بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. سبحانك يا فايض الجود الأزلىّ، و ناظم الوجود السرمديّ، و واهب الذوات الشريفة القدسيّة، و مكمّل النفوس النفيسة الانسيّة، و محرّك الكرات الفلكيّة بالاشواق الدائمة العلوية، و مزوّج الاركان السفليّة بالقوى العالية الفعليّة، فخلقت من ذلك الازدواج و الامتزاج صورا مختلفة الاستقامة و الانعراج و متباينة الانفراج و الانتساج من المعادن و النبات و الحيوان الامشاج، ثمّ تمّت الوجود بالاحسان المنعوت بالابتهاج و الانحراج. تباركت فى بهاء جلال وحدانيّتك فلا انتقال، و تعاليت فى كبرياء الوهيّة فردانيّتك فلا زوال. لك خشعت اسماعنا و ابصارنا، و لأمرك انقادت مظاهرنا و اشباحنا. خضعت لعظمتك الرقاب و لانت لهيبتك الشمّ الصعاب. ليس لذاتك المقدّسة النورانيّة حدّ محدود و لا لقدم احسانك أمد معدود و لا لهويّتك اللاهوتيّة نعت موجود، و لست ذا والد و لا مولود.
فالقوى الوهميّة عاجزة عن ادراكك و تقدّرك، و كذا الخياليّة لا يمكنها تصوّرك لتقدّسك عن الغاية و تنزّهك عن النهاية. و كيف لا يكون كذلك و قد تحيّرت فى كنه عظمتك عقول العقلاء و انطمست فى أدنى طبقة من انوارك افهام الفهماء ! غرقت فى أبحر لجج سنا معرفتك الباب الألبّاء و خرست فى التعبير عن احوال ربوبيّتك ألسن الفصحاء و الخطباء. فلك الحمد على ما سألت من العطاء و دفعت من البلاء، و لك الشكر على ما أوليت من النعماء و جلوت البصر عن الظلمة و العماء حمدا يرفعنا عن حضيض الكدر الى أوج الانوار و الاضواء و مصدر الجود و السخاء .
و أشهد انّ لا اله الّا اللّه وحده لا شريك له شهادة تطهّرنا من دنس الطبايع و الاهواء و تجذبنا الى عوالم الفسحة و الفضاء. ثمّ الصلاة و السلام على ملوك حظاير القدس و رؤساء بقاع الانس لا سيّما المبعوث الى العرب و العجم المخصوص بالشرف و الكرم محمّد المصطفى افضل الانبياء و الاولياء و اعظم السالكين و الاصفياء صلّى اللّه عليه و على آله و اصحابه نجوم المهتدين و رجوم الشياطين و سلّم تسليما كثيرا .
مات فرعون على السيئات، لكن هل مات على الكفر؟ وما الكفر، وما الفرق بين الكافر والذي كفر، أو ما الفرق بين المؤمن والذي آمن ؟ هل كفر الله النصارى، ومن هم النصارى؟ هل كفر الله القائلين بألوهية المسيح (ع)، ومن قال بها في القرآن؟ وهل كفر الله القائلين بأن الله ثالث ثلاثة، ومن القائل بهذا التثليث، وما معنى هذا التثليث في القرآن؟
وأسئلة أخرى .....
فرعون
فرعون، إستكبر وأفسد وطغى وظلم في الأرض. خاض الصراع مع موسى، وهو صراع كان يظن أن الهدف منه ثورة إجتماعية سياسية على هيمنته (إلهيته)، هيمنته وسيطرته على قومه عامة، واستعباده للمستضعفين وبنو اسرائيل خاصة. فرعون!!! ظن أن الآيات البينات التي جاء بها موسى عليه السلام مجرد سحر، ولم يكتفي بظنه هذا، بل راح يجمع السحرة لمبارزة موسى (ع) كي يثبت لغيره أن آياته مجرد "سحر". فشل، ووقف السحرة على حقيقة الآيات، وآمنوا. أما فرعون فلم يستسلم، وإستمر في خوض المعركة. تظافرت الأدلة وآجتمعت الآيات ألى أن وصلت لتسعة براهين ساطعة، فحصل العلم واستقر اليقين عند قومه أو ملئه، أو (وهو الأرجح) عنده وعند قومه، إلا أنه واجه اليقين بالجحود ظلما واستكبارا، وواصل الدفاع عن كرسي الحكم والهيمنة حتى آخر المطاف، حتى النهاية، وفي النهاية أسلم وآمن، إلا أن هذه التوبة في لحظة الفراق لا تنفع، فمات مسلما فاسدا ظالما، وكان يوم القيامة من المقبوحين. و السؤال إذن: هل فرعون مؤمن أم كافر عند الله؟ لا ندري.
أما كفره بموسى قبل إسلامه فموضوع يؤدي إلى البحث في مفهوم (الكفر). والكفر مثل الإيمان بالمفهوم القرآني، وبتوظيف القرآن لمادة ك.ف.ر ، و مادة أ م.ن، غير الإصطلاحات الدوغمائية (العقائدية) و الكلامية، المستحدثة.
من سورة النمل
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ۖ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
الظاهر في الآية 14 من سورة النمل هو أن فرعون وقومه معاََ كفروا لأنهم 1. علموا بالآية البينة وأنها كذلك، و 2. حصل العلم بيقين قلبي، ثم 3. تبع هذا العلم التكذيب الملازم للجحود والكبر والظلم. فهذا كفر، أما في الدوغمائيات و اللاهوتيات الكلاميات فما زالت هناك أسئلة حول معنى الإيمان، وتحقق المعرفة، وفهم الحجة، وشروط إقامتها، وشروط قيامها،، وشروط فهمها، وهلم جرا..
دليل إسلام فرعون من القرآن:
من سورة يونس
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.
لكن هل تنفعه التوبة وقد كان من قبل من المفسدين؟ الجواب: لا، والدليل من القرآن الكريم.
من سورة النساء
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
لذلك كان في يوم القيامة من المقبوحين. فهل مات على الكفر ؟ ظاهر الآية 90 من سورة يونس أنه أسلم ونطق الإيمان في الدنيا. فلم يمت فرعون وهو كافر، بل مات وهو مسلم مفسد مستكبر ظالم. فهل ينفعه هذا الإيمان في يوم الآخر، فينجو من العقاب؟ لا، والدليل من الآية الأخيرة في سورة غافر. الكافر في الدنيا، الذي يؤمن في آخر لحظة، لن ينفعه الإيمان وسوف يلقي مصير المقبوحين لأنه لا توبة للذين يعملون السيئات عند لحظة الفراق.
من يرى غير ما ذكرت، فليفهمنا وليعلمنا بالدليل البين، من القرآن الكريم، بعد تحرير مفهوم الكفر، ونقد جزئيات ما تقدم حول الكفر، وكفر واسلام وفسوق فرعون. والشكر موصول مسبقا، لكل أخ أخت يحاور بادب واخلاق، في جو من الأحترام أتمنى توفره في الشريط المفتوح للحوار.
والحمد لله على نعمة ( إقرأ ).