تحليل: زيارة روحاني لأميركا نجاح لوساطة السلطان قابوس
الرئيس الإيراني الجديد أمامه ملفات كثيرة ومعقدة تركها سلفه أحمدي نجاد
الرئيس الإيراني حسن روحاني والسلطان قابوس
جاءت زيارة كل من السلطان قابوس ووكيل الأمين العام للشؤون السياسية، جيفري فلتمان، لطهران الشهر الماضي، لتثير زوبعة في فنجان الإعلام العالمي، المتربص لأي انفراج ممكن بين الولايات المتحدة وإيران.
السلطان قابوس كان أول رئيس دولة يزور العاصمة الإيرانية بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية، والزيارة في الأساس كانت لبحث شؤون ثنائية من طاقة وخلافه، لكن الدور الذي اضطلعت به مسقط في السابق فيما بدا أنه وساطة بين إيران والغرب، طرح علامات استفهام عدة حول إمكانية حمله رسالة إلى الرئيس الجديد من قبل الرئيس أوباما.
وما يسمح لعُمان بلعب هذا الدور مع إيران هو العلاقات الممتازة والثابتة بين السلطنة وإيران، قبل الثورة الإسلامية وبعدها، فالعلاقات التاريخية بين البلدين ممتازة، وحتى مؤخراً لم تنس مسقط دعم طهران لتمكينها من القضاء على ثورة يسارية، ولم تنس طهران جميل عُمان بعدم قرع طبول الحرب مع سائر دول الخليج ضدها خلال حرب الخليج الأولى.
علاقات طيبة ومصاهرة بين البلدين جعلتهما على أحسن وفاق، أضف إلى ذلك وجودهما المتقابل على ضفتي مضيق هرمز، فيصبح الأمر مفهوماً وواضحاً. السلطان قابوس لم يكن بحاجة إلى حمل رسالة معيّنة من واشنطن. فالكلام هنا كثير عن إمكانية أن يكون بالفعل نقل الرسائل التي أعلن عن تبادلها بين الرئيسين الأميركي والإيراني بعيد انتخاب الأخير.
وإن لم يكن من الممكن التأكد من ذلك، فمن المستبعد أن يكون مضمون هذه الرسائل قد تعدّى العموميات اللطيفة من تهئنة وتمنيات، فكل طرف يعرف ما يتوقعه الآخر منه، ولا داعي للإسهاب بأي عروض محددة قبل أن تتأكد النوايا الطيبة.
وهذا ما قد يكون فحوى الرسالة الأميركية، التي جسّدتها أيضاً بما قامت بها وزارة الخزينة الأميركية عندما أعلنت بعد انتخاب روحاني بأيام رفع قيود العقوبات على تصدير الأدوية والمعدات الطبية إلى إيران.
لكن إيران بحاجة إلى أكثر من ذلك، فهي مثلاً بأمسّ الحاجة إلى العودة إلى تصدير نفطها، واستئناف وصولها إلى النظام المالي العالمي، من تحويلات واستثمارات، وإلى التكنولوجيا النفطية لزيادة إنتاجها من البنزين الذي تستورد نصف استهلاكها منه... إلخ. وكل هذه الأمور بعيدة المنال في الوقت الحاضر، إنما ما هو ممكن هو خطوات صغيرة تبدأ في خلق جو من الثقة المتبادلة.
فإيران ذهبت بعيداً في خطابها المعادي للولايات المتحدة، وجعلت منه جزءاً من أيديولوجيتها، متخطية بذلك المناورة الظرفية التي يمكن الرجوع عنها بسرعة. وطهران، أكثر من واشنطن، هي التي بحاجة لوقت لإعادة صياغة خطابها السياسي تجاه واشنطن، وإزالة ما هو غير مناسب منه لبناء العلاقة الجديدة. هذا لن يمنع إشارات أخرى قد تحصل في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، من لقاء بالصدفة مثلاً، أو مصافحة عابرة يمكن الادعاء بعدها بأنها كانت بنت لحظتها إذا أثارت ردوداً غير مرحبة، أو فُسّرت في غير مكانها.
- زيارة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فلتمان، من جهتها، نالت انتباهاً أكثر بسبب تاريخ فلتمان في وزارة الخارجية الأميركية عندما كان مساعد الوزيرة كلنتون لشؤون الشرق الأدنى، وقبلها في السفارة الأميركية في بيروت، والأجواء المتوترة التي طغت في تلك الفترة. من المرجح أن تكون زيارة فلتمان استطلاعية، وفي إطار مسؤولياته الجديدة في الأمانة العامة للأمم المتحدة، فموقعه كمساعد للأمين العام للشؤون السياسية يجعل منه الرقم 2 عملياً في صياغة المبادرات التي تقوم بها المنظمة الدولية، وهو من يقوم بالحمل الثقيل في صددها.
ومن المرجح أن يكون سبب زيارته جس نبض الرئيس الإيراني الجديد في ما يتعلق بمستقبل مفاوضات إيران النووية مع الخمسة الدائمين في مجلس الأمن زائد ألمانيا، أو مواقف إيران من مواضيع دولية أخرى. قد يتم إطلاع الولايات المتحدة على الأجواء التي عاد بها فلتمان من طهران، كون الولايات المتحدة عضواً في مجلس الأمن، لكن من المستبعد جداً أن يكون زار طهران لحساب الولايات المتحدة، كما اعتقد كثيرون، فهو لم يعد من دبلوماسييها، وهي ليست بحاجة لإظهار أي استعجال لفتح ملفاتها الشائكة مع إيران قبل أن تتأكد من أن الأجواء مؤاتية.
- العلاقات الأميركية الإيرانية بحاجة إلى مزيد من الوقت والاهتمام والرعاية لتبدأ بإعطاء نتائج، ولن ينفع سلق الأمور إذا أريد للحوار بينهما النجاح. وربما كانت بحاجة إلى ما اشتهر به وزير الخارجية السابق هنري كيسينجر في سبعينيات القرن الماضي من تأنٍّ وأخذ الأمور خطوة صغيرة بعد الأخرى لتنجح.