بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام أبو حامد الغزالي
رحمه الله تعالى وغفر له
( روي أن أبا حنيفة رحمة الله عليه قال لداود الطائي : لِمَ آثرت الإنزواء ؟ ،
قال : لأجاهد نفسي بترك الجدال ،
فقال : احضر المجالس ، واستمع ما يقال ، ولا تتكلم ،
قال : ففعلت ذلك ، فما رأيت مجاهدة أشد علي منها .
وهو كما قال ؛ لأن من سمع الخطأ من غيره ، وهو قادر على كشفه ؛ يعسر عليه الصبر عند ذلك جداً ،
ولذلك قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ تَرَكَ المراء وهو محق ؛ بنى الله له بيتاً في أعلى الجنة )) ؛ لشدة ذلك على النفس .
وأكثر ما يغلب ذلك في المذاهب والعقائد ؛
فإن المراء طبع ، فإذا ظن أن له عليه ثواباً ؛ اشتد عليه حرصه ، وتعاون الطبع والشرع عليه .
وذلك خطأ محض ، بل ينبغي للإنسان أن يكف لسانه عن أهل القبلة ، وإذا رأى مبتدعاً ؛ تلطف في نصحه ، في خلوة ، لا بطريق الجدال ؛
فإن الجدال يخيل إليه أنها حيلة منه في التلبيس ،
وأن ذلك صنعة يقدر المجادلون من أهل مذهبه على أمثالها لو أرادوا ، فتستمر البدعة في قلبه بالجدل وتتأكد ،
فإذا عرف أن النصح لا ينفع ؛ اشتغل بنفسه وتركه .
وكل من اعتاد المجادلة مدة ، وأثنى الناس عليه ، ووجد لنفسه بسببه عزاً وقبولاً ؛
قويت فيه هذه المهلكات ، ولا يستطيع عنها نزوعاً .
إذ اجتمع عليه سلطان الغضب ، والكبر ، والرياء ، وحب الجاه ، والتعزز بالفضل .
وآحاد هذه الصفات ؛ يشق مجاهدتها ، فكيف بمجموعها ؟!! )