بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبهِ أجمعين , ورضي عن الصحابة المتقين وجعلنا بجانبهم إلي جانب النبي صلى الله عليه وسلم , سائل المولى عز وجل أن يغفر لنا بما نعمل وأن يجعلنا من المخلصين .
إختلط على بعض الأخوة هذه القصة , وأرادوا توجيه القصة إلي الصواب وقد تأخرت في الرد لما أملك من الوقت الضيق لأرد عليهم , ولكن نسأل الله تبارك وتعالى أن يسددنا وأن يغفر لنا ذنبنا وأن يهدينا إلي سواء السبيل , في تيسير شرح القصة وتوجيهها بحول الله وقوتهِ , وسنقسم البحث إلي الإشكالات المطروحة بحول الله وقوتهِ .
أولاً : الجمع بين رواية الجهاد ورواية التي أقيم فيها الحد على الوليد بن عقبة .
قال الذهبي في تاريخ الإسلام ج2-ص380 : ( وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنَّا فِي جَيْشٍ بِالرُّومِ ، وَمَعَنَا حُذَيْفَةُ، وَعَلَيْنَا الْوَلِيدُ، فَشَرِبَ الْخَمْرَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَحِدَّهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَتُحِدُّونَ أَمِيرَكُمْ وَقَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، فَبَلَغَهُ فَقَالَ:لأَشْرَبَنَّ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً ... وَأَشْرَبَنَّ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رغما ) .
ففي الخبر قولهم " فأردنا أن نحدهُ " قال زيد بن وهب : قيل لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا فقال : إنا قد نهينا عن التجسس فإن يظهر لنا شيء نأخذه به , وإعلم علمني الله تعالى وإياك أن هم الصحابة بإقامة الحد على الوليد بن عقبة , فإن هذا دليل على عدم قبول الصحابة هذا من الصحابي وهو من صغار الصحابة الوليد بن عقبة , فقد طعنت الرافضة بأكابر الصحابة رضي الله عنهم , وإعلم علمني الله وإياك أن أهل الكوفة أهل فتن فقد إتهموا سعد بأنه لا يحسن الصلاة فكيف بمن غير سعد رضي الله تعالى عنهُ , في الأثر يبين أن الصحابة هموا في إقامة الحد ولكن الحرب منعتهم , وسنصل بحول الله وقوتهِ للتبيان أكثر .
وللحديث طرق أخرى بنفس الإسناد ففي المغني : " وعن علقمة قال : كنا في جيش في أرض الروم ومعنا حذيفة بن اليمان وعلينا الوليد بن عقبة فشرب الخمر فأردنا أن نحده فقال حذيفة : أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعوا فيكم " . فهذا اللفظ فيه أنه لم يصر على الكبيرة , ولم يصر على شرب الخمر بل إنتهى إلي قوله أتحدون أميركم , فقد كان الوليد بن عقبة أميراً على الجيش في ذلك الوقت , وكان حذيفة بن اليمان معهم فرضي الله عنهم .
فلأبن الجوزي تأويلاً لشرب الوليد بن عقبة النبيذ .
قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله .
وفي الحديث الرابع أن المسور وعبد الرحمن بن الأسود قالا لعبيد الله بن عدي بن الخيار ما يمنعك أن تكلم أمير المؤمنين عثمان في شأن أخيه الوليد بن عقبة فقد أكثر الناس فيه أما الوليد فهو أخو عثمان لأمه لأن أمه أروى بنت كريز بن ربيعة تزوجها عفان بن أبي العاص فولدت له عثمان وأمية ثم تزوجها عقبة بن أبي معيط فولدت له الوليد وعمارة وخالدا وأم كلثوم وأم حكيم وهندا وأسلمت أروى وهاجرت وبايعت وماتت في خلافة ابنها عثمان وأسلم الوليد يوم فتح مكة وأما ما تكلم الناس في شأنه فلأنه شرب أخبرنا المبارك بن علي قال أخبرنا شجاع بن فارس قال أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد الأشناني قال أخبرنا علي بن أحمد الحمامي قال أخبرنا علي بن أبي قيس قال أخبرنا عبد الله بن محمد القرشي قال حدثنا أبو خيثمة قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال بعث عثمان على الكوفة الوليد بن عقبة - وهو أخوه لأمه - وكان الوليد يشرب الشراب فصلى بالناس يوما صلاة الغداة وهو سكران فلما فرغ قال أزديكم فعظم ذلك عند الناس وأنكروه فخرج وفد إلى عثمان فأخبروه وشهدوا عليه بالسكر فعزله وجلده الحد قلت وينبغي أن يحمل حال الوليد على أنه شرب من النبيذ متأولا له وظنه أنه لا يسكر فسكر وقد أنعمنا الكلام في وجوب تنزيه الصحابة عن الإقدام على الحرام من غير تأويل في قصة قدامة في مسند عمر . فوجب تنزيه الصحابة عن الإقدام على الحرام بارك الله فيكم مصرين , وقد حد في بعض المرات التي شرب فيها , وقيل أنه شرب النبيذ متأولاً أنه ليس بالمسكر , فيحمل قولهُ في الجهاد على التأويل وليس الإصرار على الكبيرة .
قلتُ : ولعل المراد بما يحصل في الجهاد على المقاتلين من ضيق , فيضطر لكي يشرب ما حرم الله تبارك وتعالى , ولكن لا يجب أن يحمل كلام الوليد بن عقبة على الإصرار على الكبيرة وفقكم الله للخير , بل يحتمل أنهم كانوا في محنة فأراد أن يشرب فلم يجد الماء وهذا إحتمال كبير لأن الصحابة وفقكم الله تعالى عدول , ولا يمكن نسبهم على الإقدام والإصرار على الحرام , فيحتمل أن تكون ضاقت عليهم فلم يجدوا الماء , وقولهُ هنا لا يعني ان الوليد بن عقبة قد شرب الخمر في ذلك الوقت , لأنهُ عندما شرب كما في الأخبار التي أوردناها في صحيح البخاري ومسلم حد لشربهِ , فلا يوجد في الخبر الذي أورده الإمام الحافظ لذهبي عن الوليد بن عقبة أنهُ شرب الخمر والله تعالى أعلم .
صحيح البخاري/كتاب فضائل الصحابة / باب:62/ح3696 / ص673) .
عن عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الْوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ ... قَالَ فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ دعا عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين .
( صحيح مسلم/ كتاب الحدود/ باب: حد الخمر/ ح 1707/ ص 734) .
عن حضين بن المنذر أبو ساسان : قال : شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم ؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أن رآه يتقيأ فقال عثمان إنه لم يتقيأ حتى شربها فقال يا علي قم فاجلده... لا يخفى أن الوليد بن عقبة من صغار الصحابة وقد إبتلي بشربها , ولو ثبت في الرواية الأولى أنه شربها لأقيم عليه الحد , ولا يمكن حمل قولهُ على الإصرار على الكبيرة , بل الخبر لا يثبت أن الوليد بن عقبة عندما قالها شربها , فهذا لا دليل عليه , بل للرواية طرق أخرى لا يوجد فيها كلام الوليد بن عقبة كما في التاريخ .
قال ابن الجوزي - رحمه الله .
أما قدامة فإنه أسلم قديما وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرا وجميع المشاهد مع رسول الله ولم يذكر عنه أنه شرب الخمر إنما شرب شيئا فأسكره فيحتمل أن يكون شرب قليلا من النبيذ متأولا فخرج به إلى السكر أو شرب ما لا يظنه يسكر فسكر على أنه قد ذكر في هذا الحديث تأويل له عجيب فإنه قال لعمر لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني قال ولم قال لأن الله تعالى قال ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا ) المائدة 93 فقال عمر أخطأت التأويل إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله .
وفي الجملة لا ينبغي أن نظن بالصحابة أنهم تعمدوا الحرام أصلا وقد روى محمد بن سعد من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب قال شهد أبو بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث وزياد على المغيرة بن شعبة بالحدث الذي كان منه بالبصرة عند عمر فضربهم عمر الحد غير زياد فإنه لم يتم الشهادة عليه .
قال ابن عقيل .
للفقهاء فيما يفعلون تأويلات ومعلوم أن المتعة قد كانت عقدا في الشرع وكان نكاح السر عند قوم من أهل المدينة زنا فمن عثر على ذلك الفعل شهد بالزنا والمغيرة سليم ولا يجوز أن ينسب الصحابة إلى شيء من هذه الأشياء فمن فعل ذلك جهل مقدار المضرة في ذلك القول أو هو زنديق . فالصريح وفقكم الله تعالى للخير أن ما وقع من الوليد بن عقبة يحمل على حسن الظن , ومع ذلك فإن الله تبارك وتعالى يغفر الذنب , وكان متأولاً وإعلموا علمني الله وإياكم أن نسبة الإصرار هي محل نظر فالذي عليه أن الحادثتين صحيحتين لا شك في ذلك , ولكن عندما هم الصحابة لأقامة الحد , وقول حذيفة أتحدون أميركم ومع فسقه كما قال الحافظ الذهبي كان قائماً بأمر الجهاد قال لحافظ الذهبي : " له صحبة قليلة ، ورواية يسيرة " , لا شك في أن هذا ماخذ ولكن يحمل على حسن الظن بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم , فقد كان مجاهداً عابداً والإحتمالات قوية في هذا الشأن فيكون الخبر محل إشكال فلا يطعن فيه بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .
فمن يملك الفائدة أكثر فليتفضل علينا .