مَن بدأ الحرب العراق ام ايران 3
إيران ترفض كل محاولات الصلح وقرارات إيقاف إطلاق النار
1. في الأسبوع الأول - وتحديداً في (28/9/1980) - أصدر مجلس الأمن قراراً دعا فيه إيران والعراق إلى وقف الحرب بينهما، وحل خلافاتهما بالطرق السلمية، وافق العراق على القرار، لكن الجانب الإيراني رفض الدعوة. كما رفض الموافقة على جميع القرارات اللاحقة في الشأن نفسه حتى 18/7/1988. كذلك كان يرفض وبإصرار كل العروض والنداءات والدعوات العراقية والوساطات الدولية، التي لم تنقطع قط طيلة مدة الحرب. وما ترك الجانب العراقي مناسبة إلا واستغلها للمطالبة بوقف إطلاق النار، مثل شهر رمضان، أيام الحج، الأشهر الحرم، الأعياد الدينية... إلخ. وأحياناً يعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد؛ علّ الجانب الآخر يرعوي أو يستجيب، ولكن دون جدوى. حتى إن الرئيس صدام دعا الخميني إلى أنه سيتعاون معه لتحقيق شعاره في تحرير بيت المقدس، ويفتح له طريقاً إليها من شمال العراق بدل كربلاء، ويشترك معه في حرب التحرير هذه. وهي أحسن وسيلة لإنهاء الحرب. إلا أن الملعون رفض هذا العرض أيضاً؛ فظهر لكل عاقل كذب شعارات الفرس، وأنها مجرد كلمات جوفاء لمخادعة البسطاء. وبهذا تتبخر تخرصات حامد الجبوري ودعاوى أحمد منصور، التي صوروا بها الأُمور على الضد تماماً من الحقيقة التي كانت عليها.
2. لم تتوقف عجلة الحرب إلا بعد الانهيارات المتتابعة للجيش الإيراني وهزائمة التي تلاحقت بعد معركة تحرير الفاو؛ فاضطر الخميني اضطراراً، وأُرغم إرغاماً على القبول بقرار مجلس الأمن (579) في (18/7/1988) الداعي إلى وقف القتال بين الطرفين، وانسحاب القوات العسكرية إلى داخل حدودها الوطنية.
3. عبَّر الخميني (لع) عن شعوره وهو يوافق مضطراً على وقف إطلاق النار بين البلدين فقال: "أشعر كأني أتجرع كأس السم"! إن هذا الشعور الشيطاني المقيت، والإصرار على استمرار الحرب طيلة ثماني سنين لا يمكن بحال أن يكون صاحبه اضطر للقتال دفاعاً عن وطن مهدد، أو ردة فعل على اعتداء خارجي، إن هذا لا يعني سوى شيء واحد هو النية المبيتة على الفعل، والرغبة فيه إلى حد الشبق والشهوة الشاذة العارمة.
4. لو افترضنا جدلاً أن بداية الحرب كانت من العراق، فإن العراق وافق على قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار الذي صدر في الأسبوع الأول لانطلاقها، وعرض على إيران إنهاء العمليات العسكرية الجارية، والانسحاب إلى داخل الحدود العراقية. لكن إيران رفضت القرار الدولي، ولم تستجب للعرض العراقي. وعليه فإن إيران قطعاً وجزماً تتحمل مسؤولية استمرار الحرب؛ لأنها الجانب الوحيد الذي أصر على استمرارها طيلة تلك المدة المتطاولة، رافضاً كل القرارات التي صدرت من مجلس الأمن، والدعوات والعروض الأخرى لإيقافها على مدى ثماني السنوات سواء كانت عراقية أم عربية أم إسلامية أم عالمية.
دعوى عارية عن الدليل.. مستندة إلى أكاذيب
أما دعوى إيران بأن العراق هو البادئ بالحرب، فهي مجرد دعوى لا تسندها أي معطيات على أرض الواقع. وهذا هو شأنهم دائماً، حتى في عقائدهم التي فارقوا بها المسلمين مثل (الإمامة) و (العصمة). والذي ينشط ذاكرته ليستعيد البيانات العسكرية الإيرانية الأولى يعجب من حجم الأكاذيب غير المعقولة التي كانت تصبغها. ففي كل بيان يصدر يدّعي الطرف الإيراني أنه استولى على أرض عراقية جديدة، حتى علق أحد الأصدقاء يوماً فقال: "لو جمعنا هذه البيانات إلى بعضها لكانت القوات الإيرانية الآن تكاد تصل إلى حدود الأردن"..! وهذا في الشهور الأولى لأيام الحرب. بينما الحقيقة الشاخصة في ميادين المعارك على العكس من ذلك، فالعراق هو الذي كان يرابط داخل الأراضي الإيرانية. ثم بعد مدة انتبه الإيرانيون إلى ما تشكله هذه البيانات الكاذبة من فضائح فصاروا يخففون منها.
تعتمد إيران في تعزيز دعواها على رسالة وجهها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة خافير ديكويلار إلى رئيس مجلس الأمن في (9/12/1991) يحمّل فيها العراق مسؤولية شن الحرب على إيران. ولم تجد سنداً غير هذه الرسالة لتتقدم بطلب إلى صندوق النقد الدولي في (أيلول 2004) تطالب فيه بتعويضات مقدارها (97,2) مليار دولار. واستندت في طلبها هذا إلى اعتبار العراق البادئ بالحرب، وأنه يتحمل مسؤوليتها. وسلم وزير الخارجية الإيراني إلـى وزير خارجية العراق في (27/5/2006) ملفاً يحتوي على لائحة اتهام ضد الرئيس صدام حسين وقيادة العراق السابقة، لتقدم إلى المحكمة الجنائية العراقية العليا بهدف تجريم هؤلاء المسؤولين والعراق بتهمة شن الحرب على إيران.
تبين لاحقاً - بما لا يقبل الشك - أن الرسالة المذكورة جزء من صفقة الإفراج عن الرهائن المدنيين الأمريكيين الذين اختطفتهم جماعة من (حزب الله) في لبنان بين سنتي (1985 و 1988). وقد كشف عن هذه الصفقة وتفاصيلها جياندورمي************و بيكو Giandormenico Picco وكيل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، في مذكراته (Man Without a Gun: One Diplomats Secret Struggle to Free, Fight Terrorism, and End a War, New York Times Books, Random House, 1999 the Hostages رجل بلا بندقية: كفاح سـري لدبلوماسي من أجل الإفراج عـن الرهائن ومحاربة الإرهاب وإنهاء حرب)([1]).
وذكر لي بعض المطلعين على الموضوع أن الصفقة تضمنت - إضافة إلى الإفراج عن الرهائن - رشوة كبيرة دفعت لديكويلار من أجل استحصال تلك الرسالة منه.
بهذه الطريقة تزور إيران الحقائق، وتشوه الوقائع، وتكتب التأريخ. ثم تدفع بآلتها الإعلامية الضخمة لتمارس دورها في تثبيت أكاذيبها اعتماداً على قاعدة (كل مكرر مقرر)، وقاعدة (اكذب اكذب حتى يصدقك الناس). وبين خبيث مزور، وساذَج يفرج بين قدميه ويضع رأسه بين ركبتيه، تضيع القضية العادلة حين لا تجد لها في قاعة المحكمة من يدافع عنها غير المحامين الفاشلين.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) مقال بعنوان الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق وأثره في العلاقات العربية - الإيرانية، الدكتور علي محافظة، صحيفة الدستور الاردنية، 25/ جمادى الآخرة /1429، 29/6/2008. ومقال بعنوان (للعراق كل الحق في مطالبة إيران بتعويضات الحرب.. تذكير على ماورد من تصريحات الدجال رفسنجاني بمطالبة العراق تعويضات حرب الخليج) للدكتور عبد الواحد الجصاني، منشور على موقع (الرابطة العراقية) بتأريخ 23/7/2008.