بسم الله الرحمن الرحيم
4 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْحِقْدِ بِحَسَبِ بَاعِثِهِ ، فَإِنْ كَانَ لِحَسَدٍ وَضَغَنٍ دُونَ حَقٍّ فَهُوَ مَذْمُومٌ شَرَعَا ، لِأَنَّهُ يُثِيرُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَالْإِضْرَارَ بِالنَّاسِ لِغَيْرِ مَا ذَنْبٍ جَنَوْهُ . وَقَدْ وَرَدَ ذَمُّهُ فِي الشَّرْعِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي ذَمِّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ سَاءَهُمْ ائْتِلَافُ الْمُؤْمِنِينَ وَاجْتِمَاعُ كَلِمَتِهِمْ بِحَيْثُ أَصْبَحَ أَعْدَاؤُهُمْ عَاجِزِينَ عَنْ التَّشَفِّي مِنْهُمْ { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِلَ مِنْ الْغَيْظِ } فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ عِنْدَ مُلَاقَاتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُمْ يَعَضُّونَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِمْ لِأَجْلِ الْغَضَبِ وَالْحَنَقِ ، لِمَا يَرَوْنَ مِنْ ائْتِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ ، وَنُصْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ ، بِحَيْثُ عَجَزَ أَعْدَاؤُهُمْ عَنْ أَنْ يَجِدُوا سَبِيلًا إلَى التَّشَفِّي وَاضْطُرُّوا إلَى مُدَارَاتِهِمْ ، وَعَضُّ الْأَنَامِلِ عَادَةُ النَّادِمِ الْأَسِيفِ الْعَاجِزِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَمَّ الْحِقْدَ وَنَفَاهُ عَنْ الْمُؤْمِنِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِحَقُودٍ } هَذَا وَمِمَّا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْحِقْدِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثٌ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِمَنْ [COLOR=royalblue]يَشَاءُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا ، وَلَمْ يَكُنْ سَاحِرًا [/COLOR]يَتْبَعُ السَّحَرَةَ ، وَلَمْ يَحْقِدْ عَلَى أَخِيهِ } . وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ قُمْت حَتَّى حَرَّكْت إبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ فَرَجَعَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ : - يَا عَائِشَةُ - أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ - أَظَنَنْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَاسَ بِك ؟ قُلْت لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنِّي ظَنَنْت أَنَّك قُبِضْت لِطُولِ سُجُودِك فَقَالَ : أَتَدْرِينَ أَيُّ لَيْلَةٍ هَذِهِ ؟ قُلْت اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانِ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرَيْنِ ، وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ } . 5 - وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحِقْدَ كَمَا ذَكَرَ الْمُنَاوِيُّ مِنْ الْبَلَايَا الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهَا الْمُنَاظِرُونَ قَالَ الْغَزَالِيُّ : لَا يَكَادُ الْمُنَاظِرُ يَنْفَكُّ عَنْهُ ، إذْ لَا تَكَادُ تَرَى مُنَاظِرًا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا يُضْمِرَ حِقْدًا عَلَى مَنْ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ عِنْدَ كَلَامِ خَصْمِهِ وَيَتَوَقَّفُ فِي كَلَامِهِ فَلَا يُقَابِلُهُ بِحُسْنِ الْإِصْغَاءِ ، بَلْ يُضْمِرُ الْحِقْدَ وَيُرَتِّبُهُ فِي النَّفْسِ ، وَغَايَةُ تَمَاسُكِهِ الْإِخْفَاءُ بِالنِّفَاقِ . 6 - وَمِمَّا يُذْهِبُ الْحِقْدَ الْإِهْدَاءُ وَالْمُصَافَحَةُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ } . وَفِي رِوَايَةٍ : { تَهَادَوْا تَحَابُّوا } . 7 - أَمَّا إنْ كَانَ الْحِقْدُ عَلَى ظَالِمٍ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ ظُلْمِهِ أَوْ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ ، أَوْ عَلَى كَافِرٍ يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمْكِنُهُمْ دَفْعُ أَذَاهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَذْمُومٍ شَرْعًا ، ثُمَّ إذَا تَمَكَّنَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ ، فَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَذَلِكَ مِنْ الْإِحْسَانِ وَالْعَفْوِ عَمَّنْ ظَلَمَهُ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ . وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهُ فَلَا حَرَجَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَمَنْ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ } الْآيَةَ ، وَقَالَ تَعَالَى : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبُهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ }