أي ظرف من الظروف وبواسطة أي شخص يعتبر محرما. واذا تم تبني فتوى شيرازي، فإن كل من يدخن سيجارة يكون قد ارتكب معصية ويكون بالتالي من واجب السلطة او المسلمين الآخرين منع المدخنين من ممارسة هذه العادة وفي حالة اصرارهم على التدخين يتعرضون للعقوبة المناسبة، إلا ان هذه العقوبة غير منصوص عليها. ولكن بما ان عقوبة السجن لا توجد في النظام القضائي الاسلامي التقليدي، فإن العقوبة المتوقعة في هذه الحالية تكون اما الجلد علنا او القتل. وأسس شيرازي موقفه في هذه القضية على الآية 195) من سورة البقرة التي تحث المسلمين بألا يقودوا انفسهم الى التهلكة، إلا ان هذه الآية فسرت حتى الآن على اعتبار انها امر للمؤمنين بألا يقدموا على فعل انتحاري في الحرب. واسلوب شيرازي في الاجتهاد ينتمي الى مدرسة تؤكد على النقل في مقابل العقل.
وفتوى شيرازي طويلة تزدحم بعبارات دينية معقدة واقتباسات.
بينما فتوى السيستاني قصيرة. وتقول ان التدخين ليس محرما ولكن اي شخص يعلم انه يضر بصحته او صحتها يجب ان يمتنع عن التدخين.
ولا يستخدام السيستاني اشارات من القرآن او احاديث الرسول او الائمة في النقاش. وهو يعتبر قضية التدخين قضية يمكن حلها عن طريق المنطق الانساني والاختيار الفردي، وليس عن طريق التحريم. وبذلك فإن السيستاني يوضح انه في معظم القضايا المتعلقة بالوجود الانساني يجب تغليب العقل على النقل. ويجب استخدام النصوص في القضايا الخطيرة التي تتعدى المنطق الانساني.
مدرستان في الاجتهاد يمكن ان يؤديا الى شكلين مختلفين من التنظيم الاجتماعي والسياسي.
فشيرازي يستخدم كلمات مثل يجب او (ضروري . وهذا يعني ان رجل الدين يجب ان يمارس السلطة على المجتمع، وان فتواهم لا يجب ان تترك مجالا للاختيار او الحكم الفردي. وهذا الموقف يعتمد على القول بأن اغلبية المؤمنين غير قادرين على معرفة الصحيح من الخطأ: فهم المستضعفون الذين يحتاجون الى توجيه وارشاد من رجال الدين لكي يتجنبوا نار جهنم.
والمجتمع المثالي بالنسبة لشيرازي هو مجتمع افلاطوني: حكم النخبة للسكان الجاهلين.
الصورة الخمينية لهذا التصور هو ولاية الفقيه .
اما السيستاني فيستخدم كلمات مثل يوصى به او من الافضل . وهو يتصور رجل الدين في صورة الناصح و المستشار الاخلاقي للمجتمع. والقرار النهائي يرجع الى الفرد طبقا للمنطق، وهو اثمن هبات الله للانسان.
ورؤية السيستاني هي في النهاية رؤية اريسطوطالية. فالمجتمع المثالي هو المجتمع الذي يكون فيه الحكام مواطنين اتقياء. ولان مفهوم الشفيع غريب عن الاسلام، فإن السيستاني يرفض فكرة امكانية فرار الفرد من عواقب اعماله بمجرد اتباع رجال الدين. وهناك اختلافات اخرى بين المدرستين. فشيرازي يعتمد في احكامه على تفسيرات الماضي. اما السيستاني، فهو يحث على الاهتمام بحاضر وماضي المعلومات الطبية.
وبالنسبة للشيرازي فإن كل قضية تحت الشمس هي قضية فقهية. اما السيستاني فيسمح بالهوامش العامة والخاصة التي يتدخل فيها الدين بناء على دعوة خاصة فقط، وكصوت ضمن عديد من الاصوات. وفي اطار هذه الرؤية فإن العلوم والسياسة والادب والفن والثقافة بصفة عامة هي هويات مستقلة وليست مجرد افرع للدين.
والاكثر اهمية من ذلك ان السيستاني يرفض مبدأ العصمة، وهو بالرغم من غربته عن الاسلام، فهو حجر الزاوية لادعاء الخمينيين بالسلطة.
ان عودة النجف الى قلب الاجتهاد هو افضل حدث للشيعة لاكثر من نصف قرن. والمنافسة بين النجف وقم يمكن ان تثري الفكر الشيعي وتفيد المركزين. ويجب الترحيب بهذه المبارزة لانها مبارزة افكار.
10-10-03, 02:54 PM
العرض العادي
