هذا بحث واسع في هذا الموضوع:
{ وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } العنكبوت48
والمعنى: وما كان من عادتك قبل نزول القرآن أن تقرأ كتاباً ولا كان من عادتك أن تخط كتاباً وتكتبه - أي ما كنت تحسن القراءة والكتابة لكونك أُمياً - ولو كان كذلك لارتاب هؤلاء المبطلون الذين يبطلون الحق بدعوى أنه باطل لكن لما لم تحسن القراءة والكتابة واستمررت على ذلك وعرفوك على هذه الحال لمخالطتك لهم ومعاشرتك معهم لم يبق محل ريب لهم في أمر القرآن النازل إليك أنه كلام الله تعالى وليس تلفيقاً لفّقته من كتب السابقين ونقلته من أقاصيصهم وغيرهم حتى يرتاب المبطلون ويعتذروا به. الميزان ج16ص139 الطبطبائي
أما بخصوص الروايات, تكلم السبحاني بهذه المسئله والخلاف, وذكر 5 روايات, 2 صحيحات و2 ضعيفات و1 مرسله. والصحيحات تناقض بعضها, فتسقط الإحتجاج بهم:
أخرج الصدوق في علل الشرائع عن ابن الوليد عن سعد عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد ومحمد البرقي عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان النبي يقرأ الكتاب ولا يكتب.
والحديث صحيح رجاله كلهم ثقاة بالاتفاق ولكنّه ظاهر ، أو محمول على عهد الرسالة لما عرفت من تنصيص الكتاب العزيز على كونه اُمّياً قبل البعثة. مفاهيم القرآن ج3ص342 جعفر السبحاني
أخرج الصدوق في علله عن أبيه عن سعد عن عيسى عن البزنطي عن أبان عن الحسن الصيقل قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان مما منّ الله على نبيّه صلىالله عليه وآله وسلم أنّه كان اُمّياً لا يكتب ولا يقرأ الكتاب.
والسند صحيح إلى البزنطي ، نعم اختلفت كلماتهم في أبان ورمَوْه بالناووسية والنسبة غير محققة ، والرجل من أصحاب الاجماع ، والحسن الصيقل مهمل في كتب الرجال لم يوصف بالوثاقة ولم يرد فيه طعن ، والحديث وإن لم يكن صحيحاً لكنّه يعتبر خصوصاً لنقل « أبان » الذي هو أحد أصحاب الاجماع عنه ، والحديث نظير ما تقدم عليه في الحمل والظهور بل أظهر من سابقه في كونه راجعاً إلى أيام نبوّته وعهد رسالته صلى الله عليه وآله وسلم بقرينة قوله : « كان ممّا منّ الله عزّ وجلّ به على نبيّه ».مفاهيم القرآن ج3ص342 السبحاني
يقصد أن الإجماع إتفقوا على أن أبان لا يروي إلاّ عن ثقه, فتصبح الروايه صحيحه.
حصيلة الكلام في اُمّية النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قد أصبحت اُمّية النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يختاره الله لإبلاغ رسالته أمراً واضحاً كوضوح شمس الضحى ، لا يشك فيها ذو مسكة ومن له أدنى إلمام بتاريخ الجزيرة وحياة الاُمّة العربية ، العائشة فيها وأمّا حديثها بعد البعثة فالامعان في ما نقلناه من حديث بدء الرسالة والصحيحين المرويين عن الإمام الصادق عليه السلام يعطي أنّه كان يقرأ ولا يكتب. مفاهيم القرآن ج3ص345 السبحاني
إستنتج السبحاني بأن الرسول كان أمُي لا يقرأ ولا يكتب قبل البعثه ولكن بعد البعثه أصبح يقرأ ولا يكتب! (وهو قول المرتضى والطوسي والمفيد). والروايه الأولى التي إستدل بها لا يقول المعصوم أنه قبل أو بعد البعثه والروايه الثانيه تقول أمُي لا يعرف الكتابه ولا القراءه ولم يذكر المعصوم بأنه قبل البعثه, فالإستنتاج غير صحيح كما قال مرتضى مطهري.
وكتب التاريخ والسير أثبتت أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكتب ولم يقرأ وكان له كُتاب:
حدثنا محمد بن موسى المتوكل - رضي الله عنه - قال : حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ومعاوية يكتب بين يديه - وأهوى بيده إلى خاسرته ( كذا ) بالسيف : من أدرك هذا يوماً أميراً فليبقر خاصرته بالسيف. معاني الاخبار للصدوق ص346 باب استعانه النبي بمعاويه في كتابة الوحي
روايه صحيحة السند
وكان كتابه الذين يكتبون الوحي والكتب والعهود: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعمرو بن العاص ابن أمية ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح والمغيرة بن شعبة ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وحنظلة بن الربيع وأبي بن كعب وجهيم بن الصلت والحصين النميري. تاريخ اليعقوبي ج2ص80 مؤرخ رافضي
يستفاد من نصوص التواريخ القديمة الإسلامية المعتبرة أن رسول الله الأكرم كان يملك كُتاباً في المدينة. وكان هؤلاء يكتبون الوحي وحديث النبي للمشركيم وأهل الكتاب ودفاتر الصدقات والضرائب والغنائم والأخماس والرسائل الكثيرة التي كان الرسول يرسلها إلى الأطراف..هذا ولم يكتب النبي بخط يده أيا من هذه الرسائل والعهود والدفاتر, فإننا لا نجد موضعا يقال فيه إن رسول الله كتب الرسالة الفلانية بخط يده. النبي الأمي ص18 مرتضى مطهري
وقال المسعودي في (التنبيه والإشراف): وكان خالد بن سعيد بن العاص بن أميه يكتب بين يديه في سائر ما يعرض من أموره. والمغيرة بن شعبة, والحصين بن نمير يكتبان أيضا وعبدالله بن الارقم والعلا بن عقبة يكتبان بين الناس المداينات وسائر العقود والمعاملات والزبير بن العوام وجهيم بن الصلت يكتبان أموال الصدقات وحذيفة بن اليمان يكتب خرص الحجاز ومعيقيب بن أبي فاطمة وكان خنظلة بن الربيع يكتب بين يديه عليه الصلاة والسلام وكان يدعى حنظلة الكاتب وكتب له عبدالله بن سعد بن أبي سرح وكتب له معاوية قبل وفاته بأشهر. النبي الأمي ص20 مرتضى مطهري
هناك حوادث وقعت في حياته عليه الصلاة والسلام وهي توضح أنه لم يكن يكتب أو يقرأ حتى في المدينة المنورة, ومنها حادثة الحديبية المشهورة. الرسول الأُمي ص24 مرتضى مطهري
وهناك آية أخرى تشعر بعدم تعلم الرسول الأكرم وهي من سورة الشورى (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) فهي تؤكد على أنه لم يكن يعرف الكتابه قبل نزول الوحي. النبي الأمي ص35 مرتضى مطهري
ومؤيدو هذا التفسير ينسبون (أُمي) إلى (أم القرى) وهي مكة فقد جاء في سورة الأنعام قوله تعالى (ولتنذر أم القرى ومن حولها) وقد ذكرت الكتب القديمه هذا الإحتمال وأيّدته بعض أحاديث الشيعة وإن لم تكن معتبرة كما يقال أن للكلمة جذراً إسرائيليا. الرسول الأمي ص37 مرتضى مطهري
كونه أُمّياً لا يعدّ منقصة :س : إنّنا نعتقد بعصمة الرسول صلى اللهعليه وآله ، ونعتبره أكمل خلق الله ، والمعروف عنه صلى الله عليه وآله أنّه كان أُمّياً لا يقرأ ولا يكتب ، فهل تعتبر هذه منقصة في كمال الرسول صلى الله عليه وآله؟
ج : إنّ عدم القراءة لدى الإنسان العادي لعلّها تعدّ نقصاً ، إذ أنّ القراءة والكتابة الرافد الثقافي الطبيعي لدينا نحن ، أمّا علم النبيّ صلى الله عليه وآله وعلم المعصومين عليهم السلام فهو علم حضوري لدنّي لا علاقة له بالاكتساب العلمي ، وليس للقراءة والكتابة من أثر في ذلك ، هذا من جهة.ومن جهة أُخرى : لعلّ الحكمة من كونه صلى الله عليه وآله أُمّياً ، لكي لا يتاح للمشركين من إثارة تهمهم وشبهاتهم حول القرآن ، وأنّه من صنع البشر ، وأنّ محمّداً هو الذي كتبه وألّفه ، فإذا علموا أنّه صلى الله عليه وآله أُمّياً ، علموا أنّ ذلك إيحاء أو إعجازاً ، وليس ليد البشر من دخل.على أنّ البعض نفوا كون النبيّ صلى اللهعليه وآله أُمّياً ، أي لا يقرأ ولا يكتب ، وأنّه سيحتاج إلى من يكتب له ، والنبيّ صلىالله عليه وآله أفضل الخلق فلا يحتاج إلى مَن هو دونه ، وفسّروا أنّ الأُمّي نسبةً إلى أُمّ القرى ، أي مكّة. موسوعة الأسئلة العقائديّة ج5ص326 مركز الأبحاث العقائديّة