النهضويون الجدد
د. أحمد العمير | 10/5/1433 هـ
مع إنطلاق الثورات العربية، بدأت دول الخليج العربي تشعر بقلق من انتقال عدوى الثورات لمجتمعاتها وشعوبها، لا لتخوف من استعداد حقيقي لدى الشعوب الخليجية نحو الثورة ولكن لتخوف من تطورات متلاحقة غير مقصودة تخرج عن السيطرة. ومع تباين في درجات التخوف بين دولة خليجية وأخرى بحسب أوضاعها السابقة والراهنة، عمدت هذه الدول لخطوات تحاول بها امتصاص التحفز نحو التغيير الذي أفرزته هذه الثورات ونتائجها الضخمة.
وبعد مرور أكثر من عام على "ربيع الثورات" أخذت هذه الدول تتنفس الصعداء ظنا منها أنها تجاوزت الخطر، ولم يدر بخلدها أن الخطر آخذ في التزايد ويأتي من داخلها لا من خارجها.
إذا تذكرنا أن هدف الثورات البعيد هو التغيير، وأن صور التغيير هذه متعددة وليس شرطا أن تكون بسقوط الأنظمة كما هو السمة الغالبة للثورات العربية، وأن الثورات قد تأخذ منحى التغيير البنيوي الضخم في هوية وشرعية وتركيبة الدول دون الحاجة لثورات صاخبة، فمن الممكن جدا أن يفضي الحراك والصراع الفكري والثقافي داخل المجتمعات الخليجية في إطار مغالبتها للاستبداد والظلم والاستئثار بالسلطة والثروة وهدر الحقوق وإخفاقات التنمية، إلى حالة من التغيير ما فتئت الأسر الحاكمة في الخليج تحاول تعطيلها أو تأجيلها وتوجيهها للحفاظ على الامتيازات.
وفرص تحقق هذه الحالة من التغيير ليست بغائبة عن النخب الفاعلة في منطقة الخليج، بل الحكومات نفسها أصبحت أقرب لتهيئة نفسها لهذه الحالة الجديدة ولكن بالوتيرة البطيئة المعتادة لهذه الدول. ولكن يبدو أن بعض النخب الفكرية الخليجية ليست مستعدة بعد اليوم لانتظار هذا التردد الخليجي ولا قبول قيوده المعتاده.
وبهذا الاعتبار تبقى المغالبة السياسية حقا مشروعا لكل مكونات المجتمع، ولا غضاضة أن تتجه نحوه أي حركة أو مجموعة خليجية وهو شأنها الذي تتحمل تبعاته الكاملة بينها وبين حكومات المنطقة، ولكن أن تتوسع مجالات التغيير والثورة والانقلاب التي تريد أن تصنعها هذه الحركات لتشمل منظومة القيم والمفاهيم التي تنطلق منها شعوب المنطقة وتميز تاريخها وواقعها ومستقبلها، فعندها لا تصبح القضية مناكفة سياسية مجردة بين توجهات أو نخب وحكومات بل تصبح حركة انقلاب على ذات وجود وهوية وثقافة هذه المجتمعات.
وفي هذا الاستعراض سنحاول التعرف على أحدث نموذج لهذا النوع من التوجهات من خلال ملتقى النهضة الشبابي الثالث الذي دار حوله جدل طويل مؤخرا، ومنطلق الحديث هنا سيحاول قدر المستطاع أن يكون بلسان الأغلبية للشخصية الدينية والثقافية الخليجية، لا بلسان حركة أو توجه معين فنحن هنا بصدد الدفاع عن وجود هويتنا وثقافتنا لا عن وجود فصيل أو تيار. وسأعبر عنها فيما يأتي بالأغلبية الوسطية.
نبذة عن الملتقى
ملتقى النهضة الشبابي، ملتقى سنوي يستهدف فئة الشباب من الجنسين (18-30) وذلك لرفع مستوى وعيهم ونوعية مشاريعهم لصناعة النهضة، بحسب ما ينص على ذلك موقعه الرسمي على الشبكة.
ويلخص هدفه العام بالارتقاء المعرفي بالمهتمين بالنهضة، وذلك من خلال ثلاثة أمور:
بناء نموذج للنهضة، والتفكير بعقلية قانونية سننية.
تعريف المشاركين برواد العمل النهضوي، وإطلاعهم على تجارب ناجحة في هذا المجال.
تعريف المشاركين ببعضهم وبأعمالهم، وتكوين صلات تعاون بين الجميع.
وهو لا يتقدم - في هذه المرحلة على الأقل - بنموذج محدد للنهضة ولا بمشاريع محددة، وإنما يكتفي بإثارة التساؤل وإطلاق الجدليات والتشكيك بما يحفز على البحث عن المخارج باستثمار عقول الشباب، كما يعبر عن ذلك مديره العام وصانع فكرته الأساسية.
ويشترط على المشاركين التقدم بطلباتهم قبل انعقاد الملتقى السنوي بثلاثة أشهر ليتم انتقاء من تنطبق عليه المواصفات غير المعلنة في موقع الملتقى (يتقدم مئات وينتقى 120: 70 شباب + 50 فتيات)، كما يشترط المشاركة بكل الفعاليات المكثفة والإقامة طيلة أيام الملتقى في مقر انعقاده، وبغرف يشترط أن تكون مشتركة لاثنين أو ثلاثة بهدف استمرار تواصل الأفكار دون انقطاع.
ويشرف عليه فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ومديره العام د.مصطفى الحسن (تخصص التفسير وعلوم القرآن بجامعة الملك فهد، وصدر له كتابان لدراسة فكر محمد أركون ونصر أبو زيد).
وانعقد منه الملتقى الأول في البحرين (إبريل 2010) والثاني في قطر (إبريل 2011) بصفة مستقلة وبتراخيص رسمية دون الحاجة لمنظمة أو جمعية محلية ينعقد تحت مظلتها، ولم ينشأ عن الملتقيين جدل ونقاش وذلك لأسباب ثلاث:
- نوعية الضيوف المتحدثين التي انحصرت في الوسط الإسلامي من أصحاب طيف محدد (فيما عدا د عزمي بشارة الذي فرضت دعوته أجواء الثورات العربية).
- الطبيعة المغلقة للملتقى والانكفاء على الذات - في هذه المرحلة - التي تمنع الحوار المفتوح معه ولا التواصل الذي يستطيع به الآخرون التعبير عن موقفهم وقراءتهم لمحتوى الطرح المقدم فيه للشباب
- نهج الملتقى بنشر المواد الصوتية الكاملة لأوراق عمل المتحدثين وحوارات الشباب معهم على موقع الملتقى دون السماح بكتابة تعليق، مع التحكم التام بنوعية الضيوف المتحدثين والشباب والشابات المشاركين.
ومن هنا فلقد كان من المتوقع أن يثير الملتقى الثالث في الكويت جدلا ونقاشا وهذا ما وقع فعلا وانتهى بمنع عقده لأنه لم يتحصل على ترخيص باعتبار كونه جهة خليجية (ملكيته وإدارته سعودية) وليس لها مكتب قانوني في الكويت، ولكنه انعقد ببعض ضيوفه فقط وبدون مشاركة الشباب المستهدفين بمسمى مختلف تحت مظلة كويتية محلية وهي جمعية الخريجين المعروفة بتوجهاتها الليبرالية. ولتوضيح الظروف الواقعية المحيطة بالجدل والنقاش لا بد من الإشارة للتالي:
الاختيار للضيوف المتحدثين في الملتقى والمعلن عنهم، يمثل رسالة مقصودة أراد بها منظمو الملتقى تقديم نموذج عملي للشباب والشابات وللمجتمعات الخليجية عن القفزة النهضوية التي يقدمونها، وهم كانوا يتوقعون الاعتراض وإن لم يكن بهذا المستوى من "الحدة" كما عبروا، رغم استعدادهم للمواجهة.
اختيار موضوع الملتقى المعلن عنه يمثل قفزة نهضوية أخرى مقصودة بالنسبة للمنظمين، ولم يكترثوا بكل الظروف والأجواء الملتبسة خليجيا التي تحيط بموضوع المجتمع المدني تحديدا.
يأتي الملتقى الثالث بعد أن أحاط الملتقى مشروعه ورسالته بكثير من علامات الاستفهام في أوساط الأغلبية الوسطية، التي تكونت لديها من خلال متابعة برامج ومواد وتوجهات الملتقى المنشورة في موقعه.
وفي ظل أجواء الاعتراض الذي نشأ من الكويت أولا، شنّ رُّواد ومؤيدو الملتقى حملة دفاعية هدفت بالأساس لتشويه صورة المعترضين وتحالف معهم المستفيدون من مشروع ملتقى النهضة وأهدافه البعيدة فاشتركوا معهم في توجيه الرأي العام الخليجي ليخرج من ملابسات منع الملتقى بالتصور التالي:
المعترضون خصوم حقيقيون للنهضة وأنهم هم السبب الحقيقي لتخلف الأمة. بل وصفهم د. خالد الدخيل بمقالة له عن منع الملتقى بأنهم "متشددون … متطرفون … منغلقون"
المعترضون ضد حرية الرأي وعاجزون عن الحوار مع المخالف، وعاجزون عن مجابهة الفكر والمنطق المقنع لأنهم في واقع الحال يفتقرون لأيٍ منهما
المعترضون إقصائيون ويرفضون التعددية ويمارسون وصاية على غيرهم تحت شعار الدين "السلفي"
المعترضون يرفضون المجتمع المدني لأنهم ضد سيادة القانون، بل لأنهم حلفاء للمستبد ويستعدون المستبد ضد مخالفيهم، والمستبد يستغلهم بسذاجة وغباء منهم لتحقيق مصالحه السياسية
هذه باختصار مجمل القضايا التي روج لها أنصار الملتقى، وفيما يلي قراءة مختلفة للمشهد، وأترك للقاريء الكريم بعدها حرية تحديد الموقف الذي يقتنع به. وسأجمل الحديث عن (ملتقى النهضة الشبابي) في إطاره العام بالتركيز على جوانب إجرائية وجوانب موضوعية ولعلها تعبر عن وجهة النظر بصورة منصفة وبعيد عن تهمة "الإستعداء".
يتبع