تمدين الجيش.. وتمدين المجتمع
بقلم الشيخ الدكتور طه حامد الدليمي
منقول من موقع القادسية الثالثة
السياسة في التيار السني سياسة شرعية..
تراعي أحكام الشريعة فيما ورد فيه نص شرعي، وتراعي القيام على الناس بما يصلحهم ويحقق مصالحهم فيما لا نص فيه ضمن ضوابط الشريعة. مدركين أن الفكر (الإسلامي) في السياسة وغيرها ظل يراوح في مكانه لم يتقدم منذ بداياته قبل أكثر من مئة عام. وهو أحوج ما يكون إلى التجديد.
يقولون: "المصلحة أم السياسة"، لكنهم ينسون أن "القوة أبوها"؛ فسياسة بلا قوة مقامرة بأوراق مكشوفة. والأغبياء والضعفاء ينتهون في عالم السياسة إلى أحد مصيرين: الفقر أو العمالة. وإذا انتبهوا إلى ملحظ القوة لا يدركون منه – في العادة – سوى الجانب العسكري، مع أن القوة قوة التأسيس المدني. فقوة عسكرية بلا مؤسسة مدنية عمارة مبنية على أساس من رمل.
والقوة الشرعية قوتان ممتزجتان: قوة الإيمان وقوة الكيان. ولا تغني إحداهما عن الأُخرى. ولا يتأتى ذلك إلا بمنظومة قيادة يلتحم بها جمهور؛ فالفرد لا مكان له في سوق السياسة مهما أُوتي من قوة شخصية وإمكان وحجة وبيان. وقوتنا – نحن التيار السني - في هذه المرحلة في إبراز هويتنا، وإعداد منظومة قيادتنا، في مشروع واضح الفكرة الجامعة، محدد الهدف البعيد، يراعي مجموعة الأهداف المرحلية، ويهتم باستثمار الموارد المتاحة، ويتخذ الآليات المناسبة للوصول إلى الكيان القادر على أن يريد فيكون؛ لأنه كان فأراد. وإلا فإن دخول عالم السياسة بلا مشروع يجعل صاحبه ضحية لمشاريع الآخرين.
التوازن بين القوى الثلاث : المدنية والسياسية والعسكرية
"التوازن بين القوى الثلاث: المدنية والسياسية والعسكرية"..
فكر جديد يمثل أساساً من أسس التجديد الجوهري في السياسة الشرعية. وهو القاعدة التي تقوم عليها (دولة المؤسسات) المنشودة. والمنطلق الذي يؤسس لمعالجة الاستبداد السياسي.
يتكلم السياسيون عن الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، ويُغفلون ذكر "التوازن بين القوى الثلاث: المدنية والسياسية والعسكرية"، وهذا لا يقل أهمية عن الأول بل هو أهم منه. بل إن (الفصل) بين السلطات لا يُضبط إلا بـ(التوازن) بين القوى، وإلا فإن السلطة التنفيذية تنفرد بالقرار ويكون التشريع والقضاء مجرد ذيل تابع لها.
يقوم هذا التوازن على مبدأ الفصل بين امتلاك القوة أو السلطة وممارستها وذلك بأن:
تمارس السلطة ولا تملكها. كما يتاجر المرء بما لا يملكه.
وتملك السلطة ولا تمارسها. كما يفوض المالك غيره بالمتاجرة بماله.
فيُمنع الجناح السياسي والعسكري (وهو من يمارس السلطة) من امتلاكها. ويُمنع الرأس المدني (وهو من يملك السلطة) من ممارستها.
كما يجب الفصل التام بين السلطتين: العسكرية والسياسية. فلا يتولى العسكري منصباً سياسياً، ولا السياسي منصباً عسكرياً. بهذا نمنع فساد السياسي وطغيانه، وطغيان العسكري وفساده.
هذا هو الأساس، وللتحقيق تفصيله.
بهذا نبني دولة المؤسسات: دولة ولكن بمفاهيم أمة. دولة لا تكون السلطة فيها دُولة بين الأقوياء، كما لا يكون المال فيها دُولة بين الأغنياء.
تمدين الجيش
(تمدين الجيش).. مصطلح غريب على السياسة. وهو إن لم يكن من مبتكرات (الفكر السني) فهو من معالمه السياسية البارزة.
ما زالت أدبيات السياسة تتحدث عن (عسكرة المجتمع) وضررها على السياسة والاجتماع، غافلة عن ضرورة إبراز البديل أو الأساس المعالج له. كمن يهتم بتشخيص الداء ويهمل توصيف الدواء.
(تمدين الجيش) معناه: جعله جزءاً من التكوين المدني لمشروع الدولة، وليس كياناً خارجاً عنها متحكماً فيها. وذلك بأن تكون البداية بناء مشروع شمولي أساسه العمل المدني. حتى إذا تم الجسم المدني - بإذن الله - واستوى على سوقه، جاء دور انبثاق الجناح العسكري منه في وقته وموضعه كإحدى لبنات المشروع في هيكل البناء، وليس قبل ذلك، كما تقرر ذلك في (المنهج) كثابت من ثوابت العمل الرباني السديد. مع مراعاة قاعدة (التوازن).
بذلك يتمدن المجتمع كله: عسكريه ومدنيه. ويكون العسكر كأي مؤسسة مجتمعية، سوى أن وظيفتها خدمة المجتمع المدني بالحفاظ عليه من خارجه بالقوة في مواجهة ما يهدده، لا أن يكون هو المهدد له من هناك. وذلك بالتأسيس على قاعدتين:
1. أن ينشأ الجناح العسكري بآلية (الانبثاق) عن الجسم المدني من داخله، لا بآلية (الإلصاق) به من خارجه.
2. أن يتصرف بالقوة ولا يملكها.
عندها لن تكون مؤسسة الحكم في حالة خوف وترقب من المؤسسة العسكرية، ولن تتعرض الدولة للهزات والانقلابات الكارثية على يد العسكر، لا سيما مع قاعدة "التوازن بين القوى الثلاث: المدنية والسياسية والعسكرية"، التي تمنع من تحول القوة إلى دُولة بين الأقوياء، كما يمنع الاقتصاد الرباني من تحول المال إلى دولة بين الأغنياء.
ـــــــــــــــــــــــ
9/3/2017
http://www.alqadisiyya3.com/index.ph...rticle&id=3321