1- يقول علامتهم ابن المطهر الحلي في كتابه ( نهج الحق ) ص 164 :[ ذهبت الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء ، في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش ، من الصغر إلى الموت ، عمدا وسهوا ، لأنهم حفظة الشرع ، والقوامون به ، حالهم في ذلك كحال النبي ].
2- يقول علامتهم محمد باقر المجلسي في رسالته ( عقائد الإسلام ) ص 55 :[ ثم لا بد أن تعتقد في النبي ( ص ) والأئمة (ع) بأنهم معصومون من أول العمر إلى آخره من صغائر الذنوب وكبائرها ].
3- يقول علامتهم محمد رضا المظفر في كتابه ( عقائد الإمامية ) ص 104 :[ ونعتقد أن الإمام يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، من سنّ الطفولة إلى الموت ، عمداً وسهواً ، كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان ].
فهذه عقيدة الإمامية بوجوب عصمة الإمام مدى الحياة - من الولادة إلى الموت - والتي رأيتهم يحاولون إثباتها من كتاب الله تعالى بقوله تعالى ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ).
وخصوصا المقطع الأخير منها ( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) مدعين أن من يرتكب الظلم ولو في الماضي ممنوع من تقلد منصب الإمامة ...
مع أن المعنى المتبادر من الظالم هو من تلبس بالظلم وقت تصديه للإمامة ، وعليه يكون المعنى الذي ذهب إليه علماء الإمامية هو خلاف ظاهر اللفظ الوارد في الآية ..
ولا شك أن مسلكهم هذا فيه ليٌ لعنق النص ومحاولة مكشوفة للإلتفاف عليه بحمل اللفظ على معنى بعيد عن الظاهر المتبادر منه وهو بحد ذاته طامة وجناية ..
ولكن الطامة الأكبر والجناية الأعظم ليست في هذا التلاعب ، بل في دعواهم أن هذه الآية تدل بكل وضوح على وجوب عصمة مدى الحياة ، وعدوها من أهم وأبرز الأدلة القرآنية التي استقوا منها عصمة الإمام مدى الحياة !!!
فممن صرح بذلك من مراجعهم هما:
1- مرجعهم الكبير وآيتهم العظمى كاظم الحائري حيث قال في كتابه ( الإمامة وقيادة المجتمع ) ما نصه:[ فالآية الشريفة - اذن - تدل بوضوح على عصمة كل من ينال مقام الإمامة منذ اليوم الأول ، ولا بدّ وأن يكون الإمام معصوماً من قَبل الإمامة وبعدها ].
2- يقول مرجعهم وآيتهم العظمى جعفر سبحاني في رده على موضوعي ( إلى صناديد الإمامية .. ) المنشور في موقعه:[ ومن الآيات التي استنتجوا منها عصمة الإمام هي آية إمامة إبراهيم عليه السلام فقد استفادوا من الحوار الدائر بين الله سبحانه وخليله بأن اللائق للإمامة هو الطاهر طول حياته. فلو كان هناك فضل وكرامة فإنما ترجع إلى الحوار وبالتالي إلى الله سبحانه وإلى خليله عليه السلام فحوارهما بمنزلة كلام المعلم والمستفيدون بمنزلة المتعلم ].
فكانت دعواهم تلك - بكون دلالة الآية واضحة على العصمة مدى الحياة وأنها من أبرز الآيات التي صرحت بتلك العقيدة - هي الباعث لي على كتابة هذا الموضوع الذي سأبين فيه أن دلالة هذه الآية على العصمة المطلقة ليست قطعية - كما زعموا - كي يستدلوا بها ، بل ظنية حتى راحوا يستدلوا لها ..
ومدار الموضوع حول مفهوم المشتق الوارد في الآية ( الظالمين ) وهل أنه يدل على من اتصف بالظلم وقت التصدي للإمامة أي من متلبس به وقت التصدي ليبطل استدلالهم بها على العصمة مدى الحياة ؟
أم أن المراد به من كان ظالماً في الماضي وإن لم يتلبس به وقت التصدي للإمامة ؟
وعليه فإني سأسعى في مناقشات موضوعي هذا لإثبات نقطتين هما:
1- أن دلالة هذه الآية ظنية تحتاج أن يستدل لها ، وليست قطعية كما زعم مرجعهم كاظم الحائري وجعفر السبحاني ، وتكون العقيدة التي أثبتوها قائمة على الظن وليس القطع واليقين.
2- أن المعنى الظاهر والمتبادر من لفظة ( الظالمين ) هو من تلبس بالظلم وقت التصدي وليس قبله ، وعليه فإن ما حاولوا إثباته هو ظن بعيد يخالف المعنى الظاهر من الآية.
فإن كان ما أثبتوه هو مجرد ظن وليس قطع فهو لوحده كافٍ لإثبات خيبتهم وإفلاسهم من هذه الآية ..
فكيف إذا أثبتنا زيادة عليه بأنه ظن بعيد مرجوح يخالف ظاهر الآية والمعنى المتبادر منها ؟!!!
وإليكم بيان ذلك الإفلاس بعدة مناقشات وكما يلي:
المناقشة الأولى:أن أرضية استدلالهم وهي عموم المشتق وقع النزاع فيها ولم يحصل اتفاقهم عليها
بمعنى أنهم لم يتفقوا على كون المراد من الظالم من كان ظالماً وإنما ذهب إليه بعضهم كما بيَّن ذلك علم هداهم المرتضى في كتابه ( الشافي في الإمامة ) ( 3 / 138-139 ) في معرض رده على اعتراض وجهه إليه القاضي عبد الجبار المعتزلي وإليكم نص الاعتراض وجواب المرتضى عنه:[ قال : " وهذا لا يمكن الاعتماد عليه لأن ظاهر الآية إنما يقتضي أن عهده لا ينال الظالم ، ومن كفر ثم تاب أو فسق ثم تاب وصلحت أحواله لا يكون ظالما ، فيجب بحكم الآية أن لا يمتنع أن يناله العهد ، وليس المراد أن الظالمين لا ينالون العهد وإن خرجوا من أن يكونوا ظالمين ، وإنما المراد في حال ظلمهم كما إنه تعالى لما قال : ( وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ) فالمراد بذلك في حال إيمانهم.
يقال له : قد اعتمد بهذه الآية التي ذكرتها قوم من أصحابنا والاستدلال بها مبني على القول بالعموم ، وأن له صيغة يقتضي ظاهرها الاستغراق ، فمن لا يذهب إلى ذلك من أصحابنا لا يصح له الاستدلال بهذه الآية في هذا الموضع ، ومن ذهب إلى العموم منهم صح له ذلك ].
فتأمل كيف اعترف بأن بعض الإمامية ذهب إلى أن المراد بالظالم من وقع منه ظلم في الماضي ، بينما خالفه البعض الآخر بكون المراد به من كان ظالماً وقت التصدي وليس قبله ، فبناءاً على رأي الفريق الأخير - وهو الموافق لظاهر الآية - لا يصح الاستدلال بها على وجوب عصمة الإمام من الظلم مدى الحياة.
وهذا يثبت بكل وضوح أن أصل الاستدلال قائم على مسألة اختلف فيها علماء الإمامية فضلاً عن غيرهم ليعطي دليلاً صارخاً بأن كل ما بنوه من فهمٍ للآية هو ظني مُتنازَعٌ فيه بين علماء الإمامية !!! ليثبت صحة كلامي بأن دلالة الآية ظنية يستدل لها وليست قطعية يستدل بها كما زعم ذلك مرجعهم الحائري والسبحاني.
وسأعرض باقي المناقشات عن المشتق تباعاً إن شاء الله تعالى.