مرجعية السيستانى والسياسة- الحلقة الأولى
نبيل الحيدرى -
السيستانى هو رجل دين إيرانى ينسب لقبه إلى مدينة سيستان (السنية) الإيرانية على الحدود الأفغانية فى أقصى الحدود التى لايوجد فيها أحد غيره فى الحوزة ليبتعد عن أسئلة جذوره وأصله. وهو يذكرنا بحديث محمد حسين فضل الله وعباس الخوئى وغيرهما فى كيفية وصول أشخاص مجهولون إلى المرجعية الشيعية العليا
حاشية المرجع من أولاده وأرحامه والمستفيدون منه ماديا وسياسيا وسلطويا من وكلائه المتعددين والسياسيين الفاسدين الكثيرين، كلّهم يطبّلون صباح مساء ليلا ونهارا فى مديحه وثنائه وتقديسه والتسبيح بحمده وكأنه إله والعياذ بالله منهم جميعا فهم يرفعونه إلى درجات العصمة والتقديس ويمنعون ويحاربون أى نقد له ولفكره وتاريخه وسلوكه خصوصا والمرجعية وأنّ حاشيتها تملك الملايين وتشترى الضمائر الكثيرة
كانت المرجعيات الشيعية على قسمين أولهما كلاسيكى تقليدى يعنى بالفقه وأصول الفقه فى كيفية استنباط الحكم الشرعى من مصادره كالقرآن والحديث دون أن يؤمن بالعمل السياسى والإجتماعى حيث أنها من مختصات الإمام المهدى المنتظر خروجه فى آخر الزمان بعد غيابه منذ ما يقرب الألف عام خوفا من المعتمد الخليفة العباسى (رغم أن أكثر الشيعة آنذاك لم يؤمنوا بولادته ولم يروه فانقسم الشيعة إلى 14 فرقة، منها 13 لاتؤمن بهذه الولادة الغريبة أصلا كما فى كتاب فرق الشيعة للفقيه الشيعى النوبختى فى القرن الثالث الهجرى). ولايجوز مزاحمة الإمام المهدى فى مقامه بناءً على الروايات المنسوبة للإمامين الباقر والصادق فى أن كل راية تظهر قبل ظهوره فصاحبها طاغوت وتكون وَبَالاً وشرّاً على الشيعة وهكذا كان الشيعة لمئات السنين إخباريين ينقلون الأحاديث ويحرّمون الإجتهاد والتقليد ومرجعيات التقليد وهم ينقلون أحاديث جعفر الصادق (من قلّد فى دينه هلك) وتحريمه للإجتهاد والتقليد واعتباره كإبليس فى القياس وهو محرّم عند الإمام جعفر الصادق
المرجعية الكلاسيكية لاتؤمن بالعمل السياسى نظريا ولا تمارسه عمليا وتحتجب عن الإنظار فى غيبوبة التقيه حتى لايتميز الحق من الباطل وهى أكثر المرجعيات الفارسية التى حكمت النجف خصوصا (بدعوى فيها مرقد الإمام على والصحيح أنه مات فى مسجد الكوفة ودفن فى الكوفة وليس النجف) بما يصطلح خطأ المرجعية العليا (وهو اصطلاح نشأ بظروف معينة وفق أجندة معينة لدعم أولاد المرجع أباهم مقابل المرجعيات العربية الأخرى الحقيقيية). الخوئى (1899-1992) الذى عاصرناه يعدّ من المرجعيات الكلاسيكية فهو لايؤمن بالعمل السياسى ولا يمارسه ولا يعتقد بأهلية الفقيه لذلك وكتبت عنه مقالى السابق
القسم الثانى من المرجعيات تؤمن بالعمل السياسى والإجتماعى ويكون موقفها واضحا وصريحا وهى تختلط بالناس وتقابلهم بلا حواجز وتخرج للنور فى فتاواها وتصديها وخطابها العلنى بنفسها وشخصها صريحا مثل المرجع العربى من الكاظمية فى بغداد محمد باقر الصدر (1935-1980) حيث آمن بالعمل السياسى والإجتماعى ومواكبة حركة المجتمع واحتياجاته كما كتب فى السياسة والإجتماع والإقتصاد والفلسفة والإستقراء وتصدى فى مجلة أضواء إلى كتابة مقالات سياسية جريئة وقيادة حركة جماعة العلماء وإصداره الفتاوى السياسية ضد حزب البعث الحاكم ورعايته المباشرة لمختلف النشاطات الإجتماعية والسياسية الكثيرة ولقاءاته المستمرة بالناس وبياناته السياسية والإجتماعية الكثيرة وحتى رسالته العملية (الفتاوى الواضحة) بسيطة واضحة سهلة بعيدة عن الإصطلاحات التعقيدية… ثمّ نقد الصدرُ المرجعياتِ الفاسدة وكتب (المرجعية الرشيدة والصالحة) وهو يدعو إلى تحويل المرجعية من فردية فاسدة إلى مؤسسة رشيدة والإستفادة من الإختصاصات فى مختلف الميادين
ثم تلميذه محمد محمد صادق الصدر (1943-1999) الذى قاد صلاة الجمعة فى الكوفة ووكلاؤه فى المناطق الأخرى وتصديه المعهود لمختلف النشاطات واللقاءات الإجتماعية والسياسية، وكتبه فى المواضيع المختلفة والمتنوعة، وتقسيمه للمرجعية إلى قسمين: المرجعية الصامتة أمام جميع المشكلات الإجتماعية والسياسية ومختلف الإحتياجات، والقسم الثانى المرجعية الناطقة المتحركة حول مختلف الإحتياجات السياسية والإجتماعية وغيرها.كما قام الصدر بنقد السيستانى كثيرا واعتبر مرجعية السيستانى صامتة ساكتة ليس لها أى دور إيجابى فى ما يحتاجه المجتمع بل سلبى متهماً السيستانى بارتباطه بالنظام الصدامى، وفعلا كان السيستانى معروفا بالفتاوى الجاهزة للنظام حتى آخر رحيله 2003
أمام هذين الإتجاهين الواضحين يظهر موقف ثالث ضبابى غريب وخطير جدا بين الموقفين وهو مرجعية السيستانى التى هى من جهة بنت المرجعية الكلاسيكية لأستاذه الخوئى وأمثالها المعروفة بعدم إيمانها بالعمل السياسى إطلاقا فقها وفكرا وتاريخا ورسالتها العملية الفقهية (منهاج الصالحين) هى نفس رسالة الخوئى (منهاج الصالحين) بتغييرات بسيطة. وهى أيضا صامتة كما نعتها الصدر الثانى فينبغى لها حينئذ نتيجة لكل ما آمنت به هو عدم التدخل أصلا فى العمل السياسى وعدم لقاء القيادات السياسية فى الداخل والخارج والإبتعاد عن غير اختصاصها تماما وهى فارسية بحتة بعيدة عن العراق وهمومه وتطلعاته وحتى لغته فى درسه بالفارسية ولايجيد العربية رغم طول فترة إقامته ومصادر الشريعة من القرآن والحديث هى باللغة العربية. لكن العجيب الغريب أنها بدأت تمارس أقصى الدور السياسى فيما هو أشبه بولاية الفقيه إلى حد كبير حيث باتت قراراتها الخطيرة وإرشاداتها ولقائها بأكبر السياسيين فى الداخل رؤساء الكتل والزعامات السياسية وكذلك الخارج كممثل الأمم المتحدة والجامعة العربية وغيرهما وتصدرها أمورا كثيرة تتعلق بالعراق ومصيره كالإنتخابات والدستور والعملية السياسية بل دورها فى تشكيل الإئتلافات الشيعية الطائفية الفاسدة الحاكمة منذ ائتلاف 555 وصورة السيستانى عليه، وتكوينه والفتاوى فى وجوب انتخابه، حتى لايحصل السنة على الكعكة وما يشيعه وكلاؤه وحاشيته وخطباء الحسينيات وكذلك التحالف الشيعى (الوطنى) الذى تشكل بعد الإنتخابات لمنع علاوى وكتلته العراقية الفائزة بأعلى أصوات وحجبها من الحصول على حقوقها باعتبارها قائمة سنية كما زعموا ويبدو أن الإجتماع فى بيت السيستانى وبرعاية نجله محمد رضا السيستانى لجمع الأحزاب الشيعية وتكوين التحالف الشيعى وبرعاية إيرانية من ممثل ولى الفقيه وإضافة قائمة إيرانية وما تسمى (المحسوبون على المرجعية) وهى رجالات عرفت بولائها لإيران وصار لهم الدور البارز فى العراق المنكوب وفساده الكبير
كما شرح بريمر فى كتابه (سنتى فى العراق) العلاقات والتعاون مع السيستانى من خلال وسائط معينة وشكره وامتنانه للخدمات والتعاون. لذلك كان السيستانى له الدور الكبير فى تخدير الشيعة في الكثير مما وصل إليه العراق من فساد وظلم واستغلال. يبدو أن الوسطاء بين السيستانى والأمريكان مثل عبد العزيز الحكيم وأحمد الجلبى وموفق الربيعى وعادل عبد المهدى ومحمد بحر العلوم وحسين إسماعيل الصدر وعماد ضياء الخرسان. ويقول بريمر أنه تسلم ما يقرب 30 رسالة كما ذكر بعض المصادر أعلاه ويذكر رسالة من السيستانى وفيها أن المرجع (معجب ببريمر وهو يقدر الفرصة للعمل معك من أجل مستقبل العراق) كما يبدو أنه لايريد الإتصال مباشرة لأنه يضر بسمعته لكنه من خلال وسائط كعماد الخرسان وموفق الربيعى وحسين الصدر أعلاه
كما أنّ عادل عبد المهدى أعلن مرة فى واشنطن أنه يحمل رسالة من السيستانى إلى الرئيس الأمريكى وقبلها يتحدث البعض عن رسالة حملها عبد العزيز الحكيم من السيستانى إلى الرئيس الأمريكى عندما ذهب الحكيم مع بعض مجلس الحكم وطلب الأنزواء مع الرئيس الأمريكى بعيدا عن الأعضاء الآخرين رغم أنّ إضافة الحكيم للوفد كانت فى اللحظات الأخيرة للوفد، والحكيم معروف بعلاقاته التاريخية القوية والمصيرية مع الخامنئى ونظامه الإيرانى والأجندة الإيرانية
كما أن حسين إسماعيل الصدر وكيل السيستانى (بيت السلام والحوار الإنسانى ومؤسسات كثيرة ظهرت بعد 2003 ولم يكن يمتلك شيئا قبلها أبدا) قد اشتهر بولائمه وقبلاته للسفير الأمريكى والحاكم المدنى للعراق بول بريمر ووزير الخارجية الأمريكى كولن باول واستقبالهم الفخم وغيرهم
وللحديث صلة فى الحلقات القادمة
كاتب عراقى
[email protected]
http://www.elaph.com/Web/opinion/201...?entry=opinion