قصة هسام "صاحب المقالب" بجريمة اغتيال الحريري
الحلاق وعضو الاستخبارات الكردي السوري يظهر
شبيها بـ "غوار الطوشة" بعد غياب 7 سنوات
كما كان "غوار الطوشة" يظهر للمشاهدين كصاحب "مقالب" شهيرة في مسرحيات دريد لحام، هكذا أطل السبت الماضي في فيديو على "يوتيوب" عنصر المخابرات والحلاق السوري، هسام هسام، المعروف بلقب "الشاهد المقنع" وأحيانا "كنز الفضائح" أو "الصندوق الأسود" المتضمن معلومات حاسمة عن قتلة رئيس وزراء لبنان الحقيقيين.
ظهر هسام في الفيديو وسط مجموعة سمت نفسها "كتائب عملية اقتحام دمشق" وقالت على لسان قائدها، أبو علي الروماني، إنها من "الجيش السوري الحر" وستسلمه هدية لرئيس وزراء لبنان السابق، سعد الحريري، لما لديه من معلومات تكشف عن قتلة أبيه.
أما هو فقام بتعريف نفسه بأنه "الشاهد" على قضية الاغتيال وبأنهم "اعتقلوه" عند جسر المزة في دمشق، ثم قال: أنا عندي معلومات. لما جيت لعندكم قلت أوصلوني الى بيروت. فقط أوصلوني الى بيروت وسوف أعطيكم مفاجآت كبيرة، لم تحلموا بها.. فقط أوصلوني الى بيروت.
لكن الغريب هي عبارته "وعندما جئت إليكم" التي استغلها المتحدث باسم الخارجية السورية، جهاد مقدسي، في مؤتمر صحافي عقده أمس بدمشق، فقال إنها توحي بوجود تناقض بحديثه يدل بأنه هو من سلم نفسه ولم يتم اعتقاله. ثم قال مقدسي انه لن يفسد مفاجآت هسام التي أشار اليها في الشريط "انما سننتظر لنرى" على حد تعبيره.
من قرية "تل الخنزير" الى حلاق ومخبر خطير
هسام في جنازة جورج حاوي
وليس مقدسي وحده من شكك بهسام الذي تحدثت "العربية.نت" بشأنه الى وزير الداخلية اللبناني مروان شربل، كما والى عضو "كتلة المستقبل" النائب أحمد فتفت، فقد أبدى فتفت مخاوفه من أن يقوم بمقلب جديد كما فعل حين قدم إفادته قبل 7 سنوات في بيروت للجنة التحقيق بالجريمة ثم تراجع عنها بدمشق ونجح الى حد ما ببلبلة وتضليل التحقيق بجريمة الاغتيال.
وهسام، الذي جمعت "العربية.نت" معلومات عنه من مصادرة متنوعة، هو كردي ولد في 1975 بقرية "تل خنزير فوقاني" في محافظة الحسكة بالشمال الشرقي السوري، ويعتقدون أن والدته زينب حسن هي من الطائفة العلوية ولها غيره 8 أبناء، بينهم 6 بنات ممن ما زال بعضهم يقيم في القرية القريبة 35 كيلومترا من مدينة المالكية عند مثلث حدودي لسوريا مع تركيا والعراق، ومعروفة بقرية "الأربعين مخبرا" لكثرة ما اشتغل أهلها مع الاستخبارات
كما المعروف أنه غير متعلم تقريبا، وبالكاد أنهى المرحلة الإعدادية المتوسطة فقط، ثم التحق في 1996 بالتجنيد الإلزامي، فنقلوه للخدمة لدى الفرقة العاشرة بلبنان، حيث عمل حاجبا لدى اللواء محمد قاسم الشمالي، ومن بعده كحاجب أيضا لدى اللواء عادل زهر.
ثم عاد حين أنهى خدمته في منتصف 1998 الى قريته لفترة قصيرة، انتقل بعدها الى لبنان "بناء على طلب رئيس له سابق بالجيش" وفي بيروت نشط كعنصر مخابرات وأقام عاملا بالوقت نفسه كحلاق، ثم خطب لبنانية كانت برفقته في منطقة لا تبعد أكثر من كيلومترين عن موقع اغتيال رفيق الحريري حين دوّى الانفجار القاتل.
أول "مقلب" من هسام
في مؤتمره الصحفي في دمشق
أول "مقلب" أعده هسام للجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال رفيق الحريري هو إفادة أدلى بها في بيروت ثم تراجع عنها في دمشق، وفي الإفادة قال إنه عمل مع عدد من كبار الضباط السوريين، ومنهم القتيل الأسبوع الماضي، آصف شوكت، ومع رئيس جهاز الاستخبارات سابقا في لبنان، رستم غزالة الذي رافقه قبل يوم من اغتيال الحريري لاستكشاف موقع الجريمة، وعندما سأل غزالة عن سبب الاستكشاف أخبره الأخير بوجود معلومات عن محاولة اغتيال قد يتعرض لها الحريري.
ذكر أيضا أن رئيس جهاز الاستخبارات السورية سابقا في بيروت، العميد جامع جامع، كان ينتظر في سيارته في منطقة قريبة من موقع الجريمة لحظة وقوعها للتأكد من مقتل الحريري، لافتا الى أنه تلقى منه اتصالا قبل ربع ساعة من وقوع الجريمة، طالبا منه ترك المنطقة.
كما ورد في تقرير تضمن اعترافاته بأنه ضابط سابق في المخابرات السورية وانشق عنها، وأن آصف شوكت هو من أعطى الأوامر بتصفية أحمد أبو عدس، الفلسطيني الذي ظهر على شاشة إحدى الفضائيات العربية بعد الجريمة معلنا مسؤولية منظمة أصولية غير معروفة عن جريمة الاغتيال.
بعدها "قصد سوريا في مرحلة معينة ومعه 60 ألف دولار وعقد صفقة مع بعض الضباط، بينهم سميح القشعمي، وعاد بوثائق وتسجيلات ترتبط باجتماعات التحضير لاغتيال الحريري" طبقا للوارد في التقرير.
المقلب الثاني: ينفي في دمشق إفادته في بيروتولم يمر شهر تقريبا على الإفادة إلا وظهر هسام في إحدى الصور التي تم التقاطها لموقع اغتيال القيادي والأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني، جورج حاوي. كما ظهر في صورة ثانية هي التي تنشرها "العربية.نت" مع هذا التقرير، وهو في جنازة حاوي وبين أفراد أسرته، فانكشف أمره واستشعر الخطر وغادر سريعا الى دمشق، وفيها أدلى بمعلومات متناقضة في مؤتمر صحافي أعدته له السلطات السورية.
في المؤتمر الذي عقده في أكتوبر/تشرين الثاني 2005 فاجأ هسام الجميع بمقلب آخر من إعداده حين زعم أن إفادته في بيروت تمت تحت الضغط والتهديد، متهماً هاني حمود، المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بالتزوير. كما زعم أن قيادات في "تيار المستقبل" أغرته بالمال.
وبتراجعه في دمشق عما قاله في بيروت تهاوت معظم حيثيات وموجبات التحقيقات الأولى لأن الافادة احتلت مكانة بارزة في أول تقرير أعده رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة الاغتيال، القاضي الألماني ديتليف ميليس، الذي بنى معظم نتائج استطلاعاته على المعلومات التي أوردها، والتي ما إن تراجع عنها هسام حتى عاد التحقيق الى نقطة الصفر تقريبا.
وفي ذلك المؤتمر الصحافي زعم هسام أيضا أن خطيبته اللبنانية ثروت الحجيري في خطر هي وعائلتها، لكنها أطلت على لجنة التحقيق بمفاجأة قالت فيها إنها ليست كما يزعم وأن اعترافاته السابقة أمام اللجنة هي الصحيحة، ودحضت الادعاءات التي قدمها في مؤتمره الصحافي عن تعرضه للضغط والترغيب والترهيب للإدلاء بمعلومات تدين مسؤولين أمنيين سوريين بالجريمة.
المخابرات تحذره فيهرب من موقع الجريمة
هسام هسام معتقلاً
وأهم ما أوردته ثروت الحجيري خلال الاستماع إليها هو أنه قبيل الانفجار الذي استهدف موكب الحريري بربع ساعة، وفيما كانت تتنزه برفقته في منطقة عين المريسة ببيروت، حيث وقع الانفجار قرب فندق سان جورج، تلقى خطيبها اتصالا على هاتفه الجوال طلب فيه المتصل أن يغادر المنطقة فوراً لأن "انفجارا مزلزلا" سيقع على مقربة منه.
سريعا أخذ هسام بيدها وركضا مسرعين صعودا باتجاه شارع الحمراء، وعندما وصلا الى "طلعة جنبلاط" الواقعة أول منطقة كليمنصو، وهي في منتصف الطريق بين شارع الحمراء وموقع الجريمة، دوّى الانفجار الذي أودى بالحريري و22 آخرين، عندها أبلغها هسام أن العميد السوري جامع جامع هو من اتصل به وأنقذ حياته وحياتها.
ثم كانت الافادة "المقلب" من هسام، وبعدها ظهوره في موقع اغتيال حاوي ومغادرته الى دمشق التي بقي فيها برعاية وحماية سلطاتها غائبا عن الأنظار طوال 7 سنوات تقريبا، الى أن ظهر "معتقلا" ومتحدثا السبت الماضي في الفيديو الذي طلب فيه نقله الى بيروت ليأتيها كما وعد بـ "مفاجآت" تتعلق بالكشف عن ذيول وملابسات الاغتيال.
وسألت "العربية.نت" وزير الداخلية اللبناني، مروان شربل، عما إذا كانت السلطات اللبنانية ستعتقل "الشاهد المقنع" حال وصوله الى بيروت (من تركيا كما يقال) فذكر عبر الهاتف من بيروت أنه يشك بوصوله بالسرعة التي يتصورها البعض، وقال إن القضاء اللبناني هو المكلف بقضيته، وسيحقق معه عند وصوله وقد يقوم بتسليمه مباشرة للمحكمة الدولية التي تقرر مصيره.
أما النائب أحمد فتفت، فقال عبر الهاتف أيضا ان "حركة 14 آذار" لن تتعاطى مع هسام "ولا أتصور أن الشيخ سعد (الحريري) سيتعاطى شخصيا بقضيته أيضا". ثم شكر الجيش السوري الحر على البادرة بتقديمه كهدية، وقال: "لكن هسام غير مطلوب من القضاء اللبناني وبإمكانه أن يدخل لبنان متى أراد، والأفضل أن يبقوه معهم حتى تتسلمه الأجهزة المسؤولة" وفق تعبيره.
ردود الفعل على "مفاجآت" هسام
الانفجار الذي أودى بالحريري
الانفجار الذي أودى بالحريري وراجعت "العربية.نت" ردود الفعل من سياسيين لبنانيين آخرين على طلة "الصندوق الأسود" الجديدة بعد 7 سنوات من الغياب عن مسرح الجريمة، وممن شكك بهسام هو النائب جمال الجرّاح، من "كتلة المستقبل" أيضا، فشدد على ضرورة التأكد من أن اعتقاله تم فعلا على أيدي "الجيش السوري الحر" ولم يكن مفبركا من النظام السوري" بحسب ما قال أمس الاثنين لإذاعة "صوت الفجر" المحلية اللبنانية.
كما حذر النائب مروان ن حماده من "أن لا يتحفنا هسام هسام مجددا بأكاذيب من النوع التي أدلى بها سابقا في بيروت ودمشق، لأنه محترف كذب من الدرجة الأولى وثبت أنه يعمل مع المخابرات السوريّة" على حد تعبيره لاذاعة "صوت لبنان" مضيفا ان إلقاء القبض عليه مهم جدًا للمحكمة الدولية.
وشكك النائب بطرس حرب بأهمية ما سيقدمه هسام، وقال إن ما تم الإعلان عنه حتى الآن لا يعني شيئًا لأن المهم أن يمثل أمام المراجع المعنية في لبنان أو لدى المحكمة الخاصة. والنائب حرب هو آخر الناجين من محاولة اغتيال استهدفته الشهر الماضي بعد فشل محاولة تفخيخ المصعد الذي يؤدي الى مكتبه في منطقة بدارو في بيروت.
ودعت التي يصفونها بـ "الشهيدة الحية" وهي الإعلامية اللبنانية مي شدياق التي حاول هسام دخول غرفتها في المستشفى بعد نجاتها في أواخر 2005 من محاولة اغتيال، مدعياً أنه يعمل لدى الانتربول، الى تسليمه للمحكمة الدولية.
كما طالب عدد من الصحافيين اللبنانيين في مقالات لهم عنه بضرورة سؤاله عمن ورطه من المسؤولين السوريين ليتعمد تقديم معلومات ضللت التحقيق في إفادته الأولى ببيروت، فيما كتب آخرون أن المحكمة الدولية باغتيال الحريري تجاوزت مرحلة هسام عبر إصدارها أحكاما ضد 4 من عناصر حزب الله، ممن لا زالوا يسرحون ويمرحون بحماية الحزب وبعيدا عن أي اعتقال.
**************