قال الصوفي: أنت الوهابية مذهب خامس لا تعترفون بالمذاهب الأربعة ولا ترون الاجتهاد بل إن الوهابية تقف عند النصوص ولا تتقيد بمذهب معين.
قلت:
أعرفك أيها الصوفي أولاً بمعنى الوهابية، والوهابية نسبة غير صحيحة إذ لم يكن الشيخ عبد الوهاب والد مجدد الدعوة هو الذي قام بدعوة التوحيد وإنما قام بها الشيخ الابن محمد بن عبد الوهاب رحمها الله.
إذ كان المفروض أن تنسب إليه فيقال: الدعوة المحمدية بدلا من الوهابية لأنها النسبة الصحيحة، لكن أعداء الدعوة عكسوا الأمر للتنفير فنسبوها إلى الأب دون الابن لغاية في أنفسهم.
وقد تنسب الدعوة إلى الوالد أو الجد كما يقال الشافعية أو الحنبلية وهذا لا عيب فيه ونسبة دعوة التوحيد إلى الشيخ عبد الوهاب كذلك.
لكن ما معنى الوهابية؟ الوهاب: اسم من أسماء الله الحسنى معناه: المعطي المانح الواهب فهي تسمية مباركة نسبت بأحد أسماء الله الحسنى ((الوهاب)) فالوهابية على هذا معناها المعطية تعطي الإنسان عقيدة سليمة وتمنحه السير على الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح، وتهبه الأمان أمان العقيدة الصافية الخالية من الشرك والشعوذة والدجل.
أما كون الوهابية مذهب خامس فهو مما ينكره الواقع ويدفعه المنطق لأن الشيخ في الأصول والعقائد على عقيدة السلف الصالح- رضي الله عنهم أجمعين- وفي الفروع على مذهب الإمام المبجل أحمد بن محمد بن حنبل- رحمه الله تعالى- ولم يكن يخرج عن مذهبه في الفروع كخروج شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رغم اجتهاد الاثنين في بعض المسائل خالفا فيها المذهب وذلك عندما يتبين له دليل يخالف المذهب فيأخذ به اتباعا للحق وأخذا بالدليل. وهذه كتبه ورسائله تشهد على ذلك. وإنه يعترف بجميع المذاهب السنية كالحنيفية والمالكية والشافعية والثورية وغيرها من مذاهب معترف بها.
فالذي يقول مذهب خامس بين جهله وأنه لا يعرف العلم ولا العلماء فإن الذي قام به الإمام لا يقال له مذهب خامس وإنما دعوة للتوحيد الخالص ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء).
وأما ما جرى على ألسن العلماء من قولهم مذهب فلان أو ذهب إليه فلان فإنما يقع في الأحكام لاختلافهم فيها بحسب بلوغ الأدلة وفهمها وهذا لا يختص بالأئمة الأربعة بل مذاهب العلماء قبلهم وبعدهم في الأحكام كثيرة. فقد جرى الخلاف بين الصحابة والفقهاء السبعة من التابعين في مسائل خالف بعضهم فيها بعضا، والمقصود من قول هذا الجاهل مذهب خامس قول فاسد لا معنى له كحال أمثاله من أهل الجدل والزيغ في
زماننا.
ثم إن اتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب يرون الاجتهاد وأن الاجتهاد لم يرفع إلى قيام الساعة إذا توافرت شروطه.
وكون الوهابية لا يتقيدون بمذهب معين فهذا هو رأي فقهاء الإسلام وقال به أصحاب المذاهب الأربعة وأئمته:
قال الإمام أبو حنيفة- رحمه الله تعالى- :
(( إذا صح الحديث فهو مذهبي)) وقال- رحمه الله تعالى-: (( لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه)) - وفي رواية عنه- (( حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي، فإنا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا))، وقال أيضا-رحمه الله تعالى-: (( إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي)).
وقال الإمام مالك بن أنس-رحمه الله تعالى -:
((إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة
فاتركوه)).وقال:
((ليس أحد بعد النبي الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ))
وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي-رحمه الله تعالى-:
((ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتغرب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي)). وقال ((إذا صح الحديث فهو مذهبي))، وقال: ((إذا رأيتموني أقول قولا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافة فاعلموا أن عقلي قد ذهب))، وقال- رحمه الله تعالى-: ((كل ما قلت فكان خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم فحديث النبي أولى فلا تقلدوني)).
وقال الإمام المبجل أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-:
((لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا ألا وزعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا)). وقال: ((من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكه)).
فهذه هي أقوال الأئمة الأربعة كلها تنهى عن التقليد بدون دليل فالواجب على من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتبعه ويبين للأمة.
فقد خالف كثير من أئمة المذهب أقوال شيوخهم للدليل فقد خالف أبو يوسف ومحمد بن الحسن تلميذا أبي حنيفة شيخهما في مسألة المسح على الجوربين وغيرهما.
فالوهابية ليست مذهبا خامسا وليست هي التي خرجت عن أقوال أئمة المذاهب فقط وذلك عند وجود الدليل. بل هم أكثر اجتهادا ووقوفا عند النصوص الواردة في الكتاب والسنة لقوله تعالى: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) والله من وراء القصد.