يقول الفيلسوف الألماني الاشتراكي كارل ماركس " الدين أفيون الشعوب".. هذه الحقيقة يقر بها كل أعداء الإسلام , إلا أن طائفة من أبناء جلدتنا تشكك في هذه الأمر، وتعتقد أن تحررها من القيود وتنازل الأمة عن حصنها الأخير يمكن أن يكون مفتاحاً للنهوض و موائمة الغرب في حضارته.. يقول الباحث في علم الأديان الدكتور حسن الأسمري في محاضرة بعنوان " الوعي الفكري.. الواقع والمتغيرات": إن الصوفية والشيعة والخوارج والفرق الكلامية، إنما هي فرق رعاها المستعمر لمحاصرة أهل السنة والجماعة داخل المجتمع المسلم".
مصداقاً لما جاء على لسان الأسمري سنورد كماً من الدلائل تشير إلى تفضيل الصوفية وغيرها من الفرق التصالح مع المسيحية واليهودية وأعداء الإسلام على التصالح مع أهل السنة والجماعة.
استضاف الرئيس الشيشاني رمضان قديروف مؤتمر "من هم أهل السنة و الجماعة.. بيان وتوصيف لمنهج أهل السنة والجماعة اعتقاداً وفكراً وسلوكاً وأثر الإنحراف عنه عن الواقع"، جمع فيه نخبة كبيرة من رموز التصوف و الماتردية أمثال عدنان إبراهيم و الحبيب على الجفري و أحمد حسون مفتى النظام السوري و علي جمعة و محمد الطيب و شخصيات أخرى من السودان و باكستان و حتى شرق أسيا، بهدف الترويج لفكرة خطيرة و تعتبر نقطة تحول في الصراع الفكري الذي يخوضه أهل السنة و الجماعة دفاعاً عن دينهم ليس أمام تلك الفرق التي تعتبر أداة من أدوات الصراع , بل ضد المستعمر القديم و العدو الجديد الذي يقتل الشعب السوري و العراقي و الفلسطيني، هذه الفكرة هي أن تلك الزمرة التي اجتمعت في جروزني تمثل " أهل السنة و الجماعة"، متجاهلين بذلك منظمة مؤتمر العالم الإسلامي ورابطة علماء المسلمين و اتحاد علماء المسلمين و هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التي تمثل آخر حصون الدفاع عن المنهج السلفي، لا أشك مطلقاً أن المؤتمر تقف خلفه أجهزة استخبارية روسية. العجيب في الحضور أنهم ركزوا على إدانة الجماعات الإرهابية والتطرف وغيرها من المصطلحات، لكنهم لم يتطرقوا مطلقاً لجرائم النظام السوري أو المليشيات الشيعية أو القصف الروسي لأطفال سوريا!!
هذا الدور المشبوه الذي يقوم به زعماء الصوفية له امتداد قديم , أوجزه مركز هرتسليا الصهيوني , حينما أوصى العالم الغربي بدعم الطرق الصوفية في العالم العربي لمحاصرة الإسلام السياسي، وعقب الدكتور صالح النعامي المختص بالشأن الصهيوني على ذلك قائلاً:"إسرائيل تقيم علاقات وثيقة مع مشيخات الصوفية في أرجاء العالم، وهذه المشيخات هي التي تخدم الدعاية الصهيونية، بالترويج لفكرة زيارة الأقصى تحت الاحتلال". ويشير إلى زيارة علي جمعة مفتى مصر الأسبق و الحبيب على الجفري إلى المسجد الأقصى بتأشيرة سفر صهيونية، الأمر الذي اعتبره مفتي الدار الفلسطينية الأسبق الشيخ "عكرمة صبري" تطبيعاً وشرعنة للاحتلال الصهيوني، حيث أوضح أن زيارة القدس المحتلة للصلاة في المسجد الأقصى بتأشيرة صهيونية، وبتصريح من الاحتلال، يعد تطبيعاً وإقراراً بشرعية الاحتلال الصهيوني للمدينة.
في اكتوبر 2003 استضاف برنامج الأمن الدولي من مركز ************سون ندوة مفتوحة كان الغاية منها استكشاف دور الطرق الصوفية في الترويج للإسلام " المعتدل" كان من أبرز الحضور رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في أمريكا الصوفي محمد هشام قباني والمفكر الأمريكي برنارد لوس الذي أشاد بالطرق الصوفية قائلا: هناك قصائد جلال الدين الرومي، ولابن العربي تؤكد أن جميع الأديان لها نفس الغرض، نفس الرسالة ونفس الرسالة، ويعبدون نفس الإله. قد يفعلون ذلك بطرق مختلفة، ولكن الله هو بنفس القدر هناك في الكنيسة، في المسجد، وفي الكنيس". كما أوصى المستشرق لوس بأني تم تشجيع الكتاب الصوفيين وترجمة النصوص الصوفية إلى اللغات المحلية والإنجليزية، وحث دول أسيا إلى إحياء الصوفية وإعمار وترميم الأضرحة والمقامات، وخاصة الطريقة النقشبندية التي تعتبر أكبر الطرق الصوفية، وتزعمها حتى وفاته عام 2014 محمد ناظم الحقاني الذي زاره البابا بندكتوس السادس عشر في 5 يونيو 2010 وطلب منه حقاني الصلاة له!
في شهر ابريل عام 2005 نشرته مجلة "U.S.News" الأمريكية تقريراً بعنوان (في جبهة غير مرئية في الحرب على الإرهاب، أمريكا تنفق الملايين.. لتغيير وجه جديد للإسلام)، ويؤكد كاتب التقرير "ديفيد كابلان" أن النخب الأمريكية تعتبر الحركة الصوفية أفضل الأسلحة ضد الإسلام الجهادي".
يقول الصوفي محمد هشام قباني في منتدى مفتوح نظمته وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 7/يناير/1999 إن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن استمر بالصلاة مستقبلاً المسجد الأقصى 18 شهراً، انتقل للصلاة بعد ذلك ليصلي إلى مكة المكرمة , حيث كان يعيش اليهود والمسيحيين ليظهر للناس أنه لا يعادي المسيحيين واليهود!! كانت رسالة قباني في تلك الفترة أشبه برسالة استجداء , مفادها أننا لا نريد نحن كصوفية أن نوضع من قبل الإدارة الأمريكية ضمن مؤسسات إسلامية أخرى مثل منظمة "كير" وغيرها التي كانت تندد بسياسات أمريكا في الشرق الأوسط.
في يونيو عام 2007 نشرت مؤسسة راند تقريراً أكدت فيه على أهمية، أن تقوم الحكومات الغربية بتسخير" الصوفية" لتحويلها إلى حليف قوي في المجتمعات المسلمة، كما أعلنت الحكومة الجزائرية في يوليو 2009 بأن وسائل الإعلام الحكومي ستدعم نشر التراث الصوفي للحد من " الراديكالية السلفية" في البلاد.
هناك الكثير من المعلومات التي تؤكد التقارب بين الأديان و الصوفية و أبرزها اليهودية، وفي مقالة نشرته في موقع القنطرة للكاتب" نعمت شيكير"، يقول إنه حينما تم فتح مخزن كنيس بن عزرا في القاهرة قبل أكثر من قرن عثر على كتب لصوفيين وأتقياء يهود من القرون الوسطى بالعربية و العبرية، ويظهر فيها بوضوح الاستلهام.
يعود كثير من هذه المخطوطات إلى فترة الحاخام إبراهيم بن ميمون (1186 - 1237)، ابن الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون. وكان الحاخام إبراهيم بن ميمون شخصية قيادية على الصعيدين الديني والسياسي في عصره، كما كان من أكثر ممثلي النهج الصوفي في العبادة اليهودية ويسمى في الأدبيات العبرية بالحسيدوت المشتقة من كلمة "حسيد" أي التقوى. إذن العنوان "تقي" يعني أن شخصاً تقياً يسلك درباً روحانياً يشبه النهج الذي يتبعه المتصوفة عند المسلمين.
ويضيف الكاتب أن الحاخام بن ميمون عبر في كتاباته عن إعجابه بالصوفيين، و قدم شخصيات يهودية على أنها تنحو منحى الصوفية، وكتب في الصوفيين أنهم الورثة الحقيقيون لتقاليد العبرانيين. كما نسب بعض شعائر الصوفيين المميزة إلى أنبياء بني إسرائيل، قائلاً أن اليهود قد نسوا هذه التقاليد الروحية في خضمِّ محن المنفى، وأنه لا بدّ لهم من العودة لممارستها.
ويقول الكاتب إن الكثير من الممارسات الصوفية مثل " الخلوة" وطقوس وممارسات إقامة الذكر، اكتشف بن ميمون أن مرجعتيها " العهد القديم من الكتاب المقدس".
ويضيف " تبعت عائلة إبراهيم بن ميمون هذه التقاليد الصوفية على مدى أكثر من عقدين من الزمن. ولم يكُن هذا التديّن اليهودي الصوفي حالة فريدة في مصر، بل نجد آثاره الكثيرة في الصوفية اليهودية لدى يهود الأندلس قبل تهجيرهم ولدى اليهود الدمشقيين واليمنيين والفلسطينيين والفرس.
ادخل الحاخام إبراهيم أبو العفيا إلى منهج القبَّالة عنصر الانخطاف، الذي يتحقق أثناء ممارسة الذِكر لدى الصوفية، حيث يُردد ذِكر اسم الله ويكرر إلى أن يصل الإنسان إلى حالة من النشوة والانخطاف. ووهناك قرائن نلاحظها في الغناء الروحي لدى القبّالة حيث تُنشد أبيات القصائد على غرار الإنشاد لدى الدراويش المولويين، وكذلك تشكيل حلقة أتباع حول صاحب الطريقة، ناهيك عن ممارسة الخلوة والذكر المسماة بالعبرية هيتبوديدوت و هازكاره .أيضاً يشير الكتاب نعمت شيكير أن المتصوف اليهودي سبطاي سوي الذي أعلن نفسه نبياً أثناء نفيه إلى مدينة أدرنة العثمانية شارك في حلقات الخاصة بالدراويش البكتاشيين، وقد اعتنق الإسلام لاحقاً. أما أتباعه من اليهود فظلوا مرتبطين به حتى بعدما أصبح متصوفاً إسلامياً، فأخذوا عن البكتاشيين بعض الطقوس الصوفية كالأناشيد الروحية , وأدخلوها على شعائرهم" .
يبقى هنا حقيقة واحدة وهي أن السلطة الدينية هي السلطة الثانية التي تحمي المجتمع بعد سلطة القانون، لذلك يحاول أعداء المجتمعات المسلمة انتزاع هذه السلطة وتدميرها بغية تسهيل عملية نشر الفوضى في العالم الإسلامي، ولنا أسوة في نماذج مختلفة من حولنا.
موقع المثقّف الجديد