أما بخصوص الجوابات الخاصة, فنقول.
الاستدلال بالآية لأولى, و هي [وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً]. آية [27] من سورة الكهف.
فالجواب:
1-أن المُفسّرين اختلفوا في معنى التبديل الوارد في الآية, فمنهم من قال أن معنى التبديل هو التغيير و التحريف, و منهم من قال أن المُراد من التبديل و أنه لا مُغيّرٌ لـما أوعد الله أهل طاعته و أهل معصيته, و منهم من قال أن التبديل المُشار إليه في الآية هو إخلاف ما أمر الله و رسوله (ص), بالتالي الآية تحتمل أكثر من وجه في تأويلها, و من يتشبّث بالتأويل الأوّل عليه أن يُقيم الدليل القطعي على صحته, فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال, فتأمّل!
قال أبو جعفر الطبري في تفسيره ما نصه:
[{لا مُبَدّلَ لكَلـماتِهِ} يقول: لا مُغيّرٌ لـما أوعد بكلـماته التـي أنزلها علـيك أهل معاصيه، و العاملـين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إلـيك]. راجع تفسير جامع البيان في تأويل آي القرآن المعروف بـ (تفسير الطبري) تفسير آية [27] من سورة الكهف.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال القُرطبي في تفسيره ما نصه:
[{وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } قيل: هو من تمام قصة أصحاب الكهف؛ أي اتبع القرآن فلا مبدّل لكلمات الله و لا خلف فيما أخبر به من قصة أصحاب الكهف]. راجع الجامع لأحكام القرآن المعروف بـ (تفسير القُرطبي) تفسير آية [27] من سورة الكهف.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال الشوكاني في تفسيره ما نصه:
[{وَٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ} أمره الله سبحانه أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحى إليه، قيل: و يحتمل أن يكون معنى قوله: {واتل}: و اتبع، أمراً من التلوّ، لا من التلاوة، و {مِن كِتَـٰبِ رَبّكَ} بيان للذي أوحي إليه {لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ} أي: لا قادر على تبديلها و تغييرها، و إنما يقدر على ذلك هو وحده. قال الزجاج: أي ما أخبر الله به و ما أمر به فلا مُبدّل له، و على هذا يكون التقدير: لا مبدّل لحكم كلماته]. راجع فتح القدير المعروف بـ (تفسير الشوكاني) تفسير آية [27] من سورة الكهف.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال البغوي في تفسيره ما نصه:
[{وَٱتْلُ} أي: و اقرأ يا محمد، {مَآ أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَـٰبِ رَبِّكَ} ، يعني القرآن، و اتبع ما فيه، {لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ} ، قال الكلبي: لا مُغيّر للقرآن. و قيل: لا مُغيّر لما أوعد بكلماته أهل معاصيه]. راجع تفسير معالم التنزيل المعروف بـ (تفسير البغوي) تفسير آية [27] من سورة الكهف.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال الخازن في تفسيره ما نصه:
[{لا مُبدّل لكلماته} أي لا مُغيّر للقرآن و لا يقدر أحد على التطرق إليه بتغيير أو تبديل, فإن قلت موجب هذا أن لا يتطرق النسخ إليه. قلت النسخ في الحقيقة ليس بتبدليل لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ فالناسخ كالمُغاير فكيف يكون تبديلاً؟!, و قيل معناه لا مُغيّر لما أوعد الله بكلماته أهل معاصيه]. راجع لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـ (تفسير الخازن) آية [27] من سورة الكهف.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال الآلوسي في تفسيره ما نصه:
[{لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ} لا يقدر أحد على تبديلها وتغييرها غيره, و أما هو سبحانه فقدرته شاملة لكل شيء يمحو ما يشاء ويثبت، و يعلم مما ذكر اندفاع ما قيل: إن التبديل واقع لقوله تعالى:{وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً }(النحل: 101)الآية.
و الظاهر عموم الكلمات الأخبار وغيرها، و من هنا قال الطبرسي: المعنى لا مُغيّر لما أخبر به تعالى و لا لما أمر و الكلام على حذف مضاف أي لا مُبدّل لحكم كلماته انتهى. لكن أنت تعلم أن الخبر لا يقبل التبديل أي النسخ فلا تتعلق به الإرادة حتى تتعلق به القدرة لئلا يلزم الكذب المستحيل عليه عز شأنه. و منهم من خص الكلمات بالأخبار لأن المقام للإخبارعن قصة أصحاب الكهف, و عليه لا يحتاج إلى تخصيص النكرة المنفية لما سمعت من حال الخبر. و قول الإمام: إن النسخ في الحقيقة ليس بتبديل لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ فالناسخ كالمُغاير فكيف يكون تبديلاً توهم لا يقتدى به.
و من الناس من خص الكلمات بمواعيده تعالى لعباده الموحدين, فكأنه قيل اتل ما أوحي إليك و لا تبال بالكفرة المعاندين, فإنه قد تضمن من وعد الموحدين ما تضمن و لا مُبدّل لذلك الوعد، و مآله اتل و لا تبال فإن الله تعالى ناصرك و ناصر أصحابك, و هو كما ترى و إن كان أشد مناسبة لما بعد]. راجع روح المعاني المعروف بـ (تفسير الآلوسي) تفسير آية [27] من سورة الكهف.
قال الشنقيطي في تفسيره ما نصه:
[{لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}, بيّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لا مُبدّل لكلماته. أي لأن أخبارها صدق: و أحكامها عدل، فلا يقدر أحد أن يبدل صدقها كذباً. و لا أن يبدل عدلها جوراً, و هذا الذي ذكره هنا جاء مُبينّاً في مواضع أخر، كقوله تعالى:
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ}
(الأنعام: 115), فقوله: " صدقاً " يعني في الإخبار. و قوله " عدلاً " أي في الأحكام. وكقوله:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ}(الأنعام: 34)]. راجع أضواء البيان في تفسير القرآن المعروف بـ (تفسير الشنقيطي) تفسير آية [27] من سورة الكهف.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
2- على فرض صحة التأويل الأوّل, و هو أن المُراد من التبديل في الآية التغيير, فمن يقول بتحريف النقيصة يُسلّم بهذا و لا يجده مُعارضاً لمبناه و مذهبه, حيث أن القائل بالنقيصة يقول أن النقيصة لا تعني التبديل, إنما تعني الإسقاط, و التبديل شيء و الإسقاط شيء آخر.
فالآية عنده لا تدل على نفي النقيصة, إنما تدل (على فرض صحة التأويل) على نفي الزيادة و التغيير, أما نفي الإسقاط فلا تدل الآية عليه, فتدبّر!
الاستدلال بالآية الثانية, و هي [وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ] آية [155] من سورة الأنعام.
فالجواب:
1-هو أن يُقال في هذه الآية ما قيل في الآية السابقة من أن أهل التفسير اختلفوا في تأويل معنى التبديل على أقوالٍ عِدة, و بالتالي يجب على من يستدل بهذه الآية أن يُثبت أن المعنى الذي ذهب إليه هو المعنى الصحيح, حيث أنه إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
قال أبو جعفر الطبري في تفسيره ما نصه:
[يقول تعالى ذكره: و كملت كلمة ربك، يعني القرآن. سماه كلمة كما تقول العرب للقصيدة من الشعر يقولها الشاعر: هذه كلمة فلان. {صِدْقاً وَعَدْلاً} يقول: كملت كلمة ربك من الصدق و العدل و الصدق و العدل نصبا على التفسير للكلمة، كما يقال: عندي عشرون درهماً. {لا مُبَدّلَ لِكَلَماتِهِ} يقول: لا مُغِّير لما أخبر في كتبه أنه كائن من وقوعه في حينه و أجله الذي أخبر الله أنه واقع فيه. و ذلك نظير قوله جلّ ثناؤه:
{يُرِيدُونَ أنْ يُبَدّلُوا كَلامَ اللّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذَلِكُمْ قالَ اللّهُ مِنْ قَبْلُ}
فكانت إرادتهم تبديل كلام الله مسألتهم نبيّ الله أن يتركهم يحضرون الحرب معه، و قولهم له و لمن معه من المؤمنين:{ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ}
بعد الخبر الذي كان الله أخبرهم تعالى ذكره في كتابه بقوله:
{فإنْ رَجَعَكَ اللّهُ إلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فاسْتأذَنُوكَ للْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا}
الآية، فحاولوا تبديل كلام الله و خبره بأنهم لن يخرجوا مع نبيّ الله في غزاة، و لن يقاتلوا معه عدوًّا بقولهم لهم: ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ فقال الله جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يريدون أن يبدّلوا بمسألتهم إياهم ذلك كلام الله و خبره {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذَلِكُمْ قالَ اللّهُ مِنْ قَبْل}
فكذلك معنى قوله:{لا مُبَدّلَ لِكَلِماتِهِ} إنما هو: لا مُغيّر لما أخبر عنه من خبر أنه كائن فيبطل مجيئه و كونه و وقوعه، على ما أخبر جلّ ثناؤه لأنه لا يزيد المفترون في كتب الله و لا ينقصون منها, و ذلك أن اليهود والنصارى لا شكّ أنهم أهل كتب الله التي أنزلها على أنبيائه، و قد أخبر جلّ ثناؤه أنهم يحرّفون غير الذي أخبر أنه لا مُبدّل له]. راجع جامع البيان في تأويل آي القرآن المعروف بـ (تفسير الطبري) تفسير آية [115] من سورة الأنعام.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال الرازي في تفسيره ما نصه:
[قال أهل المعاني، الكلمة و الكلمات، معناهما ما جاء من وعد و وعيد و ثواب و عقاب، فلا تبديل فيه و لا تغيير]. راجع مفاتيح الغيب المعروف بـ (التفسير الكبير للرازي) تفسير آية [115] من سورة الأنعام.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال القُرطبي في تفسيره ما نصه:
[{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} قراءة أهل الكوفة بالتوحيد، و الباقون بالجمع. قال ابن عباس: مواعيد ربك، فلا مُغيّر لها. و الكلمات ترجع إلى العبارات أو إلى المتعلقات من الوعد و الوعيد و غيرهما. قال قتادة: الكلمات هي القرآن لا مُبدّل له، لا يزيد فيه المفترون و لا ينقصون. {صِدْقاً وَعَدْلاً} أي فيما وعد و حكم، لا رادّ لقضائه و لا خُلْف في وعده. و حكى الرّمّاني عن قتادة: لا مُبدّل لها فيما حكم به، أي إنه و إن أمكنه التغيير و التبديل في الألفاظ كما غيّر أهل الكتاب التوراةَ و الإنجيل فإنه لا يعتدّ بذلك. و دلّت الآية على وجوب ٱتباع دلالات القرآن؛ لأنه حق لا يمكن تبديله بما يناقضه، لأنه من عند حكيم لا يخفى عليه شيء من الأمور كلها]. راجع الجامع لأحكام القرآن المعروف بـ (تفسير القُرطبي) تفسير آية [115] من سورة الأنعام.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال ابن كثير في تفسيره ما نصه:
[{لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَـٰتِهِ} أي ليس أحد يُعقّب حكمه تعالى، لا في الدنيا، و لا في الآخرة]. راجع تفسير القرآن العظيم المعروف بـ (تفسير ابن كثير) تفسير آية [115] من سورة الأنعام.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال الشوكاني في تفسيره ما نصه:
[و المُراد بالكلمات العبارات أو مُتعلقاتها من الوعد و الوعيد, و المعنى: أن الله قد أتمّ وعده و وعيده، فظهر الحق و انطمس الباطل, و قيل: المراد بالكلمة أو الكلمات القرآن، و { صِدْقاً وَعَدْلاً } منتصبان على التمييز، أو الحال، على أنهما نعت مصدر محذوف، أي تمام صدق و عدل {لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ} لا خُلف فيها و لا مُغيّر لما حكم به]. راجع فيض القدير المعروف بـ (تفسير الشوكاني) تفسير آية [115] من سورة الأنعام.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال السمرقندي في تفسيره ما نصه:
[{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ} يقول: وجب قول ربك بأنه ناصر محمد - صلى الله عليه وسلم – و أن عاقبة الأمر به { صِدْقاً وَعَدْلاً } يعني صدقاً فيما وعد الله له من النصرة (وعدلاً) فيما حكم به {لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ} يقول: لا مُغيّرٌ لوعده كقوله:{لَنَنصُرُ رُسُلَنَا}
(غافر: 51), و يقال: {لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ} يعني لا ينقض بعضها بعضاً و لا يشبه كلام البشر]. راجع بحر العلوم المعروف بـ (تفسير السمرقندي) تفسير آية [115] من سورة الأنعام.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال الماوردي في تفسيره ما نصه:
[{وَتَمَّتَ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} يعني القرآن، و في تمامه أربعة أوجه مُحتملة:
أحدها: تمام حُجَجِهِ و دلائله, و الثاني: تمام أحكامه و أوامره, و الثالث: تمام إنذاره بالوعد و الوعيد, و الرابع: تمام كلامه و استكمال صوره, و في قوله:{صِدْقاً وَعَدْلاً} وجهان:
أحدهما: صدقاً في وعده و وعهده، و عدلاً في أمره ونهيه، قاله ابن بحر.
و الثاني: صدقاً فيما حكاه، عدلاً فيما قضاه، و هو معنى قول قتادة]. راجع النُكت و العيون المعروف بـ (تفسير الماوردي) تفسير آية [115] من سورة الأنعام.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال البغوي في تفسيره ما نصه:
[{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} ، قرأ أهل الكوفة و يعقوب { كلمة } على التوحيد، و قرأ الآخرون (كلمات) بالجمع، و أراد بالكلمات أمره و نهيه و وعده و وعيده، {صِدْقاً وَعَدْلاً} ، أي: صدقاً في الوعد و الوعيد، و عدلاً في الأمر و النهي، قال قتادة و مقاتل: صدقاً فيما وعد و عدلاً فيما حكم. {لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَـٰتِهِ} ، قال ابن عباس: لا رادّ لقضائه و لا مُغيّر لحكمه و لا خُلْف لوعده، {وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} ، قيل: المُراد بالكلمات القرآن لا مُبدّل له، لا يزيد فيه المفترون و لا ينقصون]. راجع معالم التنزيل المعروف بـ (تفسير البغوي) تفسير آية [115] من سورة الأنعام.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال ابن عطيّة الأندلسي في تفسيره ما نصه:
[{لا مُبدّل لكلماته } معناه في معانيها بأن يُبيّن أحد أن خبره بخلاف ما أخبر به أو يُبيّن أن أمره لا ينفذ، و المثال من هذا أن الله تعالى قال لنبيه (عليه السلام)
{فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج}
(التوبة:83) إلى الخالفين، فقال المنافقون بعد ذلك للنبي (عليه السلام) و للمؤمنين ذرونا نتبعكم فقال الله لنبيه:
{يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل}
(الفتح:15) أو في قوله {فقل لن تخرجوا معي أبداً}
(التوبة:83) لأن مُضمّنة الخبر بأن لا يُباح لهم خروج، و أما الألفاظ فقد بدلتها بنو إسرائيل و غيرتها، هذا مذهب جماعة من العلماء، و روي عن ابن عباس أنهم إنما بدلوا بالتأويل والأوّل أرجح]. راجع المُحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـ (تفسير ابن عطيّة الأندلسي) تفسير آية [115] من سورة الأنعام.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال ابن الجوزي في تفسيره ما نصه:
[وفي المُراد بهذه الكلمات ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها القرآن، قاله قتادة, والثاني: أقضيتُه و عِداته, و الثالث: وعده و وعيده، و ثوابه و عقابه, و في قوله:{صدقاً وعدلاً} قولان.
أحدهما: صدقاً فيما أخبر، و عدلاً فيما قضى و قدَّر, و الثاني: صدقاً فيما وعد و أوعد، وعدلاً فيما أمر و نهى, و في قوله:{ لا مبدِّل لكلماته} قولان. أحدهما: لا يقدر المُفترون على الزيادة فيها و النقصان منها, و الثاني: لا خُلف لمواعيده، و لا مُغيّر لحكمه]. زاد المسير في علم التفسير المعروف بـ (تفسير ابن الجوزي) تفسير آية [115] من سورة الأنعام.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
2- على فرض صحة تأويل الآية بأن المُراد من التبديل في الآية التغيير, فمن يقول بتحريف النقيصة يُسلّم بهذا و لا يجده مُعارضاً لمبناه و مذهبه, حيث أن القائل بالنقيصة يقول أن النقيصة لا تعني التبديل, إنما تعني الإسقاط, و التبديل شيء و الإسقاط شيء آخر.
فالآية عنده لا تدل على نفي النقيصة, إنما تدل (على فرض صحة التأويل) على نفي الزيادة و التغيير, أما نفي الإسقاط فلا تدل الآية عليه, فتدبّر!
الاستدلال بالآية الثالثة, و هي [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] آية [9] من سورة الحِجر.
فالجواب:
1- اختلف المُفسرون بتأويل كلمات هذه الآية, فاختلفوا بمعنى الذِكر, فمنهم من قال أن الذِكر هو القرآن, و منهم من قال أن المُراد بالذِكر هو النبي محمد (ص), و كذلك اختلفوا في تأويل معنى الحفظ بالآية, فمنهم من قال أن الحفظ هو الحفظ من الزيادة و النقصان و التغيير, و منهم من قال أنه محفوظ عند الله تبارك و تعالى, و منهم من قال أن الحفظ هو الحفظ في صدور الرجال, فدلالة الآية على نفي التحريف غير تامّة لوجود عِدة احتمالات في تفسيرها, و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
قال أبو جعفر الطبري في تفسيره ما نصه:
[حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ و حدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا ورقاء؛ و حدثنـي الـحسن، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء؛ و حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: {وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ} قال: عندنا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:{إنَّا نَـحْنُ نَزَّلْنا الذّكْرَ و إنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ} قال فـي آية أخرى:{لا يَأْتِـيهِ البـاطِلُ}, و البـاطل: إبلـيس،{مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَـلْفِهِ}, فأنزله الله ثم حفظه، فلا يستطيع إبلـيس أن يزيد فـيه بـاطلاً و لا ينتقص منه حقًّا، حفظه الله من ذلك
حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: {و إنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ} قال: حفظه الله من أن يزيد فـيه الشيطان بـاطلاً أو ينقص منه حقًّا.
و قيل: الهاء فـي قوله:{و إنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ} من ذكر مـحمد (صلى الله عليه وسلم), بـمعنى: و إنا لـمـحمد حافظون مـمن أراده بسوء من أعدائه]. راجع جامع البيان في تأويل آي القرآن المعروف بـ (تفسير الطبري) تفسير آية [9] من سورة الحِجر.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال الزمخشري في تفسيره ما نصه:
[و قيل: الضمير في {لَهُ} لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) كقوله تعالى {وَ ٱللَّهُ يَعْصِمُكَ}(المائدة: 67)]. راجع الكشاف المعروف بـ (تفسير الزمخشري) تفسير آية [9] من سورة الحِجر.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال الرازي في تفسيره ما نصه:
[المسألة الثالثة: إذا قلنا الكناية عائدة إلى القرآن فاختلفوا في أنه تعالى كيف يحفظ القرآن قال بعضهم: حفظه بأن جعله معجزاً مُبايناً لكلام البشر فعجز الخلق عن الزيادة فيه و النقصان عنه, لأنهم لو زادوا فيه أو نقصوا عنه لتغير نظم القرآن فيظهر لكل العقلاء أن هذا ليس من القرآن فصار كونه معجزاً كإحاطة السور بالمدينة, لأنه يحصنها و يحفظها، و قال آخرون: إنه تعالى صانه و حفظه من أن يقدر أحد من الخلق على معارضته، و قال آخرون: أعجز الخلق عن إبطاله و إفساده بأن قيض جماعة يحفظونه و يدرسونه و يشهرونه فيما بين الخلق إلى آخر بقاء التكليف، و قال آخرون: المراد بالحفظ هو أن أحداً لو حاول تغييره بحرف أو نقطة لقال له أهل الدنيا: هذا كذب و تغيير لكلام الله تعالى حتى أن الشيخ المهيب لو اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له كل الصبيان: أخطأت أيها الشيخ و صوابه كذا و كذا، فهذا هو المراد من قوله: {وَ إِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ}].راجع مفاتيح الغيب المعروف بـ ( التفسير الكبير للرازي) تفسير آية [9] من سورة الحِجر.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...1&LanguageId=1
قال السمرقندي في تفسيره ما نصه:
[}إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ} أي: القرآن {وَ إِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ} يعني القرآن: و يقال يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - من القتل, و قال قتادة: يعني القرآن يحفظه الله تعالى من أن يزيد فيه الشيطان باطلاً أو يبطل منه حقاً]. راجع بحر العلوم المعروف بـ (تفسير السمرقندي) تفسير آية [9] من سورة الحِجر.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
قال الماوردي في تفسيره ما نصه:
[{ وإنا له لحافظون } فيه قولان:
أحدهما: و إنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من أعدائه، حكاه ابن جرير.
الثاني: و إنا للقرآن لحافظون.
وفي هذا الحفظ ثلاثة أوجه:
أحدها: حفظه حتى يجزى به يوم القيامة، قاله الحسن.
الثاني: حفظه من أن يزيد فيه الشيطان باطلاً، أو يزيل منه حقاً، قاله قتادة.
الثالث: إنا له لحافظون في قلوب من أردنا به خيراً، و ذاهبون به من قلوب من أردنا به شراً]. راجع النُكت و العيون المعروف بـ (تفسير الماوردي) تفسير آية [9] من سورة الحِجر.
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?...0&LanguageId=1
2- إن صح تأويل الحفظ أنه حفظٌ للقرآن, فهذا لا يقدح بقول من يقول بالنقيصة, حيث يمكن حمل هذا الحفظ على الحفظ من الزيادة لا النقيصة بدلالة أخبار النقيصة, فجمعاً بين الآية و الأخبار الدالة على النقيصة يُمكن حمل الحفظ بالحفظ من الزيادة لا النقيصة, و بهذا نكون قد وفقنا و جمعنا بين الأدلة دون أن نُسقط أيٍ منها, فتأمّل و اغتنم!
تُتبع...